فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} [البقرة: 193]

(بابُُ قَوُلِهِ: { وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لله فَإِن انْتَهُوا فَلا عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} (الْبَقَرَة: 193)
.
أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: { وقاتلوهم} الْآيَة.
قَوْله: قَوْله: (وقاتلوهم) أَي: الْمُشْركين.
قَوْله: (حَتَّى لَا تكون فتْنَة) ، أَي: شرك، قَالَه ابْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُجاهد وَالْحسن وَقَتَادَة وَالربيع وَمُقَاتِل بن حبَان وَالسُّديّ وَزيد بن أسلم.
قَوْله: (وَيكون الدّين) أَي: دين الله كُله لله لِأَنَّهُ الظَّاهِر العالي على سَائِر الْأَدْيَان قَوْله: (فَإِن انْتَهوا) أَي: عَن الشّرك والقتال (فَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين) فَلَا تَعْتَدوا على المنتهين لِأَن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم فَوضع قَوْله: (إلاَّ على الظَّالِمين) ، مَوضِع على المنتهين كَذَا فسره الزَّمَخْشَرِيّ لَكِن يحْتَاج إِلَى تَحْرِير الْكَلَام لِأَن هَذِه الْجُمْلَة الأسمية لَا يُمكن أَن تكون جَزَاء لِأَن الشَّرْط لَا بُد أَن يكون سَببا للجزاء وَإِثْبَات الْعدوان على سَبِيل الْحصْر على الظَّالِمين لَيْسَ سَببا لانْتِهَاء الْمُشرك عَن الشّرك.
وَهَذَا الْموضع لَا يحْتَمل بسط الْكَلَام فِيهِ.



[ قــ :4266 ... غــ :4513 ]
- ح دَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَهابِ حدَّثنا عُبَيْدُ الله عنْ نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا أتاهُ رجُلانٍ فِي فِتْنَةَ ابنِ الزُّبَييْر فَقَالَا إنَّ النَّاسَ ضَيَّعُوا وأنْتَ ابنُ عُمَرَ وصاحبُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا يَمْنَعُكَ أنْ تَخْرُجَ فَقال يَمْنَعُنِي أنَّ الله حَرَّمَ دَمَ أخِي فَقَالَا ألَمْ يَقلِ الله { وقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (الْبَقَرَة: 193) فَقَالَ قَاتَلْنا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ لله.
وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَن تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَتَكُونِ الدِّينُ لِغَيْرِ الله وَزَادَ عُثْمَانُ بنُ صالِح عنِ ابنِ وَهْب قَالَ أخْبَرَنِي فلانٌ وَحَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ عنْ بَكْرٍ بنِ عَمْرٍ والمَعافِرِيَّ أنَّ بُكَيْرَ بنَ عَبْدِ الله حدَثهُ عنْ نافِعٍ أنَّ رجلا أتَى ابنَ عُمَر فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمانِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أنْ تَحُجَّ عَام وَتَعْتَمِرَ عَاما وَتَتْرُكَ الجِهادَ فِي سَبِيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغِّبَ الله فِيهِ قَالَ يَا ابنَ أخِي بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسِ إيمانٍ بِاللَّه وَرَسولِهِ والصلَوَاتِ الخَمْسِ وِصيامِ رَمَضَانَ وأداءِ الزَّكَاةِ وَحَجَّ البَيْتِ قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمانِ أَلا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ الله فِي كِتَابِهِ { وَإنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فإنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أمْرِ الله قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَة} (الحجرات: 9) قَالَ فعَلْنا عَلَى عَهْدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ الإسْلامُ قَلِيلاً فَكانَ الرَّجُلْ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إمَّا قَتَلُوهُ وَإمَّا يُعَذِّبوهُ حَتَّى كَثُرَ الإسْلامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ قَالَ فَمَا قَوْلُكَ فِي علِيٍّ وَعُثْمَانَ قَالَ أمَّا عُثْمَانُ فكأنَّ الله عَفا عَنْهُ وَأمّا أنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أنْ تَعْفُوا عَنْهُ وَأمّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَتَمُهُ وَأشَارَ بِيَدِهِ فَقال هاذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ.


مُطَابقَة لِلْآيَةِ ظَاهِرَة، وَفِيه عشرَة رجال (الأول) : مُحَمَّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة وَقد تكَرر ذكره (وَالثَّانِي) : عبد الْوَهَّاب بن عبد الحميد الثَّقَفِيّ (الثَّالِث) : عبيد الله بن عمر الْعمريّ.
(الرَّابِع) : نَافِع مولى ابْن عمر.
(الْخَامِس) : عُثْمَان بن صَالح السَّهْمِي وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ.
وَقد أخرج عَنهُ فِي الْأَحْكَام حَدِيثا غير هَذَا.
(السَّادِس) : عبد الله بن وهب (السَّابِع) : فلَان قيل إِنَّه عبيد الله بن لَهِيعَة، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْهَاء وبالعين الْمُهْملَة.
قَاضِي مصر مَاتَ سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة،.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: اجْمَعُوا على ضعفه وَترك الِاحْتِجَاج بِمَا ينْفَرد بِهِ (الثَّامِن) : حَيْوَة بن شُرَيْح الْمصْرِيّ، وَهَذَا غير حَيْوَة بن شُرَيْح الْحَضْرَمِيّ، فَلَا يشْتَبه عَلَيْك (التَّاسِع) : بكر بن عمر وَالْعَابِد الْقدْوَة الْمعَافِرِي، بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وبالراء، وَقيل بِضَم الْمِيم نِسْبَة إِلَى المعافر بن يعفر بن مَالك بن الْحَارِث بن قُرَّة بن ادد بن يشجب بن عريب بن زيد ابْن كهلان، ينْسب إِلَيْهِ كثير وعامتهم بِمصْر (الْعَاشِر) : بكير.
مصغر ابْن عبد الله بن الْأَشَج، وَمن عُثْمَان بن صَالح إِلَى هُنَا كلهم مصريون.

قَوْله: (رجلَانِ) (أَحدهمَا) : الْعَلَاء بن عرار، بالمهملات وَالْأولَى مَكْسُورَة قَالَ ابْن مَاكُولَا: عَلَاء بن عرار سمع عبد الله بن عمر وروى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي (وَالْآخر) حبَان: بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: صَاحب الدثنية، ضَبطه بَعضهم بِفَتْح الدَّال والثاء الْمُثَلَّثَة وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَفْتُوحَة،.

     وَقَالَ : هُوَ مَوضِع بِالشَّام، قلت: كل ذَلِك غلط،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الدثنية، بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء نَاحيَة قرب عدن.
قَوْله: (فِي فتْنَة ابْن الزبير) وَهِي محاصرة الْحجَّاج عبد الله بن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَكَانَت فِي أَوَاخِر سنة ثَلَاث وَسبعين، وَكَانَ الْحجَّاج أرْسلهُ عبد الْملك بن مَرْوَان لقِتَال ابْن الزبير، وَقتل عبد الله بن الزبير فِي آخر تِلْكَ السّنة وَمَات عبد الله بن عمر فِي أول سنة أَربع وَسبعين.
قَوْله: (أَن النَّاس ضيعوا) ، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة من التضييع وَهُوَ الْهَلَاك فِي الدُّنْيَا وَالدّين هَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة، وَفِيه حذف تَقْدِيره: صَنَعُوا مَا ترى من الِاخْتِلَاف.

قَوْله: (وَزَاد عُثْمَان بن صَالح) أَي: زَاد على رِوَايَة مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (أَن رجلا) قيل: إِنَّه حَكِيم، ذكره الْحميدِي عَن البُخَارِيّ.
قَوْله: (وتترك الْجِهَاد) أَي الْجِهَاد الَّذِي هُوَ الْقِتَال مَعَ هَؤُلَاءِ كالجهاد فِي سَبِيل الله فِي الْأجر، وَلَيْسَ المُرَاد الْجِهَاد الْحَقِيقِيّ الَّذِي هُوَ الْقِتَال مَعَ الْكفَّار.
قَوْله: (أما قَتَلُوهُ وَأما يعذبوه) إِنَّمَا قَالَ فِي الْقَتْل بِلَفْظ الْمَاضِي وَفِي الْعَذَاب بِلَفْظ الْمُضَارع لِأَن التعذيب كَانَ مستمرا بِخِلَاف الْقَتْل.
قَوْله: (فكرهتم أَن تعفوا عَنهُ) بِلَفْظ خطاب لجمع ويروى أَن يعْفُو بِالْإِفْرَادِ للْغَائِب أَي: الله عز وَجل.
قَوْله: (وخنته) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالنون.
قَالَ ابْن فَارس: الختن أَبُو الزَّوْجَة،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: الْأخْتَان من قبل الْمَرْأَة، والأحماء من قبل الزَّوْج، والصهر يجمع ذَلِك كُله.
قَوْله: (فَهَذَا بَيته) ، يُرِيد بَين بيُوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَرَادَ بذلك قربه.