فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بنيان الكعبة

( بابُُ بُنْيَانِ الكَعْبَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان بُنيان الْكَعْبَة على يَد قُرَيْش فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قبل بعثته.
وَذكر ابْن إِسْحَاق وَغَيره: إِن قُريْشًا لما بنت الْكَعْبَة كَانَ عمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خمْسا وَعشْرين سنة، وروى إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه من طَرِيق خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قصَّة بِنَاء إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، الْبَيْت، قَالَ: فَمر عَلَيْهِ الدَّهْر فانهدم، فبنته العمالقة فَمر عَلَيْهِ الدَّهْر فانهدم، فبنته جرهم فَمر عَلَيْهِ الدَّهْر فانهدم، فبنته قُرَيْش وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْمئِذٍ شَاب، فَلَمَّا أَرَادوا أَن يضعوا الْحجر الْأسود اخْتَصَمُوا فِيهِ، فَقَالُوا: يحكم بَيْننَا أول من يخرج من هَذِه السِّكَّة، فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أول من خرج مِنْهَا، فَحكم بَينهم أَن يَجْعَلُوهُ فِي ثوب ثمَّ يرفعهُ من كل قَبيلَة رجل، وَذكر أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي الحَدِيث: أَنهم قَالُوا: نحكم أول من يدْخل من بابُُ بني شيبَة، فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أول من دخل مِنْهُ، فأخبروه فَأمر بِثَوْب فَوضع الْحجر فِي وَسطه، وَأمر كل فخان يَأْخُذ بطَائفَة من الثَّوْب فَرَفَعُوهُ، ثمَّ أَخذه فَوَضعه بِيَدِهِ.
وَذكر الفاكهي: أَن الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِم أَن يحكموا أول دَاخل أَبُو أُميَّة بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي أَخُو الْوَلِيد.

وَاخْتلفُوا فِي أول من بنى الْكَعْبَة، فَقيل: أول من بناها الْمَلَائِكَة ليطوفوا خوفًا من الله حِين قَالُوا: { أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} ( الْبَقَرَة: 03) .
الْآيَة، وَقيل: أول من بناها آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ذكره ابْن إِسْحَاق، وَقيل: أول من بناها شِيث، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَكَانَ فِي عهد آدم الْبَيْت الْمَعْمُور فَرفع، وَقيل: رفع وَقت الطوفان، وَقيل: كَانَت تِسْعَة أَذْرع من عهد إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلم يكن لَهَا سقف، وَلما بناها قُرَيْش قبل الْإِسْلَام زادوا فِيهَا تِسْعَة أَذْرع فَكَانَت ثَمَان عشرَة ذِرَاعا، وَرفعُوا بابُُهَا من الأَرْض لَا يصعد إِلَيْهَا إِلَّا بدرج أَو سلم، وَذَلِكَ حِين سرق دويك مولى بني مليح مَال الْكَعْبَة، وَأول من عمل لَهَا غلقان تبع، ثمَّ لما بناها ابْن الزبير زَاد فِيهَا تِسْعَة أَذْرع أُخْرَى فَكَانَت سبعا وَعشْرين ذِرَاعا، وعَلى ذَلِك هِيَ إِلَى الْآن.



[ قــ :3652 ... غــ :3829 ]
- حدَّثني مَحْمُودٌ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبَرَني ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبرَنِي عَمْرُو بنُ دِينارٍ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعبَّاسٌ يَنْقُلانِ الحِجَارَةَ فَقَالَ عَبَّاسٌ للنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إجْعَلْ إزَارَكَ علَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنَ الحِجَارَةِ فَخَرَّ إِلَى الأرْضِ وطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ أفَاقَ فَقَالَ إزَارِي إزَارِي فَشَدَّ عَلَيْهِ إزَارَهُ.
( انْظُر الحَدِيث 463 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( لما بنيت الْكَعْبَة) وَمن قَوْله: ( ينقلان الْحِجَارَة) لِأَن نقلهَا كَانَ للْبِنَاء.
ومحمود هُوَ ابْن غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ.

والْحَدِيث من مَرَاسِيل الصَّحَابَة مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بابُُ فضل مَكَّة وبنيانها، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج ... إِلَخ نَحوه.

قَوْله: ( لما بنيت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: لما بناها قُرَيْش فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( يقيك) ، أَي: يحفظك من الْوِقَايَة.
قَوْله: ( فَخر) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَفعل مَا قَالَه عَبَّاس فَخر، أَي: فَسقط إِلَى الأَرْض، وَفِي حَدِيث أبي الطُّفَيْل الَّذِي تقدم فِي الْحَج: فَبَيْنَمَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينْقل الْحِجَارَة مَعَهم إِذْ انكشفت عَوْرَته، فَنُوديَ: يَا مُحَمَّد غطِّ عورتك، فَذَلِك أول مَا نُودي فَمَا رؤيت لَهُ عَورَة بعد وَلَا قبل.
قَوْله: ( طمحت عَيناهُ) أَي: ارْتَفَعت.
قَوْله: ( إزَارِي إزَارِي) ، هَكَذَا هُوَ مُكَرر أَي: ناولوني إزَارِي.





[ قــ :3653 ... غــ :3830 ]
- حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ وعُبَيْدِ الله بنِ أبِي يَزِيدَ قالاَ لَمْ يَكُنْ علَى عَهْدِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَوْلَ البَيْتِ حائِطٌ كانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ البَيْتِ حَتَّى كانَ عُمَرُ فبَنَى حَوْلَهُ حائِطَاً قَالَ عُبَيْدُ الله جدْرُهُ قَصِيرٌ فبَنَاهُ ابنُ الزُّبَيْرِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: ( فَبنى حوله حَائِطا) الخ.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَعبيد الله بن أبي يزِيد من الزِّيَادَة مولى أهل الْكُوفَة الْمَكِّيّ، وَهُوَ عَمْرو بن دِينَار تابعيان لم يدركا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَهُوَ من بابُُ الْإِرْسَال وَقيل: مُنْقَطع.
قَوْله: ( على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: على زَمَنه.
قَوْله: ( حَتَّى كَانَ عمر) أَي: زمَان خِلَافَته، وَهُوَ أَيْضا مُنْقَطع لِأَنَّهُمَا لم يدركا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا.
قَوْله: ( جدره) ، بِفَتْح الْجِيم أَي: جِدَاره وَهُوَ مُبْتَدأ.
وَقَوله: ( قصير) خَبره وَالْجُمْلَة صفة لقَوْله: ( حَائِطا) وَأغْرب الْكرْمَانِي بقوله: جدره، بِفَتْح الْجِيم بِلَفْظ الْمُفْرد مَنْصُوبًا، وقصيراً حَال أَي: بنى عمر جدره قَصِيرا، وَالَّذِي قُلْنَا أوجه.
قَوْله: ( فبناه ابْن الزبير) ، أَي: بنى الْبَيْت عبد الله بن الزبير مرتفعاً طَويلا، وَهَذَا الْمِقْدَار من الحَدِيث مَوْصُول، وَقد مضى عَن قريب طول الْبَيْت وَكَيف كَانَ أَولا.