فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قصة دوس، والطفيل بن عمرو الدوسي

( بابُ قِصَّةُ دَوْسٍ والطُّفَيْلِ بنِ عَمْرٍ والدَّوْسِيِّ)

أَي: هَذَا بَيَان قصَّة دوس، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن مَالك بن نصر بن الأزد، وَمعنى الدوس ظَاهر.
قَوْله: ( والطفيل بن عَمْرو) أَي: قصَّة الطُّفَيْل، بِضَم الطَّاء: ابْن عَمْرو بن طريف بن الْعَاصِ بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وَله حِكَايَة عَجِيبَة غَرِيبَة طويت ذكرهَا مَخَافَة التَّطْوِيل.
وَمِنْهَا أَنه: رأى رُؤْيا فَقَالَ لأَصْحَابه: عبروها قَالُوا: وَمَا رَأَيْت؟ قَالَ: رَأَيْت رَأْسِي حلق، وَأَنه خرج من فمي طَائِر، وَأَن امْرَأَة لقيتني فأدخلتني فِي فرجهَا، وَكَانَ أبي يطلبني طلبا حثيثاً، فحيل بيني وَبَينه.
قَالُوا: خيرا.
قَالَ: أَنا وَالله فقد أولتها: أما حلق الرَّأْس فَقَطعه، وَأما الطَّائِر فروحي، وَأما الْمَرْأَة الَّتِي أدخلتني فِي فرجهَا فالأرض تحفر لي فأدفن فِيهَا، فقد روعت أَن أقتل شَهِيدا، وَأما طلب أبي إيَّايَ فَلَا أرَاهُ إلاَّ سيعذر فِي طلب الشَّهَادَة، وَلَا أرَاهُ يلْحق فِي سفرنا هَذَا، فَقتل الطُّفَيْل شَهِيدا يَوْم الْيَمَامَة، وجرح أَبوهُ ثمَّ قتل يَوْم اليرموك بعد ذَلِك فِي زمن عمر بن الْخطاب شَهِيدا.



[ قــ :4154 ... غــ :4392 ]
- حَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سُفْيانُ عنِ ابنِ ذَكَوَانَ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جاءَ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْروٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إنَّ دَوْساً قدْ هلَكتْ عَصَتْ وأبَتْ فادعُ الله علَيْهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وأَتِ بِهِمْ.
( انْظُر الحَدِيث 2937 وطرفه) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن ذكْوَان هُوَ عبد الله بن ذكْوَان أَبُو الزِّنَاد، وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج.

قَوْله: ( قد هَلَكت) ادّعى الدَّاودِيّ أَن قَوْله: ( هَلَكت) ، لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَإِنَّمَا قَالَ: عَصَتْ وأبت.
قَوْله: ( اللَّهُمَّ اهدِ دوساً وأئتِ بهم) ، دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُم بالهداية فِي مُقَابلَة الْعِصْيَان، والإتيان بِهِ فِي مُقَابلَة الإباء.
وَفِيه: حرص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على من يسلم على يَدَيْهِ.





[ قــ :4155 ... غــ :4393 ]
- حَدَّثَنَا مُحمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا أبُو أُسامَةَ حدَّثنا إسْماعِيلُ عنْ قَيْسٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لمَّا قدِمْتُ عَلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلتُ فِي الطَّرِيقِ.


( يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِها وعَنائِهاعَلَى أنَّها مِنْ دارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ)

وأبَقَ غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبايَعْتُهُ فَبَيْنا أَنا عِنْدَهُ إذْ طَلَعَ الغُلاَمُ فَقَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هاذَا غلامُكَ فَقُلْتُ هُوَ لِوَجْهِ الله فأعْتَقْتُهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا هُرَيْرَة دوسي لِأَنَّهُ من دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن مَالك بن نصر بن الأزد، وَقد اخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا،.

     وَقَالَ  خَليفَة بن خياط: أَبُو هُرَيْرَة هُوَ عُمَيْر بن عَامر بن عبد ذِي الشرس بن طريف بن عبابُ بن أبي صعبة بن مُنَبّه بن سعد بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس،.

     وَقَالَ  أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: أصح شَيْء عندنَا فِي اسْم أبي هُرَيْرَة: عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، وَقد غلبت عَلَيْهِ كنيته فَهُوَ كمن لَا اسْم لَهُ غَيرهَا، أسلم أَبُو هُرَيْرَة عَام خَيْبَر وشهدها مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَغْبَة فِي الْعلم، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسَة آلافٍ حَدِيث وثلاثمائة حَدِيث وَأَرْبَعَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا، اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على ثَلَاثمِائَة حَدِيث وَخَمْسَة وَعشْرين حَدِيثا، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِثَلَاثَة وَتِسْعين، وَمُسلم بِمِائَة وَتِسْعين، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أحد أَكثر حَدِيثا مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ: روى عَنهُ أَكثر من ثَمَانمِائَة رجل من بَين صَاحب وتابع، اسْتَعْملهُ عمر رَضِي تَعَالَى الله عَنهُ، على الْبَحْرين ثمَّ عَزله، ثمَّ أَرَادَهُ على الْعَمَل فَأبى عَلَيْهِ، وَلم يزل يسكن الْمَدِينَة حَتَّى مَاتَ فِيهَا سنة سبع وَخمسين، قَالَه خَليفَة بن خياط،.

     وَقَالَ  ابْن الْهَيْثَم بن عدي: توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين، وَقيل: مَاتَ بالعقيق وَحمل إِلَى الْمَدِينَة وَصلى عَلَيْهِ الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَمِيرا على الْمَدِينَة لمعاوية بن أبي سُفْيَان، وروى عَنهُ أَنه قَالَ: إِنَّمَا كنيت بِأبي هُرَيْرَة لِأَنِّي وجدت أَو لَا دهرة وحشية فحملتا فِي كمي، فَقيل: مَا هَذِه قلت: هرة، قيل: فَأَنت أَبُو هُرَيْرَة، وَقيل: رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي كمه هرة، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة.

ثمَّ الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ هُنَا عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة، وَأخرجه فِي كتاب الْعتْق فِي: بابُُ إِذا قَالَ رجل لعَبْدِهِ: هُوَ لله، من ثَلَاث طرق، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( لما قدمت) أَي: لما أردْت الْقدوم.
قَوْله: ( وعنائها) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ التَّعَب وَالنّصب قَوْله: ( من دارة الْكفْر) الدارة أخص من الدَّار.
قَوْله: ( وأبق غُلَام لي) ، ادّعى ابْن التِّين أَنه وهم، وَإِنَّمَا ضل كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه، وَقيل: لَا دَلِيل لَهُ على ذَلِك.
قلت: يجوز أَن يكون قَوْله فِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة فِي الْعتْق: فأضل أَحدهمَا صَاحبه، دَلِيلا على ذَلِك،.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَا يلْتَفت إِلَى إِنْكَار ابْن التِّين أَنه أبق، لِأَن رِوَايَة: أبق، فسرت وَجه الإضلال.
قلت: لَا إِبْهَام فِي الإضلال حَتَّى يفسره بِلَفْظ: أبق وَلَا يصلح أَيْضا أَن يكون: أبق، مُفَسرًا لَهُ من حَيْثُ اللُّغَة، وَلَا وَجه لذَلِك أصلا، لِأَن فِي الْإِبَاق معنى الْمُخَالفَة للْمولى والهرب عَنهُ، وَهُوَ أكبر الْعُيُوب فِي العَبْد، وَلَيْسَ فِي الإضلال هَذَا الْمَعْنى أصلا، فعلى هَذَا التَّوْفِيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه أطلق: أبق، على معنى: أضلّ، لِأَن فِي كل من هذَيْن اللَّفْظَيْنِ معنى الاستتار والاحتباس.