فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة رضي الله عنها

( بابُُ ذِكْرِ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ ذكر هِنْد يجوز فِيهِ الصّرْف وَمنعه بنت عتبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن ربيعَة ابْن عبد شمس وَهِي وَالِدَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قتل أَبوهَا ببدر كَمَا سَيَأْتِي وَشهِدت هِيَ مَعَ زَوجهَا أبي سُفْيَان أحدا وحرضت على قتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه قتل عَمها شيبَة، فَقتله وَحشِي بن حَرْب، ثمَّ أسلمت هِنْد يَوْم الْفَتْح وَكَانَت من عقلاء النِّسَاء وَكَانَت قبل أبي سُفْيَان عِنْد الْفَاكِه بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي، ثمَّ طَلقهَا فِي قصَّة جرت، ثمَّ تزَوجهَا أَبُو سُفْيَان فأنجبت عِنْده، وَمَاتَتْ فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.



[ قــ :3649 ... غــ :3825 ]
- وقالَ عَبْدَانُ أخبرَنَا عبْدُ الله أخبرَنا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثني عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالتْ جاءَتْ هِنْدُ بنْتُ عُتْبَةَ قالَتْ يَا رَسُول الله مَا كانَ على ظَهْرِ الأرْضِ مِنْ أهْلِ خِبَاءٍ أحَبُّ إلَيَّ أنْ يَذِلُّوا منْ أهْلِ خِبَائِكَ ثُمَّ مَا أصْبَحَ اليَوْمَ علَى ظَهْرِ الأرْضِ أهْلُ خِبَاءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يعِزُّو مَنْ أهْلِ خِبائِكَ قالَتْ وَأَيْضًا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ قالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ أبَا سُفْيانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهلْ علَيَّ حَرَجٌ أنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا قالَ لَا أُرَاهُ إلاَّ بالمَعْرُوفِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ ذكر هِنْد، وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَقد مر غير مرّة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النَّفَقَات عَن مُحَمَّد بن مقَاتل وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن يحيى بن بكير، وَأخرجه هُنَا مُعَلّقا وَكَلَام أبي نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) يَقْتَضِي أَن البُخَارِيّ أخرجه مَوْصُولا وَوَصله الْبَيْهَقِيّ عَن عَبْدَانِ.

قَوْله: ( خباء) ، هِيَ الْخَيْمَة الَّتِي من الْوَبر أَو الصُّوف على عمودين أَو ثَلَاثَة.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن تُرِيدُ بِهِ نَفسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكنت عَنهُ بذلك إجلالاً لَهُ، وَأهل بَيته، والخباء يعبر بِهِ عَن مسكن الرجل وداره.
قَوْله: ( قَالَت: وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) ، هَذَا جَوَاب لهِنْد بِتَصْدِيق مَا ذكرته يَعْنِي: وَأَنا أَيْضا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْك مثل ذَلِك، وَقيل: مَعْنَاهُ وَأَيْضًا ستزيدين فِي ذَلِك ويتمكن الْإِيمَان فِي قَلْبك فيزيد حبك لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويقوى رجوعك عَن غَضَبه، وَهَذَا الْمَعْنى أولى وأوجه من الأول، بَيَان ذَلِك من جِهَة طرف الْحبّ والبغض، فقد كَانَ فِي الْمُشْركين من هُوَ أَشد أَذَى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هِنْد وَأَهْلهَا، وَكَانَ فِي الْمُسلمين بعد أَن أسلمت من هُوَ أحب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا وَمن أَهلهَا، فَلَا يُمكن حمل الْخَبَر على ظَاهره فيفسر بِمَا ذَكرْنَاهُ أَولا.
قَوْله: ( قَالَت: يَا رَسُول الله!) أَي: قَالَت هِنْد: يَا رَسُول الله ( إِن أَبَا سُفْيَان) تَعْنِي زَوجهَا وَالِد مُعَاوِيَة.
( رجل مسيك) بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة، وَهِي صِيغَة مُبَالغَة أَي: بخيل جدا شحيح.
قَوْله: ( هَل عَليّ؟) ، بتَشْديد الْيَاء اسْتِفْهَام على سَبِيل الاستعلام، أَي: هَل عَليّ حرج أَو إِثْم ( أَن أطْعم) أَي: بِأَن أطْعم من الْإِطْعَام؟ قَوْله: ( من الَّذِي لَهُ) أَي: من المَال الَّذِي لأبي سُفْيَان قَوْله: ( عيالنا) بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول: أطْعم، بِضَم الْهمزَة.
قَوْله: ( قَالَ: لَا) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أرى ذَلِك، أَي: الْإِطْعَام.
( إلاَّ بِالْمَعْرُوفِ) أَي: بِقدر الْحَاجة والضرورة دون الزِّيَادَة عَلَيْهَا.

وَفِيه: وجوب النَّفَقَة للأولاد الصغار الْفُقَرَاء، وَمِنْهُم من احْتج بِهِ على جَوَاز الحكم للْغَائِب، ورد ذَلِك بِأَن هَذَا كَانَ إِفْتَاء لَا حكما.