فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

( بابُُ إسْلاَمُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِسْلَام عمر بن الْخطاب، وَقد ذكرنَا نسبه فِي مناقبه.



[ قــ :3684 ... غــ :3863 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ كَثِير أخْبرَنا سُفْيانُ عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أبِي خالِدٍ عنْ قَيْسِ بنِ أبِي حازِمٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ مَا زِلْنَا أعِزَّاءَ مُنْذُ أسْلَمَ عُمَرُ.
( انْظُر الحَدِيث 3684) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( مُنْذُ أسلم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأخرجه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد.





[ قــ :3685 ... غــ :3864 ]
- ( حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي ابْن وهب قَالَ حَدثنِي عمر بن مُحَمَّد قَالَ وَأَخْبرنِي جدي زيد بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّار خَائفًا إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي أَبُو عَمْرو عَلَيْهِ حلَّة حبرَة وقميص مكفوف بحرير وَهُوَ من بني سهم وهم حلفاؤنا فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ لَهُ مَا بالك قَالَ زعم قَوْمك أَنهم سيقتلوني إِن أسلمت قَالَ لَا سَبِيل إِلَيْك بعد أَن قَالَهَا أمنت فَخرج الْعَاصِ فلقي النَّاس قَالَ سَالَ بهم الْوَادي فَقَالَ أَيْن تُرِيدُونَ فَقَالُوا نُرِيد هَذَا ابْن الْخطاب الَّذِي صَبأ قَالَ لَا سَبِيل إِلَيْهِ فكر النَّاس) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله هَذَا ابْن الْخطاب الَّذِي صَبأ وَكَانُوا يَقُولُونَ صَبأ لمن أسلم وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي وَسكن مصر وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ وَعمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب مدنِي نزل عسقلان أَخُو عَاصِم وَزيد وواقد وَأبي بكر وَعمر هَذَا يروي عَن جده عبد الله بن عمر ( فَإِن قلت) كَيفَ قَالَ وَأَخْبرنِي جدي بِالْوَاو ويروى فَأَخْبرنِي بِالْفَاءِ ( قلت) للإشعار بِأَنَّهُ أخبرهُ أَيْضا بِغَيْر هَذَا الحَدِيث أَنه قَالَ قَالَ كَذَا وَأَخْبرنِي كَذَا وجده زيد يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب والْحَدِيث من أَفْرَاده قَوْله " بَيْنَمَا هُوَ " أَي عمر بن الْخطاب قَوْله " خَائفًا " حَال من الضَّمِير قَوْله " إِذْ جَاءَهُ " جَوَاب بَيْنَمَا قَوْله " الْعَاصِ بن وَائِل " مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل جَاءَ وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى مَا يرجع إِلَيْهِ قَوْله هُوَ فِي الدَّار أَي عمر بن الْخطاب كَمَا ذكرنَا وَالْعَاص بِضَم الصَّاد وَأَصله العوص وَيجوز بِكَسْر الصَّاد لِأَن أَصله العَاصِي نَحْو القَاضِي وَلَكِن الْيَاء خففت فِيهِ وَهُوَ ابْن وَائِل بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف السَّهْمِي بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْهَاء وَالِد عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ جاهلي أدْرك الْإِسْلَام وَلم يسلم وَهُوَ ابْن هَاشم بن سعيد بن سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب قَوْله " أَبُو عَمْرو " كنية الْعَاصِ الْمَذْكُور وَهُوَ عَمْرو بن الْعَاصِ الصَّحَابِيّ قَوْله " عَلَيْهِ حلَّة حبرَة " جملَة اسمية وَقعت حَالا بِغَيْر وَاو والحبرة بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي برد مخططة بالوشي ويروى حبر بِغَيْر هَاء وَهُوَ جمع حبرَة قَوْله " مكفوف بحرير " من كَفَفْت الثَّوْب إِذا خططته قَوْله " حلفاؤنا " جمع حَلِيف من الْحلف وَهُوَ المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق قَوْله " سيقتلونني " ويروي سيقتلوني قَوْله " إِن أسلمت " بِفَتْح الْهمزَة أَي لإن أسلمت أَي لأجل إسلامي وَكلمَة إِن مَصْدَرِيَّة قَوْله " آمَنت " بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق من الْأمان أَي زَالَ خوفي لِأَن الْعَاصِ كَانَ مُطَاعًا فِي قومه وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِمد الْهمزَة وَهُوَ خطأ فَإِنَّهُ كَانَ قد أسلم قبل ذَلِك وَذكر عِيَاض أَن فِي رِوَايَة الْحميدِي بِالْقصرِ أَيْضا لكنه بِفَتْح التَّاء وَهُوَ أَيْضا خطأ لِأَنَّهُ يصير من كَلَام الْعَاصِ بن وَائِل وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من كَلَام عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُرِيد أَنه أَمن لما قَالَ لَهُ الْعَاصِ ابْن وَائِل تِلْكَ الْمقَالة قَوْله " قد سَالَ بهم الْوَادي " أَي وَادي مَكَّة وَهُوَ كِنَايَة عَن امتلائه بِالنَّاسِ قَوْله فَقَالَ أَي الْعَاصِ قَوْله هَذَا ابْن الْخطاب يَعْنِي عمر بن الْخطاب قَوْله الَّذِي صَبأ أَي مَال عَن دين آبَائِهِ وَخرج قَوْله فكر أَي رَجَعَ



[ قــ :3686 ... غــ :3865 ]
- ( حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان قَالَ عَمْرو بن دِينَار سمعته يَقُول قَالَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا لما أسلم عمر اجْتمع النَّاس عِنْد دَاره وَقَالُوا صَبأ عمر وَأَنا غُلَام فَوق ظهر بَيْتِي فجَاء رجل عَلَيْهِ قبَاء من ديباج فَقَالَ قد صَبأ عمر فَمَا ذَاك وَأَنا لَهُ جَار قَالَ فَرَأَيْت النَّاس تصدعوا عَنهُ فَقلت من هَذَا الرجل قَالُوا الْعَاصِ بن وَائِل) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لما أسلم عمر وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة قَوْله " سمعته يَقُول " أَي سَمِعت عَمْرو بن دِينَار يَقُول قَالَ عبد الله بن عمر وَالْقَائِل بِهَذَا هُوَ سُفْيَان قَوْله صَبأ عمر أَي خرج من دينه إِلَى دين آخر قَوْله وَأَنا غُلَام الْقَائِل هُوَ عبد الله وَفَسرهُ فِي رِوَايَة أُخْرَى أَنه كَانَ ابْن خمس سِنِين وَإِذا كَانَ كَذَلِك خرج مِنْهُ أَن إِسْلَام عمر بعد المبعث بست سِنِين أَو سبع لِأَن ابْن عمر كَانَ يَوْم أحد ابْن أَربع عشرَة سنة وَذَلِكَ بعد المبعث بست عشرَة سنة فَيكون مولده بعد المبعث بِسنتَيْنِ قَوْله فَوق ظهر بَيْتِي قَالَ الدَّاودِيّ هُوَ غلط وَالْمَحْفُوظ على ظهر بيتنا ورد عَلَيْهِ ابْن التِّين بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنه الْآن بَيته وَكَانَ قبل ذَلِك لِأَبِيهِ.

     وَقَالَ  بَعضهم وَلَا يخفى عدم الِاحْتِيَاج إِلَى هَذَا التَّأْوِيل وَإِنَّمَا نسب ابْن عمر الْبَيْت إِلَى نَفسه مجَازًا أَو مُرَاده الْمَكَان الَّذِي كَانَ يأوي فِيهِ سَوَاء كَانَ ملكه أم لَا قلت الصَّوَاب مَعَ الدَّاودِيّ وَلَا وَجه للرَّدّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يخفى أَن ابْن عمر كَانَ عمره إِذْ ذَاك خمس سِنِين وَهُوَ لَا يُفَارق بَيت أَبِيه وَلَا وَجه لقَوْله بَيْتِي بإضافته إِلَى نَفسه وَلَا يحْتَاج إِلَى دَعْوَى الْمجَاز هُنَا من غير ضَرُورَة وَلَا نُكْتَة دَاعِيَة إِلَيْهِ وَلَا وَجه أَيْضا أَن يُقَال مُرَاد ابْن عمر الْمَكَان الَّذِي يأوي فِيهِ لِأَنَّهُ لم يكن يأوي إِلَّا فِي بَيت أَبِيه عَادَة خُصُوصا وَهُوَ ابْن خمس سِنِين قَوْله فجَاء رجل وَهُوَ الْعَاصِ بن وَائِل على مَا يُوضحهُ فِي آخر الحَدِيث قَوْله فَمَا ذَاك أَي فَلَا بَأْس عَلَيْهِ وَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ وَالْحَال أَنا لَهُ جَار بِالْجِيم وَتَخْفِيف الرَّاء وَالْجَار هُوَ الَّذِي أجرته من أَن يَظْلمه ظَالِم قَوْله تصدعوا عَنهُ أَي تفَرقُوا فَقلت من هَذَا الْقَائِل هُوَ عبد الله يسْأَل النَّاس عَن هَذَا الرجل الَّذِي عَلَيْهِ قبَاء من ديباج وتفرق النَّاس بِسَبَبِهِ قَوْله قَالُوا الْعَاصِ بن وَائِل أَي قَالُوا هُوَ الْعَاصِ بن وَائِل ويروى قلت يَا أَبَت من هَذَا جزاه الله خيرا قَالَ الْعَاصِ بن وَائِل لَا جزاه الله خيرا -



[ قــ :3687 ... غــ :3866 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ حدَّثني ابنُ وَهْبٍ قَالَ حدَّثني عُمَرُ أنَّ سالِمَاً حدَّثَهُ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ قَال مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيءٍ قَطُّ يَقُولُ إنِّي لأَظُنُّهُ كذَا إلاَّ كانَ كَما يَظُنُّ بَيْنَمَا عُمَرُ جالِسٌ إذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ عُمَرُ لَقدْ أخْطأ ظَنِّي أوْ إنَّ هذَا علَى دِينِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ أوْ لَقَدْ كانَ كاهِنَهُمْ علَيَّ الرَّجُلَ فدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مَا رأيْتُ كالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَالَ فإنِّي أعْزِمُ علَيْكَ إلاَّ مَا أخْبَرْتَنِي قَالَ كُنْتُ كاهِنَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ قَالَ فَمَا أعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ قَالَ بَيْنَمَا أنَا يَوْمَاً فِي السُّوقُ جاءَتْنِي أعْرِفُ فِيهَا الفَزَعَ فقَالَتْ ألَمْ تَرَ الجِنَّ وإبْلاَسَهَا ويأسَهَا مِنْ بَعْدِ إنْكَاسِهَا ولُحوقَها بالْقِلاصِ وأحْلاَسَهَا قَالَ عُمَرُ صَدَقَ بَيْنَمَا أنَا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إذْ جاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فذَبَحَهُ فصرَخَ بِهِ صارِخٌ لَمْ أسْمَعْ صارِخَاً قَطُّ أشَدَّ صَوْتَاً مِنْهُ يَقُولُ يَا جَلِيحْ أمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إلاه إلاَّ الله فوَثَبَ القَوْمُ.

قُلْتُ لاَ أبْرَحُ حَتَّى أعْلَمَ مَا ورَاءَ هذَا ثُمَّ نَادَى يَا جَليحْ أمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إلاه إلاَّ الله فَقُمْتُ فَما نَشِبْنَا أنْ قِيلَ هاذَا نَبِيٌّ.


وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث فِي الْبابُُ مَا قبل أَن الْقِصَّة الَّتِي فِي هَذَا الحَدِيث هِيَ الَّتِي كَانَت سَببا لإسلام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَيحيى شيخ البُخَارِيّ، وَابْن وهب قد مر ذكرهمَا عَن قريب، وَعمر هُوَ مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب،.

     وَقَالَ  الكلاباذي، أَي هُوَ عَمْرو بِالْوَاو ابْن الْحَارِث.
قيل: هُوَ وهم.
وَهُوَ من أَفْرَاده.

قَوْله: ( لشَيْء) ، قَالَ بَعضهم: أَي: عَن شَيْء وَاللَّام قد تَأتي بِمَعْنى: عَن، كَقَوْلِه تَعَالَى: { وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا} ( العنكبوت: 1، الْأَحْقَاف: 11) .
قلت: لَا حَاجَة إِلَى الْعُدُول عَن مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ للتَّعْلِيل، أَي: لأجل شَيْء.
قَوْله: ( إلاَّ كَانَ كَمَا يظنّ) لِأَنَّهُ كَانَ من الْمُحدثين، وَقد تقدم فِي مناقبه أَنه كَانَ مُحدثا بِفَتْح الدَّال وَقد ذكرنَا أَن معنى الْمُحدثين الملهمون، والملهم هُوَ الَّذِي يلقِي فِي نَفسه الشي فيخبر بِهِ حدساً وفراسة.
قَوْله: ( بَيْنَمَا عمر) قد ذكرنَا غير مرّة أَن أَصله: بَين، فزيدت فِيهِ: مَا، ويضاف إِلَى جملَة إسمية وَهِي قَوْله: ( عمر جَالس) وَقَوله: ( إِذْ مر بِهِ) جَوَاب: بَيْنَمَا.
وَهُوَ سَواد، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو: ابْن قَارب، بِالْقَافِ وَالرَّاء الْمَكْسُورَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: الدوسي، كَذَا قَالَ الْكَلْبِيّ،.

     وَقَالَ  ابْن أبي خَيْثَم: سَواد بن قَارب الدورسي من بني دوس، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَهُ صُحْبَة،.

     وَقَالَ  عمر: كَانَ يتكهن فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ شَاعِرًا ثمَّ أسلم، وداعبه عمر بن الْخطاب يَوْمًا،.

     وَقَالَ : مَا فعلت كهانتك يَا سَواد؟ فَغَضب.

     وَقَالَ : مَا كُنَّا عَلَيْهِ نَحن وَأَنت يَا عمر من جاهليتنا وكفرنا شَرّ من الكهانة، فَمَا لَك تعيرني بِشَيْء تبت مِنْهُ وَأَرْجُو من الله الْعَفو عَنهُ؟ قَوْله: ( لقد أَخطَأ ظَنِّي) أَي: فِي كَونه فِي الْجَاهِلِيَّة بِأَن صَار مُسلما.
قَوْله: ( أَو) ، بِسُكُون الْوَاو أَي: ( أَو إِن هَذَا) يَعْنِي: سَواد بن قَارب مُسْتَمر على دينه فِي الْجَاهِلِيَّة يَعْنِي: على عبَادَة مَا كَانُوا يعْبدُونَ.
قَوْله: ( لقد كَانَ كاهنهم) ، أَي: كَاهِن قومه.
قَوْله: ( عليَّ) بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: ( الرجل بِالنّصب) أَي: أحضروه إِلَيّ وقربوه مني.
قَوْله: ( فدعي بِهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
أَي: دعِي بِالرجلِ وَهُوَ سَواد بن قَارب، ويروى: فدعي لَهُ، فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة يكون الضَّمِير فِي قَوْله: لَهُ، رَاجعا إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي: دعِي الرجل لأَجله.
قَوْله: ( فَقَالَ لَهُ ذَلِك) ، أَي: قَالَ لَهُ عمر، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا قَالَه فِي غيبته قبل أَن يحضر بَين يَدَيْهِ من التَّرَدُّد بقوله أَو، فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب: فَقَالَ: فَأَنت على مَا كنت عَلَيْهِ من كهانتك؟ فَغَضب سَواد.
وَاقْتصر عمر هُنَا على أخف الْأَمريْنِ وهما: الكهانة والشرك، تلطفاً بِهِ.
قَوْله: ( مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ) ، أَي: مَا رَأَيْت يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم حَيْثُ ( استقبلَ بِهِ) أَي: فِيهِ ( رجل مُسلم) ، وارتفاع رجل بقوله: اسْتقْبل، الَّذِي هُوَ على صِيغَة الْبناء للْفَاعِل،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: اسْتقْبل، على صِيغَة الْمَجْهُول، فعلى هَذَا قَوْله: الرجل، مَرْفُوع أَيْضا، لِأَن الْفِعْل مُسْتَند إِلَيْهِ، وَالْبَاء فِي: بِهِ، بِمَعْنى: فِي، أَيْضا.
وَالضَّمِير يرجع إِلَى الْيَوْم، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَأبي ذَر: رجلا مُسلما، بِالنّصب،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: رجلا، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: رَأَيْت، وَفِي الْقلب من هَذَا دغدغة على مَا لَا يخفى إِن كَانَ مُرَاده: رَأَيْت، الْمُصَرّح بِهِ فِي الحَدِيث، فَإِن قدر لفظ: رَأَيْت، آخر، يكون موجهاً تَقْدِيره حِينَئِذٍ: مَا رَأَيْت يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم رَأَيْت اسْتقْبل بِهِ أَي: بالْكلَام الْمَذْكُور رجلا مُسلما.
قَوْله: ( اسْتقْبل بِهِ) ، جملَة مُعْتَرضَة بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَحَاصِل الْمَعْنى: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رَأَيْت فِيهِ رجلا اسْتقْبل بِهِ أَي: فِي الْيَوْم، وَرَأَيْت الشُّرَّاح فِيهِ عاجزين، فَمنهمْ من لم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء مَا كَأَنَّهُ مَا اطلع على الْمَتْن، وَمِنْهُم من تصرف فِيهِ بالتعسف.
قَوْله: ( فَإِنِّي أعزم) أَي: قَالَ سَواد بن قَارب، كنت كَاهِن الْقَوْم، والكاهن هُوَ الَّذِي يتعاطى الْأَخْبَار المغيبة ويخبر بهَا، وَكَانَ فِي الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كهان كثير، وَأَكْثَرهم كَانَ يعْتَمد على تَابعه من الْجِنّ، وَأما الَّذِي كَانَ يَدعِي معرفَة ذَلِك بمقدمات أَسبابُُ يسْتَدلّ بهَا على مواقعها من كَلَام من يسْأَله فَهُوَ الَّذِي يُسمى: عرافاً.
قَوْله: ( فَمَا أعجب) كلمة: مَا، استفهامية، وأعجب، بِالرَّفْع أَي: أَي شَيْء أعجب.
قَوْله: ( مَا جَاءَت بِهِ) ، كلمة: مَا، يجوز أَن تكون مَوْصُولَة بَدَلا من كلمة: مَا، فِي: مَا أعجب، وَيجوز أَن تكون مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: أَي شَيْء أعجب من مَجِيء جنيتك بالأخبار، والجنية تَأْنِيث الجني، وأنثه تحقيراً لَهُ، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون قد عرف أَن تَابع سَواد من الْجِنّ أُنْثَى، أَو هُوَ كَمَا يُقَال: تَابع الذّكر أُنْثَى وتابع الْأُنْثَى الذّكر.
قَوْله: ( جَاءَتْنِي) أَي: الجنية.
قَوْله: ( الْفَزع) ، بِفَتْح الْفَاء وَالزَّاي: الْخَوْف، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب: أَن ذَلِك كَانَ وَهُوَ بَين النَّائِم وَالْيَقظَان.
قَوْله: ( فَقَالَت) أَي: الجنية.
قَوْله: ( ألم تَرَ الْجِنّ.
.
)
إِلَى آخِره، من الرجز، و: الْجِنّ، مَنْصُوب بقوله: ألم تَرَ، قَوْله: ( وإبلاسها) بِالنّصب عطفا على مَا قبله، وإبلاس، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الإبلاس الْحيرَة وَمِنْه الحَدِيث: ألم تَرَ الْجِنّ وإبلاسها، أَي: تحيرها.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: إبلاسها، أَي: انكسارها،.

     وَقَالَ  غَيره: صيرورتها مثل إِبْلِيس حائراً بائراً.
قَوْله: ( ويأسها) ، بِالنّصب أَيْضا عطفا على مَا قبله، والياس بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف ضد الرَّجَاء.
قَوْله: ( من بعد إنكاسها) ، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون، أَي: من بعد انتكاسها، والانتكاس الانقلاب على الرَّأْس، ويروى: من بعد أنساكها، بِفَتْح الْهمزَة، قَالَ ابْن الْأَثِير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة، أَي: متعبداتها،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس الأنساك جمع نسك، وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يألفه، أَرَادَ أَنَّهَا يئست من السّمع بعد أَن كَانَت ألفته، وروى الدَّاودِيّ: من بعد إيناسها،.

     وَقَالَ : يَعْنِي كَانَت تأنس إِلَى مَا تسمع.
قَوْله: ( ولحوقها) ، بِالنّصب عطفا على: إبلاسها، وَيجوز بِالْجَرِّ عطفا على، أنكاسها، قَوْله: ( بالقلاص) ، بِكَسْر الْقَاف: وَهُوَ جمع قلُوص وَهِي النَّاقة الشَّابَّة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَأُرِيد بالقلاص أهل القلاص وهم الْعَرَب على طَرِيق الْكِنَايَة.

     وَقَالَ  غَيره أَرَادَ تفرقهم ونفارهم كَرَاهِيَة الْإِسْلَام قَوْله ( وإحلاسها) بِفَتْح الْهمزَة جمع حلْس بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ كسَاء رَقِيق يوضع تَحت البردعة رِعَايَة لظهر الدَّوَابّ، وَفِي رِوَايَة: أَن الجني عاوده ثَلَاث مَرَّات.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي ( دَلَائِل النُّبُوَّة) من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عازم: كَانَ لَهُ، أَي لسواد بن قَارب رائي من الْجِنّ، قَالَ: بَينا أَنا نَائِم إِذْ جَاءَنِي، فَقَالَ: قُم فَافْهَم واعقل إِن كنت تفعل، قد بعث رَسُول من لؤَي بن غَالب، ثمَّ أنشأ يَقُول:
( عجبت للجن وأجناسهاوشدها العيس بأحلاسها) ( تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى مَا مؤمنوها مثل أرجاسها)

( فانهض إِلَى الصفوة من هاشمواسْمُ بِعَيْنَيْك إِلَى رَأسهَا)

قَالَ: ثمَّ نبهني،.

     وَقَالَ : يَا سَواد! إِن الله قد بعث نَبيا فانهض إِلَيْهِ تسعد وترشد، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة أَتَانِي فنبهني ثمَّ قَالَ:
( عجبت للجن وتطلابهاوشدها العيس بأقتابها)

( تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى لَيْسَ قدامها كأذنابها)

( فانهض إِلَى الصفوة من هاشمواسم بِعَيْنَيْك إِلَى نابها)

فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَتَانِي فنبهني، فَقَالَ:
( عجبت للجن وتجارهاوشدها العيس بأكوارها)

( تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى لَيْسَ ذَوُو الشَّرّ كأخيارها)

( فانهض إِلَى الصفوة من هاشمما مؤمنو الْجِنّ ككفارها)

قَالَ: فَوَقع فِي قلبِي الْإِسْلَام وأتيت الْمَدِينَة، فَلَمَّا رَآنِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مرْحَبًا بك يَا سَواد بن قَارب، قد علمنَا مَا جَاءَ بك.
قَالَ: قلت شعرًا فاسمعه مني، فَقلت:
( أَتَانِي رئبي بعد ليل وهجعة فَلم أكُ فِيمَا قد بليت بكاذبِ)

( ثلاثُ لَيال قَوْله كل لَيْلَة: أَتَاك نَبِي من لؤَي بن غَالب)

( فشمرت عَن ساقي الْإِزَار ووسطتبي الذعلب الوجناء عِنْد السباسب)

( فَأشْهد أَن الله لَا رب غيرهوأنك مَأْمُون على كل غَائِب)

( وَأَنَّك أدنى الْمُرْسلين شَفَاعَة إِلَى الله يَا ابْن الأكرمين الأطايب)

( فمرنا بِمَا يَأْتِيك يَا خير مرسلوإن كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذوائب)

( فَكُن لي شَفِيعًا لَا ذُو شَفَاعَة سواك بمغنٍ عَن سَواد بن قَارب)

قَالَ: فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه.
قَوْله: إِلَى أرجاسها، جمع رِجْس وَهُوَ النَّجس، وَأَرَادَ بهم الْمُشْركين.
قَوْله: ( واسمُ) من سما يسمو.
أَي أعلُ وَانْظُر بِعَيْنَيْك.
قَوْله: ( تطلبانها) التَّاء فِيهِ زَائِدَة وَهُوَ من المصادر الشاذة و ( العيس) بِكَسْر الْعين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: جمع عيساء، قَالَ ابْن الْأَثِير: العيس الْإِبِل الْبيض مَعَ شقرة يسيرَة وَاحِدهَا أعيس وعيسا، والأقتاب جمع قتَب بِفتْحَتَيْنِ، وَهُوَ للجمل كالإكاف لغيره.
قَوْله: ( لَيْسَ قداماها) من: قوادم الطير، وَهِي: مقاديم ريشه وَهِي عشرَة فِي كل جنَاح، الْوَاحِدَة قادمة وَهِي القدامى أَيْضا، وَيُقَال: القدامى تكون وَاحِدَة وَتَكون جمعا والأذناب جمع ذَنْب.
قَوْله: ( إِلَى نابها) الناب بالنُّون وبالباء الْمُوَحدَة وَمَعْنَاهُ: سيد الْقَوْم،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: نَاب الْقَوْم سيدهم والناب المسنة من الْإِبِل النوق.
قَوْله: ( وتجآرها) التَّاء فِيهِ زَائِدَة، وَأَصله من جأر إِذا تضرع وَهُوَ من المصادر الشاذة والأكوار جمع كور بِالضَّمِّ، وَهُوَ رَحل النَّاقة بأداته وَهُوَ كالسرج وآلته للْفرس،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: وَكثير من النَّاس يفتح الْكَاف وَهُوَ خطأ.
قَوْله: ( رئي) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء وَهُوَ التَّابِع من الْجِنّ،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: رئي بِوَزْن كمي وَهُوَ فعيل أَو فعول، سمي بِهِ لِأَنَّهُ يتَرَاءَى لمتبوعه أَو هُوَ: من الرَّأْي من قَوْلهم فلَان رأى قومه إِذا كَانَ صَاحب رَأْيهمْ، وَقد تكسر راؤه لاتباعها مَا بعْدهَا.
قَوْله: ( فِيمَا قد بليت) بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: فِيمَا قد جربت.
قَوْله: ( الذعلب) بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَهِي النَّاقة السريعة ( والوجناء) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْجِيم بالنُّون الممدودة والهمزة فِي آخِره: وَهِي الغليظة الصلبة، وَقيل: الْعَظِيمَة الوجنتين ( والسباسب) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر السِّين الثَّانِيَة وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى، وَهُوَ جمع سبسب وَهِي القفر والمفازة.
قَوْله: ( أدنى الْمُرْسلين) أَي: أقربهم وأولاهم.
قَوْله: ( بَيْنَمَا أَنا عِنْد آلِهَتهم) أَي: أصنامهم.
قَوْله: ( بعجل) هُوَ ولد الْبَقَرَة.
قَوْله: ( يَا جليح) ، بِفَتْح الْجِيم وَكسر اللَّام وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: مَعْنَاهُ الواقح الكاشف بالعداوة.
قَوْله: ( نجيح) بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم من النجاح، وَهُوَ الظفر بالحوائج.
قَوْله: ( رجل فصيح) من الفصاحة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: رجل يَصِيح، بِالْيَاءِ آخر الْحَرْف من الصياحة وَوَقع فِي رِوَايَة فصيح رجل يَصِيح.
قَوْله: ( يَقُول: لَا إلاه إلاَّ الله) هَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: لَا إلاه إلاَّ أَنْت، وَفِي بَقِيَّة الرِّوَايَات مثل الأول.
قَوْله: ( نشبنا) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: مَا مكثنا وتعلقنا بِشَيْء إِذْ ظهر القَوْل بَين النَّاس بِخُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.





[ قــ :3688 ... غــ :3867 ]
- (حَدثنِي مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا يحيى حَدثنَا إِسْمَاعِيل حَدثنَا قيس قَالَ سَمِعت سعيد بن زيد يَقُول للْقَوْم لَو رَأَيْتنِي موثقي عمر على الْإِسْلَام أَنا وَأُخْته وَمَا أسلم وَلَو أَن أحدا انقض لما صَنَعْتُم بعثمان لَكَانَ محقوقا أَن ينْقض) هَذَا الحَدِيث قد مضى عَن قريب فِي إِسْلَام سعيد بن زيد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل وَهنا أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم وَفِيه هُنَاكَ الِاقْتِصَار على ذكر عمر وَهَهُنَا لَو رَأَيْتنِي موثقي عمر على الْإِسْلَام أَنا وَأُخْته قَوْله " موثقي " مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول قَوْله وَأُخْته بِالنّصب أَي أُخْت عمر وَهِي فَاطِمَة بنت الْخطاب زَوْجَة سعيد بن زيد وَكَانَا أسلما قبل عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

     وَقَالَ  ابْن عبد الْبر فَاطِمَة هَذِه أسلمت قَدِيما قيل قبل زَوجهَا سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَقيل مَعَ زَوجهَا وقصتها ذكرهَا ابْن سعيد قَالَ بِإِسْنَادِهِ عَن أنس بن مَالك قَالَ خرج عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مُتَقَلِّدًا السَّيْف فَلَقِيَهُ رجل من بني زهرَة فَقَالَ أَيْن تعمد يَا عمر فَقَالَ أُرِيد أَن أقتل مُحَمَّدًا قَالَ وَكَيف تأمن من بني هَاشم وَبني زهرَة إِذا قتلت مُحَمَّدًا.

     وَقَالَ  لَهُ عمر مَا أَرَاك إِلَّا قد صَبَأت وَتركت دينك الَّذِي كنت عَلَيْهِ فَقَالَ أَلا أدلك على مَا هُوَ أعجب من ذَلِك قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أختك وختنك قد صبآ وتركا دينك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ فَمشى عمر ذَا أَمر أَي يلوم نَفسه على مَا فَاتَ حَتَّى دخل على أُخْته فَاطِمَة وَزوجهَا سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل من الْعشْرَة وَعِنْدَهُمَا خبابُ بن الْأَرَت رجل من الْمُهَاجِرين يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن فَقَالَ مَا هَذِه الهنيمة الَّتِي أسمعها عنْدكُمْ وَكَانُوا يقرؤون (طه) فَقَالُوا مَا عدا حَدِيثا تحدثناه بَيْننَا فَقَالَ لعلكما قد صبوتما فَقَالَ لَهُ سعيد يَا عمر أَرَأَيْت إِذا كَانَ الْحق فِي غير دينك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ فَوَثَبَ عمر عَلَيْهِ فوطأه وطا شَدِيدا فَجَاءَت أُخْته فَدَفَعته عَنهُ فنفحها بِرجلِهِ أَو بِيَدِهِ نفحة دمى وَجههَا فَقَالَت وَهِي غَضبى إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك يَا عمر أَتَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَلَمَّا آيس عمر قَالَ أعطوني هَذَا الْكتاب الَّذِي عنْدكُمْ لأقرأه وَكَانَ عمر يقْرَأ الْكتب فَقَالَت لَهُ أُخْته إِنَّك رِجْس وَلَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَقُمْ واغتسل وَتَوَضَّأ فَقَامَ وَتَوَضَّأ وَأخذ الْكتاب فَقَرَأَ {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله {إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وأقم الصَّلَاة لذكري} فَقَالَ عمر دلوني على مُحَمَّد فَلَمَّا سمع خبابُ قَوْله خرج من الْبَيْت أَو من تَحت السرير.

     وَقَالَ  لَهُ أبشر يَا عمر فَإِنِّي أَرْجُو أَن تكون دَعْوَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْخَمِيس اللَّهُمَّ أيد الْإِسْلَام أَو أعز الْإِسْلَام بعمر ابْن الْخطاب أَو بِعَمْرو بن هِشَام يَعْنِي أَبَا جهل قَالَ وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي دَاره الَّتِي عِنْد الصَّفَا فَانْطَلق عمر إِلَيْهَا وعَلى الْبابُُ حَمْزَة وَطَلْحَة وناس من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فخاف الْقَوْم مِنْهُ فَلَمَّا رأى حَمْزَة وَجل الْقَوْم مِنْهُ قَالَ إِن يرد الله بِهِ خيرا يسلم وَإِلَّا فَقتله علينا هَين قَالَ وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَاخل الدَّار يُوحى إِلَيْهِ فَخرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأخذ بِمَجَامِع ثَوْبه وحمائل سَيْفه.

     وَقَالَ  مَا أَنْت بمنته يَا عمر حَتَّى ينزل الله بك من الخزي والنكال مَا أنزل بالوليد بن الْمُغيرَة اللَّهُمَّ هَذَا عمر بن الْخطاب فأعز الدّين بِهِ فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَنَّك رَسُول الله.

     وَقَالَ  اخْرُج يَا رَسُول الله قَوْله " وَمَا أسلم " أَي وَالْحَال أَن عمر إِذْ ذَاك لم يكن أسلم قَوْله " انقض " بنُون وقاف وضاد مُعْجمَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بفاء بدل الْقَاف فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي رِوَايَة ابْن نعيم بالراء وَالْفَاء ومعانيها مُتَقَارِبَة والانقضاض الْإِزَالَة والتفرق بِالْقَافِ وَالْفَاء أَيْضا قَالَ الله تَعَالَى {لانفضوا من حولك} أَي لتفرقوا.

     وَقَالَ  ابْن فَارس انقض الْحَائِط وَقع وَمِنْه (يُرِيد أَن ينْقض فأقامه} أَي ينكسر وينهدم قَوْله " لَكَانَ محقوقا " أَي وَاجِبا حَقًا يُقَال حق عَلَيْك أَن تفعل كَذَا ومحقوق أَن تفعل ذَلِك قَوْله " أَن ينْقض " كلمة أَن مَصْدَرِيَّة أَي الانقضاض.
-