فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. ثم أنزل الله سكينته} [التوبة: 26]- إلى قوله - {غفور رحيم} [البقرة: 173]

(بابُُ قَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ: { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ ولَّيْتُمْ مُدْبِرِين ثُمَّ أنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التَّوْبَة: 25)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول الله عز وَجل: { وَيَوْم حنين} إِلَى آخِره، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَوَقع فِي رِوَايَة غَيره إِلَى قَوْله: { ثمَّ أنزل الله سكينته} ثمَّ قَالَ: { إِلَّا غَفُور رَحِيم} وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: بابُُ غَزْوَة حنين، وَقَول الله تَعَالَى: { وَيَوْم حنين إِذا أَعجبتكُم كثرتكم فَلم تغن عَنْكُم شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} إِلَى قَوْله: { غَفُور رَحِيم} قَوْله: { وَيَوْم حنين} إِلَى آخِره وَأول الْآيَة: { لقد نصركم الله فِي مَوَاطِن كَثِيرَة} (التَّوْبَة: 25) وَأَرَادَ بالمواطن الْكَثِيرَة وقعات: بدر وَقُرَيْظَة وَالنضير وَالْحُدَيْبِيَة وخيبر وَفتح مَكَّة وَقَوله: { وَيَوْم حنين} ، عطف على المواطن.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ عطف الزَّمَان على الْمَكَان وَهُوَ يَوْم حنين على المواطن؟ قلت: مَعْنَاهُ: وموطن يَوْم حنين، أَو فِي أَيَّام مَوَاطِن كَثِيرَة وَيَوْم حنين، وحنين وادٍ بَين مَكَّة والطائف،.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ: هُوَ وادٍ قريب من الطَّائِف بَينه وَبَين مَكَّة بضعَة عشر ميلًا.
والأغلب عَلَيْهِ التَّذْكِير.
لِأَنَّهُ اسْم مَاء، وَقيل: إِنَّه سمي بحنين بن قانية بن مهلاييل.
قَوْله: (إِذْ أَعجبتكُم كثرتكم) إِمَّا بدل من: يَوْم حنين، وَالتَّقْدِير: أذكر إِذا أَعجبتكُم عِنْد الملاقاة مَعَ الْكفَّار كثرتكم فَلم تغن الْكَثْرَة عَنْكُم شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَكلمَة: مَا مصدرته وَالْبَاء، بِمَعْنى: أَي: مَعَ رحبها، أَي: وسعهَا ثمَّ: (وليتم مُدبرين) أَي: منهزمين،.

     وَقَالَ  ابْن جريج عَن مُجَاهِد: هَذِه أول آيَة نزلت من سُورَة بَرَاءَة يذكر الله للْمُؤْمِنين فَضله عَلَيْهِم فِي نَصره إيَّاهُم فِي مَوَاطِن كَثِيرَة أَن ذَلِك من عِنْده لَا يعددهم وَلَا عَددهمْ ونبههم على أَن النَّصْر من عِنْده سَوَاء قل الْجمع أَو كثر، فَإِن يَوْم حنين أعجبتهم كثرتهم وَمَعَ هَذَا مَا أجدى ذَلِك عَنْهُم شَيْئا.
قَوْله: (مُدبرين) إِلَّا الْقَلِيل مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أنزل نَصره وتأييده على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ الَّذين كَانُوا مَعَه، كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَاعْلَم أَن وقْعَة حنين كَانَت بعد فتح مَكَّة فِي شَوَّال سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَذَلِكَ لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فتح مَكَّة وتمهدت لَهُ أمورها وَأسلم عَامَّة أَهلهَا وأطلعهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بلغَة أَن هوَازن قد جمعُوا لَهُ ليقاتلوه وأميرهم مَالك بن عون النضري، وَمَعَهُ ثَقِيف بكمالها وَبَنُو جشم وَبَنُو سعد بن بكر وأوزاع من بني هِلَال، وهم قَلِيل، وناس من بني عَمْرو بن عَامر وَعون ابْن عَامر، وَأَقْبلُوا وَمَعَهُمْ النِّسَاء والولدان وَالشَّاء وَالنعَم، وجاؤوا بقضهم وقضيضهم، فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حبيشه الَّذين جاؤوا مَعَه لِلْفَتْحِ، وَهُوَ: عشرَة آلَاف من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وقبائل الْعَرَب وَمَعَهُ الَّذين أَسْلمُوا من أهل مَكَّة وهم الطُّلَقَاء فِي أَلفَيْنِ، فَسَار بهم إِلَى الْعَدو فَالْتَقوا بوادٍ بَين مَكَّة والطائف يُقَال لَهُ: حنين، فَكَانَت فِيهِ الْوَقْعَة من أول النَّهَار فِي غلس الصُّبْح وانحدروا فِي الْوَادي وَقد كمنت فِيهِ هوَازن، فَلَمَّا توجهوا لم يشْعر الْمُسلمُونَ إلاَّ بهم قد ساوروهم ورشقوا بالنبال واصلتوا السيوف وحملوا حَملَة رجل وَاحِد، كَمَا أَمرهم ملكهم، فَعِنْدَ ذَلِك ولَّى الْمُسلمُونَ مُدبرين، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى، وَثَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يومئذٍ على بغلته الشَّهْبَاء يَسُوقهَا إِلَى نَحْو الْعَدو، وَالْعَبَّاس آخذ بركابه الْأَيْمن، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب آخذ بركابه الْأَيْسَر يثقلانه لِئَلَّا يسْرع السّير وَهُوَ يُنَوّه باسمه وَيَدْعُو الْمُسلمين إِلَى الرّجْعَة، وَيَقُول: أَي عباد الله إِلَى أَنا رَسُول الله، وَيَقُول فِي تِلْكَ الْحَال.

((أَنا النَّبِي لَا كذب ... أَنا ابْن عبد الْمطلب))

وَثَبت مَعَه من أَصْحَابه قريب من مائَة، وَقيل: ثَمَانُون، مِنْهُم: أَبُو بكر وَعمر وَالْعَبَّاس وَعلي وَالْفضل بن عَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث وأيمن ابْن أم أَيمن وَأُسَامَة بن زيد وَغَيرهم رَضِي الله عَنْهُم، ثمَّ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَمه الْعَبَّاس، وَكَانَ جهير الصَّوْت، بِأَن يُنَادي بِأَعْلَى صَوته: يَا أَصْحَاب الشَّجَرَة، يَعْنِي: شَجَرَة بيعَة الرضْوَان، يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة فَجعلُوا يَقُولُونَ لبيْك يَا لبيْك، فتراجع شرذمة من النَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَمرهمْ أَن يصدقُوا الحملة، وَأخذ قَبْضَة من التُّرَاب بعد مَا دَعَا ربه واستنصره،.

     وَقَالَ : أللهم أنْجز لي مَا وَعَدتنِي ثمَّ رمى الْقَوْم بهَا فَمَا بقى إِنْسَان مِنْهُم إِلَّا أَصَابَهُ مِنْهَا فِي عينه وفمه مَا يشْغلهُ عَن الْقِتَال، ثمَّ انْهَزمُوا وَاتبع الْمُسلمُونَ أقفيتهم يأسرون وَيقْتلُونَ، وَمَا تراجع بَقِيَّة النَّاس إِلَّا وَالْأسَارَى مجدلة، أَي: ملقاة بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَفِي (مُسْند أَحْمد) من حَدِيث يعلى بن عَطاء، قَالَ: فَحَدثني أبناؤهم عَن آبَائِهِم أَنهم قَالُوا: لم يبقَ منا أحد إِلَّا امْتَلَأت عَيناهُ وفمه تُرَابا، وَسَمعنَا صلصلة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض كإمرار الْحَدِيد على الطست الْجَدِيد.
.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن إِسْحَاق: حَدثنِي وَالِدي إِسْحَاق بن بشار عَمَّن حَدثهُ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: إِنَّا لمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْم حنين وَالنَّاس يقتلُون إِذْ نظرت إِلَى مثل النجاد الْأسود يهوي من السَّمَاء حَتَّى وَقع بَيْننَا وَبَين الْقَوْم، فَإِذا نمل منثور قد مَلأ الْوَادي، فَلم يكن إلاَّ هزيمَة الْقَوْم، فَمَا نشك أَنَّهَا الْمَلَائِكَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو معشر: ثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومئذٍ مائَة رجل: بضعَة وَثَلَاثُونَ من الْمُهَاجِرين وسائرهم من الْأَنْصَار، وسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَيْفه ثمَّ طرح غمده،.

     وَقَالَ  الرجز الْمَذْكُور،.

     وَقَالَ  لأبي سُفْيَان بن الْحَارِث: ناولني تُرَابا فَنَاوَلَهُ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بغلته الْبَيْضَاء الَّتِي أهداها لَهُ فَرْوَة بن نفاثة،.

     وَقَالَ  ابْن هِشَام: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِينَئِذٍ لبغلته الشَّهْبَاء الْبَدِيِّ، فَوضعت بَطنهَا على الأَرْض فَأخذ حفْنَة فَضرب بهَا وُجُوه هوَازن وَعند ابْن سعد: هَذِه البغلة هِيَ دُلْدُل، وَفِي مُسلم: بغلته الشَّهْبَاء يَعْنِي: دُلْدُل الَّتِي أهداها لَهُ الْمُقَوْقس، وَيجوز أَن يكون ركبهما يومئذٍ مَعًا، وَالله أعلم.

قَوْله: (ثمَّ أنزل الله سكينته) أَي: الأمنة والطمأنينة بعد الْهَزِيمَة.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: رَحمته الَّتِي سكنوا بهَا وآمنوا.
قَوْله: (وَانْزِلْ جُنُودا لم تَرَ) قَالَ ابْن عَبَّاس: يَعْنِي الْمَلَائِكَة، وَكَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف، وَقيل: خَمْسَة آلَاف، وَقيل: سِتَّة عشر ألفا، وَكَانَ سِيمَاهُمْ عمائم حمراً قد أرخوها بَين أكتافهم.
قَوْله: (وعذب الَّذين كفرُوا) أَي: بِالْقَتْلِ والهزيمة، وَقيل: بالخوف، وَقيل: بالأسر وَسبي الْأَوْلَاد، وَسبي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم سِتَّة آلَاف رَأس، وَمن الْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير، وَمن الْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا، وَمن الْفضة أَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة.
قَوْله: (وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافرين) أَي: مَا ذكر من الْقَتْل والأسر جَزَاء الْكَافرين.
قَوْله: (ثمَّ يَتُوب الله من بعد ذَلِك على من يَشَاء فيهديه إِلَى الْإِسْلَام وَلَا يؤاخذه بِمَا سلف مِنْهُ وَالله غَفُور رَحِيم) وَقد تَابَ الله على بَقِيَّة هوَازن وَأَسْلمُوا وَقدمُوا مُسلمين وَلَحِقُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد قَارب مَكَّة عِنْد الْجِعِرَّانَة، وَذَلِكَ بعد الْوَقْعَة بقريب من عشْرين يَوْمًا، فَعِنْدَ ذَلِك خيّرهم بَين سَبْيهمْ وَأَمْوَالهمْ، فَاخْتَارُوا سَبْيهمْ وَقسم أَمْوَالهم بَين الْغَانِمين، وَنفل نَاسا من الطُّلَقَاء لتتألف قُلُوبهم على الْإِسْلَام فَأَعْطَاهُمْ: مائَة مائَة من الْإِبِل، وَكَانَ من جملَة من أعْطى مائَة مَالك بن عَوْف النضري فَاسْتَعْملهُ على قومه، كَمَا كَانَ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: مَالك بن عَوْف بن سعد بن ربيعَة بن يَرْبُوع بن وَاثِلَة بن دهمان بن نضر بن بكر بن هوَازن النضري، انهزم يَوْم حنين كَافِرًا وَلحق بِالطَّائِف، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَتَانِي مُسلما لرددت إِلَيْهِ أَهله وَمَاله، فَبَلغهُ ذَلِك فلحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد خرج من الْجِعِرَّانَة فَأسلم وَأَعْطَاهُ من الْإِبِل كَمَا أعْطى سَائِر الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَهُوَ أحدهم، وَحسن إِسْلَامه فامتدحه بقصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا.

(مَا إِن رَأَيْت وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ ... فِي النَّاس كلهم بِمثل مُحَمَّد)

(أوفى وَأعْطى للجزيل إِذا إحتدى ... وَمَتى يَشَاء يُخْبِرك عَمَّا فِي غَد)

(وَإِذا الكتيبة غردت أنيابها ... بالسمهري وَضرب كل مهند)

(فَكَأَنَّهُ لَيْث على أشباله ... وسط الْمِيَاه جاذر فِي مرصد)


[ قــ :4085 ... غــ :4315 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ حَدثنَا سُفْيَانُ عنْ أبي إسْحاق قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله عَنهُ وجاءَهُ رجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عُمارَةَ أتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أمَّا أَنا أشْهَدُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنهُ لَمْ يُوَلِّ ولَكِنْ عَجِلَ سَرعَانُ القَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ وَأَبُو سُفْيَانَ بنُ الحارِثِ آخِذ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ.

أَنا النبيُّ لَا كَذِبْ أَنا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أتوليت يَوْم حنين) وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي، وَقد مضى الحَدِيث فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْبَيْضَاء.

