فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، وقدومها المدينة، وبنائه بها

( بابُُ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عائِشَةَ وقُدُومِها المَدِينَةَ وبِنائِهِ بِها)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: بابُُ تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع هَكَذَا فِي بعض النّسخ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: التَّزْوِيج بِمَعْنى التَّزَوُّج، نَحْو التَّقْدِيم بِمَعْنى التَّقَدُّم، وَالْمرَاد تَزْوِيجه لنَفسِهِ إِيَّاهَا، أَو هُوَ مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول الأول.
قلت: هَذَا مَوضِع التَّأَمُّل وَالصَّوَاب هُوَ الَّذِي وَقع فِي بعض النّسخ: بابُُ تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع من رِوَايَة أبي ذَر، تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِدُونِ لَفْظَة: بابُُ، أَي: هَذَا بَيَان تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( وقدومها) ، أَي: وَفِي بَيَان قدوم عَائِشَة الْمَدِينَة، وَكَانَ قدوم عَائِشَة مَعَ أمهَا وَأُخْتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى الْمَدِينَة بعد أبي بكر، لِأَن أَبَا بكر هَاجر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبعد أَن اسْتَقر ركاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة بعثا زيد بن حَارِثَة وَأَبا رَافع، مولى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليأتيا بِأَهَالِيِهِمْ من مَكَّة، وبعثا مَعَهُمَا بجملين وَخَمْسمِائة دِرْهَم ليشتريا بهَا إبِلا من قديد، فذهبا فجاآ ببنتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَاطِمَة وَأم كُلْثُوم، وَزَوجته سَوْدَة وَعَائِشَة وَأمّهَا أم رُومَان، فقدمن ونزلن بالسنح ثمَّ دخل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعائشة بالسنح فِي منزل أبي بكر، وَكَانَ بعد الْهِجْرَة بسبعة أشهر أَو ثَمَانِيَة أشهر.
وَاخْتلفُوا فِي سنّهَا يَوْمئِذٍ؟ فَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت بنت سِتّ سِنِين، وَعَن ابْن عَبَّاس: سبع سِنِين، وَالأَصَح أَنَّهَا كَانَت بنت تسع سِنِين لِأَنَّهُ تزَوجهَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين وَتُوفِّي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي بنت ثَمَان عشرَة سنة.
وَاخْتلفُوا: فِي أَي شهر دخل بهَا؟ فَذكر البلاذري أَنه فِي رَمَضَان، وَعَن ابْن إِسْحَاق والطبري: فِي ذِي الْقعدَة بعد مقدمه الْمَدِينَة بِثمَانِيَة أشهر، وَالأَصَح أَنه فِي شَوَّال، لما روى مُسلم وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن عَائِشَة، قَالَت: ( تزَوجنِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَوَّال وَبنى بِي فِي شَوَّال) ، الحَدِيث.
قَوْله: ( وبنائه بهَا) أَي: وَفِي بَيَان بِنَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعائشة، وَقد اعْترض على البُخَارِيّ بِأَن الْجَوْهَرِي قَالَ: الْعَامَّة تَقول: بنى بأَهْله، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا يُقَال: بنى على أَهله، ورد على الْمُعْتَرض بِأَن الفصحاء استعملوه بِالْبَاء، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول عَائِشَة: بنى بِي فِي شَوَّال، وَسَيَأْتِي قَول عُرْوَة فِي آخر الحَدِيث: وَبنى بهَا، وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن الدَّاخِل على أَهله يضْرب عَلَيْهِ قبْلَة لَيْلَة الدُّخُول، ثمَّ قيل لكل دَاخل بأَهْله: بانٍ.



[ قــ :3715 ... غــ :3894 ]
- ( حَدثنِي فَرْوَة بن أبي المغراء حَدثنَا عَليّ بن مسْهر عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت تزَوجنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا بنت سِتّ سِنِين فقدمنا الْمَدِينَة فنزلنا فِي بني الْحَارِث بن خزرج فوعكت فتمرق شعري فوفي جميمة فأتتني أُمِّي أم رُومَان وَإِنِّي لفي أرجوحة وَمَعِي صَوَاحِب لي فصرخت بِي فأتيتها لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي فَأخذت بيَدي حَتَّى أوقفتني على بابُُ الدَّار وَإِنِّي لأنهج حَتَّى سكن بعض نَفسِي ثمَّ أخذت شَيْئا من مَاء فمسحت بِهِ وَجْهي ورأسي ثمَّ أدخلتني الدَّار فَإِذا نسْوَة من الْأَنْصَار فِي الْبَيْت فَقُلْنَ على الْخَيْر وَالْبركَة وعَلى خير طَائِر فأسلمتني إلَيْهِنَّ فأصلحن من شأني فَلم يرعني إِلَّا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضحى فأسلمتني إِلَيْهِ وَأَنا يَوْمئِذٍ بنت تسع سِنِين) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ مُشْتَمل على تزَوجه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاهَا وبنائه بهَا وفروة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء ابْن أبي المغراء بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ الْكُوفِي وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة ابْن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث أخرجه ابْن ماجة فِي النِّكَاح عَن سُوَيْد بن سعيد عَن عَليّ بن مسْهر قَوْله " فقدمنا الْمَدِينَة " قد ذكرنَا قدومها عَن قريب قَوْله " فوعكت " على صِيغَة الْمَجْهُول أَي حميت من الوعك وَهِي الْحمى قَوْله " فتمرق " بالراء وَفِي رِوَايَة الْكشميهني أَي انتتف وَفِي رِوَايَة غَيره بالزاي أَي تقطع قَوْله " فوفى " بِالْفَاءِ أَي كثر وَفِيه حذف تَقْدِيره فنصلت من الوعك فنبر بِي شعري فوفي قَوْله جميمة بِالرَّفْع فَاعل وَفِي.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير وَمِنْه حَدِيث عَائِشَة حِين بنى بهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت وفت لي جميمة أَي كثرت والجميمة بِالْجِيم مصغر الجمة بتَشْديد الْمِيم والجمة من شعر الرَّأْس مَا سقط على الْمَنْكِبَيْنِ وَإِذا كَانَ إِلَى شحمة الْأُذُنَيْنِ يُسمى وفرة قَوْله " أم رُومَان " عطف بَيَان لقولها أُمِّي وَهِي كنية أم عَائِشَة وَاسْمهَا زَيْنَب بنت عَامر بن عُوَيْمِر قَالَه الذَّهَبِيّ.

     وَقَالَ  أَبُو عمر أم رُومَان يُقَال بِفَتْح الرَّاء وَضمّهَا بنت عَامر وَلم يذكر لَهَا اسْما مَاتَت فِي حَيَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سنة سِتّ من الْهِجْرَة فَنزل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبرها واستغفر لَهَا.

     وَقَالَ  اللَّهُمَّ لم يخف عَلَيْك مَا ألقيت أم رُومَان فِيك وَفِي رَسُولك قَوْله " لفي أرجوحة " بِضَم الْهمزَة وَإِسْكَان الرَّاء وَضم الْجِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة نوع لعب للصبيان يطفرون بِهِ بَين الجذعين بِحَبل وَغَيره.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي ترجحت الأرجوحة بالغلام مَالَتْ بِهِ قَوْله " لأنهج " بالنُّون أَي أتنفس تنفسا عَالِيا قَالَ الْكرْمَانِي وأنهج بِلَفْظ الْمَجْهُول يُقَال أنهج الرجل إِذا غَلبه التنفس من الإعياء والنهج تتَابع النَّفس.

     وَقَالَ  ابْن فَارس يُقَال أَتَانَا فلَان ينهج أَي مبهورا مُنْقَطع النَّفس.

     وَقَالَ  الْهَرَوِيّ أنهج أُرِيد التنفس يُقَال نهج وأنهج.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد لَا يُقَال نهج قَوْله وعَلى خير طَائِر أَي قدمت على خير قَالَ وَقيل على خير حَظّ وَنصِيب قَوْله فَلم يرعني بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة أَي لم يفاجئني وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِك فِي الشَّيْء لَا تتوقعه فيهجم عَلَيْك فِي غير زَمَانه أَو مَكَانَهُ وَيُقَال مَعْنَاهُ لم يفزعني شَيْء إِلَّا دُخُوله عَليّ وَكنت بذلك عَن المفاجأة بِالدُّخُولِ على غير عَالم بذلك فَإِنَّهُ يفزع غَالِبا قَوْله " ضحى " أَي ظهرا ويروى قد ضحا وَهَكَذَا ذكره ابْن الْأَثِير فَقَالَ فَلم يرعني إِلَّا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد ضحى أَي ظهر قلت فعلى هَذَا ضحا فعل مَاض يُقَال ضحا يضحو ضحوا إِذا ظهر وَيُقَال أَيْضا ضحا الظل إِذا صَار شمسا قَوْله " فأسلمتني إِلَيْهِ " أَي أسلمتني النسْوَة من الْأَنْصَار إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " وَأَنا يَوْمئِذٍ " الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي يَوْم التَّسْلِيم كنت بنت تسع سِنِين -



[ قــ :3716 ... غــ :3895 ]
- حدَّثنا مُعَلَّى حدَّثني وُهَيْبٌ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ أُرَي أنَّكَ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ ويَقُولُ هَذِهِ امْرَأتُكَ فَاكْشِفْ عَنْهَا فإذَا هِيَ أنْتِ فأقُولُ إنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( هَذِه امْرَأَتك) ومعلَّى، بِضَم الْمِيم بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من بابُُ التَّفْضِيل من الْعُلُوّ بِالْعينِ الْمُهْملَة: ابْن أَسد الْعمي أَبُو الْهَيْثَم الْبَصْرِيّ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ، ووهيب مصغر وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( أريتك) ، بِضَم الْهمزَة.
قَوْله: ( أرَى،) بِضَم الْهمزَة أَيْضا أَي: أَظن.
قَوْله: ( فِي سَرقَة) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَالْقَاف: وَهِي الْقطعَة من الْحَرِير، وَأَصلهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: سره، أَي: جيد فعربوه كَمَا عربوا: استبرق، وَنَحْوه وَوصف أَعْرَابِي رجلا، فَقَالَ: لِسَانه أرق من ورقه وألين من سَرقَة.
قَوْله: ( فَإِذا هِيَ) كلمة: إِذا، للمفاجأة.