فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {والرسول يدعوكم في أخراكم} [آل عمران: 153] «

(بابٌُ: { وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} (آل عمرَان: 153)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَالرَّسُول يدعوكم} وَفِي بعض النّسخ بابُُ قَوْله: { وَالرَّسُول يدعوكم} وَأول الْآيَة.
(إِذْ تصعدون وَلَا تلوون على أحد وَالرَّسُول يدعوكم فِي أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم وَلَا مَا أَصَابَكُم وَالله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ) قَوْله: (إِذْ تصعدون) يَعْنِي: أذكر يَا مُحَمَّد حِين تصعدون من الإصعاد، وَهُوَ الذّهاب فِي الأَرْض، وَقَرَأَ الْحسن: تصعدون بِفَتْح التَّاء يَعْنِي فِي الْجَبَل.
قَوْله: (وَلَا تلوون على أحد) .
أَي: وَالْحَال أَنكُمْ لَا تلوون على أحد من الدهش وَالْخَوْف والرعب، وَقَرَأَ الْحسن: وَلَا تلؤون أَي: لَا تعطفون وَلما نبذ الْمُشْركُونَ على الْمُسلمين يَوْم أحد فهزموهم دخل بَعضهم الْمَدِينَة وَانْطَلق بَعضهم فَوق الْجَبَل إِلَى الصَّخْرَة فَقَامُوا عَلَيْهَا، وَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو النَّاس (إِلَى عباد الله إِلَى عباد الله) ، وَهُوَ معنى قَوْله: (الرَّسُول يدعوكم فِي أخراكم) يَعْنِي: فِي ساقتكم وجماعتكم الْأُخْرَى وَهِي الْمُتَأَخِّرَة.
قَوْله: (فأثابكم) أَي: فجازاكم (غما بغم) أَي: بِسَبَب غم اذقتموه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال غما على غم، قَالَ ابْن عَبَّاس: الْغم (الأول) : بِسَبَب الْهَزِيمَة، وَحين قيل: قتل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(وَالثَّانِي) : حِين علاهم الْمُشْركُونَ فَوق الْجَبَل، وَعَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْغم (الأول) : بِسَبَب الْهَزِيمَة.
(وَالثَّانِي) : حِين قيل: قتل مُحَمَّد، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ ذَلِك عِنْدهم أعظم من الْهَزِيمَة.
رَوَاهُمَا ابْن مرْدَوَيْه، وروى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ نَحْو ذَلِك، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة ذَلِك أَيْضا.
.

     وَقَالَ  السّديّ: الْغم (الأول) : بِسَبَب مَا فاتهم من الْغَنِيمَة وَالْفَتْح.
(وَالثَّانِي) : إشراف الْعَدو عَلَيْهِم،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد وَقَتَادَة: الْغم.
(الأول) : سماعهم قتل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(وَالثَّانِي) : مَا أَصَابَهُم من الْقَتْل وَالْجرْح.
قَوْله: (لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم) أَي: من الْغَنِيمَة وَالظفر بعدوكم.
قَوْله: (وَلَا مَا أَصَابَكُم) من الْقَتْل وَالْجرْح.
قَالَه ابْن عَبَّاس وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
وَالْحسن وَقَتَادَة وَالسُّديّ.

وَهُوَ تأنيثُ آخرِكُمْ
أَي: (أُخْراكم) الَّذِي فِي الْآيَة، وَهُوَ: { وَالرَّسُول يدعوكم} (آل عمرَان: 153) فِي اخراكم تَأْنِيث آخركم بِكَسْر الرَّاء وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا آخركم بِالْكَسْرِ ضد الأول، وَأما الْأُخْرَى فَهُوَ تَأْنِيث الآخر، بِفَتْح الْخَاء لَا بِكَسْرِهَا، وَالْبُخَارِيّ تبع فِي هَذَا أَبَا عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ أخراكم آخركم، وَذهل فِيهِ، وَقد حكى الْفراء أَن من الْعَرَب من يَقُول: فِي أخراتكم، بِزِيَادَة التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إحْدَى الحُسْنَيَيْنِ فَتْحا أوْ شَهَادَةً
لَيْسَ لذكر هَذَا هُنَا وَجه، وَمحله فِي سُورَة بَرَاءَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم، وَلَعَلَّه أوردهُ هُنَا للْإِشَارَة إِلَى أَن إِحْدَى الحسنيين وَقعت فِي أحد.
(قلت) : هَذَا اعتذار فِيهِ بعد لَا يخفى، وَأما هَذَا التَّعْلِيق فقد وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.



[ قــ :4308 ... غــ :4561 ]
- ح دَّثنا عَمْرُو بنُ خَالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ حَدَّثنا أبُو إسْحَاقَ قَال سَمِعْتُ البَرَاءَ بن عَازِبٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَال جَعَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ الله بنَ جُبَيْرٍ وَأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إذْ يَدْعُوكُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاكُمْ وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيْرُ اثنَيْ عَشَرَ رَجُلاً.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين ابْن خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر، وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث قد مضى فِي غَزْوَة أُحد فِي: بابُُ (إِذْ تصعدون وَلَا تلوون) بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن غير أَن هُنَا بعض زِيَادَة وَهِي قَوْله: (وَلم يبْق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره.