فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب

( بابُ الْقَسَامَةُ فِي الجَاهِلِيَّةِ)

أَي: هَذَا بَيَان الْقسَامَة الَّتِي كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة وأقرت فِي الْإِسْلَام، والقسامة أَقسَام المتهمين بِالْقَتْلِ على نفي الْقَتْل عَنْهُم، وَقيل: هِيَ قسْمَة الْيَمين عَلَيْهِم، وَعند الشَّافِعِي: قسْمَة أَوْلِيَاء الدَّم الْأَيْمَان على أنفسهم بِحَسب استحقاقهم الدَّم، أَو أقسامهم وَلَا يلْزم عَلَيْهِم، تَحْلِيف أهل الْجَاهِلِيَّة الْمُدعى عَلَيْهِم إِذْ لَا حجَّة فِي فعلهم، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ الْقسَامَة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَهَذِه التَّرْجَمَة ثبتَتْ عِنْد أَكثر الروَاة عَن الْفربرِي، وَلم تقع عِنْد النَّسَفِيّ.



[ قــ :3667 ... غــ :3845 ]
- حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عبْدُ الوَارِثِ حدَّثنا قَطَنٌ أبُو الهَيْثَمِ حدَّثَنَا أبُو يَزِيدَ المَدَنِيُّ عنْ عِكْرَمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا قَالَ إنَّ أوَّلَ قَسامَةٍ كانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ لَفِينا بَنِي هاشِمٍ كانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هاشِمٍ اسْتَأجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخْذٍ أخْرَى فانْطَلَقَ معَهُ فِي إبِلِهِ فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ مِنْ بَنِي هاشِمٍ قَدِ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ فَقالَ أغِثْنِي بِعِقَالٍ أشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقي لاَ تَنْفِرُ الإبِلُ فأعْطَاهُ عقَالًا فشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ فلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتِ الأبِلُ إلاَّ بَعِيرَاً وَاحِداً فَقالَ الَّذِي اسْتَأجَرَهُ مَا شأنُ هَذَا البَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الإبِلِ قَالَ لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ قَالَ لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ قَالَ فأيْنَ عِقَالُهُ قَالَ فَحَذَفَهُ بِعَصَاً كانَ فِيهَا أجَلُهُ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الْيَمَنِ فَقالَ أتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ قَالَ مَا أشْهَدُ ورُبَّمَا شَهِدْتُهُ قَالَ هَلْ أنْتُ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنَ الدَّهْرِ قَالَ نَعمْ قَالَ فَكُنْتُ إذَا أنْتَ شَهِدْتَ الْمَوْسِمَ فَنادِ يَا آلَ قُرَيْشٍ فإذَا أجَابُوكَ فَنادِ يَا آلَ بَنِي هاشِمٍ فإنْ أجابُوكَ فَسَلْ عنْ أبي طالِبٍ فأخْبِرْهُ أنَّ فُلاناً قتَلَنِي فِي عِقَالٍ وماتَ المُسْتَأجَرُ فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأجَرَهُ أتاهُ أبُو طَالِبٍ فَقالَ مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا قَالَ مرِضَ فأحْسَنْتُ الْقِيَامَ علَيْهِ فوَلِيتُ دَفْنَهُ قَالَ قَدْ كانَ أهْلَ ذَاكَ مِنْكَ فَمَكُثَ حِينَاً ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ الَّذِي أوْصَى إلَيْهِ أنْ يُبْلِغَ عنْهُ وَافى المَوْسِمَ فَقَالَ يَا آلَ قُرَيْشٍ قالُوا هاذِهِ قُرَيْشٌ قَالَ يَا آلَ بَنِي هاشِمٍ قالُوا هاذِهِ بَنُو هاشِمٍ قَالَ أيْنَ أبُو طَالِبٍ قالُوا هاذَا أبُو طَالِبٍ قَالَ أمَرَنِي فُلانٌ أنْ أُبْلِغَكَ رِسالَةً أنَّ فُلاَناً فِي عِقَالٍ فأتاهُ أبُو طَالِبٍ فَقالَ لَهُ اخْتَرْ مِنَّا إحْدَى ثَلاثٍ إنْ شِئْتَ أنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنَ الإبِلِ فإنَّكَ قتَلْتَ صاحِبَنَا وإنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ إنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ فإنْ أبَيْتَ قَتَلْنَاكَ بِهِ فأتَى قَوْمَهُ فقالُوا نَحْلِفُ فأتَتْهُ امْرَأةٌ مِنْ بَنِي هاشِمٍ كانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قدْ ولَدَتْ لَهُ فقالَتْ يَا أبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنَ الخَمْسِينَ ولاَ تَصْبُرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الأيْمَانُ فَفَعَلَ فأتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقال يَا أبَا طالِبٍ أرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلاً أنْ يَحلِفُوا مَكانَ مِائَةٍ مِنَ الإبِلِ يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ هَذَانِ بَعِيرَانِ فاقْبَلْهُمَا عَنِّي ولاَ تَصْبُرْ يَمِيني حَيْثُ تُصْبَرُ الأيْمَانُ فَقَبِلَهُمَا وجاءَ ثَمانِيَةٌ وأرْبَعُونَ فحَلَفُوا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حالَ الحَوْلُ وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ وأرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو معمر عبد الله بن عَمْرو المقعد وَقد تكَرر ذكره، وَعبد الْوَارِث هُوَ بن سعيد أَبُو عُبَيْدَة، وقطن، بِالْقَافِ والطاء الْمُهْملَة ثمَّ النُّون: هُوَ ابْن كَعْب أَبُو الْهَيْثَم الْقطعِي بِضَم الْقَاف الْبَصْرِيّ وَأَبُو يزِيد من الزِّيَادَة الْمدنِي الْبَصْرِيّ وَيُقَال لَهُ: الْمَدِينِيّ بِزِيَادَة الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَلَعَلَّ أَصله كَانَ من الْمَدِينَة، وَلَكِن لم يرو عَنهُ أحد من أهل الْمَدِينَة، وَسُئِلَ عَنهُ مَالك فَلم يعرفهُ، وَلَا عرف إسمه وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا للراوي عَنهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث.

وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقسَامَة عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن معمر نَحوه.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِن أول قسَامَة) أَي: فِي حكم أبي طَالب، وَاخْتلفُوا فِي أول من سنّ الدِّيَة مائَة من الْإِبِل، فَقَالَ ابْن إِسْحَاق: عبد الْمطلب، وَقيل: القلمس، وَقيل: النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة قتل أَخَاهُ لأمه فوداه مائَة من الْإِبِل من مَاله،.

     وَقَالَ  ابْن الْكَلْبِيّ: وثب ابْن كنَانَة على عَليّ بن مَسْعُود فَقتله، فوداه خُزَيْمَة بِمِائَة من الْإِبِل، فَهِيَ أول دِيَة كَانَت فِي الْعَرَب، وَقيل: قتل مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن أَخَاهُ زيدا فوداه عَامر بن الضَّرْب مائَة من الْإِبِل، فَهِيَ أول دِيَة كَانَت فِي الْعَرَب.
قَوْله: ( لفينا) فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ خبر لقَوْله: ( أول قسَامَة) وَاللَّام فِيهِ لتأكيد معنى الحكم بهَا.
قَوْله: ( بني هَاشم) ، مجرور لِأَنَّهُ بدل من الضَّمِير الْمَجْرُور،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إِنَّه مَنْصُوب على الإختصاص،.

     وَقَالَ  بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون نصبا على التَّمْيِيز، أَو على النداء بِحَذْف حرف النداء.
قلت: لَا وَجه لِأَن يكون مَنْصُوبًا على التَّمْيِيز لِأَن التَّمْيِيز مَا يرفع الْإِبْهَام المستقر عَن ذَات مَذْكُورَة أَو مقدرَة وَالْمرَاد بالإبهام المستقر مَا كَانَ بِالْوَضْعِ أَي: مَا وَضعه الْوَاضِع مُبْهما، وَلَيْسَ فِي قَوْله: لفينا، إِبْهَام بِوَضْع الْوَاضِع وَلَا وَجه أَيْضا لِأَن يكون مَنْصُوبًا على النداء، لِأَن الْمُنَادِي غير المنادى، وَهنا قَوْله: ( بني هَاشم) هُوَ معنى قَوْله: ( لفينا) ، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: ( كَانَ رجل من بني هَاشم) ، هُوَ عَمْرو بن عَلْقَمَة بن الْمطلب بن عبد منَاف نَص عَلَيْهِ الزبير بن بكار فِي هَذِه الْقِصَّة، وَسَماهُ ابْن الْكَلْبِيّ عَامِرًا.
قَوْله: ( اسْتَأْجرهُ رجل) ، قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا حذف الْمَفْعُول مِنْهُ، وَجَاء على الْوَجْهَيْنِ هَكَذَا: اسْتَأْجر رجل فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، وَأبي ذَر، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَغَيرهَا: اسْتَأْجر رجلا من قُرَيْش، وَهُوَ مقلوب، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب.
قَوْله: ( من فَخذ أُخْرَى) ، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَقد تسكن، الْفَخْذ أقل من الْبَطن الْأَقَل من الْعِمَارَة الْأَقَل من الفصيلة الْأَقَل من الْقَبِيلَة.
وَنَصّ الزبير بن بكار على أَن الْمُسْتَأْجر الْمَذْكُور: هُوَ خِدَاش بن عبد الله بن أبي قيس العامري، وخداش، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبدال مُهْملَة وشين مُعْجمَة.
قَوْله: ( فَمر بِهِ) ، أَي: بالأجير.
قَوْله: ( عُرْوَة جوالقه) ، بِضَم الْجِيم وَكسر اللَّام: الْوِعَاء من جلدو وَثيَاب وَغَيرهَا، وَهُوَ فَارسي مُعرب، وَأَصله: كواله، وَالْجمع: الجوالق، بِفَتْح الْجِيم والجواليق بِزِيَادَة الْيَاء آخر الْحُرُوف.
قَوْله: ( أَغِثْنِي) ، من الإغاثة بالغين الْمُعْجَمَة والثاء الْمُثَلَّثَة، وَمَعْنَاهُ: أَعنِي، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالنُّون.
قَوْله: ( بعقال) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ: الْحَبل، قَوْله: ( فَحَذفهُ) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فأعطيته فَحَذفهُ، بِالْحَاء الْمُهْملَة ويروى بِالْمُعْجَمَةِ، أَي: رَمَاه، والحذف الرَّمْي بالأصابع.
قَوْله: ( كَانَ فِيهَا أَجله) أَي: فَأصَاب مَقْتَله وأشرف على الْمَوْت بِدَلِيل.
قَوْله: ( فَمر بِهِ رجل من أهل الْيمن) قبل أَن يقْضِي.
قَوْله: ( أَتَشهد الْمَوْسِم؟) ، أَي: موسم الْحَج ومجتمعهم.
قَوْله: ( مرّة من الدَّهْر) أَي: وقتا من الْأَوْقَات.
قَوْله: ( قَالَ: فَكنت) بِضَم الْكَاف وَسُكُون النُّون من الْكَوْن، هَكَذَا رِوَايَة أبي ذَر، والأصيلي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، فَكتب، من الْكِتَابَة وَهُوَ الْأَوْجه، وَفِي رِوَايَة الزبير بن بكار: فَكتب إِلَى أبي طَالب يُخبرهُ بذلك.
قَوْله: ( يَا آل قُرَيْش) الْهمزَة للاستغاثة.
قَوْله: ( يَا آل بني هَاشم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يَا بني هَاشم.
قَوْله: ( قتلني فِي عقال) أَي: بِسَبَب عقال.
قَوْله: ( وَمَات الْمُسْتَأْجر) بِفَتْح الْجِيم.
قَوْله: ( أهل ذَاك) بِالنّصب ويروى.
ذَلِك.
قَوْله: ( وافى الْمَوْسِم) أَي: أَتَاهُ.
قَوْله: ( أَيْن أَبُو طَالب؟) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: من أَبُو طَالب؟ هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: من أَبُو طَالب؟ قَوْله: ( أَن فلَانا قَتله) ويروى: فتكه، بِالْفَاءِ وَالْكَاف.
قَوْله: ( إِحْدَى ثَلَاث) يحْتَمل أَن تكون هَذِه الثَّلَاث كَانَت مَعْرُوفَة بَينهم، وَيحْتَمل أَن تكون هَذِه الثَّلَاث كَانَت مَعْرُوفَة بَينهم، وَيحْتَمل أَن يكون شَيْء اخترعه أَبُو طَالب،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: لم ينْقل أَنهم تشاوروا فِي ذَلِك وَلَا تدافعوا، فَدلَّ على أَنهم كَانُوا يعْرفُونَ الْقسَامَة قبل ذَلِك، قيل: فِيهِ نظر لقَوْل ابْن عَبَّاس رَاوِي الحَدِيث: إِنَّهَا أول قسَامَة، ورد بِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون مُرَاد ابْن عَبَّاس الْوُقُوع، وَإِن كَانُوا يعْرفُونَ الحكم قبل ذَلِك، وَقد ذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: ( إِن شِئْت أَن تُؤدِّي) ويروى: تُؤدِّي، بِدُونِ لَفْظَة: أَن، قَوْله: ( فَإنَّك) الْفَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة.
قَوْله: ( حلف) فعل مَاض.
و: ( خَمْسُونَ) بِالرَّفْع فَاعله، قَوْله: ( فَأَتَتْهُ امْرَأَة من بني هَاشم) هِيَ: زَيْنَب بنت عَلْقَمَة أُخْت الْمَقْتُول: ( وَكَانَت تَحت رجل مِنْهُم) وَهُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي قيس العامري، وَاسم وَلَدهَا مِنْهُ: حويطب مُصَغرًا بمهملتين وَقد عَاشَ حويطب بعد هَذَا دهراً طَويلا وَله صُحْبَة، وَسَيَأْتِي حَدِيثه فِي كتاب الْأَحْكَام.
قَوْله: ( أَن تجيزا بني هَذَا) ، بِالْجِيم وَالزَّاي، أَي: تهبه مَا يلْزمه من الْيَمين،.

     وَقَالَ  صَاحب ( جَامع الْأُصُول) : إِن كَانَ: تجير، بالراء فَمَعْنَاه: تؤمنه من الْيَمين، وَإِن كَانَ بالزاي فَمَعْنَاه: تَأذن لَهُ فِي ترك الْيَمين.
قَوْله: ( وَلَا تصبر يَمِينه) ، بالصَّاد الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة المضمومة، قَالَ الْجَوْهَرِي: صَبر الرجل إِذا حلف صبرا إِذا حبس على الْيَمين حَتَّى يحلف، والمصبورة هِيَ الْيَمين،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: معنى الصَّبْر فِي الْإِيمَان الْإِلْزَام حَتَّى لَا يَسعهُ أَن لَا يحلف، وَحَاصِل معنى: صَبر الْيَمين، هُوَ أَن يلْزم الْمَأْمُور بهَا وَيكرهُ عَلَيْهَا.
قَوْله: ( حَيْثُ تصبر الْأَيْمَان) أَي: بَين الرُّكْن وَالْمقَام،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) : وَمن هَذَا اسْتدلَّ الشَّافِعِي على أَنه لَا يحلف بَين الرُّكْن وَالْمقَام على أقل من عشْرين دِينَارا، وَهُوَ مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة، قيل: لَا يدرى كَيفَ يَسْتَقِيم هَذَا الِاسْتِدْلَال، وَلم يذكر أحد من أَصْحَاب الشَّافِعِي أَن الشَّافِعِي اسْتدلَّ لذَلِك بِهَذِهِ الْقَضِيَّة.
قَوْله: ( فَحَلَفُوا) ، زَاد ابْن الْكَلْبِيّ: حلفوا عِنْد الرُّكْن أَن خداشاً بَرِيء من دم الْمَقْتُول.
قَوْله: ( قَالَ ابْن عَبَّاس: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) قَالَ ابْن التِّين: كَانَ الَّذِي أخبر ابْن عَبَّاس بذلك جمَاعَة اطمأنت نَفسه إِلَى صدقهم حَتَّى وَسعه أَن يحلف على ذَلِك، قيل: يَعْنِي أَنه كَانَ حِين الْقسَامَة لم يُولد، وَيحْتَمل أَن يكون الَّذِي أخبرهُ بذلك هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي ( الصَّحِيح) .
قَوْله: ( فَمَا حَال الْحول) أَي: من يَوْم حلفوا.
قَوْله: ( وَمن ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَمن الثَّمَانِية، وَعند الْأصيلِيّ: وَالْأَرْبَعِينَ.
قَوْله: ( عين تطرف) ، بِكَسْر الرَّاء، أَي: تتحرك.
وَزَاد ابْن الْكَلْبِيّ: وَصَارَت رباع الْجَمِيع لحويطب، فَلذَلِك كَانَ أَكثر من بِمَكَّة رباعاً، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة أَن من ظلم أحدا يعجل لَهُ عُقُوبَته، وروى الفاكهي من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن أَبِيه، قَالَ: حلف نَاس عَن الْبَيْت قسَامَة على بَاطِل، ثمَّ خَرجُوا فنزلوا تَحت صَخْرَة فانهدمت عَلَيْهِم، قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَانَ يفعل بهم ذَلِك فِي الْجَاهِلِيَّة ليتناهوا عَن الظُّلم، لأَنهم كَانُوا لَا يعْرفُونَ الْبَعْث، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أخر الْقصاص إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.





[ قــ :3668 ... غــ :3847 ]
- وقَالَ ابنُ وَهْبٍ أخْبَرَنَا عَمْرٌ وعنْ بُكَيْرِ بنِ الأشَجِّ أنَّ كُرَيْبَاً مَوْلَى ابنِ عبَّاس حدَّثه أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَيْسَ السَّعْيُ بِبَطْنِ الوَادِي بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ سُنَّةً إنَّمَا كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَها ويَقُولُونَ لاَ نُجِيزُ البَطْحَاءَ إلاَّ شَدَّا.


أَي: قَالَ عبد الله بن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث الْمصْرِيّ عَن بكير مصغر بكر بِالْيَاءِ الْمُوَحدَة ابْن الْأَشَج، بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَشد الْجِيم: وَهُوَ بكير بن عبد الله بن الْأَشَج مولى بني مَخْزُوم كَانَ من صلحاء أهل الْمَدِينَة.

وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق حَرْمَلَة بن يحيى عَن عبد الله بن وهب.

قَوْله: ( لَيْسَ السَّعْي) المُرَاد مِنْهُ السَّعْي اللّغَوِيّ وَهُوَ الْعَدو أَي: لَيْسَ الْإِسْرَاع فِي السَّعْي بِبَطن الْوَادي بَين الصَّفَا والمروة سنة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِسنة، بباء الْجَرّ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: خُولِفَ فِيهِ ابْن عَبَّاس، بل قَالُوا: إِنَّه فَرِيضَة.
قلت: أَرَادَ ابْن عَبَّاس أَن شدَّة السَّعْي لَيْسَ بِسنة، وَلَا يُرِيد بذلك نفس سنية السَّعْي الْمُجَرّد، وَفِيه خلاف فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة من أَرْكَان الْحَج وَعند أَصْحَابنَا: لَيْسَ بِرُكْن، بل هُوَ من الْوَاجِبَات كَمَا علم فِي مَوْضِعه.
قَوْله: ( لَا نجيز) ، بِضَم النُّون أَي: لَا نقطع الْبَطْحَاء بمسيل الْوَادي، يُقَال: أجزته، أَي: خلفته وقطعته، وَيُقَال: جزت الْموضع أَي: سرت فِيهِ وأجزته خلفته وقطعته، وَقيل: أجزته بِمَعْنى جزته، ويروى: لَا تجوز الْبَطْحَاء، أَي: لَا نتجاوزها إلاَّ شداً، وانتصابه على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: لَا نجيز إجَازَة شداً، أَي: بقوةَ وعدوٍ شَدِيد، وَيجوز أَن يكون حَالا بِمَعْنى شادِّين.





[ قــ :3669 ... غــ :3848 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدُ الجُعَفِيُّ حدَّثَنَا سُفْيَانُ أخبَرَنًّا مُطَرِّفٌ سَمِعْتُ أبَا السَّفَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رضيَ الله عَنْهُمَا يَقُولُ يَا أيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا مِنِّي مَا أقُولُ لَكُمْ وأسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ ولاَ تَذْهَبُوا فَتَقُولُوا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ ابْن عَبَّاسٍ مَنْ طافَ بالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ ورَاءِ الحِجْرِ ولاَ تَقُولُوا الحَطِيمُ فإنَّ الرَّجُلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ كانَ يَحْلِفُ فَيُلْقِي سَوْطَهُ أوْ نَعْلَهُ أوْ قَوْسَهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فَإِن الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة) وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، ومطرف، على صِيغَة الْفَاعِل من التطريف، ابْن طريف، بِالطَّاءِ الْمُهْملَة: الْحَارِثِيّ، وَأَبُو السّفر، بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْفَاء المفتوحتين: واسْمه سعيد بن يحمد، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم: الْكُوفِي الْهَمدَانِي.

قَوْله: ( اسمعوا) إسماع ضبط وإتقان.
قَوْله: ( مَا أَقُول) مفعول: اسمعوا، قَوْله: ( واسمعوني) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون السِّين من الإسماع.
قَوْله: ( مَا تَقولُونَ) ، مفعول ثَان لقَوْله: اسمعوني، قَوْله: ( وَلَا تذْهبُوا) ، أَي: قبل أَن تضبطوا فتقولوا: ( قَالَ ابْن عَبَّاس) بِلَا ضبط وَلَا إتقان.
قَوْله: ( قَالَ ابْن عَبَّاس) كَلَام مُسْتَقل وَلَيْسَ بتكرار، وَهُوَ مقول.
قَوْله: ( اسمعوا مني مَا أَقُول لكم) وَقَوله: ( من طَاف) مقول.
قَوْله: ( قَالَ بَان عَبَّاس) قَوْله: ( من وَرَاء الْحجر) ، بِكَسْر الْمُهْملَة وَهُوَ: المحوط الَّذِي تَحت الْمِيزَاب.
قَوْله: ( وَلَا تَقولُوا: الْحطيم) لِأَنَّهُ من أوضاع الْجَاهِلِيَّة كَانَت عَادَتهم أَنهم إِذا كَانُوا يتحالفون بَينهم كَانُوا يحطمون أَي: يدْفَعُونَ نعلا أَو سَوْطًا أَو قوساً إِلَى الْحجر عَلامَة لعقد حلفهم فَسَموهُ بذلك لكَونه يحطم أمتعتهم، وَقيل: إِنَّمَا قيل لَهُ الْحطيم لما حطم من جِدَاره فَلم يسوِّ بِبِنَاء الْبَيْت وَترك خَارِجا مِنْهُ، وَقيل: إِنَّمَا سمي الْحطيم لِأَن بَعضهم كَانَ إِذا دَعَا على من ظلمه فِي ذَلِك الْموضع هلك.
قلت: فعلى هَذَا يكون الْحطيم بِمَعْنى: الحاطم، فعيل بِمَعْنى فَاعل،.

     وَقَالَ  ابْن الْكَلْبِيّ: سمي الْحطيم حطيماً لما يحْجر عَلَيْهِ، أَو لِأَنَّهُ قصر بِهِ عَن بِنَاء الْبَيْت، وَأخرج عَنهُ، قلت: فعلى هَذَا يكون الْحطيم بِمَعْنى المحطوم، فعيل بِمَعْنى مفعول، وَقيل: سمي بِهِ لِأَن النَّاس يحطم فِيهِ بَعضهم بَعْضًا من الزحام عِنْد الدُّعَاء فِيهِ، وَقيل: الْحطيم هُوَ بِئْر الْكَعْبَة الَّتِي كَانَ يلقى فِيهَا مَا ينذر لَهَا، وَقيل: الْحطيم مَا بَين الْحجر الْأسود وَالْمقَام، وَقيل: من زَمْزَم إِلَى الْحجر يُسمى حطيماً.
قَوْله: ( فَيلقى) بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء: وَهُوَ الرَّمْي.
قَوْله: ( سَوْطه أَو نَعله أَو قوسه) كلمة: أَو، فِيهِ للتنويع وَالتَّقْدِير: يلقِي فِي الْحطيم.





[ قــ :3670 ... غــ :3849 ]
- حدَّثنا نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ حدَّثنا هُشَيْمٌ عنْ حُصَيْنٍ عنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ قَالَ رأيْتُ فِي الجاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فرَجَمُوهَا فرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ونعيم، بِضَم النُّون: ابْن حَمَّاد، بتَشْديد الْمِيم: أَبُو عبد الله الرفاء الفارض الْمروزِي، سكن مصر، قَالَ أَبُو دَاوُد: مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وهشيم، بِضَم الْهَاء: ابْن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة السّلمِيّ الوَاسِطِيّ، وحصين، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَبُو الْهُذيْل الْكُوفِي، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن مَيْمُون، قد مر عَن قريب.

قَوْله: ( قردة) ، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الرَّاء: وَهِي الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَتجمع على: قرود وقردة أَيْضا، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الرَّاء كَمَا فِي متن الحَدِيث.
قَوْله: ( قد زنت) حَال من: قردة، المفردة.
فَإِن قلت: كَيفَ ذكر قَوْله: ( اجْتمع) مَعَ أَن فَاعله جمَاعَة، وَهُوَ قَوْله: ( قردة) وَكَذَلِكَ ذكر الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: ( رجموها) وَفِي قَوْله: مَعَهم؟ قلت: أما الأول: فلوقوع الْفَصْل بَين الْفِعْل وَالْفَاعِل.
وَأما الثَّانِي: فباعتبار أَن الرَّاوِي كَانَ بَين القردة، فغلب الْمُذكر على الْمُؤَنَّث، وأصل هَذِه الْقِصَّة مَا ذكرهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ مشروحة من طَرِيق عِيسَى بن حطَّان عَن عَمْرو بن مَيْمُون، قَالَ: كنت فِي الْيمن فِي غنمٍ لأهلي وَأَنا على شرف، فجَاء قرد مَعَ قردة فتوسد يَدهَا، فجَاء قرد أَصْغَر مِنْهُ فغمزها، فسلت يَدهَا من تَحت رَأس القرد الأول سلاًّ رَفيقاً وتبعته، فَوَقع عَلَيْهَا وَأَنا أنظر، ثمَّ رجعت فَجعلت تدخل يَدهَا من تَحت خد الأول بِرِفْق، فَاسْتَيْقَظَ فَزعًا، فشمها فصاح فاجتمعت القرود، فَجعل يصيخ ويومي إِلَيْهَا بِيَدِهِ، فَذهب القرود يمنة ويسرة، فَجَاءُوا بذلك القرد أعرفهُ، فَحَفَرُوا لَهما حُفْرَة فرجموهما، فَلَقَد رَأَيْت الرَّجْم فِي غير بني آدم.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: لَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا من نسل الَّذين مسخوا فَبَقيَ فيهم ذَلِك الحكم.
.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر: إِضَافَة الزِّنَا إِلَى غير الْمُكَلف وَإِقَامَة الْحُدُود فِي الْبَهَائِم عِنْد جمَاعَة أهل الْعلم مُنكر، وَلَو صَحَّ لكانوا من الْجِنّ، لِأَن الْعِبَادَات فِي الْجِنّ وَالْإِنْس دون غَيرهمَا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُقَال: كَانُوا من الْإِنْس فمسخوا قردة وتغيروا عَن الصُّورَة الإنسانية فَقَط، وَكَانَ صورته صُورَة الزِّنَا وَالرَّجم وَلم يكن ثمَّة تَكْلِيف وَلَا حدّ، وَإِنَّمَا ظَنّه الَّذِي ظن فِي الْجَاهِلِيَّة مَعَ أَن هَذِه الْحِكَايَة لم تُوجد فِي بعض نسخ البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  الْحميدِي: فِي ( الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) : هَذَا الحَدِيث وَقع فِي بضع نسخ البُخَارِيّ، وَأَن أَبَا مَسْعُود وَحده ذكره فِي ( الْأَطْرَاف) ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا فِي نسخ البُخَارِيّ أصلا، فَلَعَلَّهُ من الْأَحَادِيث المقحمة فِي كتاب البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم فِي الرَّد على ابْن التِّين بِأَنَّهُ: ثَبت فِي ( صَحِيح مُسلم) : أَن الممسوخ لَا نسل لَهُ، وَيُعَكر عَلَيْهِ بِمَا ثَبت أَيْضا فِي صَحِيح مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما أُوتِيَ بالضب، قَالَ: لَعَلَّه من الْقُرُون الَّتِي مسخت.
.

     وَقَالَ  فِي الفأر: فقدت أمة من بني إِسْرَائِيل لَا أَرَاهَا إلاَّ الفار وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو إِسْحَاق الزّجاج وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ حَيْثُ قَالَا: إِن الْمَوْجُود من القردة من نسل الممسوخ، وَأجِيب بِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ذَلِك قبل الْوَحْي إِلَيْهِ يحقيقة الْأَمر فِي ذَلِك، وَفِيه نظر لعدم الدَّلِيل عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  فِي الرَّد على ابْن عبد الْبر بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون صُورَة الْوَاقِعَة صُورَة الزِّنَا، وَالرَّجم يكون ذَلِك زنا حَقِيقَة وَلَا حدا، وَإِنَّمَا أطلق ذَلِك عَلَيْهِ لشبهه بِهِ، فَلَا يسْتَلْزم ذَلِك إِيقَاع التَّكْلِيف على الْحَيَوَان.
وَأجِيب: عَنهُ بِالْجَوَابِ الأول من جوابي الْكرْمَانِي فِي ذَلِك،.

     وَقَالَ  فِي الرَّد على الْحميدِي، بقوله: وَمَا قَالَه الْحميدِي مَرْدُود، فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور فِي مُعظم الْأُصُول الَّتِي وقفنا عَلَيْهَا، ورد عَلَيْهِ بِأَن وقُوف الْحميدِي على الْأُصُول أَكثر وَأَصَح من وقُوف هَذَا الْمُعْتَرض، لِأَنَّهُ جمع بَين ( الصَّحِيحَيْنِ) وَمثله أدرى بحالهما، وَلَو كَانَ فِي أصل البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث لم يجْزم بنفيه عَن الْأُصُول قطعا وجزماً على أَنه غير مَوْجُود فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ،.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وتجويز الْحميدِي أَن يُزَاد فِي ( صَحِيح البُخَارِيّ) مَا لَيْسَ مِنْهُ يُنَافِي مَا عَلَيْهِ الْعلمَاء من الحكم بتصحيح جَمِيع مَا أوردهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه، وَمن اتِّفَاقهم على أَنه مَقْطُوع بنسبته إِلَيْهِ.
قلت: فِيهِ نظر، لِأَن مِنْهُم من تعرض إِلَى بعض رِجَاله بِعَدَمِ الوثوق وبكونه من أهل الْأَهْوَاء، وَدَعوى الحكم بتصحيح جَمِيع مَا أوردهُ البُخَارِيّ فِيهِ غير موجهة، لِأَن دَعْوَى الْكُلية تحْتَاج إِلَى دَلِيل قَاطع، وَيرد مَا قَالَه أَيْضا بِأَن النَّسَفِيّ لم يذكر هَذَا الحَدِيث فِيهِ.





[ قــ :3671 ... غــ :3850 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثَنَا سُفْيَانُ عنْ عُبَيْدِ الله سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ خِلاَلٌ مِنْ خِلالِ الجَاهِلِيَّةِ الطَّعْنُ فِي الأنْسَابِ والنِّياحَةُ ونَسيَ الثَّالِثَةَ: قَالَ سُفْيَانُ ويَقُولُونَ إنَّهَا الاسْتِسْقَاءُ بالأنْوَاءِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبيد الله تَصْغِير عبد بن أبي يزِيد الْمَكِّيّ، مولى آل قارظ بن شيبَة الْكِنَانِي.
وَثَّقَهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَآخَرُونَ، وَكَانَ مكثراً.
قَالَ ابْن عُيَيْنَة: مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة، وَله سِتّ وَثَمَانُونَ سنة.

قَوْله: ( خلال) أَي: خِصَال ثَلَاث من خِصَال الْجَاهِلِيَّة.
أَحدهَا: ( االطعن فِي الْأَنْسَاب) كطعنهم فِي نسب أُسَامَة.
وَثَانِيها: ( النِّيَاحَة على الْأَمْوَات) قَوْله: ( وَنسي الثَّالِثَة) أَي: نسي عبيد الله الرَّاوِي الْخلَّة الثَّالِثَة.
وَوَقع ذَلِك فِي رِوَايَة ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان: وَنسي عبيد الله الثَّالِثَة، فعين النَّاسِي.
أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ.
قَوْله: ( قَالَ سُفْيَان) أَي: ابْن عُيَيْنَة أحد الروَاة ( يَقُولُونَ إِنَّهَا) أَي: الْخلَّة الثَّالِثَة هِيَ ( الاسْتِسْقَاء بالأنواء) وَهُوَ جمع نوء وَهُوَ منزل الْقَمَر، كَانُوا يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا، وسقينا بِنَوْء كَذَا.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِي كتاب الاسْتِسْقَاء.