فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195] «

(بابُُ قَوْلِهِ: { وَأنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ وَأحْسِنُوا إنَّ الله يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} (الْبَقَرَة: 195)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وأنفقوا} الخ.
قَوْله: (وأنفقوا) عطف على قَوْله: { وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} (الْبَقَرَة: 193) وَسبب نُزُولهَا أَن الْأَنْصَار كَانُوا يُنْفقُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ فَأَصَابَتْهُمْ سنة فأمسكوا، والسبيل الطَّرِيق وَالْمرَاد بِهِ طَرِيق الْخيرَات.
قَوْله: (وَلَا تلقوا بأيدكم) قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الْبَاء زَائِدَة الْمَعْنى، أَي لَا تقبضوا التَّهْلُكَة أَيْدِيكُم، وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تلقوا أَنفسكُم بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة، فالأنفس مضمرة وَالْبَاء أَدَاة وَالْأَيْدِي عبارَة عَن كل الْبدن، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { تبت يدا أبي لَهب} (المسد: 1) أَي: تب هُوَ، قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: التَّهْلُكَة الْبُخْل،.

     وَقَالَ  سماك بن حَرْب عَن النُّعْمَان بن بشير فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} (الْبَقَرَة: 195) أَن يُذنب الرجل الذَّنب فَيَقُول: لَا يغْفر لي فَأنْزل الله تَعَالَى: { وَلَا تلقوا بأيدكم إِلَى التَّهْلُكَة} الْآيَة، رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه، وروى عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس التَّهْلُكَة عَذَاب الله قَوْله: (وأحسنوا) فِيهِ أَقْوَال.
أَحدهَا: فِي أَدَاء الْفَرَائِض وَالثَّانِي: الظَّن بِاللَّه.
الثَّالِث: تفضلوا على من لَيْسَ فِي يَده شَيْء.
الرَّابِع: صلوا الْخمس.

التَّهْلُكَةُ والْهَلاكُ وَاحِدٌ
يَعْنِي: كِلَاهُمَا مصدران لَكِن التَّهْلُكَة من نَوَادِر المصادر، يُقَال: هلك الشَّيْء يهْلك هَلَاكًا وهلوكا ومهلك ومهلكا وتهلكةً، وَالِاسْم الهلك، بِالضَّمِّ، والهلكة بِفَتْح اللَّام والهلاك قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَيجوز أَن يكون أصل التَّهْلُكَة بِكَسْر اللَّام كالتجربة، فأبدلت من الكسرة ضمة كَمَا جَاءَت الْجوَار فِي الْجوَار.



[ قــ :4267 ... غــ :4516 ]
- ح دَّثنا إسْحَاقُ أخْبَرَنا النَّضْرُ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أبَا وَائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ وأنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلِكَةِ قَالَ نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِسْحَاق هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَالنضْر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل مصغر شَمل، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
قَوْله: (فِي النَّفَقَة) أَي: فِي ترك النَّفَقَة فِي سَبِيل الله.
<"