فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حديث بني النضير، ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين، وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم

( بابُُ حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حَدِيث بني النَّضِير، بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، وهم قَبيلَة من يهود الْمَدِينَة، وَكَانَ بَينهم وَبَين رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقد موادعة،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: قُرَيْظَة وَالنضير والنحام وعمو هم أصُول بني الْخَزْرَج بن الصَّرِيح بن التومان ابْن السمط بن أليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النحام بن تخوم بن عازر بن عزراء بن هَارُون بن عمرَان بن يصهر بن فاهث ابْن لاوي بن يَعْقُوب وَهُوَ إِسْرَائِيل بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

ومَخْرَجِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْهِمْ فِي دِيَّةِ الرَّجُلَيْنِ ومَا أرَادُوا مِنَ الغَدْرِ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ومخرج، بِالْجَرِّ عطف على، حَدِيث بني النَّضِير، أَي: وَفِي بَيَان خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مصدر ميمي.
قَوْله: إِلَيْهِم، أَي: إِلَى بني النَّضِير، قَوْله: ( فِي دِيَة الرجلَيْن) كلمة: فِي هُنَا للتَّعْلِيل أَي: كَانَ خُرُوجه إِلَيْهِم بِسَبَب دِيَة الرجلَيْن، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَذَلِك الَّذِي لمتنني فِيهِ} ( يُوسُف: 32) .
وَفِي الحَدِيث: امْرَأَة دخلت النَّار فِي هرة، وَكَانَ الرّجلَانِ الْمَذْكُورَان من بني عَامر، قَالَه ابْن إِسْحَاق،.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام: من بني كلاب، وَذكر أَبُو عمر أَنَّهُمَا من سليم، فَخَرَجَا من الْمَدِينَة وَنزلا فِي ظلّ فِيهِ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي، وَكَانَ مَعَهُمَا عقد وعهد من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجوَار، وَلم يعلم بِهِ عَمْرو، وَقد سَأَلَهُمَا حِين نزلا: مِمَّن أَنْتُمَا؟ فَقَالَا: من بني عَامر، فأمهلهما حَتَّى إِذا نَامَا عدا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا، وَلما قدم عَمْرو على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبرهُ، قَالَ: لقد قتلت قَتِيلين لأودينَّهما، فَخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني النَّضِير مستعيناً بهم فِي دِيَة الْقَتِيلين، قَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: وَكَانَ بَين بني النَّضِير وَبني عَامر حلف وَعقد، فَقَالُوا: نعم يَا أَبَا الْقَاسِم نعينك، ثمَّ خلا بَعضهم بِبَعْض، فَقَالُوا: إِنَّكُم لن تَجدوا الرجل على مثل حَاله هَذِه، وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جنب جِدَار من بُيُوتهم قَاعد، فَمن رجل يَعْلُو على هَذَا الْبَيْت فيلقي عَلَيْهِ صَخْرَة فَيُرِيحنَا مِنْهُ؟ فَانْتدبَ لذَلِك عَمْرو بن جحاش، بِكَسْر الْجِيم وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة: ابْن كَعْب أحدهم، فَقَالَ: أَنا لذَلِك، فَصَعدَ ليلقي عَلَيْهِ صَخْرَة، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر فيهم أَبُو بكر وَعمر وَعلي، وَزَاد أَبُو نعيم: الزبير وَطَلْحَة وَسعد بن معَاذ وَأسيد بن حضير وَسعد بن عبَادَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَأتى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر من السَّمَاء بِمَا أَرَادَ الْقَوْم، فَقَامَ وَخرج رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة، وَهَذَا معنى قَوْله: ( وَمَا أَرَادوا) أَي: وَفِي بَيَان مَا أَرَادَ بَنو النَّضِير من الْغدر برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: خرج إِلَيْهِم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَسْتَعِينهُمْ يَوْم السبت فِي شهر ربيع الأول على رَأس سَبْعَة وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة بعد غَزْوَة الرجيع، وَأَن ابْن جحاش لما همَّ بِما هَمَّ بِهِ، قَالَ سَلام بن مشْكم: لَا تَفعلُوا، وَالله ليخبرن بِمَا هممتم وَإنَّهُ لينقض الْعَهْد بَيْننَا وَبَينه، وَبعث إِلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد بن مسلمة: أَن أخرجُوا من بلدي لَا تساكنوني بهَا، وَقد هممتم بِمَا هممتم بِهِ من الْغدر، وَقد أجَّلتكم عشرا، فَمن رئي بعد ذَلِك فقد ضربت عُنُقه، فَمَكَثُوا أَيَّامًا يَتَجَهَّزُونَ، فَأرْسل إِلَيْهِم ابْن أبي فَثَبَّطَهُمْ، فأرسلوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لَا نخرج فَاصْنَعْ مَا بدا لَك، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أكبر حَارَبت يهود، فَخرج إِلَيْهِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعتزلتهم قُرَيْظَة، فَلم تعنهم وخذلهم ابْن أبي وحلفاؤهم من غطفان فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَة عشر يَوْمًا،.

     وَقَالَ  ابْن الطلاع: ثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا، وَعَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: ثمَّ أجلاهم فَتَحملُوا على سِتّمائَة بعير وَكَانَت صفياً لَهُ حبسا لنوائبه، وَلم يخمسها وَلم يُسهم مِنْهَا لأحد إلاَّ لأبي بكر وَعمر وَابْن عَوْف وصهيب بن سِنَان وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَأبي سَلمَة بن عبد الْأسد وَأبي دُجَانَة،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: فاحتملوا إِلَى خَيْبَر وَإِلَى الشَّام،.

     وَقَالَ : فَحَدثني عبد الله بن أبي بكر أَنهم خلوا الْأَمْوَال من الْخَيل والمزارع لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة،.

     وَقَالَ  إِبْنِ إِسْحَاق: لم يسلم مِنْهُم إلاَّ يَامِين بن عُمَيْر، وَأَبُو سعيد ابْن وهب، فأحرزا أموالهما.

قَالَ الزُّهْرِيُّ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ كانَتْ عَلَى رأسِ سِتَّةِ أشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أحُدٍ أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام: كَانَت غَزْوَة بني النَّضِير على رَأس سِتَّة أشهر من وقْعَة غَزْوَة بدر قبل غَزْوَة أحد، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْحَاكِم عَن أبي عبد الله الْأَصْبَهَانِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن جهم حَدثنَا مُوسَى بن الْمسَاوِر حَدثنَا عبد الله بن معَاذ عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.

وقَوْلِ الله تعَالى { هُوَ الَّذِي أخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأِوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أنْ يَخْرُجُوا} ( الْحَشْر: 2) .

وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: ومخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذِه الْآيَة من سُورَة الْحَشْر، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أنزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة بكمالها فِي بني النَّضِير، فِيهَا مَا أَصَابَهُم بِهِ من نقمة وَمَا سلط عَلَيْهِم رَسُوله وَمَا عمل بِهِ فيهم.
قَوْله: ( لأوّل الْحَشْر) أَي: الْجلاء، وَذَلِكَ أَن بني النَّضِير أول من أخرج من دِيَارهمْ، وروى ابْن مرْدَوَيْه قصَّة بني النَّضِير بِإِسْنَاد صَحِيح مُطَوَّلَة، وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتلهم حَتَّى نزلُوا على الْجلاء، وَكَانَ جلاؤهم ذَلِك أول حشر النَّاس إِلَى الشَّام، وَكَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد فِي ( تَفْسِيره) : عَن عبد الرَّزَّاق، وَفِيه رد على ابْن التِّين حَيْثُ زعم أَنه لَيْسَ فِي هَذِه الْقِصَّة حَدِيث بِإِسْنَاد.

وجعَلَهُ ابنُ إسْحَاقَ بَعْد بِئرِ مَعُونَةَ وأُحُدٍ
أَي: جعل مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب ( الْمَغَازِي) قتال بني النَّضِير بعد بِئْر مَعُونَة، فَكَانَت فِي صفر من سنة أَربع من الْهِجْرَة،.

     وَقَالَ  إِبْنِ إِسْحَاق: أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد أحد بَقِيَّة شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَالْمحرم، ثمَّ بعث بأصحاب بِئْر مَعُونَة فِي صفر على رَأس أَرْبَعَة أشهر من أحد،.

     وَقَالَ  مُوسَى بن عقبَة: كَانَ أَمِير الْقَوْم الْمُنْذر بن عَمْرو، وَيُقَال: مرْثَد بن أبي مرْثَد، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: وَجعله إِسْحَاق، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ وهم، وَالصَّوَاب ابْن إِسْحَاق، وَهُوَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن يسَار،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن نصر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْمُهْملَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَالصَّوَاب: ابْن يسَار، وَهُوَ مَشْهُور لَيْسَ فِيهِ خَفَاء.



[ قــ :3834 ... غــ :4028 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخْبرَنَا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ حارَبَتِ النَّضِيرُ وقُرَيْظَةُ فأجْلى بَنِي النَّضِيرِ وأقَرَّ قُرَيْظَةَ ومَنَّ علَيْهِمْ حتَّى حارَبَتْ قُرَيْظَةُ فقَتَلَ رِجالَهُمْ وقَسَمَ نِساءَهُمْ وأوْلاَدَهُمْ وأمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلاَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَّنَهُمْ وأسْلَمُوا وأجْلَى يَهُودَ المَدِينَةِ كلَّهُمْ بَني قَيْنُقَاعَ وهُمْ رَهْطُ عَبْدِ الله بنِ سَلامٍ ويَهُودَ بَنِي حارِثَةَ وكُلَّ يَهُودٍ بالمَدِينَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، وَالْبُخَارِيّ يروي عَنهُ، فَتَارَة ينْسبهُ إِلَى أَبِيه، وَتارَة إِلَى جده، وَعبد الرَّزَّاق بن همام الْيَمَانِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، ومُوسَى بن عقبَة بن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمدنِي.

قَوْله: ( حَارَبت النَّضِير) فعل وفاعل.
قَوْله: ( وَقُرَيْظَة) بِالرَّفْع عطف على: النَّضِير، وَهُوَ مصغر: الْقرظ، بِالْقَافِ وَالرَّاء والظاء، وهم أَيْضا قَبيلَة من يهود الْمَدِينَة، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف تَقْدِيره: حَارَبت هَاتَانِ القبيلتان رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَأجلى) ، أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ هُوَ الْفَاعِل.
قَوْله: ( وَبني النَّضِير) ، بِالنّصب مَفْعُوله، يُقَال: جلا من الوطن يجلو جلاء، وَأجلى يجلي إجلاء: إِذا خرج مفارقاً، وجلوته أَنا وأجليته، وَكِلَاهُمَا لَازم ومتعد.
قَوْله: ( وَأقر قُرَيْظَة) ، أَي: فِي مَنَازِلهمْ ( وَمن عَلَيْهِم) وَلم يَأْخُذ مِنْهُم شَيْئا.
قَوْله: ( حَتَّى حَارَبت قُرَيْظَة) ، يَعْنِي: إِقْرَاره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومنَّه عَلَيْهِم إِلَى أَن حَاربُوا.
قَوْله: ( فَقتل رِجَالهمْ) ، يَعْنِي: لما حَاربُوا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَاصَرَهُمْ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا حَتَّى جهدهمْ الْحصار، وَقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فنزلوا على حكم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ( فَقتل رِجَالهمْ وَقسم نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ وَأَمْوَالهمْ بَين الْمُسلمين) بَعْدَمَا أخرج الْخمس، فَأعْطى للفارس ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَيْنِ للْفرس، وَسَهْما لفارسه، وَسَهْما للراجل، وَكَانَت الْخَيل: سِتَّة وَثَلَاثِينَ.
قَوْله: ( إلاَّ بَعضهم) أَي: إلاَّ بعض قُرَيْظَة.
قَوْله: ( فَأَمنَهُمْ) أَي: جعلهم أمنين.
قَوْله: ( بني قينقاع) بِالنّصب على أَنه بدل من قَوْله: يهود بِالْمَدِينَةِ، وَنون قينقاع مُثَلّثَة.
قَوْله: ( وكل يهود) أَي: وَأجلى كل يهود بِالْمَدِينَةِ، ويروى: كل يهود الْمَدِينَة.





[ قــ :3835 ... غــ :409 ]
- حدَّثني الحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ أخبرَنَا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ.

قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ الحَشْرِ قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ.
.


الْحسن بن مدرك، على لفظ اسْم الْفَاعِل من الْإِدْرَاك، أَبُو عَليّ الطَّحَّان، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَيحيى بن حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ.
قَوْله: ( قل سُورَة النَّضِير) لِأَنَّهَا نزلت فيهم،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: كَأَن ابْن عَسَاكِر كره تَسْمِيَتهَا سُورَة الْحَشْر لِئَلَّا يظنّ أَن المُرَاد بالحشر يَوْم الْقِيَامَة.

تابَعَهُ هُشَيْمٌ عنْ أبِي بِشْرٍ
أَي: تَابع أَبَا عوَانَة هشيمُ بنُ بشير الوَاسِطِيّ فِي رِوَايَته عَن أبي بشر، وَوصل البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي التَّفْسِير كَمَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.





[ قــ :3836 ... غــ :4030 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ أبِي الأسْودِ حدَّثنا مُعْتَمَرٌ عنْ أبِيهِ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ للنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّخَلاتِ حتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرَ فَكانَ بَعْدَ ذالِكَ يَرُدُّ علَيْهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله بن أبي الْأسود، واسْمه: حميد بن الْأسود أَبُو بكر الْبَصْرِيّ الْحَافِظ، وَهُوَ من أَفْرَاده، ومعتمر بن سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان الْبَصْرِيّ، والْحَدِيث بِعَيْنِه سنداً ومتناً مضى فِي الْخمس فِي: بابُُ كَيفَ قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُرَيْظَة وَالنضير، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :3837 ... غــ :4031 ]
- ( حَدثنَا آدم حَدثنَا اللَّيْث عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ حرق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نخل بني النَّضِير وَقطع وَهِي البويرة فَنزلت { مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله} ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن يحيى وقتيبة وَمُحَمّد بن رمح وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن رمح وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِي السّير وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن رمح وَلما روى التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث قَالَ وَقد ذهب قوم من أهل الْعلم إِلَى هَذَا وَلم يرَوا بَأْسا بِقطع الْأَشْجَار وتخريب الْحُصُون وَكره بَعضهم ذَلِك وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيّ وَنهى أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن يقطع شَجرا مثمرا وَيخرب عَامِرًا وَعمل بذلك الْمُسلمُونَ بعده.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي لَا بَأْس بالتحريق فِي أَرض الْعَدو وَقطع الْأَشْجَار وَالثِّمَار.

     وَقَالَ  أَحْمد قد يكون فِي مَوَاضِع لَا يَجدونَ مِنْهُ بدا فَأَما بالعبث فَلَا يحرق.

     وَقَالَ  إِسْحَق التحريق سنة إِذا كَانَ لكَافِر فِيهَا انْتهى قلت مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن الشَّافِعِي من أَنه لَا بَأْس بالتحريق وَقطع الْأَشْجَار حَكَاهُ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْجُمْهُور وَالْمَعْرُوف ذَلِك قَوْله " نخل بني النَّضِير " هَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره نخل النَّضِير قَوْله وَهِي البويرة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر البورة وَهُوَ مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة ونخل كَانَ لبني النَّضِير.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي البؤرة بِالْهَمْزَةِ الحفرة قَوْله من لينَة اخْتلفُوا فِي تَفْسِيرهَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى اللينة من الألوان وَهِي مَا لم تكن برنية وَلَا عَجْوَة.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَق اللينة مَا خَالف الْعَجْوَة من النخيل وَهُوَ قَول عِكْرِمَة وَيزِيد بن رُومَان وَقَتَادَة وروى عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا وَهُوَ الَّذِي رَجحه النَّوَوِيّ وَيُقَال اللينة أَنْوَاع التَّمْر كلهَا إِلَّا الْعَجْوَة وَقيل كرام النّخل وَقيل كل النّخل وَقيل كل الْأَشْجَار للينها وَقيل هِيَ النَّخْلَة الْقَرِيبَة من الأَرْض وَقيل اللينة الْعَجْوَة والعتيق والنخيل رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي التَّفْسِير عَن جَابر بن عبد الله قَوْله " فبإذن الله " قيل يحْتَمل أَن يُرَاد بِالْعلمِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى { فأذنوا بِحَرب} أَي فاعلموا وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْإِذْنِ إِبَاحَة الْفِعْل وَهُوَ الْأَظْهر.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَق فبأمر الله وعَلى هَذَا فَهَل اسْتمرّ الْأَمْرَانِ بعد ذَلِك أَنهم يخيرون بَين قطع النخيل وَتَحْرِيقهَا وَبَين إبقائها أَو أَن ذَلِك كَانَ على التَّرْتِيب فَكَانَ الْإِذْن أَولا فِي الْقطع ثمَّ فِي التّرْك آخرا أما على سَبِيل الْوُجُوب والاستحبابُ فَيكون الْقطع وَالتَّحْرِيق مَنْسُوخا قيل يدل عَلَيْهِ حَدِيث جَابر رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من رِوَايَة سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ رخص لَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قطع النّخل ثمَّ شدد عَلَيْهِم فَأتوا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله علينا إِثْم فِيمَا قَطعنَا أَو وزر فِيمَا تركنَا فَأنْزل الله تَعَالَى { مَا قطعْتُمْ من لينَة} الْآيَة فَدلَّ ذَلِك على أَنه نَهَاهُم عَن الْقطع فَيكون محمل الْآيَة مَا قطعْتُمْ من لينَة أَولا بِالْإِذْنِ فِي الْقطع أَو تَرَكْتُمُوهَا آخرا بِالنَّهْي عَن ذَلِك فبإذن الله فِي الْحَالَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص أَولا ثمَّ نَهَاهُم آخرا قلت حَدِيث جَابر ضَعِيف وَسليمَان بن مُوسَى الْأَشْدَق عِنْده مَنَاكِير قَالَه البُخَارِيّ وَفِيه أَيْضا سُفْيَان بن وَكِيع مُتَكَلم فِيهِ.

     وَقَالَ  أَبُو زرْعَة يتهم بِالْكَذِبِ فَحَدِيث جَابر لَا يَصح -



[ قــ :3838 ... غــ :403 ]
- حدَّثني إسْحَاقُ أخبَرَنَا حَبَّانُ أخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ ولَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ
( وَهَانَ علَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ حرِيقٌ بالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ)

قَالَ فأجَابَهُ أبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ
( أدَامَ الله ذالِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ)

( سَتَعْلَمُ أيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ ... وتَعْلَمُ أيَّ أرْضَيْنَا تَضِيرُ) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور الْمروزِي، وَقيل: إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَالْأول أشهر، وحبان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث مر فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي: بابُُ قطع الشّجر وَالنَّخْل، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَنَذْكُر بعض شَيْء لبعد المدى.

قَوْله: ( وَهَان) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لهان، بِاللَّامِ بدل الْوَاو، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: هان، بِلَا لَام وَلَا وَاو.
قَوْله: ( على سراة) سراة الْقَوْم ساداتهم.
قَوْله: ( بني لؤَي) ، بِضَم اللَّام وَفتح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء، وَالْمرَاد بهم صَنَادِيد قُرَيْش وأكابرهم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَي: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأقاربه، وَفِي ( التَّوْضِيح) : لِأَن قُريْشًا هم الَّذين حملُوا كَعْب بن أَسد الْقرظِيّ، صَاحب عقد بني قُرَيْظَة، على نقض الْعَهْد بَينه وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى خرج مَعَهم إِلَى الخَنْدَق.
قَوْله: ( مستطير) ، أَي: منتشر مشتعل.
قَوْله: ( فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَان) ، هُوَ ابْن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَهُوَ ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ حِينَئِذٍ لم يسلم وَقد أسلم بعد فِي الْفَتْح، وَثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحنين.
قَوْله: ( أدام الله) ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ: أدام الله ذَلِك، أَي: تحريق الْمُسلمين أَرض الْكَافرين، وَهُوَ كَانَ كَافِرًا لَا يَدْعُو لَهُم؟ قلت: غَرَضه: أدام الله تحريق تِلْكَ الأَرْض بِحَيْثُ يتَّصل بنواحيها، وَهِي الْمَدِينَة وَسَائِر مَوَاضِع أهل الْإِسْلَام، فَيكون دُعَاء عَلَيْهِم لَا لَهُم.
قَوْله: ( مِنْهَا) ، أَي: من البويرة، أَي: جِهَتهَا وإحراقها، ويروى: مِنْهُم، أَي: من بني النَّضِير.
قَوْله: ( بنزه) ، بِضَم النُّون وَسُكُون الزَّاي أَي: ببعد، وزنا وَمعنى، وَهُوَ فِي الأَصْل من النزاتهة وَهِي الْبعد من السوء، وَجَاء فِيهِ فتح النُّون.
قَوْله: ( أَي أرضينا) ، بالتثنية أَي: الْمَدِينَة الَّتِي هِيَ دَار الْإِيمَان، وَمَكَّة الَّتِي كَانَت بهَا الْكفَّار.
قَوْله: ( تضير) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة من: ضار يضير ضيراً، وَهُوَ الضّر.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا: نضير، بالنُّون من النضارة على وزن: فعيل، وَقد وَقع فِي ( عُيُون الْأَثر) لأبي الْفَتْح بن سيد النَّاس: عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَن الَّذِي قَالَ:
هان على سراة بني لؤَي
هُوَ أَبُو سُفْيَان ابْن الْحَارِث، وَأَنه قَالَ: عز، بدل: هان، وَأَن الَّذِي أجَاب بقوله:
أدام الله ذَلِك من صَنِيع
الْبَيْتَيْنِ هُوَ حسان، قَالَ: وَهُوَ من أشبه من الرِّوَايَة الَّتِي وَقعت فِي البُخَارِيّ انْتهى.
قيل: لم يذكر مُسْتَند التَّرْجِيح، وَالَّذِي يظْهر أَن الَّذِي فِي ( الصَّحِيح) أصح.
انْتهى.
قلت: يصلح للترجيح قَول أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ لأنى أَدْرِي بذلك من غَيره، على مَا لَا يخفى على أحد.





[ قــ :3839 ... غــ :4033 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبَرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبَرَنِي مالِكُ بنُ أوْسِ بنِ الحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دعَاهُ إذْ جاءَهُ حاجِبُهُ يَرْفا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ والزُّبَيْرِ وسَعْدٍ يَسْتأذِنُونَ فَقَالَ نَعَمْ فأدْخِلْهُمْ فلَبِثَ قَلِيلاً ثُمَّ جاءَ فقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وعَلِيٍّ يَسْتَأذِنَانِ قَالَ نَعَمْ فلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَ هاذَا وهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ فاسْتَبَّ علِيٌّ وعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بيْنَهُمَا وأرِحْ أحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ فَقَالَ عُمَرُ إتِّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِاللَّه الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ هَلْ تَعْلَمونَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ قالُوا قدْ قَالَ ذالِكَ فأقْبَلَ عُمَرُ علَى عَبَّاسٍ وعَلِي فَقَالَ أنْشُدُكُمَا بِاللَّه هَلْ تَعْلَمَانِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ قالَ ذَلِكَ قالاَ نَعَمْ قَالَ فإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عنْ هَذَا الأمْرِ إنَّ الله سُبْحَانَهُ كانَ خَصَّ رسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَدَاً غيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ { ومَا أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ علَيْهِ مِنْ خَيْلٍ ولاَ رِكَابٍ} ( الْحَشْر: 6) .
إِلَى قَوْلِهِ: { قَدِيرٌ} ( الْحَشْر: 6) .
فَكَانَتْ هاذِهِ خالِصَةً لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ وَالله مَا احْتَازَها دُونَكُمْ ولاَ اسْتَأثَرَهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ أعْطَاكُمُوها وقَسَمَها فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هاذَا المَالُ مِنْهَا فَكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنْفِقُ علَى أهْلِهِ نَفَقَته سَنَتِهِمْ مِنْ هاذَا المالِ ثُمَّ يأخُذُ مَا بَقِيَ فيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ الله فعَمِلِ ذالِكَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَياتَهُ ثُمَّ تُوُفِيَّ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ أبُو بَكْرٍ فأنَا وليُّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَبَضَهُ أبُو بَكْرٍ فعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنْتُمْ حِينَئِذَ فأقْبَلَ علَى عَلِيٍّ وعَبَّاسٍ.

     وَقَالَ  تَذْكُرَانِ أنَّ أبَا بَكْرٍ فيهِ كَما تَقُولانِ وَالله يَعْلَمُ إنَّهُ فيهِ لَصَادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى الله أبَا بَكْرٍ فقُلْتُ أنَا وَلِيُّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ فقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ من إمَارَتي أعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ وَالله يَعْلَمُ أنِّي فِيهِ صادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلاَكُمَا وكَلِمَتُكُمَا واحِدَةٌ وأمْرُكُمَا جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي يَعْنِي عَبَّاسَاً فَقُلْتُ لَكُمَا إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فلَمَّا بَدَا لِي أنْ أدْفَعَهُ إلَيْكُمَا.

قُلْتُ إنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا عَلَى أنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ الله ومِيثَاقَهُ لَتَعْمَلانِّ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فيهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ ومَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلِيتُ وإلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِي فقُلْتُمَا ادْفَعْهُ إلَيْنَا بِذَلِكَ فدَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا أفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضاءً غَيْرَ ذالِكَ فوَالله الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ لاَ أقْضِي فِيهِ بِقَضاءِ غَيْرِ ذالِكَ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فإنَّ عَجزْتُمَا عنْهُ فادْفَعَا إلَيَّ فأنَا أكْفِيكُمَاهُ.
قالَ فَحَدَّثْتُ هَذَا الحَدِيثَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ فقالَ صَدَقَ مالِكُ بنُ أوْسٍ أنَا سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقُولُ أرْسَلَ أزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَانَ إلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ ثمُنَهُنَّ مِمَّا أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكُنْتُ أنَا أرُدُّهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ ألاَ تتَّقِينَ الله ألَمْ تَعْلَمْنَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقةٌ يُرِيدُ بِذالِكَ نَفْسَهُ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هاذَا المَالِ فانْتَهاى إلَى أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَا أخْبَرْتُهُنَّ قَالَ فكانَتْ هاذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاساً فغَلَبَهُ علَيْهَا ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حسَنِ بنِ عَليٍّ ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ ابنِ علِيِّ بن حُسَيْنٍ وحَسنِ بنِ حَسَنَ كِلاَهُمَا كَانَا يتَدَاوَلانِهَا ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بنِ حَسَنٍ وهْيَ صدَقَةُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقَّاً.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وهما يختصمان فِي الَّذِي أَفَاء الله على رَسُوله من بني النَّضِير) .
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
وَهَذَا الْإِسْنَاد قد تكَرر ذكره.
والْحَدِيث مر فِي الْخمس فِي: بابُُ فرض الْخمس فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي عَن مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن مَالك بن أَوْس مطولا إِلَى قَوْله: ( فَإِنِّي أكفيكما) .
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.

قَوْله: ( يرفأ) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وبالفاء مهموزاً وَغير مَهْمُوز، وَقد تدخل عَلَيْهِ الللام فَيُقَال: اليرفاء، وَهُوَ حَاجِب من حجاب عمر.
قَوْله: ( فاستب) ، لم يكن هَذَا السب من قبيل الْقَذْف وَلَا من نوع الْمُحرمَات، وَلَعَلَّ عليا ذكر تخلف عَبَّاس عَن الْهِجْرَة وَنَحْو ذَلِك.
قَوْله: ( اتئدوا) ، أَي: لَا تستعجلوا، وَهِي من التؤدة وَهِي التأني والمهلة.
قَوْله: ( أنْشدكُمْ) ، بِضَم الشين.
قَوْله: ( لَا نورث) ، بِفَتْح الرَّاء، وَالْمعْنَى على الْكسر أَيْضا صَحِيح، وَيُرِيد بِهِ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وعورض بقوله: { وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} ( النَّمْل: 16) .
وَقَوله فِي زَكَرِيَّا: { يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} ( مَرْيَم: 6) .
وَأجِيب: بِأَن المُرَاد إِرْث الْعلم والنبوة، وَلَو كَانَ المُرَاد المَال كَانَ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ السَّلَام، أَحَق بِالْمِيرَاثِ من آل يَعْقُوب.
قَوْله: ( قد قَالَ) ذَلِك، أَي: قَوْله: لَا نورث.
قَوْله: ( احتازها) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة من الاحتياز وَهُوَ الْجمع.
قَوْله: ( وَلَا استأثرها) ، من الاستئثار، وَهُوَ الاستبداد والاستقلال.
قَوْله: ( وَأَنْتُم) ، جمع ( وتذكران) مثنى فَلَا مُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، لَكِن هُوَ على مَذْهَب من قَالَ: أقل الْجمع اثْنَان، أَو يكون لفظ: ( حِينَئِذٍ) ، خَبره ( وتذكران) ابْتِدَاء كَلَام الْكرْمَانِي: ويروى: ( أَنْتُمَا) .
قَوْله: ( فجئتني) ، قَالَ أَولا جئتما، ثمَّ قَالَ بِالْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ لعلهما جاآ بالِاتِّفَاقِ أَولا ثمَّ جَاءَ عَبَّاس وَحده.
قَوْله: ( وبدا لي) أَي: ظهر لي.

قَوْله: ( قَالَ: فَحدثت) ، أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ.
قَوْله: ( فغلبه عَلَيْهَا) ، أَي: بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَتَحْصِيل غلاتها لَا بتخصيص الْحَاصِل بِنَفسِهِ.
قَوْله: ( يتداولانها) أَي: عَليّ بن حُسَيْن وَحسن بن حسن مكبران ابْن عَليّ، وكل مِنْهُمَا ابْن عمر الآخر يتناوبان فِي تصرفهما، وَزيد بن الْحسن بن عَليّ أَخُو الْحسن الْمَذْكُور.





[ قــ :3839 ... غــ :4033 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخبَرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبَرَنِي مالِكُ بنُ أوْسِ بنِ الحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دعَاهُ إذْ جاءَهُ حاجِبُهُ يَرْفا فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ والزُّبَيْرِ وسَعْدٍ يَسْتأذِنُونَ فَقَالَ نَعَمْ فأدْخِلْهُمْ فلَبِثَ قَلِيلاً ثُمَّ جاءَ فقَالَ هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وعَلِيٍّ يَسْتَأذِنَانِ قَالَ نَعَمْ فلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وبَيْنَ هاذَا وهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ فاسْتَبَّ علِيٌّ وعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْضِ بيْنَهُمَا وأرِحْ أحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ فَقَالَ عُمَرُ إتِّئِدُوا أنْشُدُكُمْ بِاللَّه الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ هَلْ تَعْلَمونَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ قالُوا قدْ قَالَ ذالِكَ فأقْبَلَ عُمَرُ علَى عَبَّاسٍ وعَلِي فَقَالَ أنْشُدُكُمَا بِاللَّه هَلْ تَعْلَمَانِ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ قالَ ذَلِكَ قالاَ نَعَمْ قَالَ فإنِّي أُحَدِّثُكُمْ عنْ هَذَا الأمْرِ إنَّ الله سُبْحَانَهُ كانَ خَصَّ رسُولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَدَاً غيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ { ومَا أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أوْجَفْتُمْ علَيْهِ مِنْ خَيْلٍ ولاَ رِكَابٍ} ( الْحَشْر: 6) .
إِلَى قَوْلِهِ: { قَدِيرٌ} ( الْحَشْر: 6) .
فَكَانَتْ هاذِهِ خالِصَةً لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ وَالله مَا احْتَازَها دُونَكُمْ ولاَ اسْتَأثَرَهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ أعْطَاكُمُوها وقَسَمَها فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هاذَا المَالُ مِنْهَا فَكانَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنْفِقُ علَى أهْلِهِ نَفَقَته سَنَتِهِمْ مِنْ هاذَا المالِ ثُمَّ يأخُذُ مَا بَقِيَ فيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ الله فعَمِلِ ذالِكَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَياتَهُ ثُمَّ تُوُفِيَّ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ أبُو بَكْرٍ فأنَا وليُّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَبَضَهُ أبُو بَكْرٍ فعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنْتُمْ حِينَئِذَ فأقْبَلَ علَى عَلِيٍّ وعَبَّاسٍ.

     وَقَالَ  تَذْكُرَانِ أنَّ أبَا بَكْرٍ فيهِ كَما تَقُولانِ وَالله يَعْلَمُ إنَّهُ فيهِ لَصَادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى الله أبَا بَكْرٍ فقُلْتُ أنَا وَلِيُّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ فقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ من إمَارَتي أعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ وَالله يَعْلَمُ أنِّي فِيهِ صادِقٌ بارٌّ رَاشِدٌ تابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلاَكُمَا وكَلِمَتُكُمَا واحِدَةٌ وأمْرُكُمَا جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي يَعْنِي عَبَّاسَاً فَقُلْتُ لَكُمَا إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ نُورِثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فلَمَّا بَدَا لِي أنْ أدْفَعَهُ إلَيْكُمَا.

قُلْتُ إنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا عَلَى أنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ الله ومِيثَاقَهُ لَتَعْمَلانِّ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فيهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ ومَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلِيتُ وإلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِي فقُلْتُمَا ادْفَعْهُ إلَيْنَا بِذَلِكَ فدَفَعْتُهُ إلَيْكُمَا أفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضاءً غَيْرَ ذالِكَ فوَالله الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ لاَ أقْضِي فِيهِ بِقَضاءِ غَيْرِ ذالِكَ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فإنَّ عَجزْتُمَا عنْهُ فادْفَعَا إلَيَّ فأنَا أكْفِيكُمَاهُ.
قالَ فَحَدَّثْتُ هَذَا الحَدِيثَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ فقالَ صَدَقَ مالِكُ بنُ أوْسٍ أنَا سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقُولُ أرْسَلَ أزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَانَ إلَى أبِي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ ثمُنَهُنَّ مِمَّا أفَاءَ الله علَى رسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكُنْتُ أنَا أرُدُّهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ ألاَ تتَّقِينَ الله ألَمْ تَعْلَمْنَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقةٌ يُرِيدُ بِذالِكَ نَفْسَهُ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هاذَا المَالِ فانْتَهاى إلَى أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَا أخْبَرْتُهُنَّ قَالَ فكانَتْ هاذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاساً فغَلَبَهُ علَيْهَا ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حسَنِ بنِ عَليٍّ ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ ابنِ علِيِّ بن حُسَيْنٍ وحَسنِ بنِ حَسَنَ كِلاَهُمَا كَانَا يتَدَاوَلانِهَا ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بنِ حَسَنٍ وهْيَ صدَقَةُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقَّاً.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وهما يختصمان فِي الَّذِي أَفَاء الله على رَسُوله من بني النَّضِير) .
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
وَهَذَا الْإِسْنَاد قد تكَرر ذكره.
والْحَدِيث مر فِي الْخمس فِي: بابُُ فرض الْخمس فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي عَن مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن مَالك بن أَوْس مطولا إِلَى قَوْله: ( فَإِنِّي أكفيكما) .
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.

