فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} [آل عمران: 128] قال حميد وثابت، عن أنس شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال: «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم» فنزلت: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128]

( بابٌُ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فإنَّهُمْ ظالِمُونَ} ( آل عمرَان: 128) .
)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَوْله تَعَالَى: { لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء ... } الْآيَة وَبَيَان سَبَب نُزُولهَا، اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: هُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كسرت رباعيته يَوْم أحد وشج جَبينه حَتَّى سَالَ الدَّم على وَجهه، قَالَ: كَيفَ يفلح قوم فعلوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى رَبهم؟ أخرجه مُسلم فِي أَفْرَاده، من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: سَبَب نُزُولهَا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعن قوما من الْمُنَافِقين، وَقيل: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هم بِسَبَب الَّذين انْهَزمُوا يَوْم أحد، وَكَانَ فيهم عُثْمَان بن عَفَّان، فَنزلت هَذِه الْآيَة، فَكف عَنْهُم، وَقيل: إِن أَصْحَاب الصّفة خَرجُوا إِلَى قبيلتين من بني سليم: عصية وذكوان، فَقتلُوا فَدَعَا عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ صباحاً وَقيل: لما رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَمْزَة ممثلاً قَالَ: لَأُمَثِّلَن بِكَذَا كَذَا، فَنزلت هَذِه الْآيَة.
قَوْله: ( لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء) أَي: لَيْسَ إِلَيْك من إصلاحهم وَلَا من عَذَابهمْ شَيْء، وَقيل: لَيْسَ إِلَيْك من النَّصْر والهزيمة شَيْء وَاللَّام بِمَعْنى: إِلَى قَوْله: ( أَو يَتُوب عَلَيْهِم) أَي: حَتَّى يَتُوب عَلَيْهِم مِمَّا هم فِيهِ من الْكفْر ( أَو يعذبهم) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة على كفرهم وذنوبهم، وَلِهَذَا قَالَ: ( فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ) أَي: يسْتَحقُّونَ ذَلِك.

قَالَ حُمَيْدٌ وثابِتٌ عنْ أنَسٍ شُجَّ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ فنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ.

تَعْلِيق حميد الطَّوِيل وَصله أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق حميد بِهِ، وَتَعْلِيق ثَابت الْبنانِيّ وَصله مُسلم، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَذكر ابْن هِشَام فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن عتبَة بن أبي وَقاص، هُوَ الَّذِي كسر ربَاعِية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السُّفْلى، وجرح شفته السُّفْلى وَأَن عبد الله بن شهَاب الزُّهْرِيّ هُوَ الَّذِي شجه فِي جَبهته وَأَن عبد الله بن قمنة جرحه فِي وجنته فَدخلت حلقتان من حلق المغفر فِي وجنته، وَإِن مَالك بن سِنَان مص الدَّم من وجنته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ ازْدَردهُ، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من مس دمي دَمه لم تصبه النَّار.



[ قــ :3872 ... غــ :4069 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الله السُّلَمِيُّ أخْبَرَنا عَبْدُ الله أخْبرَنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ حدَّثني سالِمٌ عنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رفَعَ رأسَهُ منَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يُقالُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانَاً وفُلانَاً وفُلانَاً بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ فأنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ لَيْسَ لكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ إِلَى قَوْلِهِ فإنَّهُمْ ظالِمُونَ.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن عبد الله بن زِيَاد السّلمِيّ الْبَلْخِي سكن مرو وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ روى عَنهُ هُنَا وَفِي تَفْسِير الْأَنْفَال وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك يروي عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن حبَان وَفِي الِاعْتِصَام عَن أَحْمد بن مُحَمَّد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي التَّفْسِير عَن عَمْرو بن يحيى بن الْحَارِث قَوْله فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا وَسَمَّاهُمْ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بعْدهَا قَوْله رَبنَا وَلَك الْحَمد هَذَا بِالْوَاو فِي إِحْدَى الرِّوَايَات الثَّابِتَة قَوْله فَأنْزل الله تَعَالَى بَيَان سَبَب نزُول الْآيَة الْمَذْكُورَة فَذكر البُخَارِيّ هَذَا وَآخر كَمَا يَأْتِي وروى الْمحَامِلِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى نَافِع عَن ابْن عمرَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو على أَرْبَعَة نفر فَأنْزل الله عز وَجل ( لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء) قَالَ ثمَّ هدَاهُم الله إِلَى الْإِسْلَام وَقيل اسْتَأْذن بِأَن يَدْعُو باستئصالهم فَنزلت فَعلم أَن مِنْهُم من سيسلم.





[ قــ :387 ... غــ :4070 ]
- وعَنْ حَنْظَلَةَ بنَ أبِي سُفْيانَ قَالَ سَمِعْتُ سالِمَ بنَ عَبْدِ الله يقُولُ كانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْعُو على صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ وسُهَيْلِ بنِ عَمْرِو والحَارِثِ بنِ هِشامٍ فنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ إلَى قَوْلِهِ فإنَّهُمْ ظالِمُونَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهُوَ بَيَان الْوَجْه الآخر فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة وَقد ذكرنَا فِيهِ وُجُوهًا عَن قريب.
قَوْله: سَمِعت سَالم بن عبد الله يَقُول كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو إِلَخ مُرْسل قَوْله: وَعَن حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان قَالَ بَعضهم وَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله أخبرنَا معمر والراوي لَهُ عَن حَنْظَلَة هُوَ عبد الله بن الْمُبَارك وَوهم من زعم أَنه مُعَلّق قلت فِيهِ نظر لِأَن احْتِمَاله التَّعْلِيق أقوى مِمَّا قَالَه وَلِهَذَا لما ذكر الْمزي الحَدِيث السَّابِق قَالَ.

     وَقَالَ  عقيب حَدِيث يحيى وَعَن حَنْظَلَة عَن سَالم وَلم يزدْ على هَذَا شَيْئا فَلَو كَانَ مَوْصُولا لَكَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة المذكورون فِيهِ قد أَسْلمُوا.
أما صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف الجُمَحِي الْقرشِي فَإِنَّهُ هرب يَوْم الْفَتْح ثمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشهد مَعَه حنيناً والطائف وَهُوَ كَافِر ثمَّ أسلم بعد ذَلِك وَمَات بِمَكَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين فِي أول خلَافَة مُعَاوِيَة وَأما سُهَيْل بن عَمْرو بن عبد شمس الْقرشِي العامري فَإِنَّهُ كَانَ أحد الْأَشْرَاف من قُرَيْش وساداتهم فِي الْجَاهِلِيَّة وَأسر يَوْم بدر كَافِرًا ثمَّ أسلم وَحسن إِسْلَامه وَكَانَ كثير الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالصَّدَََقَة وَخرج إِلَى الشَّام مُجَاهدًا وَمَات هُنَاكَ.
وَأما الْحَرْث بن هِشَام بن الْمُغيرَة الْقرشِي المَخْزُومِي فَإِنَّهُ شهد بَدْرًا كَافِرًا مَعَ أَخِيه شقيقه أبي جهل وفر حِينَئِذٍ وَقتل أَخُوهُ ثمَّ غزا أحدا مَعَ الْمُشْركين أَيْضا ثمَّ أسلم يَوْم الْفَتْح وَحسن إِسْلَامه وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وخيارهم ثمَّ خرج إِلَى الشَّام مُجَاهدًا وَلم يزل فِي الْجِهَاد حَتَّى مَاتَ فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة.