فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم

( بابُُ مَرْجِعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الأحْزَابِ ومَخْرَجهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ومُحَاصَرَتِهِ وإيَّاهُمْ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمرجع والمخرج بِفَتْح الْمِيم فيهمَا مصدران ميميان بِمَعْنى الرُّجُوع وَالْخُرُوج، وَالْمعْنَى، رُجُوع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْموضع الَّذِي كَانَ يُقَاتل فِيهِ الْأَحْزَاب إِلَى منزله بِالْمَدِينَةِ وَخُرُوجه مِنْهُ إِلَى بني قُرَيْظَة ومحاصرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إيَّاهُم، وَكَانَ توجهه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَيْهِم لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة من سنة خمس،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: فِي بَقِيَّة ذِي الْقعدَة وَأول ذِي الْحجَّة،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: خرج إِلَيْهِم يَوْم الْأَرْبَعَاء لسبع بَقينَ من ذِي الْقعدَة فِي ثَلَاثَة آلَاف رجل وَالْخَيْل سِتَّة وَثَلَاثُونَ فرسا، فَحَاصَرَهُمْ بضعاً وَعشْرين لَيْلَة، وَقيل: خمْسا وَعشْرين لَيْلَة، وَقيل: خمس عشرَة لَيْلَة،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: وَانْصَرف رَاجعا يَوْم الْخَمِيس لثمان خلون من ذِي الْحجَّة، وَالله أعلم.

[ قــ :3919 ... غــ :4117 ]
- حدَّثني عَبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ حدَّثنا ابنُ نُمَيْرٍ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الخَنْدَقِ ووضَعَ السِّلاَحَ واغْتَسَلَ أتَاهُ جِبْرِيلُ علَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ قَدْ وضَعْتَ السِّلاَحَ وَالله مَا وضَعْنَاهُ فاخْرُجْ إلَيْهِمْ قَالَ فَإلَى أيْنَ قَالَ هَهُنَا وأشَارَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْهِمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن نمير تَصْغِير نمر الْحَيَوَان الْمَشْهُور وَهُوَ عبد الله بن نمير، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ الْغسْل بعد الْحَرْب وَالْغُبَار.





[ قــ :391 ... غــ :4119 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بنِ أسْمَاءَ حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الأحْزَابِ لاَ يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فأدْرَكَ بَعْضُهُمْ العَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نأتِيهَا.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذالِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمْ يُعَنِّفْ واحِدَاً مِنْهُمْ.
( انْظُر الحَدِيث 946) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إلاَّ فِي بني قُرَيْظَة) وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة بِالْجِيم، وهم عَم عبد الله الرَّاوِي عَنهُ، والْحَدِيث مر فِي صَلَاة الْخَوْف فِي: بابُُ صَلَاة الطَّالِب وَالْمَطْلُوب بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( الْعَصْر) كَذَا وَقع فِي جمع نسخ البُخَارِيّ، وَوَقع فِي جَمِيع النّسخ عِنْد مُسلم: الظّهْر، مَعَ اتِّفَاق البُخَارِيّ وَمُسلم على رِوَايَته عَن شيخ وَاحِد بِإِسْنَاد وَاحِد، وَوَافَقَ مُسلما أَبُو يعلى وَآخَرُونَ، وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن سعد عَن أبي غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل عَن جوَيْرِية بِلَفْظ: الظّهْر، وَابْن حبَان من طَرِيق أبي غَسَّان كَذَلِك، وَأَصْحَاب الْمَغَازِي كلهم مَا ذكرُوا إلاَّ الْعَصْر، وَكَذَلِكَ أخرجه أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق أبي حَفْص السّلمِيّ عَن جوَيْرِية، فَقَالَ: الْعَصْر، وَجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِوُجُوه:
الأول: بِاحْتِمَال أَن يكون قبل الْأَمر كَانَ صلى الظّهْر وَبَعْضهمْ لم يصلها، فَقَالَ لمن لم يصلها، لَا يصلين أحد الظّهْر، وَلمن صلاهَا: لَا يصلين أحد الْعَصْر.
الثَّانِي: بِاحْتِمَال أَن تكون طَائِفَة مِنْهُم راحت بعد طَائِفَة، فَقَالَ للطائفة الأولى: الظّهْر، وللطائفة الَّتِي بعْدهَا: الْعَصْر.

الثَّالِث: أَن يكون الِاخْتِلَاف من حفظ بعض الروَاة.





[ قــ :39 ... غــ :410 ]
- حدَّثنا ابنُ أبِي الأسْوَدِ حدَّثنَا مُعْتَمِرٌ وحدَّثنِي خَلِيفَةُ حدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أبِي عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّخَلاَتِ حتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرَ وأنَّ أهْلِي أمَرُونِي أنْ آتِي النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسْألْهُ الَّذِي كانُوا أعْطُوهُ أوْ بَعْضَهُ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أعْطَاهُ أُمَّ أيْمَنَ فَجَاءَتْ أُمُّ أيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ كَلاَّ والَّذِي لاَ إلاهَ إلاَّ هُوَ لاَ يُعْطِيكَهُمْ وقَدْ أعْطَانِيهَا أوْ كَمَا قالَتْ والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لَكِ كذَا وتَقُولُ كَلاَّ وَالله حتَّى أعْطَاهَا حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ عَشْرَةَ أمْثَالِهِ أوْ كَمَا قَالَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( حَتَّى افْتتح قُرَيْظَة وَالنضير) وَابْن أبي الْأسود هُوَ عبد الله، وَأَبُو الْأسود جد عبد الله، وَاسم أَبِيه: مُحَمَّد، وَاسم أبي الْأسود، حميد بن أبي الْأسود، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ، وَخَلِيفَة هُوَ ابْن خياط.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْخمس مُخْتَصرا فِي: بابُُ كَيفَ قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُرَيْظَة وَالنضير، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن ابْن أبي الْأسود أَيْضا إِلَى آخِره نَحوه.

قَوْله: ( حَتَّى افْتتح) ، أَي: إِلَى أَن افْتتح، وَلما افتتحها ردهَا إِلَيْهِم.
قَوْله: ( الَّذِي كَانُوا أَعْطوهُ) ، أَي: النّخل الَّذِي كَانَ الْأَنْصَار أعْطوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: ( أَو بعضه) ، أَي: أَو اسْأَل بعض مَا أَعْطوهُ.
قَوْله: ( وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أعطَاهُ أم أَيمن) أَي: وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أعْطى الَّذِي أعطي لَهُ من النخلات لأم أَيمن، وَهِي حاضنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسْمهَا بركَة، وَقد تقدم ذكرهَا مرَارًا.
قَوْله: ( فَجعلت الثَّوْب فِي عنقِي) ، أَي: قَالَ أنس: لما سَأَلَ أم أَيمن جعلت أم أَيمن الثَّوْب فِي عنقِي، وَالْحَال أَنَّهَا تَقول: كلا، أَي: ارتدع عَن هَذَا فَإِنَّهُ لَا يعطيكهم، وَالْحَال أَنه قد أعطانيها، أَي: النخلات.
قَوْله: ( أَو كَمَا قَالَت) ، شكّ من الرَّاوِي أَي: أَو كَمَا قَالَت أم أَيمن، وَإِنَّمَا امْتنعت من ردهَا ظنا أَنَّهَا ملكت رَقَبَة النخلات، وَلَا ظَنّهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ لَهَا أنس: ( وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَك كَذَا) إِلَى آخِره، وَذَلِكَ لما كَانَ لَهَا عَلَيْهِ من حق الْحَضَانَة، وَالْوَاو فِي: وَالنَّبِيّ، للْحَال، وَكَانَ مُقْتَضى الْحَال أَن يَقُول: لَهَا مَكَان، وَلَكِن كلمة: لَهَا، مقدرَة تَقْدِيره: وَالنَّبِيّ يَقُول لَهَا لَك كَذَا، وَهِي ( تَقول: كلا) ، كَذَا كِنَايَة عَن الْقدر الَّذِي ذكره لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا زَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزيدها فِي عرض النخلات حَتَّى رضيت.
قَوْله: ( وَالله حَتَّى أَعْطَاهَا) أَي: قَالَ أنس: وَالله أَعْطَاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة أَمْثَاله: أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: ( حسبت أَنه قَالَ عشرَة أَمْثَاله) وَهُوَ قَول سُلَيْمَان بن طرخان الرَّاوِي عَن أنس، كَأَنَّهُ شكّ فِي قَول أنس: عشرَة أَمْثَاله، ( أَو كَمَا قَالَ) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: أَعْطَاهَا عشرَة أَمْثَاله أَو قَرِيبا من عشرَة أَمْثَاله.

وَفِي الحَدِيث: مَشْرُوعِيَّة هبة الْمَنْفَعَة دون الرَّقَبَة، وفرط جود النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَثْرَة حلمه وبره، وَفِيه: منزلَة أم أَيمن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.





[ قــ :393 ... غــ :411 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عنْ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا أُمَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ نَزَلَ أهْلُ قُرَيْظَةَ على حُكْمِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فأرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سَعْدٍ فأتَى علَى حِمَارٍ فلَمَّا دَنَا مِنَ المَسْجِدِ قَالَ لِلْأَنْصَارِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أوْ خَيْرِكُمْ فَقالَ هاؤلاءِ نَزَلُوا على حُكْمِكَ فَقال تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ قَالَ قَضَيْتَ بِحُكْمِ الله ورُبَّمَا قَالَ بِحُكْمِ المَلِكِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من معنى الحَدِيث، وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد مر غير مرّة، وَسعد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَأَبُو أُمَامَة أسعد بن سهل بن حنيف الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك الْأنْصَارِيّ، وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.

والْحَدِيث تقدم فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ إِذا نزل الْعَدو على حكم رجل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره.

قَوْله: ( نزل أهل قُرَيْظَة على حكم سعد) ، سَيَأْتِي بَيَان ذَلِك فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن صَالح بن دِينَار التمار الْمدنِي: حكم أَن يقتل مِنْهُم كل من جرت عَلَيْهِ الموسى.
قَوْله: ( فَلَمَّا دنا) أَي: قرب ( من الْمَسْجِد) قيل: المُرَاد بِهِ الْمَسْجِد الَّذِي كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعده للصَّلَاة فِيهِ فِي ديار بني قُرَيْظَة أَيَّام حصارهم، وَفِي كَلَام ابْن إِسْحَاق مَا يدل أَنه كَانَ مُقيما فِي مَسْجِد الْمَدِينَة حَتَّى بعث إِلَيْهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحكم فِي بني قُرَيْظَة، وَفِيه: فَلَمَّا خرج إِلَى بني قُرَيْظَة كَانَ سعد فِي مَسْجِد الْمَدِينَة، وَالْقَوْل الأول أصح.
قَوْله: ( إِلَى سيدكم) أَرَادَ أفضلكم رجلا وَسيد الْقَوْم هُوَ رئيسهم والقائم بأمرهم، وَفِي ( مُسْند أَحْمد) ، من حَدِيث عَائِشَة: فَلَمَّا طلع، يَعْنِي: سَعْدا، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قومُوا إِلَى سيدكم فأنزلوه، فَقَالَ عمر: السَّيِّد الله، مَعْنَاهُ هُوَ الَّذِي تحق لَهُ السِّيَادَة، كَأَنَّهُ كره أَن يحمد فِي وَجهه، وَأحب التَّوَاضُع.
قَوْله: ( أَو خَيركُمْ) ، شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: ( وَرُبمَا قَالَ بِحكم الْملك) بِكَسْر اللَّام،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وبفتح اللَّام جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، الَّذِي ينزل بِالْأَحْكَامِ وَالشَّكّ فِيهِ من أحد الروَاة أَي: اللفظتين، قَالَ: وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن صَالح الْمَذْكُور آنِفا: لقد حكمت الْيَوْم فيهم بِحكم الله الَّذِي حكم بِهِ من فَوق سبع سموات، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق من مُرْسل عَلْقَمَة بن وَقاص: لقد حكمت فيهم بِحكم الله من فَوق سَبْعَة أَرقعَة، والأرقعة بِالْقَافِ جمع رقيع، وَهُوَ من أَسمَاء السَّمَاء، قيل: سميت بذلك لِأَنَّهَا رقعت بالنجوم.





[ قــ :394 ... غــ :41 ]
- ( حَدثنَا زَكَرِيَّاء بن يحيى حَدثنَا عبد الله بن نمير حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت أُصِيب سعد يَوْم الخَنْدَق رَمَاه رجل من قُرَيْش يُقَال لَهُ حبَان بن العرقة رَمَاه فِي الأكحل فَضرب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خيمة فِي الْمَسْجِد ليعوده من قريب فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الخَنْدَق وضع السِّلَاح واغتسل فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ينفض رَأسه من الْغُبَار فَقَالَ قد وضعت السِّلَاح وَالله مَا وَضعته اخْرُج إِلَيْهِم قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بني قُرَيْظَة فَأَتَاهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فنزلوا على حكمه فَرد الحكم إِلَى سعد قَالَ فَإِنِّي أحكم فيهم أَن تقتل الْمُقَاتلَة وَأَن تسبى النِّسَاء والذرية وَأَن تقسم أَمْوَالهم قَالَ هِشَام فَأَخْبرنِي أبي عَن عَائِشَة أَن سَعْدا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنه لَيْسَ أحد أحب إِلَيّ أَن أجاهدهم فِيك من قوم كذبُوا رَسُولك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأخرجوه اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظن أَنَّك قد وضعت الْحَرْب بَيْننَا وَبينهمْ فَإِن كَانَ بَقِي من حَرْب قُرَيْش شَيْء فأبقني لَهُ حَتَّى أجاهدهم فِيك وَإِن كنت وضعت الْحَرْب فافجرها وَاجعَل موتتي فِيهَا فانفجرت من لبته فَلم يرعهم وَفِي الْمَسْجِد خيمة من بني غفار إِلَّا الدَّم يسيل إِلَيْهِم فَقَالُوا يَا أهل الْخَيْمَة مَا هَذَا الَّذِي يأتينا من قبلكُمْ فَإِذا سعد يغذو جرحه دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا رَضِي الله عَنهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وزَكَرِيا بن يحيى بن صَالح الْبَلْخِي الْحَافِظ الْفَقِيه وَهُوَ من أَفْرَاده وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام والْحَدِيث مر فِي الصَّلَاة فِي بابُُ الْخَيْمَة فِي الْمَسْجِد للمرضى فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأخصر مِنْهُ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن زَكَرِيَّا بن يحيى إِلَى آخِره قَوْله " أُصِيب سعد " وَهُوَ سعد بن معَاذ بن النُّعْمَان الْأنْصَارِيّ الأوسي الأشْهَلِي قَوْله " حبَان " بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن العرقة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالقاف والعرقة أمه وَهِي بنت سعيد بن سعد بن سهم وَأَبوهُ قيس من بني معيص بن عَامر بن لؤَي وَفِي بعض النّسخ وَهُوَ حبَان بن قيس من بني معيص بِفَتْح الْمِيم وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَيُقَال حبَان بن أبي قيس بن عَلْقَمَة بن عبد منَاف قَوْله " فِي الأكحل " بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْكَاف وباللام وَهُوَ عرق فِي وسط الذِّرَاع قَالَ الْخَلِيل هُوَ عرق الْحَيَاة يُقَال أَن فِي كل عُضْو مِنْهُ شُعْبَة فَهُوَ فِي الْيَد أكحل وَفِي الظّهْر أثير وَفِي الْفَخْذ النسا إِذا قطع لم يرقا الدَّم قَوْله " فَلَمَّا رَجَعَ " قَالَ الْقُرْطُبِيّ الْفَاء فِيهِ زَائِدَة وَفِي الحَدِيث الَّذِي فِي الْجِهَاد وَلما رَجَعَ بِالْوَاو قَوْله " وضع السِّلَاح " جَوَاب لما قَوْله " وَهُوَ ينفض " الْوَاو فِيهِ للْحَال وروى الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة قَالَت سلم علينا رجل وَنحن فِي الْبَيْت فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَزعًا فَقُمْت فِي أَثَره فَإِذا بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيّ فَقَالَ هَذَا جِبْرِيل يَأْمُرنِي أَن أذهب إِلَى بني قُرَيْظَة وَذَلِكَ لما رَجَعَ من الخَنْدَق قَالَت فَكَأَنِّي برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح الْغُبَار عَن وَجه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وروى أَحْمد من حَدِيث عَلْقَمَة بن وَقاص عَن عَائِشَة فَجَاءَهُ جِبْرِيل وَإِن على ثناياه لنقع الْغُبَار وَفِي مُرْسل يزِيد بن الْأَصَم عِنْد ابْن سعد فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَفا الله عَنْك وضعت السِّلَاح وَلم تضعه مَلَائِكَة الله قَوْله " اخْرُج " بِضَم الْهمزَة أَمر من الْخُرُوج قَوْله " فَأَتَاهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي فَحَاصَرَهُمْ وروى الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي الْأسود عَن عُرْوَة وَبعث عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْمُقدمَة وَرفع إِلَيْهِ اللِّوَاء وَخرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أَثَره وَكَذَا فِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة وَزَاد " وحاصرهم بضع عشرَة لَيْلَة " وَعند ابْن سعد " خمس عشرَة لَيْلَة " وَفِي حَدِيث عَلْقَمَة بن وَقاص " خمْسا وَعشْرين " قَوْله " فَرد الحكم إِلَى سعد " أَي فَرد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحكم فيهم إِلَى سعد بن معَاذ وَوجه الرَّد إِلَيْهِ سُؤال الْأَوْس ذَلِك مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " فَإِنِّي أحكم فيهم " أَي فِي بني قُرَيْظَة وَهَذَا هَكَذَا رِوَايَة النَّسَفِيّ وَفِي رِوَايَة غَيره " أحكم فِيهِ " أَي فِي هَذَا الْأَمر قَوْله " أَن تقتل الْمُقَاتلَة " ذكر ابْن إِسْحَاق أَنهم جعلُوا فِي دَار بنت الْحَارِث وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن عُرْوَة فِي دَار أُسَامَة بن زيد وَيجمع بَينهمَا بِأَنَّهُم جعلُوا فِي بَيْتَيْنِ وَوَقع فِي حَدِيث جَابر عِنْد ابْن عَائِذ التَّصْرِيح بِأَنَّهُم جعلُوا فِي بَيْتَيْنِ.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق " فخندقوا لَهُم خنادق فَضربت أَعْنَاقهم فَجرى الدَّم فِي الخَنْدَق وَقسم نِسَاءَهُمْ وأبناءهم على الْمُسلمين " وَاخْتلف فِي عدتهمْ فَعِنْدَ ابْن إِسْحَق " كَانُوا سِتّمائَة " وَعند ابْن عَائِذ من مُرْسل قَتَادَة " كَانُوا سَبْعمِائة " وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان بِإِسْنَاد صَحِيح " أَنهم كَانُوا أَرْبَعمِائَة مقَاتل " فَيحْتَمل فِي طَرِيق الْجمع أَن يُقَال أَن البَاقِينَ كَانُوا أتباعا وَقد حكى ابْن إِسْحَق وَقيل أَنهم كَانُوا تِسْعمائَة قَوْله " والذرية " بِضَم الذَّال وَفِي التَّوْضِيح قَالَ عبد الْملك بِنصب الذُّرِّيَّة.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير الذُّرِّيَّة اسْم جمع نسل الْإِنْسَان من ذكر وَأُنْثَى وَأَصله الْهمزَة لكِنهمْ حذفوها فَلم يستعملوها إِلَّا غير مَهْمُوزَة وَتجمع على ذريات وذراري مشددا وَقيل أَصْلهَا من الذَّر بِمَعْنى التَّفْرِيق لِأَن الله ذرهم فِي الأَرْض انْتهى وَاخْتلف فِي وَزنهَا هَل هُوَ فعلية أَو فعلولة قَوْله " قَالَ هِشَام فَأَخْبرنِي أبي " أَي عُرْوَة وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور أَولا قَوْله " فأبقني لَهُ " أَي للحرب وَفِي رِوَايَة الْكشميهني لَهُم قَوْله " فافجرها " بوصل الْهمزَة وَالْجِيم ثلاثي من فجر يفجر مُتَعَدٍّ وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْجراحَة قيل كَيفَ استدعى الْمَوْت وَهُوَ غير جَائِز وَأجِيب بِأَن غَرَضه كَانَ أَن يَمُوت على الشَّهَادَة فَكَأَنَّهُ قَالَ إِن كَانَ بعد هَذَا قتال مَعَهم فَذَاك وَإِلَّا فَلَا تحرمني من ثَوَاب هَذِه الشَّهَادَة قَوْله " من لبته " بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة مَوضِع القلادة من الصَّدْر وَهِي رِوَايَة مُسلم والإسماعيلي وَفِي رِوَايَة الْكشميهني من ليلته وَفِي مُسْند حميد بن هِلَال عَن ابْن سعيد أَنه مرت بِهِ عنز وَهُوَ مُضْطَجع فَأصَاب ظلفها مَوضِع الْجرْح فانفجر حَتَّى مَاتَ قَوْله " فَلم يرعهم " من الروع وَهُوَ الْخَوْف قَالَ الْكرْمَانِي مرجع الضَّمِير بَنو غفار والسياق يدل عَلَيْهِ وَقيل الضَّمِير يرجع إِلَى أهل الْمَسْجِد قَوْله " وَفِي الْمَسْجِد خيمة من بني غفار " الْوَاو فِيهِ للْحَال قيل الْخَيْمَة لبني غفار لَا من بني غفار وَأجِيب بِأَن الْمُضَاف فِيهِ مَحْذُوف أَي خيمة من خيام بني غفار فَإِن قلت ذكر ابْن إِسْحَق أَن الْخَيْمَة كَانَت لرفيدة الأسْلَمِيَّة ( قلت) يحْتَمل أَن يكون لَهَا زوج من بني غفار وغفار بن مليلة بن ضَمرَة بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة وغفار بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وبالراء.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد من غفر إِذا ستر قَوْله فَإِذا سعد كلمة إِذا للمفاجأة قَوْله يغذو بغين وذال معجمتين أَي يسيل يُقَال غذا الْعرق إِذا سَالَ دَمًا قَوْله فَمَاتَ مِنْهَا أَي من تِلْكَ الْجراحَة وَفِي السّير وَلما مَاتَ أَتَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام معتجرا بعمامة من استبرق فَقَالَ يَا مُحَمَّد من هَذَا الَّذِي فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء واهتز لَهُ الْعَرْش فَقَامَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيعا يجر ثَوْبه إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ قد مَاتَ وَلما حملُوا نعشه وجدوا لَهُ خفَّة فَقَالَ إِن لَهُ حَملَة غَيْركُمْ.

     وَقَالَ  ابْن عَائِذ لقد نزل سَبْعُونَ ألف ملك شهدُوا سَعْدا مَا وطئوا الأَرْض إِلَّا يومهم هَذَا -



[ قــ :395 ... غــ :413 ]
- حدَّثنا الحَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ أخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أخْبَرَنِي عَدِيٌّ أنَّهُ سَمِعَ البَرَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحَسَّانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ اهْجُهُمْ أوْ هَاجِهِمْ وجِبْرِيلُ مَعَكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هجو حسان بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ للْمُشْرِكين يَوْم بني قُرَيْظَة، تدل عَلَيْهِ رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن طهْمَان الَّتِي تَأتي الْآن، وعدي هُوَ ابْن ثَابت الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي، والْحَدِيث مضى فِي كتاب بَدْء الْخلق فِي: بابُُ ذكر الْمَلَائِكَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة إِلَخ.

قَوْله: ( أهجهم) أَمر من الهجو، وَهُوَ خلاف الْمَدْح، يُقَال: هجوته هجواً وهجاءً وتهجاءً.
قَوْله: ( أوهاجهم) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ أَمر من المهاجاة من بابُُ المفاعلة الدَّال على الِاشْتِرَاك فِي الهجو، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْمُشْركين بِدلَالَة الْقَرِينَة، وَالْوَاو فِي ( جِبْرِيل) للْحَال، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :395 ... غــ :414 ]
- وَزَادَ إبْرَاهِيمُ بنُ طَهْمَانَ عَنِ الشِّيْبانِيِّ عنْ عدِيِّ بنِ ثابِتٍ عنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ اهْجُ المُشْرِكِينَ فإنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ.

أَي: زَاد إِبْرَاهِيم بن طهْمَان الْهَرَوِيّ أَبُو سعيد فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أبي إِسْحَاق بن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ عَن عدي بن ثَابت.
.
الخ، وَقد وصل هَذِه الزِّيَادَة النَّسَائِيّ عَن حميد بن مسْعدَة عَن سُفْيَان بن حبيب عَن شُعْبَة عَن عدي بن ثَابت، وَالزِّيَادَة هِيَ تَعْيِينه أَن الْأَمر لحسان بذلك وَقع يَوْم قُرَيْظَة.