فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} [البقرة: 285]

(بابٌُ: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} (الْبَقَرَة: 284)

أَي: هَذَا بابُُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: { آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه} إِلَى آخر السُّورَة.
قَوْله: (آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه) ، إِخْبَار من الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك (فَإِن قلت) قَالَ: آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ، وَلم يقل: آمن الرَّسُول بِاللَّه،.

     وَقَالَ : { والمؤمنون كل آمن بِاللَّه} (قلت) : الْكفْر مُمْتَنع فِي حق الرَّسُول وَغير مُمْتَنع فِي حق الْمُؤمنِينَ.
قَوْله: (والمؤمنون) ، عطف على الرَّسُول.
قَوْله: (كل آمن بِاللَّه) إِخْبَار عَن الْجَمِيع، وَالتَّقْدِير: والمؤمنون كلهم آمنُوا بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتب الْمنزلَة، وَإِن كَانَ بَعضهم نسخ شَرِيعَة بعض بِإِذن الله تَعَالَى.
قَوْله: { لَا نفرق} أَي: تَقولُونَ لَا نفرق، وَعَن أبي عمر: لَا يفرق، بِالْيَاءِ، على أَن الْفِعْل لكل وَاحِد، وَقَرَأَ عبد الله، لَا يفرقون.
قَوْله: { وَقَالُوا سمعنَا} أَي: أجبنا قَوْله: { غفرانك} مَنْصُوب بإضمار فعله فَقَالَ: غفرانك لَا كُفْرَانك.
أَي: نستغفرك وَلَا نكفرك.
قَوْله: (نفسا إِلَّا وسعهَا) الوسع مَا يسع الْإِنْسَان وَلَا يضيق عَلَيْهِ، وَالنَّفس يعم الْملك وَالْجِنّ وَالْإِنْس، قَالَه ابْن الْحصار.
قَوْله: (لَهَا مَا كسبت) خص الْخَيْر بِالْكَسْبِ.
وَالشَّر بالاكتساب لِأَن فِي الِاكْتِسَاب اعتمالاً وقصدا وجهدا.
قَوْله: (إِن نَسِينَا) المُرَاد بِالنِّسْيَانِ الَّذِي هُوَ السَّهْو.
وَقيل: التّرْك والإغفال.
قَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا نسوا شَيْئا مِمَّا أَمرهم الله بِهِ أَو أخطأوا أعجلت لَهُم الْعقُوبَة فَيحرم عَلَيْهِم شَيْء من الْمطعم وَالْمشْرَب على حسب ذَلِك الذَّنب، فَأمر الله تَعَالَى نبيه وَالْمُؤمنِينَ أَن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك.
قَوْله: (وأخطأنا) قيل: من الْقَصْد والعمد.
وَقيل: من الْخَطَأ الَّذِي هُوَ الْجَهْل والسهو،.

     وَقَالَ  ابْن زيد: إِن نَسِينَا شَيْئا مِمَّا افترضته علينا.
أَو أَخْطَأنَا شَيْئا مِمَّا حرمته علينا.
(فَإِن قلت) : النسْيَان وَالْخَطَأ متجاوز عَنْهُمَا.
فَمَا فَائِدَة الدُّعَاء بترك الْمُؤَاخَذَة بهما؟ (قلت) : المُرَاد استدامته والثبات عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله: { اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} (الْفَاتِحَة: 6) وَتَفْسِير: الإصر.
يَأْتِي الْآن.
قَوْله: (على الَّذين من قبلنَا) وهم الْيَهُود، وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يشق، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى فرض عَلَيْهِم خمسين صَلَاة وَأمره بأدائهم ربع أَمْوَالهم فِي الزَّكَاة وَمن أصَاب ثَوْبه نَجَاسَة قطعهَا وَمن أصَاب مِنْهُم ذَنبا أصبح وذنبه مَكْتُوب على بابُُه وَنَحْوه من الأثقال والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم.
قَوْله: { لَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} فِيهِ سَبْعَة أَقْوَال: (الأول) : مَا لَا يُطَاق ويشق من الْأَعْمَال.
(الثَّانِي) : الْعَذَاب.
(الثَّالِث) : حَدِيث النَّفس والوسوسة.
(الرَّابِع) : الغلمة وَهِي شدَّة شَهْوَة الْجِمَاع، لِأَنَّهَا رُبمَا جرت إِلَى جَهَنَّم.
(الْخَامِس) : الْمحبَّة حُكيَ أَن ذَا النُّون تكلم فِي الْمحبَّة فَمَاتَ أحد عشر نفسا فِي الْمجْلس.
(السَّادِس) : شماتة الْأَعْدَاء.
قَالَ الله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن مُوسَى وَهَارُون عَلَيْهِمَا السَّلَام: وَلَا تشمت بِي الْأَعْدَاء.
(السَّابِع) : الْفرْقَة والقطيعة.
قَوْله: { واعف عَنَّا} (الْبَقَرَة: 286) أَي: تجَاوز عَنَّا (واغفر لنا) أَي: اسْتُرْ علينا (وارحمنا) أَي: لَا توقعنا بتوفيقك فِي الذُّنُوب (أَنْت مَوْلَانَا) أَي: ناصرنا وولينا { وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين} الَّذين جَحَدُوا دينك وأنكروا وحدانيتك وعبدوا غَيْرك.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ إصْرا عَهْدا
هَذَا وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: { وَلَا تحمل علينا إصرا} أَي: عهدا قلت: المُرَاد بالعهد الْمِيثَاق الَّذِي لَا نطيقه وَلَا نستطيع الْقيام بِهِ.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: الإصر العبء الَّذِي يأصر حامله أَي يحْبسهُ مَكَانَهُ لَا يسْتَقلّ لثقله.
وَعَن ابْن عَبَّاس (لَا تحمل علينا إصرا) لَا تمسخنا قردة وَلَا خنازير، وَقيل: ذَنبا لي فِيهِ تَوْبَة وَلَا كَفَّارَة وقرىء آصار، على الْجمع.

وَيُقالُ: غُفْرَانَكَ مَغْفِرَتَكَ فاغْفِرْ لَنَا
هَذَا تَفْسِير أبي عُبَيْدَة.
قلت: كل وَاحِد من الغفران وَالْمَغْفِرَة مصدر: وَقد مضى الْآن وَجه النصب.



[ قــ :4295 ... غــ :4546 ]
- ح دَّثني إسْحَاقُ أخْبَرنا رَوْحٌ أخْبَرنَا شُعْبَةُ عنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ عَنْ مَرْوَانِ الأصْفَرِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أحْسبُهُ ابنَ عُمَرَ { وَإنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ} قَالَ نَسَخَتْها الآيَةَ الَّتِي بَعْدَها.


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق، قبل هَذَا الْبابُُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور، ذكره أَبُو نعيم وَأَبُو مَسْعُود وَخلف وروح بن عبَادَة.
قَوْله: (الْآيَة) الَّتِي بعْدهَا هِيَ قَوْله تَعَالَى: { لَا يُكَلف نفسا إلاَّ وسعهَا} .


( { سُورَةُ آل عِمْرَانَ} )

أَي: هَذَا تَفْسِير سُورَة آل عمرَان.

كَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر دون غَيره.
وَهُوَ حسن لِأَن ابْتِدَاء الْأَمر بِبسْم الله الرحمان الرَّحِيم يتبارك فِيهِ: وَلما فرغ من بَيَان سُورَة الْبَقَرَة شرع فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان، وابتدأ بالبسملة لما ذكرنَا، وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل أَمر ذِي بَال الحَدِيث وَهُوَ مَشْهُور.