قَوْله: (يَا أَبَا عمَارَة) هِيَ كنية الْبَراء.
قَوْله: (أتوليت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
أَي: أنهزمت؟ قَوْله: (أما أَنا) إِلَى آخِره، فِيهِ جَوَاب بديع يبين فِيهِ أَولا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يولِّ أَيْضا لِأَن إخْبَاره بقوله: (وَلَكِن عجل سرعَان الْقَوْم) إِلَى آخِره يدل على أَنه ثَبت.
لِأَن الْمولى لَا يقدر على إِخْبَار مَا شَاهده الْبَراء فِي هَذِه الْقَضِيَّة على هَذِه الصُّورَة فَإِن قلت: جَوَابه لَا يُطَابق سُؤال الرجل، لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنهُ هَل توليت أم لَا؟ وَلم يسْأَل عَن حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: لِأَنَّهُ فهم بِقَرِينَة الْحَال أَنه سَأَلَ عَن فرار الْكل، فَيدْخل فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الطَّرِيق الَّذِي يَأْتِي عَقِيبه: أوليتم مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَأجَاب بقوله: (أشهد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يول) قَوْله: (سرعَان الْقَوْم) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَيجوز بالتسكين أَيْضا،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وسرعان، بِضَم الْمُهْملَة وَكسرهَا جمع: السَّرِيع، حكى هَذَا عَن بَعضهم، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن جمَاعَة مِنْهُم: ابْن الْأَثِير وَغَيره قد ضبطوه مثل مَا ضبطناه،.

     وَقَالَ : سرعَان الْقَوْم أوائلهم الَّذين يُسَارِعُونَ إِلَى شَيْء ويقبلون عَلَيْهِ بِسُرْعَة،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: بَعضهم يَقُول بِكَسْر السِّين، وَهُوَ خطأ.
قَوْله: (فرشقتهم) ، من الرشق بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف، وَهُوَ الرَّمْي، وهوازن قَبيلَة كَبِيرَة من الْعَرَب، فِيهَا عدَّة بطُون ينسبون إِلَى هوَازن بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن خصفة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة وبالفاء كلهَا مَفْتُوحَة: ابْن قيس غيلَان ابْن الياس بن مُضر، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث هُوَ ابْن عبد الْمطلب بن عبد الْمطلب بن هَاشم، وَهُوَ ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (آخذ) ، على وزن: فَاعل.
قَوْله: (يَقُول) ، جملَة وَقعت حَالا.





[ قــ :4086 ... غــ :4316 ]
- حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبي إسْحاقَ قِيلَ لِ لْبَرَاءِ وَأَنا أسْمَعُ أوَلَّيْتُمْ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أمَّا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلاَ كانُوا رُماةً فَقَالَ:
أَنا النَّبِي لاَ كَذِبْ أَنا ابنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ.
.


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن الْبَراء بن عَازِب.

قَوْله: ( كَانُوا) أَي هوَازن.
قَوْله: ( رُمَاة) .
جمع رام وَفِيه حذف تَقْدِيره: كَانُوا رُمَاة فرشقوهم رشقاً فَانْهَزَمُوا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

( أَنا النَّبِي لَا كذب)

فَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن صفة النُّبُوَّة تنَافِي الْكَذِب، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنا النَّبِي وَالنَّبِيّ لَا يكذب فلست بكاذب فِيمَا أَقُول حَتَّى انْهَزمُوا، وَأَنا مُتَيَقن بنصر الله عز وَجل، وَأما انتسابه إِلَى عبد الْمطلب دون أَبِيه عبد الله فلشهرة عبد الْمطلب بَين النَّاس، بِخِلَاف عبد الله فَإِنَّهُ مَاتَ شَابًّا، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت فِي الْجِهَاد فِي الْبابُُ الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب.





[ قــ :4087 ... غــ :4317 ]
- حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثَنَا غُنْدَرٌ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ سَمِعَ البَرَاءَ وسألَهُ رجُلٌ مِنْ قَيْسٍ أفَرَرْتُمْ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَكِنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَفِرَّ كانَتْ هَوَازِنُ رُماةً وإنَّا لمَّا حَمَلْنا عَلَيْهِمْ انْكَشَفُوا فأكْبَبْنَا عَلَى الغَنَائِمِ فاسْتُقْبِلْنا بالسِّهامِ وَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ وإنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِزِمامِها وهْوَ يَقُولُ:
( أَنا النبيُّ لَا كَذِبْ) .


هَذَا طَرِيق آخر قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ من قاد دَابَّة غَيره فِي الْحَرْب، وَأخرجه هُنَا عَن مُحَمَّد بن بشار، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة: عَن غنْدر، بالغين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر.

قَوْله: ( لم يفر) يجوز فِي الْقِرَاءَة الْفَتْح وَالْكَسْر وَيجوز فِيهِ لَك الْإِدْغَام.
قَوْله: ( وَإِنَّا بِكَسْر الْهمزَة) .
قَوْله: ( انكشفوا) أَي: انْهَزمُوا.
قَوْله: ( فاكببنا) أَي: وقعنا على الْغَنَائِم وَهُوَ فعل لَازم يُقَال: كببته فأكب، وأكب الرجل يكب على عمل يعمله إِذا لزمَه، وَجَاء أكببنا بفك الْإِدْغَام لتعذره.
قَوْله: ( فَاسْتقْبلنَا) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( أَنا النَّبِي لَا كذب) .

هَذَا الْمِقْدَار قد ذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَفِي رِوَايَة ذكر الشّطْر الثَّانِي:
( أَنا ابْن عبد الْمطلب)

كَمَا فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة.

قَالَ إسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ نَزَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَغْلَتِهِ
قَوْله: إِسْرَائِيل، هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ، وَهَذَا تَعْلِيق مَعْنَاهُ: رويا هَذَا الحَدِيث عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء، فَقَالَا فِي آخِره: نزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بغلته، أما تَعْلِيق إِسْرَائِيل فقد وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ من قَالَ: خُذْهَا وَأَنا ابْن فلَان، وَأما تَعْلِيق زُهَيْر فوصله أَيْضا فِي: بابُُ من صف أَصْحَابه عِنْد الْهَزِيمَة وركوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البغلة فِي الْحَرْب يدل على غَايَة الثَّبَات، ونزوله أثبت من ذَلِك.





[ قــ :4087 ... غــ :4319 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدّثني لَ يْثٌ حدّثني عُقَيْل عَن ابْن شِهابٍ حَ وحدَّثني عُقَيْل عَن ابْن شِهابٍ حَ وحدَّثني إسْحاقُ حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حَدثنَا ابنُ أخي ابْن شِهابٍ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شِهابٍ وزَعَمَ عُرْوَةُ بنُ الزّبَيْرِ أنَّ مَرْوَان والمسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أخبَرَاهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قامَ حِينَ جاءَهُ وفْدُ هَوَازِن مُسْلِمِينَ فَسألوهُ أنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أمْوَالَهُمْ وسَبْيَهُمْ فَقَال لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وأحَبُّ الحَدِيثِ إليَّ أصْدَقُهُ فاخْتارُوا إحْدَى الطَّائفَتَيْنِ إمَّا السَّبْيَ وإمّا المَالَ وقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ وكانَ أنْظَرَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ منَ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيْرُ رَادّ إلَيْهِمْ إلاَّ إحْدَى الطائِفَتَيْنِ قالُوا فإنَّا نَخْتارُ سَبْيَنا فَقام رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المُسْلِمِينَ فأثْنَى عَلَى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمَّا بعْدُ فإِنَّ إخْوَانَكُمْ قَدْ جاؤُونا تائِبِينَ وإنِّي قَدْ رَأيْتُ أنْ أرُدَّ إلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ ومَنْ أحَبَّ مِنْكُمْ أنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيهُ إيَّاهُ مِنْ أوَّل مَا يُفِيءُ الله عَلَيْنا فَلْيَفْعَلْ فَقال النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنا ذَلِكَ يَا رسُولَ الله فَقال رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا لَا نَدْري مَنْ أذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يأذَنْ فارْجعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إلَيْنا عُرَفاؤُكُمْ أمْرَكُمْ فرَجَعَ النَّاسُ فَكلَّمَهُمْ عُرَفاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبَرُوهُ أنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وأذِنُوا هاذَا الَّذِي بَلَغَنِي عنْ سَبْيِ هَوازِنَ.
.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن مَجِيء وَفد هوَازن إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي إِثْر غَزْوَة حنين.

وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن سعيد بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وبالراء: عَن لَيْث بن سعد وَيجوز فِيهِ الْألف وَاللَّام وتركهما عَن عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب.
وَالْآخر: عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور الْمروزِي عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن أخي الزُّهْرِيّ الخ.

والْحَدِيث قد مضى فِي الْخمس فِي: بابُُ وَمن الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب الْمُسلمين، بِعَيْنِه سنداً أَو متْنا مثل الطَّرِيق الأولى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ومضي فِي أول الشُّرُوط فِي صلح الْحُدَيْبِيَة أَن الزُّهْرِيّ رَوَاهُ عَن عُرْوَة عَن الْمسور، ومروان عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدلَّ على أَنه فِي بَقِيَّة الْمَوَاضِع حَيْثُ لَا يذكر عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مُرْسل لِأَن الْمسور يصغر عَن إِدْرَاك الْقَضِيَّة، ومروان أَصْغَر مِنْهُ.

قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد بن شهَاب) ، هُوَ الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (وَزعم عُرْوَة) ، قيل: هَذَا مَعْطُوف على قصَّة صلح الْحُدَيْبِيَة، فَلْينْظر فِيهِ.
قَوْله: (حِين جَاءَهُ وَفد هوَازن) فِيهِ اخْتِصَار بَينه مُوسَى بن عقبَة فِي (الْمَغَازِي) مطولا، وَلَفظه: (ثمَّ انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الطَّائِف فِي شَوَّال إِلَى الْجِعِرَّانَة، وَبهَا سبي هوَازن، وقدمت عَلَيْهِ وُفُود هوَازن مُسلمين فهم تِسْعَة عشر نَفرا من أَشْرَافهم، فأسلموا وَبَايَعُوا ثمَّ من بعده، يَعْنِي: مَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ.
وَهُوَ قَوْله: (فَسَأَلُوهُ أَن يرد إِلَيْهِم) إِلَخ.
قَوْله: (وَمعنى من ترَوْنَ) يَعْنِي: من الصَّحَابَة قَوْله: (أجدى الطَّائِفَتَيْنِ) ، الطَّائِفَة الْقطعَة من الشَّيْء، وَالْمرَاد: أحد الْأَمريْنِ.
قَوْله: (وَقد كنت اسْتَأْنَيْت بكم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: اسْتَأْنَيْت لكم، أَي: انتظرت، أَي: أخرت قسم السَّبي لتحضروا، وَقد أبطأتم وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك السَّبي بِغَيْر قسْمَة وَتوجه إِلَى الطَّائِف فحاصرها، كَمَا سَيَأْتِي، ثمَّ رَجَعَ عَنْهَا إِلَى الْجِعِرَّانَة، ثمَّ قسم الْغَنَائِم هُنَاكَ، فجَاء وَفد هوَازن بعد ذَلِك.
قَوْله: (وَكَانَ أنظرهم) أَي: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انتظرهم بضع عشرَة لَيْلَة.
قَوْله: (حِين قفل) أَي: رَجَعَ.
قَوْله: (أَن يطيب) بِضَم الْيَاء من التطييب، أَي: يُعْطِيهِ عَن طيب نفس مِنْهُ بِغَيْر عوض.
قَوْله: (على حَظه) أَي: على نصِيبه.
قَوْله: (حَتَّى نُعْطِيه) ، بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر، قَوْله: (أول مَا يفِيء الله) ، أَي: من أول مَا يحصل لنا من الْفَيْء.
قَوْله: (عُرَفَاؤُكُمْ) جمع عريف وَهُوَ النَّقِيب.
قَوْله: (هَذَا الَّذِي بَلغنِي قَول الزُّهْرِيّ) ، يَعْنِي هَذَا الَّذِي بَلغنِي عَن سبي هوَازن.





[ قــ :4089 ... غــ :430 ]
- ( حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع أَن عمر قَالَ يَا رَسُول الله ح وحَدثني مُحَمَّد بن مقَاتل أخبرنَا عبد الله أخبرنَا معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما قَفَلْنَا من حنين سَأَلَ عمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن نذر كَانَ نَذره فِي الْجَاهِلِيَّة اعْتِكَاف فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بوفائه) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لما قَفَلْنَا من حنين وَأخرجه من طَرِيقين ورجالهما قد ذكرُوا غير مرّة وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك وَالطَّرِيق الأول مُرْسل مُخْتَصر وَقد سَاق بَقِيَّته فِي فرض الْخمس بِلَفْظ أَن عمر قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّه كَانَ على اعْتِكَاف يَوْم فِي الْجَاهِلِيَّة فَأمره أَن يَفِي بِهِ وَالثَّانِي مضى فِي الِاعْتِكَاف فِي بابُُ من لم ير عَلَيْهِ صوما إِذا اعْتكف وَفِي الْبابُُ الَّذِي يَلِيهِ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَقيل قد عَابَ الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ جَمعهمَا لِأَن قَوْله لما قَفَلْنَا من حنين لم يَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد يَعْنِي فِي الرِّوَايَة الْمُرْسلَة وَأجِيب بِأَن البُخَارِيّ نظر إِلَى أصل الحَدِيث لَا إِلَى أصل النَّقْص وَالزِّيَادَة فِي أَلْفَاظ الروَاة وَإِنَّمَا أورد طَرِيق حَمَّاد بن زيد الْمُرْسل للْإِشَارَة إِلَى أَن رِوَايَة حَمَّاد بن زيد مرجوحة لِأَن جمَاعَة من أَصْحَاب شَيْخه أَيُّوب خالفوه فِيهِ فوصلوه بل بعض أَصْحَاب حَمَّاد بن زيد رَوَاهُ عَنهُ مَوْصُولا
( وَقَالَ بَعضهم حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر) أَرَادَ بِالْبَعْضِ أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد لِأَن حَمَّاد بن سَلمَة يذكر عَقِيبه بِمَا يُخَالف سِيَاقه وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ أَخْبرنِي الْقَاسِم هُوَ ابْن زَكَرِيَّا حَدثنَا أَحْمد بن عَبدة حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ نذر اعْتِكَاف لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأمره أَن يَفِي بِهِ
( وَرَوَاهُ جرير بن حَازِم وَحَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور جرير بن حَازِم الخ يَعْنِي رَوَاهُ هَؤُلَاءِ مَوْصُولا أما تَعْلِيق جرير فوصله مُسلم وَغَيره من رِوَايَة ابْن وهب عَن جرير بن حَازِم أَن أَيُّوب حَدثهُ أَن نَافِعًا حَدثهُ أَن عبد الله بن عمر حَدثهُ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ بالجعرانة بعد أَن رَجَعَ من الطَّائِف فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة أَن أعتكف يَوْمًا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَكيف ترى قَالَ اذْهَبْ فاعتكف وَأما تَعْلِيق حَمَّاد بن سَلمَة فوصله مُسلم أَيْضا من طَرِيق حجاج بن منهال حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب مَقْرُونا بِرِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَق كِلَاهُمَا عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -



[ قــ :4090 ... غــ :431 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بنِ كَثيرِ بنِ أفْلحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى قَتَادَةَ عنْ أبي قَتادَةَ قَالَ خَرَجْنا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ حُنَيْنٍ فلَمَّا الْتقَيْنا كانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جوْلَةٌ فَرَأيْتُ رجُلاً منَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ ورَائِهِ عَلَى جَبْلِ عاتِقِهِ بالسَّيْفِ فقَطَعْتُ الدِّرْعَ وأقْبَلَ عَلَيَّ فضَمَّني ضَمَّةً وجَدْتُ مِنْها رِيحَ المَوْتِ ثُمَّ أدْرَكَهُ المَوْتُ فأرْسَلَني فَلَحِقْتُ عُمَرَ فقُلْتُ مَا بالُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله عَزَّ وجَلَّ ثُمَّ رجَعُوا وجَلَسَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهدُ ثُمَّ جلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فقُمْتُ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتادَةَ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ رجُلٌ صَدقَ وسَلبُهُ عِنْدِي فأرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لاَ هَا الله إِذا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أسَدٍ مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلُ عَن الله ورسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدْقَ فأعْطِهِ فأعْطانِيهِ فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً فِي بَني سَلِمَةَ فإنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثَّلْتُهُ فِي الإسْلاَمِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة، وَعمر بن كثير ضد الْقَلِيل ابْن أَفْلح الْمدنِي مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره من التَّابِعين الصغار، وَلَكِن ذكره ابْن حبَان فِي أَتبَاع التَّابِعين وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي فِي رِوَايَته فَقَالَ: عَمْرو بن كثير، بِفَتْح الْعين وَالصَّوَاب: عمر، بِضَم الْعين، وَأَبُو مُحَمَّد اسْمه نَافِع بن عَبَّاس مَعْرُوف باسمه وكنيته وَهُوَ مولى أبي قَتَادَة، وَيُقَال: مولى عقيلة بنت طلق، وَيُقَال: عبلة بنت طلق، وَأَبُو قَتَادَة اسْمه الْحَارِث بن ربعي، وَقيل: غَيره.

والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بابُُ من لم يُخَمّس الأسلاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( جَوْلَة) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو، أَي: تقدم وَتَأَخر، وَفِي الْعبارَة لطف حَيْثُ لم يقل: هزيمَة، وَهَذِه الجولة كَانَت فِي بعض الْمُسلمين لَا فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن حواليه.
قَوْله: ( قد علا رجلا) أَي: ظهر على قَتله.
قَوْله: ( على حَبل عَاتِقه) .
العاتق: مَوضِع الرِّدَاء من الْمنْكب، وَالْحَبل العصب.
قَوْله: ( بِالسَّيْفِ) ، ويروى بِسيف، بِدُونِ الْألف وَاللَّام.
قَوْله: ( فَقطعت الدرْع) أَي: اللّبْس الَّذِي كَانَ لابسه.
قَوْله: ( وجدت مِنْهَا) أَي: من تِلْكَ الضمة ( ريح الْمَوْت) أَي: من شدتها.
قَوْله: ( فأرسلني) ، أَي: أطلقني.
قَوْله: ( فلحقت عمر رَضِي الله عَنهُ) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وانهزمت مَعَهم، فلحقت عمر.
قَوْله: ( مَا بَال النَّاس؟) أَي: مَا حَالهم؟ قَوْله: ( قَالَ أَمر الله) ، أَي: قَالَ عمر: حكم الله تَعَالَى وَمَا قضا بِهِ، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: مَحْذُوف، أَي: هَذَا الَّذِي أَصَابَهُم أَمر الله.
قَوْله: ( ثمَّ رجعُوا) أَي: ثمَّ تراجعوا، وَهَكَذَا فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة، وَكَيْفِيَّة رجوعهم قد تقدّمت عَن قريب قَوْله: ( من قتل قَتِيلا) أَي: مشرفاً على الْقَتْل، فَهُوَ مجَاز بِاعْتِبَار المَال قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة بِأَن يُرَاد بالقتيل الْقَتِيل بِهَذَا الْقَتْل لَا بقتل سَابق، كَمَا قَالَ المتكلمون فِي جَوَاب المغالطة الْمَشْهُورَة، وَهُوَ أَن إِيجَاد الْمَعْدُوم محَال لِأَن الإيجاد إِمَّا حَال الْعَدَم، فَهُوَ جمع بَين النقيضين، وَإِمَّا حَال الْوُجُود.
وَهُوَ تَحْصِيل للحاصل أَن إِيجَاد الْمَوْجُود بِهَذَا الْوُجُود لَا بِوُجُود مُتَقَدم.
قَوْله: ( فأرضه مني) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره.
فأرضه مِنْهُ.
قَوْله: ( فَقَالَ أَبُو بكر) أَي: الصّديق، رَضِي الله عَنهُ قَوْله: ( لَا هَا الله) كلمة: هَا، للتّنْبِيه، وَقد يقسم بهَا يُقَال: لَا هَا الله مَا فعلت أَي: لَا وَالله،.

     وَقَالَ  ابْن مَالك: فِيهِ شَاهد على جَوَاز الِاسْتِغْنَاء عَن وَاو الْقسم بِحرف التَّنْبِيه.
قَالَ: وَلَا يكون ذَلِك إلاَّ مَعَ الله، أَي: لم يسمع: لَا هَا الرَّحْمَن، كَمَا سمع لَا والرحمن وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه روى رفع: الله، وَالْمعْنَى: يَأْبَى الله، وَقيل: إِن ثبتَتْ الرِّوَايَة بِالرَّفْع فَيكون هَا، للتّنْبِيه وَالله، مُبْتَدأ.
وَقَوله: ( لَا يعمد) خَبره، وَفِيه تَأمل.
قَوْله: ( إِذا) ، بِكَسْر الْهمزَة وبالذال الْمُعْجَمَة المنونة،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَكَذَا نرويه، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامهم أَي: العربَ لَا هَا الله، يَعْنِي بِدُونِ الْهمزَة فِي أَوله، وَالْهَاء فِيهِ بِمَنْزِلَة الْوَاو، وَالْمعْنَى: لَا وَالله لَا يكون ذَا.

     وَقَالَ  عِيَاض فِي ( الْمَشَارِق) : عَن إِسْمَاعِيل القَاضِي أَن الْمَازِني قَالَ: قَول الروَاة: لَا هَا الله إِذا، خطأ، وَالصَّوَاب: لَا هَا الله ذَا يَمِيني وقسمي،.

     وَقَالَ  أَبُو زيد لَيْسَ فِي كَلَامهم: لَا هَا الله إِذا، وَإِنَّمَا هُوَ: لَا هَا الله ذَا، وَذَا صلَة فِي الْكَلَام، والمعني: لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: ثَبت فِي الرِّوَايَة: لَا هَا الله إِذا، فَحَمله بعض النَّحْوِيين على أَنه من تَعْبِير بعض الروَاة لِأَن الْعَرَب لَا تسْتَعْمل: لَا هَا الله، بِدُونِ ذَا، وَإِن سلم اسْتِعْمَاله بِدُونِ ذَا فَلَيْسَ هَذَا مَوضِع إِذا لِأَنَّهَا حرف جَزَاء، وَمُقْتَضى الْجَزَاء أَن لَا يذكر إِلَّا فِي قَوْله: ( لَا يعمد) ، بل كَانَ يَقُول: إِذا يعمد إِلَى أَسد ليَصِح جَوَابا لطَالب السَّلب انْتهى وَقد أَطَالَ بَعضهم الْكَلَام فِي هَذَا جدا، مختلطاً بعضه بِبَعْض من غير تَرْتِيب، فالناظر فِيهِ إِن كَانَ لَهُ يَد يشمئز خاطره من ذَلِك وإلاَّ فَلَا يفهم شَيْئا أصلا، وَالَّذِي يُقَال بِمَا يجدي النَّاظر أَنه إِن كَانَ إِذا، على مَا هُوَ الْمَوْجُود فِي الْأُصُول يكون مَعْنَاهُ حينئذٍ وَإِن كَانَ ذَا بِدُونِ الْهمزَة، فوجهه مَا تقدم فَلَا يحْتَاج إِلَى الإطالة الْغَيْر الطائلة قَوْله: ( لَا يعمد) ، أَي: لَا يقْصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى رجل كَأَنَّهُ أَسد فِي الشجَاعَة يُقَاتل عَن دين الله وَرَسُوله، فَيَأْخُذ حَظه ويعطيكه بِغَيْر طيبَة من نَفسه،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويعمد، بالغيبة والتكلم وَوَقع فِي ( مُسْند أَحْمد) أَن الَّذِي خَاطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك عمر، وَلَفظه فِيهِ: فَقَالَ عمر: وَالله لَا يفيئها الله على أَسد ويعطيكها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق عمر.
قلت: صَاحب الْقِصَّة أَبُو قَتَادَة فَهُوَ اتقن لما وَقع فِيهَا من غَيره، وَقيل: يحْتَمل الْجمع بِأَن يكون عمر أَيْضا قَالَ ذَلِك تَقْوِيَة لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ.
قَوْله: ( فابتعت بِهِ) ، أَي: اشْتريت بذلك السَّلب.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ بَاعه الحاطب بن أبي بلتعة بِسبع أَوَاقٍ.
قَوْله: ( مخرفاً) ، بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء بَينهمَا خاء مُعْجمَة، قيل: يجوز فِيهِ كسر الْخَاء وَهُوَ الْبُسْتَان، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يخْتَرف مِنْهُ التَّمْر أَي: يجني، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن هَذَا الْبُسْتَان كَانَ يُقَال لَهُ: الودنيين، والمخرف، بِكَسْر الْمِيم إسم الْآلَة الَّتِي يجتني بهَا.
قَوْله: ( فِي بني سَلمَة) بِكَسْر اللَّام: بطن من الْأَنْصَار وهم ثوم أبي قَتَادَة.
قَوْله: ( تأثلته) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: اتخذته أصل المَال واقتنيته، وأثلة كل شَيْء: أَصله.




[ قــ :4090 ... غــ :43 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بن كَثِيرِ بن أفْلَحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أبي قتَادَةَ أنَّ أَبَا قتادَةَ قَالَ لمَّا كانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يُقاتِلُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ وآخَرُ مِنَ المُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ ورَائِهِ مِنْ ورَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فأسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فرَفَعَ يَدهُ لِيَضْرِبَنِي وأضْرِبُ يدَهُ فقَطَعْتُها ثُمَّ أخَذَنِي فَضَمَّني ضَمًّا شَدِيداً حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ ودَفَعْتُهُ ثُمَّ قتَلْتُهُ وانْهَزَمَ المُسْلِمُونَ وانهَزَمْتُ معَهُمْ فإِذَا بِعُمَرَ بن الخَطَّابِ فِي النَّاسِ فقُلْتُ لَهُ مَا شأنُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ أقامَ بيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ لألْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلي فَلَمْ أرَ أَحَداً يَشْهَدُ لي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أمْرَهُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلاَحُ هَذَا القَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي فأرْضِهِ منهُ فَقال أبُو بَكْرٍ كَلاَّ لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ منْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أسَداً مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلَ عنِ الله ورسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدَّاهُ إليَّ فاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافاً فَكانَ أوَّلَ مالٍ تَاثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ.
.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَهُوَ مُعَلّق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث وَيحيى بن سعد هُوَ الْأنْصَارِيّ.

قَوْله: ( يختله) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: أَي يخدعه.
قَوْله: ( حَتَّى تخوفت) أَي: الْهَلَاك، وَهُوَ مفعول قد حذف.
قَوْله: ( بدالي) أَي: ظهر لي قَوْله: ( الَّذِي يذكر) ، أَي: أَبُو قَتَادَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الَّذِي ذكره.
قَوْله: ( كلا) كلمة ردع.
قَوْله: ( لَا يُعْطه) ، أَي: لَا يُعْطي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلَاح الرجل الَّذِي هُوَ سلبه.
قَوْله: ( أصيبغ) بِضَم الْهمزَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا الْغَيْن الْمُعْجَمَة: وَهُوَ نوع من الطير ضَعِيف شبهه بِهِ لعَجزه وَهُوَ أَنه، وَقيل: شبهه بالصبغاء، وَهُوَ نبت مَعْرُوف، وَقيل: نبت ضَعِيف كالثمام إِذا طلع من الأَرْض يكون أول مَا يَلِي الشَّمْس مِنْهُ أصفر، هَذَا الضَّبْط رِوَايَة الْقَابِسِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة، وعَلى رِوَايَته هُوَ تَصْغِير: الضبع، على غير قِيَاس، كَأَنَّهُ لما عظم أَبَا قَتَادَة بِأَنَّهُ أَسد صغر خَصمه وَشبهه بالضبع لضعف افتراسه وَمَا يُوصف بِهِ من الْعَجز،.

     وَقَالَ  ابْن مَالك: أضيبع، بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة تَصْغِير: أضبع ويكنى بِهِ عَن الضَّعِيف.
قَوْله: ( ويدع) ، أَي: يتْرك وَهُوَ بِالنّصب،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويدع، بِالرَّفْع والجر نَحْو: لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن.





[ قــ :4090 ... غــ :431 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ أخبرَنا مالِكٌ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بنِ كَثيرِ بنِ أفْلحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى قَتَادَةَ عنْ أبي قَتادَةَ قَالَ خَرَجْنا معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ حُنَيْنٍ فلَمَّا الْتقَيْنا كانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جوْلَةٌ فَرَأيْتُ رجُلاً منَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ ورَائِهِ عَلَى جَبْلِ عاتِقِهِ بالسَّيْفِ فقَطَعْتُ الدِّرْعَ وأقْبَلَ عَلَيَّ فضَمَّني ضَمَّةً وجَدْتُ مِنْها رِيحَ المَوْتِ ثُمَّ أدْرَكَهُ المَوْتُ فأرْسَلَني فَلَحِقْتُ عُمَرَ فقُلْتُ مَا بالُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله عَزَّ وجَلَّ ثُمَّ رجَعُوا وجَلَسَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهدُ ثُمَّ جلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لي ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ ثُمَّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ فقُمْتُ فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتادَةَ فأخْبَرْتُهُ فَقَالَ رجُلٌ صَدقَ وسَلبُهُ عِنْدِي فأرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لاَ هَا الله إِذا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أسَدٍ مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلُ عَن الله ورسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدْقَ فأعْطِهِ فأعْطانِيهِ فابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفاً فِي بَني سَلِمَةَ فإنَّهُ لأوَّلُ مالٍ تأثَّلْتُهُ فِي الإسْلاَمِ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْمَدِينَة، وَعمر بن كثير ضد الْقَلِيل ابْن أَفْلح الْمدنِي مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ وَغَيره من التَّابِعين الصغار، وَلَكِن ذكره ابْن حبَان فِي أَتبَاع التَّابِعين وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، وحرف يحيى بن يحيى الأندلسي فِي رِوَايَته فَقَالَ: عَمْرو بن كثير، بِفَتْح الْعين وَالصَّوَاب: عمر، بِضَم الْعين، وَأَبُو مُحَمَّد اسْمه نَافِع بن عَبَّاس مَعْرُوف باسمه وكنيته وَهُوَ مولى أبي قَتَادَة، وَيُقَال: مولى عقيلة بنت طلق، وَيُقَال: عبلة بنت طلق، وَأَبُو قَتَادَة اسْمه الْحَارِث بن ربعي، وَقيل: غَيره.

والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بابُُ من لم يُخَمّس الأسلاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( جَوْلَة) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو، أَي: تقدم وَتَأَخر، وَفِي الْعبارَة لطف حَيْثُ لم يقل: هزيمَة، وَهَذِه الجولة كَانَت فِي بعض الْمُسلمين لَا فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن حواليه.
قَوْله: ( قد علا رجلا) أَي: ظهر على قَتله.
قَوْله: ( على حَبل عَاتِقه) .
العاتق: مَوضِع الرِّدَاء من الْمنْكب، وَالْحَبل العصب.
قَوْله: ( بِالسَّيْفِ) ، ويروى بِسيف، بِدُونِ الْألف وَاللَّام.
قَوْله: ( فَقطعت الدرْع) أَي: اللّبْس الَّذِي كَانَ لابسه.
قَوْله: ( وجدت مِنْهَا) أَي: من تِلْكَ الضمة ( ريح الْمَوْت) أَي: من شدتها.
قَوْله: ( فأرسلني) ، أَي: أطلقني.
قَوْله: ( فلحقت عمر رَضِي الله عَنهُ) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وانهزمت مَعَهم، فلحقت عمر.
قَوْله: ( مَا بَال النَّاس؟) أَي: مَا حَالهم؟ قَوْله: ( قَالَ أَمر الله) ، أَي: قَالَ عمر: حكم الله تَعَالَى وَمَا قضا بِهِ، وارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: مَحْذُوف، أَي: هَذَا الَّذِي أَصَابَهُم أَمر الله.
قَوْله: ( ثمَّ رجعُوا) أَي: ثمَّ تراجعوا، وَهَكَذَا فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة، وَكَيْفِيَّة رجوعهم قد تقدّمت عَن قريب قَوْله: ( من قتل قَتِيلا) أَي: مشرفاً على الْقَتْل، فَهُوَ مجَاز بِاعْتِبَار المَال قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة بِأَن يُرَاد بالقتيل الْقَتِيل بِهَذَا الْقَتْل لَا بقتل سَابق، كَمَا قَالَ المتكلمون فِي جَوَاب المغالطة الْمَشْهُورَة، وَهُوَ أَن إِيجَاد الْمَعْدُوم محَال لِأَن الإيجاد إِمَّا حَال الْعَدَم، فَهُوَ جمع بَين النقيضين، وَإِمَّا حَال الْوُجُود.
وَهُوَ تَحْصِيل للحاصل أَن إِيجَاد الْمَوْجُود بِهَذَا الْوُجُود لَا بِوُجُود مُتَقَدم.
قَوْله: ( فأرضه مني) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره.
فأرضه مِنْهُ.
قَوْله: ( فَقَالَ أَبُو بكر) أَي: الصّديق، رَضِي الله عَنهُ قَوْله: ( لَا هَا الله) كلمة: هَا، للتّنْبِيه، وَقد يقسم بهَا يُقَال: لَا هَا الله مَا فعلت أَي: لَا وَالله،.

     وَقَالَ  ابْن مَالك: فِيهِ شَاهد على جَوَاز الِاسْتِغْنَاء عَن وَاو الْقسم بِحرف التَّنْبِيه.
قَالَ: وَلَا يكون ذَلِك إلاَّ مَعَ الله، أَي: لم يسمع: لَا هَا الرَّحْمَن، كَمَا سمع لَا والرحمن وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه روى رفع: الله، وَالْمعْنَى: يَأْبَى الله، وَقيل: إِن ثبتَتْ الرِّوَايَة بِالرَّفْع فَيكون هَا، للتّنْبِيه وَالله، مُبْتَدأ.
وَقَوله: ( لَا يعمد) خَبره، وَفِيه تَأمل.
قَوْله: ( إِذا) ، بِكَسْر الْهمزَة وبالذال الْمُعْجَمَة المنونة،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَكَذَا نرويه، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامهم أَي: العربَ لَا هَا الله، يَعْنِي بِدُونِ الْهمزَة فِي أَوله، وَالْهَاء فِيهِ بِمَنْزِلَة الْوَاو، وَالْمعْنَى: لَا وَالله لَا يكون ذَا.

     وَقَالَ  عِيَاض فِي ( الْمَشَارِق) : عَن إِسْمَاعِيل القَاضِي أَن الْمَازِني قَالَ: قَول الروَاة: لَا هَا الله إِذا، خطأ، وَالصَّوَاب: لَا هَا الله ذَا يَمِيني وقسمي،.

