فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها} [البقرة: 106]

(بابُُ قَوْلِهِ تَعَالَى: { نَنْسَخْ منْ آيَةٍ أوْ نَنْسَاها} (الْبَقَرَة: 106)

أَي: هَذَا بابُُ قَوْله تَعَالَى: { مَا ننسخ} وقرىء: مَا تنسخ، بتاء الخاب، (وَمَا ننسخ) ، بِضَم النُّون الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَكسر السِّين، والنسخ فِي الْآيَة إِزَالَتهَا بإبدال أُخْرَى مَكَانهَا.
قَوْله: (أَو ننساها) بِفَتْح النُّون الأولى من النسي وَهُوَ التَّأْخِير لَا إِلَى بدل، وقرىء ننسها، بِضَم النُّون الأولى وَكسر السِّين: من الإنساء، وَهُوَ أَن يذهب بحفظها من الْقُلُوب، وقرىء: وننسها، بِضَم النُّون الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَكسر السِّين الْمُشَدّدَة، وقرىء: وتنسها، بِفَتْح التَّاء للخطاب وَسُكُون النُّون، وقرىء: وتنسها، بِضَم التَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول، وَكَانَت الْيَهُود طعنوا فِي النّسخ فَقَالُوا: أَفلا ترَوْنَ إِلَى مُحَمَّد؟ يَأْمر أَصْحَابه بِأَمْر ثمَّ ينهاهم عَنهُ وَيَأْمُرهُمْ بِخِلَافِهِ، وَيَقُول الْيَوْم قولا وَيرجع عَنهُ غَدا؟ فَنزلت { مَا ننسخ} (الْبَقَرَة: 106) الخ.



[ قــ :4234 ... غــ :4481 ]
- ح دَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيّ حدَّثنا يَحْيَى حَدثنَا سُفْيانُ عنْ حَبِيبٍ عنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ قَالَ عَمرُ رضيَ الله عنهُ أقْرَأُنا أُبَيٌّ وأقْضانا عَلِيٌّ وإنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أبَيّ وذَاكَ أنَّ أبَيًّا يَقُولُ لاَ أدَعُ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ قَالَ الله تَعَالَى مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نَنْسَاها.


مطابقته لِلْآيَةِ ظَاهِرَة.
وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وحبِيب، هُوَ ابْن أبي ثَابت واسْمه قيس بن دِينَار الْكُوفِي.

وَهَذَا حَدِيث مَوْقُوف وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَغَيره من طَرِيق أبي قلَابَة عَن أنس مَرْفُوعا.
وَفِيه ذكر جمَاعَة، وأوله: أرْحم أمتِي أَبُو بكر، وَفِيه: وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كَعْب الحَدِيث، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ.

     وَقَالَ  غَيره: وَالصَّوَاب إرْسَاله.

قَوْله: (وأقضانا عَليّ) ، أَي: أعلمنَا بِالْقضَاءِ عَليّ بن أبي طَالب، وَقد رُوِيَ هَذَا أَيْضا مَرْفُوعا عَن أنس وَلَفظه: أقضى أمتِي عَليّ بن أبي طَالب، رَوَاهُ الْبَغَوِيّ قَوْله: (وَإِنَّا لندع من قَول أبي) ، أَي: لنترك، وَفِي رِوَايَة صَدَقَة: من لحن أبي، أَي: من لغته، وَفِي رِوَايَة ابْن خَلاد وَإِنَّا لنترك كثيرا من قِرَاءَة أبي، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى قَول عَمْرو: إِنَّا لندع.
قَوْله: (أَن أَبَيَا يَقُول) ، أَي: أَن أَبَيَا يَقُول: (لَا أدع شَيْئا) أَي: لَا أترك شَيْئا (سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَكَانَ لَا يَقُول أبي بنسخ شَيْء من الْقُرْآن، فَرد عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك بقوله: وَقد قَالَ الله تَعَالَى: { مَا ننسخ من آيَة} فَإِنَّهُ يدل على ثُبُوت النّسخ فِي الْبَعْض، وَهَذِه الْجُمْلَة، وَإِن كَانَت شَرْطِيَّة، إلاَّ أَنَّهَا لَا تدل على وُقُوع الشَّرْط، فالسياق هُنَا يدل عَلَيْهِ لِأَنَّهَا نزلت بعد وُقُوعه وإنكارهم عَلَيْهِ، وَيمْنَع عدم دلالتها فِي مثل هَذَا لِأَنَّهَا لَيست شَرْطِيَّة مَحْضَة.