فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه

( بابُُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بنِ أبِي طالِبٍ الهاشِمِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَنَاقِب جَعْفَر بن أبي طَالب، أَخ عَليّ بن أبي طَالب شقيقه، وَكَانَ أسن مِنْهُ بِعشر سِنِين، وَاسْتشْهدَ بمؤتة على مَا يَجِيء بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وكنيته: أَبُو عبد الله الطيار ذُو الجناحين وَذُو الهجرتين الشجاع الْجواد، كَانَ مُتَقَدم الْإِسْلَام، هَاجر إِلَى الْحَبَشَة وَكَانَ هُوَ سَبَب إِسْلَام النَّجَاشِيّ، ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ أمره رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على جَيش غَزْوَة مُؤْتَة، على مَا يَجِيء بَيَانه، وَلما قطعت يَدَاهُ فِي غَزْوَة مُؤْتَة جعل الله لَهُ جناحين يطير بهما فِي الْجنَّة مَعَ الْمَلَائِكَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَفْظَة: بابُُ، هُنَا وَفِيمَا بعده من الْأَبْوَاب كلهَا سَقَطت فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَثبتت فِي رِوَايَة البَاقِينَ.

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ البُخَارِيّ مَوْصُولا مطولا فِي: بابُُ عمْرَة الْقَضَاء، من حَدِيث الْبَراء، وَمر الْكَلَام فِي أول مَنَاقِب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قَوْله: ( أَنْت مني وَأَنا مِنْك) .



[ قــ :3538 ... غــ :3708 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ أبِي بَكْرٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ دِينارٍ أبُو عَبْدِ الله الجُهَنِيُّ عنْ ابنِ أبِي ذِئْبٍ عنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ النَّاسَ كانُوا يَقُولُونَ أكْثَرَ أبُو هُرَيْرَةَ وإنِّي كُنْتُ ألْزَمُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشِبَعٍ بَطْنِي حَتَّى لاَ آكُلُ الخَمِيرَ ولاَ ألْبَسُ الحَبِيرَ وَلاَ يَخْدُمُنِي فُلانٌ ولاَ فُلاَنَةُ وكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بالحَصْبَاءِ مِنَ الجُوعِ وإنْ كُنْتُ لأَسْتَقْرِىءُ الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فيُطْعِمَنِي وكانَ أخْيَرَ النَّاسِ لَلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ بنُ أَبِي طالِبٍ كانُ يَقْلِبُ بِنَا فيُطْعِمُنا مَا كانَ فِي بَيْتِهِ حتَّى إنْ كانَ لَيُخْرِجُ إلَيْنَا العُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ فَنَشُقُّهَا فنَلْعَقُ مَا فِيهَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَكَانَ أخيرُ النَّاس) إِلَى آخِره، لِأَن هَذَا منقبة حَسَنَة.

وَأحمد بن أبي بكر واسْمه قَاسم بن الْحَارِث بن زُرَارَة بن مُصعب بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَبُو مُصعب الْقرشِي الزُّهْرِيّ، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار، يروي عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري، وَهَؤُلَاء كلهم مدنيون.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي شيبَة عَن ابْن أبي فديك.

قَوْله: ( أَكثر أَبُو هُرَيْرَة) أَي: فِي رِوَايَة الحَدِيث.
قَوْله: ( بشبع) أَي: بِسَبَب شبع بَطْني وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لشبع بَطْني، أَي: لأجل شبع بَطْني، بِكَسْر الشين وَفتح الْبَاء.
قَوْله: ( حَتَّى لَا أكل) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: حِين لَا أكل، وَهُوَ الْأَوْجه.
قَوْله: الخمير، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم، وَهُوَ الْخبز الَّذِي خمر وَجعل فِي عجينه الخميرة، ويروى: الخبيز، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره زَاي، وَهُوَ الْخبز المأدوم، والخبزة بِضَم الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالزاي: الْأدم.
قَوْله: وَلَا ألبس الحبير، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء فِي آخِره: الْجَدِيد وَالْحسن، وَقيل: الثَّوْب المحبر كالبرود اليمانية،.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ: الحبير ثِيَاب تصبغ بِالْيمن، ويروى: وَلَا ألبس الْحَرِير.
قَوْله: ( فلَان وفلانة) أَرَادَ بِهِ من يخْدم من الذُّكُور وَالْإِنَاث قَوْله: ( وَكنت ألصق بَطْني) وَفَائِدَة: إلصاق الْبَطن: بالحصباء إنكسار حرارة شدَّة الْجُوع.
وَقَوله: ( وَإِن كنت لاستقرىء الرجل) قَالَ بَعضهم: أَي اطلب مِنْهُ القِرى، فيظن أَنِّي أطلب مِنْهُ الْقِرَاءَة، قَالَ: وَوَقع بَيَان ذَلِك فِي رِوَايَة لأبي نعيم فِي ( الْحِلْية) : عَن أبي هُرَيْرَة أَنه وجد عمر فَقَالَ: أقريني، فَظن أَنه من الْقِرَاءَة، فَأخذ يقرئه الْقُرْآن وَلم يطعمهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا أردْت مِنْهُ الطَّعَام.
انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه غير صَحِيح، وَيظْهر فَسَاده من قَوْله: كنت لأستقرىء الرجل الْآيَة هِيَ معي، أَي: وَالْحَال أَن تِلْكَ الْآيَة معي، وَهِي جملَة إسمية وَقعت حَالا بِغَيْر وَاو.
قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: الْآيَة معي.
أَي: كنت أحفظها، وَالْحَاصِل أَن أَبَا هُرَيْرَة يَقُول لوَاحِد من النَّاس: إِنِّي أطلب قِرَاءَة آيَة من الْقُرْآن، وَالْحَال أَنه يحفظها، وَلَكِن يتخيل فِي قَصده من هَذَا أَن يُؤَدِّيه إِلَى بَيته فيطعمه شَيْئا، وَهُوَ معنى قَوْله: ( كي يَنْقَلِب بِي) أَي: يرجع بِي إِلَى منزله فيطعمني شَيْئا وَالدَّلِيل على هَذَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: إِن كنت لأسأل الرجل عَن الْآيَة، وَأَنا أعلم بهَا مِنْهُ، مَا أسأله إلاَّ ليطعمني شَيْئا.
واستدلال هَذَا الْقَائِل على الْمَعْنى الَّذِي فسره بِمَا رَوَاهُ أَبُو نعيم لَا يفِيدهُ أصلا، لِأَنَّهُ قَضِيَّة أُخْرَى مَخْصُوصَة بِمَا وَقع بَينه وَبَين عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالَّذِي هُنَا أَعم من ذَلِك.
قَوْله: ( وَكَانَ أخير النَّاس) على وزن أفعل التَّفْضِيل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَكَانَ خير النَّاس، لُغَتَانِ فصيحتان مستعملتان.
قَوْله: ( للْمَسَاكِين) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: للمسكين، بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ جنس يتَنَاوَل الْمَسَاكِين، وَكَانَ جَعْفَر يُسمى بِأبي الْمَسَاكِين.
وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يكنيه بِهَذَا.
قَوْله: ( مَا كَانَ فِي بَيته) فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول ثَان: ليطعمنا.
قَوْله: ( حَتَّى إِن كَانَ) ، كلمة: إِن، هَذِه مُخَفّفَة من المثقلة.
قَوْله: ( ليخرج) ، بِضَم الْيَاء، من الْإِخْرَاج، و: العكة، بِالنّصب مَفْعُوله، وَهِي بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف: وعَاء السّمن.
قَوْله: ( فنلعق) ، بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر، من لعق يلعق من بابُُ علم يعلم، لعقاً بِفَتْح اللاَّم وَهُوَ: اللحس.
فَإِن قلت: بَين قَوْله: ( لَيْسَ فِيهَا شَيْء) وَبَين قَوْله: ( فنلعق) مُنَافَاة ظَاهرا.
قلت: لَا مُنَافَاة، لِأَن معنى قَوْله: ( لَيْسَ فِيهَا شَيْء) يَعْنِي: يُمكن إِخْرَاجه مِنْهَا بِغَيْر قطعهَا، وَمعنى قَوْله: ( فنلعق) يَعْنِي: بعد الشق نلعق مِمَّا يبْقى فِي جوانبها.
فَافْهَم.





[ قــ :3539 ... غــ :3709 ]
- حدَّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخْبَرَنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبِي خالِدٍ عنِ الشَّعْبِيِّ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما كانَ إذَا سلَّمَ علَى ابنِ جَعْفَرٍ قَالَ السَّلاَمُ علَيْكَ يَا ابنَ ذِي الجَناحَيْنِ.
( الحَدِيث 9073 طرفه فِي: 464) .


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن إِطْلَاق ذِي الجناحين على جَعْفَر منقبة عَظِيمَة، وَقد روى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَنِيئًا لَك أَبوك يطير مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء، وَعَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: رَأَيْت جَعْفَر بن أبي طَالب يطير مَعَ الْمَلَائِكَة، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مر بِي جَعْفَر اللَّيْلَة فِي مَلأ من الْمَلَائِكَة وَهُوَ مخضب الجناحين بِالدَّمِ، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم بِإِسْنَاد على شَرط مُسلم.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مَرْفُوعا: دخلت البارحة الْجنَّة فَرَأَيْت فِيهَا جعفراً يطير مَعَ الْمَلَائِكَة، وَفِي طَرِيق آخر عَنهُ: أَن جعفراً يطير مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل لَهُ جَنَاحَانِ، عوضه الله من يَدَيْهِ.

وَحَدِيث ابْن عمر هَذَا أخرجه البُخَارِيّ عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون الوَاسِطِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، وَاسم أبي خَالِد سعد، وَيُقَال: كثير الْكُوفِي عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عبد الله بن عمر، وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان عَن يزِيد بن هَارُون.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله الجنَاحَانِ كلُّ نَاصِيَتَيْنِ
أَبُو عبد الله: هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَهَذَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَحده، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الجناحين يطلقان لكل ناحيتين يَعْنِي: لكل جنبين، وَمِنْه يُقَال: جنح الطَّرِيق جَانِبه، وجنح الْقَوْم ناحيتهم،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: وَجَنَاح الطير يَده.
<