     وَقَالَ  أَبُو زيد لَيْسَ فِي كَلَامهم: لَا هَا الله إِذا، وَإِنَّمَا هُوَ: لَا هَا الله ذَا، وَذَا صلَة فِي الْكَلَام، والمعني: لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: ثَبت فِي الرِّوَايَة: لَا هَا الله إِذا، فَحَمله بعض النَّحْوِيين على أَنه من تَعْبِير بعض الروَاة لِأَن الْعَرَب لَا تسْتَعْمل: لَا هَا الله، بِدُونِ ذَا، وَإِن سلم اسْتِعْمَاله بِدُونِ ذَا فَلَيْسَ هَذَا مَوضِع إِذا لِأَنَّهَا حرف جَزَاء، وَمُقْتَضى الْجَزَاء أَن لَا يذكر إِلَّا فِي قَوْله: ( لَا يعمد) ، بل كَانَ يَقُول: إِذا يعمد إِلَى أَسد ليَصِح جَوَابا لطَالب السَّلب انْتهى وَقد أَطَالَ بَعضهم الْكَلَام فِي هَذَا جدا، مختلطاً بعضه بِبَعْض من غير تَرْتِيب، فالناظر فِيهِ إِن كَانَ لَهُ يَد يشمئز خاطره من ذَلِك وإلاَّ فَلَا يفهم شَيْئا أصلا، وَالَّذِي يُقَال بِمَا يجدي النَّاظر أَنه إِن كَانَ إِذا، على مَا هُوَ الْمَوْجُود فِي الْأُصُول يكون مَعْنَاهُ حينئذٍ وَإِن كَانَ ذَا بِدُونِ الْهمزَة، فوجهه مَا تقدم فَلَا يحْتَاج إِلَى الإطالة الْغَيْر الطائلة قَوْله: ( لَا يعمد) ، أَي: لَا يقْصد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى رجل كَأَنَّهُ أَسد فِي الشجَاعَة يُقَاتل عَن دين الله وَرَسُوله، فَيَأْخُذ حَظه ويعطيكه بِغَيْر طيبَة من نَفسه،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويعمد، بالغيبة والتكلم وَوَقع فِي ( مُسْند أَحْمد) أَن الَّذِي خَاطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك عمر، وَلَفظه فِيهِ: فَقَالَ عمر: وَالله لَا يفيئها الله على أَسد ويعطيكها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق عمر.
قلت: صَاحب الْقِصَّة أَبُو قَتَادَة فَهُوَ اتقن لما وَقع فِيهَا من غَيره، وَقيل: يحْتَمل الْجمع بِأَن يكون عمر أَيْضا قَالَ ذَلِك تَقْوِيَة لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ.
قَوْله: ( فابتعت بِهِ) ، أَي: اشْتريت بذلك السَّلب.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ بَاعه الحاطب بن أبي بلتعة بِسبع أَوَاقٍ.
قَوْله: ( مخرفاً) ، بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء بَينهمَا خاء مُعْجمَة، قيل: يجوز فِيهِ كسر الْخَاء وَهُوَ الْبُسْتَان، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يخْتَرف مِنْهُ التَّمْر أَي: يجني، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن هَذَا الْبُسْتَان كَانَ يُقَال لَهُ: الودنيين، والمخرف، بِكَسْر الْمِيم إسم الْآلَة الَّتِي يجتني بهَا.
قَوْله: ( فِي بني سَلمَة) بِكَسْر اللَّام: بطن من الْأَنْصَار وهم ثوم أبي قَتَادَة.
قَوْله: ( تأثلته) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: اتخذته أصل المَال واقتنيته، وأثلة كل شَيْء: أَصله.




[ قــ :4090 ... غــ :43 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُمَرَ بن كَثِيرِ بن أفْلَحَ عنْ أبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أبي قتَادَةَ أنَّ أَبَا قتادَةَ قَالَ لمَّا كانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يُقاتِلُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ وآخَرُ مِنَ المُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ ورَائِهِ مِنْ ورَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فأسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فرَفَعَ يَدهُ لِيَضْرِبَنِي وأضْرِبُ يدَهُ فقَطَعْتُها ثُمَّ أخَذَنِي فَضَمَّني ضَمًّا شَدِيداً حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ ودَفَعْتُهُ ثُمَّ قتَلْتُهُ وانْهَزَمَ المُسْلِمُونَ وانهَزَمْتُ معَهُمْ فإِذَا بِعُمَرَ بن الخَطَّابِ فِي النَّاسِ فقُلْتُ لَهُ مَا شأنُ النَّاسِ قَالَ أمْرُ الله ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ أقامَ بيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ لألْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلي فَلَمْ أرَ أَحَداً يَشْهَدُ لي فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أمْرَهُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ سِلاَحُ هَذَا القَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي فأرْضِهِ منهُ فَقال أبُو بَكْرٍ كَلاَّ لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ منْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أسَداً مِنْ أُسْدِ الله يُقاتِلَ عنِ الله ورسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدَّاهُ إليَّ فاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافاً فَكانَ أوَّلَ مالٍ تَاثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ.
.


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَهُوَ مُعَلّق وَصله البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث وَيحيى بن سعد هُوَ الْأنْصَارِيّ.

قَوْله: ( يختله) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: أَي يخدعه.
قَوْله: ( حَتَّى تخوفت) أَي: الْهَلَاك، وَهُوَ مفعول قد حذف.
قَوْله: ( بدالي) أَي: ظهر لي قَوْله: ( الَّذِي يذكر) ، أَي: أَبُو قَتَادَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الَّذِي ذكره.
قَوْله: ( كلا) كلمة ردع.
قَوْله: ( لَا يُعْطه) ، أَي: لَا يُعْطي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلَاح الرجل الَّذِي هُوَ سلبه.
قَوْله: ( أصيبغ) بِضَم الْهمزَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا الْغَيْن الْمُعْجَمَة: وَهُوَ نوع من الطير ضَعِيف شبهه بِهِ لعَجزه وَهُوَ أَنه، وَقيل: شبهه بالصبغاء، وَهُوَ نبت مَعْرُوف، وَقيل: نبت ضَعِيف كالثمام إِذا طلع من الأَرْض يكون أول مَا يَلِي الشَّمْس مِنْهُ أصفر، هَذَا الضَّبْط رِوَايَة الْقَابِسِيّ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة، وعَلى رِوَايَته هُوَ تَصْغِير: الضبع، على غير قِيَاس، كَأَنَّهُ لما عظم أَبَا قَتَادَة بِأَنَّهُ أَسد صغر خَصمه وَشبهه بالضبع لضعف افتراسه وَمَا يُوصف بِهِ من الْعَجز،.

     وَقَالَ  ابْن مَالك: أضيبع، بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة تَصْغِير: أضبع ويكنى بِهِ عَن الضَّعِيف.
قَوْله: ( ويدع) ، أَي: يتْرك وَهُوَ بِالنّصب،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويدع، بِالرَّفْع والجر نَحْو: لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن.