فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التاريخ، من أين أرخوا التاريخ

( بابُُ التَّارِيخِ مِنْ أيْنَ أرَّخُوا التَّاريخَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان التَّارِيخ: هُوَ تَعْرِيف الْوَقْت وَكَذَلِكَ التوريخ، قَالَ الصَّيْدَاوِيُّ: أَخذ التَّارِيخ من الأرخ، كَأَنَّهُ شَيْء حدث كَمَا يحدث الْوَلَد، قَالَ الصغاني: قَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال للانثى من بقر الْوَحْش: أرخ، بِالْفَتْح وَجمعه: اراخ، مثل: فرخ وفراخ،.

     وَقَالَ  الصَّيْدَاوِيُّ: هُوَ الارخ، بِالْكَسْرِ، وَضعف الْأَزْهَرِي قَوْله.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: أرخت الْكتاب بِيَوْم كَذَا وورخته بِمَعْنى، قلت: فرق الْأَصْمَعِي بَين اللغتين، فَقَالَ: بَنو تَمِيم يَقُولُونَ: ورخت الْكتاب توريخاً، وَقيس تَقول: أرخته تأريخاً، وَقيل: التَّارِيخ مُعرب من: مَاء وروز، وَمَعْنَاهُ: حِسَاب الْأَيَّام والشهور والأعوام فعربته الْعَرَب، قَوْله: ( من أَيْن أَرخُوا التَّارِيخ) ، أَي: ابْتِدَاء التَّارِيخ من أَي وَقت كَانَ، وَفِيه اخْتِلَاف.
فروى ابْن الْجَوْزِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشّعبِيّ، قَالَ: لما كثر بَنو آدم فِي الأَرْض وانتشروا أَرخُوا من هبوط آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ إِلَى زمَان يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ إِلَى خُرُوج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من مصر بني اسرائيل ثمَّ إِلَى زمَان دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَكَانَ التَّارِيخ مِنْهُ إِلَى الطوفان، ثمَّ إِلَى نَار الْخَلِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ إِلَى زمَان سُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ إِلَى زمَان عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن إِسْحَاق عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَحكى مُحَمَّد بن سعد عَن ابْن الْكَلْبِيّ: أَن حمير كَانَت تؤرخ بالتبابُعة وغسان بالسد، وَأهل صنعاء بِظُهُور الْحَبَشَة على الْيمن، ثمَّ بِغَلَبَة الْفرس، ثمَّ أرخت الْعَرَب بِالْأَيَّامِ الْمَشْهُورَة: كحرب البسوس، وداحس والغبراء، وبيوم ذِي قار، والفجارات وَنَحْوهَا، وَبَين حَرْب البسوس ومبعث نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سِتُّونَ سنة.
.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه: أما الرّوم فَأَرختْ بقتل دَارا بن دَارا إِلَى ظُهُور الْفرس عَلَيْهِم، وَأما القبط فَأَرختْ ببخت نصر إِلَى فلابطرة صَاحِبَة مصر، وَأما الْيَهُود فَأَرختْ بخراب بَيت الْمُقَدّس، وَأما النَّصَارَى فبرفع الْمَسِيح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأما ابْتِدَاء تَارِيخ الْإِسْلَام فَفِيهِ اخْتِلَاف أَيْضا، فروى الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي ( تَارِيخ دمشق) : عَن أنس بن مَالك أَنه كَانَ التَّارِيخ من مقدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة فِي ربيع الأول، فأرخوا.
وَعَن ابْن عَبَّاس: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة وَلَيْسَ لَهُم تَارِيخ، وَكَانُوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه فأقاموا على ذَلِك إِلَى أَن توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَانْقطع التَّارِيخ، وَمَضَت أَيَّام أبي بكر على هَذَا وَأَرْبع سِنِين من خلَافَة عمر على هَذَا، ثمَّ وضع التَّارِيخ، وَاخْتلفُوا فِي سَببه، فروى ابْن السَّمرقَنْدِي: أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتب إِلَى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه يأتينا مِنْك كتب لَيْسَ لَهَا تَارِيخ، فأرخ لتستقيم الْأَحْوَال، فأرخ.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْيَقظَان: رفع إِلَى عمر صك مَحَله فِي شعْبَان، فَقَالَ: أَي شعْبَان هَذَا؟ الَّذِي نَحن فِيهِ أم الْمَاضِي أم الَّذِي يَأْتِي؟.

     وَقَالَ  الْهَيْثَم ابْن عدي: أول من أرخ يعلى بن أُميَّة، كتب إِلَى عمر من الْيمن كتابا مؤرخاً فَاسْتَحْسَنَهُ وَشرع فِي التَّارِيخ.
.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: لما عزم عمر على التَّارِيخ جمع الصَّحَابَة فاستشارهم، فَقَالَ سعد بن أبي وَقاص: أرخ لوفاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  طَلْحَة: أرخ لمبعثه،.

     وَقَالَ  عَليّ بن أبي طَالب: أرخ لهجرته فَإِنَّهَا فرقت بَين الْحق وَالْبَاطِل،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: لمولده،.

     وَقَالَ  قوم: لنبوته، وَكَانَ هَذَا فِي سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة، وَقيل: فِي سنة سِتّ عشرَة، وَاتَّفَقُوا على قَول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ اخْتلفُوا فِي الشُّهُور، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أرخ لرجب، فَإِنَّهُ أول الْأَشْهر الْحرم،.

     وَقَالَ  طَلْحَة: من رَمَضَان لِأَنَّهُ شهر الْأمة،.

     وَقَالَ  عَليّ: من الْمحرم لِأَنَّهُ أول السّنة.



[ قــ :3751 ... غــ :3934 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أبِيهِ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ مَا عَدُّوا منْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولاَ مِنْ وَفاتِهِ مَا عَدّوا إلاَّ مِنْ مَقْدَمِهِ المَدِينَةِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
قَوْله: ( مَا عدوا) أَي: التَّارِيخ من مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا عدوه من وَفَاته، وَإِنَّمَا عدوه من وَقت ( مقدمه الْمَدِينَة) ، أَي: من وَقت قدومه مُهَاجرا إِلَيْهَا، وَقد ذَكرْنَاهُ مستقصًى.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قدومه الْمَدِينَة كَانَ فِي ربيع الأول، فَلم جعلُوا ابتداءه من الْمحرم؟ قلت: لِأَنَّهُ أول السّنة، أَو لِأَن الْهِجْرَة من مَكَّة كَانَت فِيهِ، وَقد ذكرنَا الْآن مَا يُغني عَن هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب.





[ قــ :375 ... غــ :3935 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ هاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ففُرِضَتْ أرْبَعَاً وتُرِكَتْ صَلاَةُ السَّفَرِ علَى الأوَّلِ.
( انْظُر الحَدِيث 350 وطرفه) .


لما كَانَ البابُان السابقان داخلين فِي: بابُُ هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَاءَت الْمُنَاسبَة لذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا، وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي أول الْأَبْوَاب، وَهُوَ: بابُُ كَيفَ فرضت الصَّلَاة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصًى هُنَاكَ.
قَوْله: ( على الأول) رِوَايَة أبي ذَر، ويروى: على الأولى.

تابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ
أَي: تَابع يزِيد بن زُرَيْع فِي رِوَايَة الحَدِيث عَن معمر بن رَاشد عبد الرازق بن همام الصَّنْعَانِيّ، وَهَذِه الْمُتَابَعَة وَصلهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنهُ.