فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} [البقرة: 199]

(بابٌُ: { ثُمَّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النَّاسُ} (الْبَقَرَة: 199)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ ذكر قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} أَي: لتكن إفاضتكم من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَلَا تكن من الْمزْدَلِفَة، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَن الله عز وَجل، أَمر الْوَاقِف بِعَرَفَات أَن يدْفع إِلَى الْمزْدَلِفَة ليذكر الله تَعَالَى عِنْد الْمشعر الْحَرَام وَأمره أَن يكون وُقُوفه مَعَ جُمْهُور النَّاس يصنعون ويقفون بهَا.
غير أَن قُريْشًا لم يَكُونُوا يخرجُون من الْحرم، فيقفون فِي طرف الْحرم عِنْد أدنى الْجَبَل وَيَقُولُونَ: نَحن أهل الله فِي بلدته وقطان بَيته، فَلَا يخرجُون مِنْهُ فيقفون بِجمع وَسَائِر النَّاس بِعَرَفَات.



[ قــ :4271 ... غــ :4520 ]
- ح دَّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ خازِمٍ حدَّثنا هِشامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَها يَقِفُون بِالمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يُسَمِّوْنَ الحُمْسَ وَكَانِ سَائِرُ العَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ فَلَمَا جَاءَ الإسْلامُ أمَرَ الله نَبِيَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يَأْتِي عَرَفَاتٍ ثُمَّ يَقِفُ بهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْها فَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى: { ثُمَّ أفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أفَاضَ النَّاسُ} .


مطابقته هِيَ معنى التَّرْجَمَة وَمُحَمّد بن خازم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالزاي: أَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير.

قَوْله: (وَمن دَان دينهَا) أَي: دين قُرَيْش قَالَ الْخطابِيّ: الْقَبَائِل الَّتِي كَانَت تدين مَعَ قُرَيْش هم بَنو عَامر بن صعصعة وَثَقِيف وخزاعة.
وَكَانُوا إِذا أَحْرمُوا لَا يتناولون السّمن والأقط وَلَا يدْخلُونَ من أَبْوَاب بُيُوتهم، وَكَانُوا يسمون الْخمس، لأَنهم تحمسوا فِي دينهم وتصلبوا، والحماسة الشدَّة.
قَوْله: (ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس) ثمَّ سَائِر الْعَرَب غير الحمس، وهم قُرَيْش وَمن كَانَ على دينهم، وَقيل: المُرَاد من النَّاس آدم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقيل: إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وقرىء شاذا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِي، يَعْنِي: آدم عَلَيْهِ السَّلَام.





[ قــ :47 ... غــ :451 ]
- ح دَّثني مُحَمَّدُ بنُ أبِي بَكْرٍ حدَّثنا فُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ أَخْبرنِي كُرَيْبٌ عنِ ابْن عباسٍ قَالَ تَطَوُّفُ الرَّجُلِ بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلالاً حَتَّى يُهِلَّ بِالحَجِّ فَإذَا رَكِبَ إلَى عَرَفَةَ فَمَنْ تَيَسَّرَ لهُ هَدِيَّة مِنَ الإبِلِ أَو الْبَقَرِ أَو الغَنَمِ مَا تَيَسَّرَ لهُ مِنْ ذَلِكَ أيّ ذَلِكَ شَاءَ غَيْرَ أنْ لمْ يَتَيَسَّرَ لهُ فَعَلَيْهِ ثَلاثَةُ أيَّامٍ فِي الحَجِّ وَذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ فإنْ كَانَ آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الأيامِ الثَّلاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَلا جُناح عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَنْطَلِقْ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ مِنْ صَلاةِ العَصْرِ إلَى أنْ يَكْونَ الظَّلامُ ثُم لِيَدْفَعُوا مِنْ عَرَفَاتٍ إذَا أفَاضُوا مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغُوا جَمْعا الَّذِي يَبِيتُونَ بِهِ ثُمَّ لِيَذْكُرُوا الله كَثِيرا وَأكْثِرُوا التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ قَبْلَ أنْ تُصْبِحُوا ثُمَّ أفِيضُوا فَإنَّ النَّاسَ كَانُوا يُفِيضُونَ وَقال الله تَعَالَى { ثُمَّ أفَيضُوا مِنْ حَيْثُ أفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا الله إنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} ( الْبَقَرَة: 199) حَتَّى تَرْمُوا الجَمْرَةَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ أفيضوا) إِلَى آخِره.
وَمُحَمّد بن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالمقدمي الْبَصْرِيّ، وفضيل مصغر فضل.
بالضاد الْمُعْجَمَة.

قَوْله: ( مَا كَانَ حَلَالا) بِأَن كَانَ مُقيما بِمَكَّة أَو كَانَ قد دخل بِعُمْرَة ثمَّ تحلل مِنْهَا.
قَوْله: ( حَتَّى يهل) أَي: حَتَّى يحرم بِالْحَجِّ.
قَوْله: ( مَا تيَسّر لَهُ) جَزَاء للشّرط أَي: ففديته مَا تيَسّر لَهُ، أَو التَّقْدِير: فَعَلَيهِ مَا تيَسّر، وَيجوز أَن يكون قَوْله: مَا تيَسّر لَهُ بَدَلا من قَوْله: هَدِيَّة، وَيكون الْجَزَاء بأسره محذوفا تَقْدِيره، ففديته ذَلِك أَو: فليفتد بذلك.
قَوْله: ( غير أَن لم تيَسّر لَهُ) أَي: الْهدى فَعَلَيهِ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج أَي: قبل يَوْم عَرَفَة وَهَذَا تَقْيِيد من ابْن عَبَّاس لإِطْلَاق الْآيَة قَوْله: ( ثمَّ لينطلق) ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ( ثمَّ ينْطَلق) بِدُونِ اللَّام.
قَوْله: ( من صَلَاة الْعَصْر) ، أَرَادَ من أول وَقت الْعَصْر وَذَلِكَ عِنْد صيرورة ظلّ كل شَيْء مثله، وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ من بعد صَلَاة الْعَصْر، لِأَنَّهَا تصلى عقيب صَلَاة الظّهْر جمع تَقْدِيم، وَيكون الْوُقُوف عقيب ذَلِك، وَلَا شكّ أَنه بعد الزَّوَال، وَسَأَلَ الْكرْمَانِي: بِأَن أول وَقت الْوُقُوف زَوَال الشَّمْس يَوْم عَرَفَة وَآخره صبح الْعِيد، ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك: بِأَنَّهُ اعْتبر فِي الأول الْأَشْرَف، لِأَن وَقت الْعَصْر أشرف، وَفِي الآخر الْعَادة الْمَشْهُورَة.
انْتهى ( قلت) فِيهِ تَأمل.
قَوْله: ( حَتَّى يبلغُوا جمعا) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم، وَهُوَ الْمزْدَلِفَة قَوْله: ( الَّذِي يبيتُونَ بِهِ) ويروى ( يتبرر فِيهِ) براءين مهملتين.
أَي: يطْلب فِيهِ الْبر، ويروى: ( يتبرز) ، برَاء ثمَّ زَاي من التبرز، وَهُوَ الْخُرُوج إِلَى البرَاز للْحَاجة، وَالْبرَاز بِالْفَتْح اسْم للفضاء الْوَاسِع.
قَوْله: ( أَو أَكْثرُوا) شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: ( حَتَّى ترموا الْجَمْرَة) هَذِه غَايَة للإفاضة، وَيحْتَمل أَن يكون غَايَة لقَوْله: ( اكثروا) .