قَوْله: ( يرفأ) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وبالفاء مهموزاً وَغير مَهْمُوز، وَقد تدخل عَلَيْهِ الللام فَيُقَال: اليرفاء، وَهُوَ حَاجِب من حجاب عمر.
قَوْله: ( فاستب) ، لم يكن هَذَا السب من قبيل الْقَذْف وَلَا من نوع الْمُحرمَات، وَلَعَلَّ عليا ذكر تخلف عَبَّاس عَن الْهِجْرَة وَنَحْو ذَلِك.
قَوْله: ( اتئدوا) ، أَي: لَا تستعجلوا، وَهِي من التؤدة وَهِي التأني والمهلة.
قَوْله: ( أنْشدكُمْ) ، بِضَم الشين.
قَوْله: ( لَا نورث) ، بِفَتْح الرَّاء، وَالْمعْنَى على الْكسر أَيْضا صَحِيح، وَيُرِيد بِهِ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وعورض بقوله: { وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} ( النَّمْل: 16) .
وَقَوله فِي زَكَرِيَّا: { يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} ( مَرْيَم: 6) .
وَأجِيب: بِأَن المُرَاد إِرْث الْعلم والنبوة، وَلَو كَانَ المُرَاد المَال كَانَ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ السَّلَام، أَحَق بِالْمِيرَاثِ من آل يَعْقُوب.
قَوْله: ( قد قَالَ) ذَلِك، أَي: قَوْله: لَا نورث.
قَوْله: ( احتازها) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة من الاحتياز وَهُوَ الْجمع.
قَوْله: ( وَلَا استأثرها) ، من الاستئثار، وَهُوَ الاستبداد والاستقلال.
قَوْله: ( وَأَنْتُم) ، جمع ( وتذكران) مثنى فَلَا مُطَابقَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، لَكِن هُوَ على مَذْهَب من قَالَ: أقل الْجمع اثْنَان، أَو يكون لفظ: ( حِينَئِذٍ) ، خَبره ( وتذكران) ابْتِدَاء كَلَام الْكرْمَانِي: ويروى: ( أَنْتُمَا) .
قَوْله: ( فجئتني) ، قَالَ أَولا جئتما، ثمَّ قَالَ بِالْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ لعلهما جاآ بالِاتِّفَاقِ أَولا ثمَّ جَاءَ عَبَّاس وَحده.
قَوْله: ( وبدا لي) أَي: ظهر لي.

قَوْله: ( قَالَ: فَحدثت) ، أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ.
قَوْله: ( فغلبه عَلَيْهَا) ، أَي: بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَتَحْصِيل غلاتها لَا بتخصيص الْحَاصِل بِنَفسِهِ.
قَوْله: ( يتداولانها) أَي: عَليّ بن حُسَيْن وَحسن بن حسن مكبران ابْن عَليّ، وكل مِنْهُمَا ابْن عمر الآخر يتناوبان فِي تصرفهما، وَزيد بن الْحسن بن عَليّ أَخُو الْحسن الْمَذْكُور.





[ قــ :3840 ... غــ :4035 ]
- حدَّثنا أبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى أخبرَنا هِشامٌ أخبرَنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ فاطِمَةَ علَيْهَا السَّلامُ والعَبَّاسَ أتَيَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا أرْضَهُ مِنْ فَدَكٍ وسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ.
فَقَالَ أبُو بَكْرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنَّمَا يأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هاذَا المَالِ وَالله لَقَرَابَةُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحَبُّ إلَيَّ أنْ أصِلَ مِنْ قَرَابَتِي.
.


هَذَا الحَدِيث مُطَابق للْحَدِيث السَّابِق، والمطابق للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء، وَهَذَا السَّنَد بهؤلاء الرِّجَال قد مر غير مرّة، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ.
والْحَدِيث مر فِي فرض الْخمس وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( فِي هَذَا المَال) أَي: فِي جملَة من يَأْكُل من هَذَا المَال لَا أَنه لَهُم بِخُصُوصِهِ، حَاصله أَنهم يُعْطون مِنْهُ مَا يكفيهم لَيْسَ على وَجه الْمِيرَاث.
قَوْله: ( لقرابة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الخ، اعتذار من أبي بكر عَن مَنعه الْقِسْمَة، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن لَا يصلهم ببره من جِهَة أُخْرَى.