فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} [آل عمران: 186]

(بابٌُ: { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذَى كَثِيرا} (آل عمرَان: 186)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} الْآيَة.
قَالَ الواحدي؟ عَن كَعْب بن مَالك: إِن سَبَب نزلوها هُوَ أَن كَعْب بن الْأَشْرَف كَانَ يهجو سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويحرض عَلَيْهِ كفار قُرَيْش، فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة وَبهَا، أخلاط مِنْهُم الْمُسلمُونَ وَمِنْهُم الْمُشْركُونَ وَمِنْهُم الْيَهُود أَرَادَ أَن يستصلحهم، فَكَانَ الْمُشْركُونَ وَالْيَهُود يؤذونه ويؤذون أَصْحَابه أَشد الإذاء فَأمر الله عز وجلّ نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالصبرِ على ذَلِك،.

     وَقَالَ  عِكْرِمَة: نزلت فِي سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ بعث أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى فنحَاص بن عازورا يستمده، فَقَالَ فنحَاص: قد احْتَاجَ ربكُم أَن نمده وَأول الْآيَة.
{ لتبلون فِي أَمْوَالكُم وَأَنْفُسكُمْ ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} يَعْنِي: الْيَهُود فِي قَوْلهم: إِن الله فَقير وَنحن أَغْنِيَاء، وَقَوْلهمْ: يَد الله مغلولة، وَمَا أشبه ذَلِك من افترائهم على الله.
قَوْله: (وَمن الَّذين أشركوا) ، يَعْنِي: النَّصَارَى فِي قَوْلهم: الْمَسِيح ابْن الله، وَمَا أشبهه.
قَوْله: (أَذَى كثيرا) ، قَالَ الزّجاج: مَقْصُور يكْتب بِالْيَاءِ يُقَال: قد أَذَى فلَان يأذى، إِذا سمع مَا يسوؤه،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: أَذَاهُ يُؤْذِيه أذاءة وأذية.



[ قــ :4313 ... غــ :4566 ]
- (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن أُسَامَة بن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا أخبرهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ركب على حمَار على قطيفة فَدَكِيَّة وَأَرْدَفَ أُسَامَة بن زيد وَرَاءه يعود سعد بن عبَادَة فِي بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج قبل وقْعَة بدر قَالَ حَتَّى مر بِمَجْلِس فِيهِ عبد الله بن أبي بن سلول وَذَلِكَ قبل أَن يسلم عبد الله بن أبي فَإِذا فِي الْمجْلس أخلاط من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين عَبدة الْأَوْثَان وَالْيَهُود وَالْمُسْلِمين وَفِي الْمجْلس عبد الله بن رَوَاحَة فَلَمَّا غشيت الْمجْلس عجاجة الدَّابَّة خمر عبد الله بن أبي أَنفه بردائه ثمَّ قَالَ لَا تغبروا علينا فَسلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهِم ثمَّ وقف فَنزل فَدَعَاهُمْ إِلَى الله وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْقُرْآن فَقَالَ عبد الله بن أبي ابْن سلول أَيهَا الْمَرْء إِنَّه لَا أحسن مِمَّا تَقول إِن كَانَ حَقًا فَلَا تؤذينا بِهِ فِي مَجْلِسنَا ارْجع إِلَى رحلك فَمن جَاءَك فاقصص عَلَيْهِ فَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة بلَى يَا رَسُول الله فاغشنا بِهِ فِي مجالسنا فَإنَّا نحب ذَلِك فاستب الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُود حَتَّى كَادُوا يتثاورون فَلم يزل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخفضهم حَتَّى سكنوا ثمَّ ركب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَابَّته فَسَار حَتَّى دخل على سعد بن عبَادَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا سعد ألم تسمع مَا قَالَ أَبُو حبابُ يُرِيد عبد الله بن أبي قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ سعد بن عبَادَة يَا رَسُول الله اعْفُ عَنهُ وَاصْفَحْ عَنهُ فو الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب لقد جَاءَ الله بِالْحَقِّ الَّذِي أنزل عَلَيْك وَلَقَد اصْطلحَ أهل هَذِه الْبحيرَة على أَن يُتَوِّجُوهُ فيعصبوه بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا أَبى الله ذَلِك بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاك الله شَرق بذلك فَذَلِك فعل بِهِ مَا رَأَيْت فَعَفَا عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه يعفون عَن الْمُشْركين وَأهل الْكتاب كَمَا أَمرهم الله ويصبرون على الْأَذَى قَالَ الله عز وَجل { ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا} الْآيَة.

     وَقَالَ  الله { ود كثير من أهل الْكتاب لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسدا من عِنْد أنفسهم} إِلَى آخر الْآيَة وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَأَوَّل الْعَفو مَا أمره الله بِهِ حَتَّى أذن الله فيهم فَلَمَّا غزا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَدْرًا فَقتل الله بِهِ صَنَادِيد كفار قُرَيْش قَالَ ابْن أبي ابْن سلول وَمن مَعَه من الْمُشْركين وَعَبدَة الْأَوْثَان هَذَا أَمر قد توجه فَبَايعُوا الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْإِسْلَام فأسلموا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي وَأخرج هَذَا الحَدِيث هُنَا بأتم الطّرق وأكملها وَأخرجه فِي الْجِهَاد مُخْتَصرا جدا مُقْتَصرا على أرداف أُسَامَة من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن أُسَامَة وَأخرجه أَيْضا فِي اللبَاس عَن قُتَيْبَة وَفِي الْأَدَب عَن أبي الْيَمَان أَيْضا وَعَن إِسْمَاعِيل وَفِي الطِّبّ عَن يحيى بن بكير وَفِي الاسْتِئْذَان عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي وَالنَّسَائِيّ فِي الطِّبّ قَوْله " على قطيفة " بِفَتْح الْقَاف وَكسر الطَّاء الْمُهْملَة وَهِي كسَاء غليظ قَوْله " فَدَكِيَّة " صفتهَا أَي منسوبة إِلَى فدك بِفَتْح الْفَاء وَالدَّال وَهِي بَلْدَة مَشْهُورَة على مرحلَتَيْنِ أَو ثَلَاث من الْمَدِينَة قَوْله " يعود " جملَة حَالية قَوْله " فِي بني الْحَارِث " أَي فِي منَازِل بني الْحَارِث وهم قوم سعد بن عبَادَة وَفِيه أَحْكَام (جَوَاز الأرداف) وعيادة الْكَبِير الصَّغِير وَعدم امْتنَاع الْكَبِير عَن ركُوب الْحمير وَإِظْهَار التَّوَاضُع وَجَوَاز العيادة رَاكِبًا.

     وَقَالَ  الْمُهلب فِي هَذَا أَنْوَاع من التَّوَاضُع وَقد ذكر ابْن مَنْدَه أَسمَاء الأرداف فَبلغ نيفا وَثَلَاثِينَ شخصا قَوْله " ابْن سلول " بِرَفْع ابْن لِأَنَّهُ صفة عبد الله لَا صفة أبي لِأَن سلول اسْم أم عبد الله بن أبي وَهُوَ بِالْفَتْح لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف قَوْله " وَذَلِكَ قبل أَن يسلم عبد الله بن أبي " أَي قبل أَن يظْهر الْإِسْلَام وَإِلَّا فَهُوَ لم يسلم قطّ قَوْله " فَإِذا فِي الْمجْلس " كلمة إِذا للمفاجأة قَوْله " أخلاط " بِفَتْح الْهمزَة جمع خلط بِالْكَسْرِ وَأُرِيد بِهِ الْأَنْوَاع قَوْله " عَبدة الْأَوْثَان " بِالْجَرِّ بدل من الْمُشْركين وَيجوز أَن يكون عطف بَيَان قَوْله " وَالْيَهُود " بِالْجَرِّ عطف على عَبدة الْأَوْثَان.

     وَقَالَ  بَعضهم يجوز أَن يكون الْيَهُود عطفا على الْبَدَل أَو الْمُبدل مِنْهُ وَهُوَ الْأَظْهر (قلت) الْأَظْهر أَن يكون عطفا على الْبَدَل لِأَن الْمُبدل مِنْهُ فِي حكم السُّقُوط قَوْله " وَالْمُسْلِمين " مُكَرر فَلَا مَحل لَهُ هَهُنَا لِأَنَّهُ ذكر أَولا فَلَا فَائِدَة لذكره ثَانِيًا قَالَ الْكرْمَانِي لَعَلَّ فِي بعض النّسخ كَانَ أَولا وَفِي بَعْضهَا آخرا فَجمع الْكَاتِب بَينهمَا وَالله أعلم.

     وَقَالَ  بَعضهم الأولى حذف أَحدهمَا وَلم يبين أَيهمَا أولى بالحذف فَجعل الثَّانِي أولى على مَا لَا يخفى قَوْله " فَلَمَّا غشيت الْمجْلس " فعل ومفعول وعجاجة الدَّابَّة بِالرَّفْع فَاعله والعجاجة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الجيمين الْغُبَار قَوْله " خمر " بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم أَي غطى قَوْله " فَسلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهِم " قَالَ صَاحب التَّوْضِيح لَعَلَّه نوى بِهِ الْمُسلمين فَلَا بَأْس بِهِ إِذا (قلت) إِذا كَانَ فِي مجْلِس مُسلمُونَ وكفار يجوز السَّلَام عَلَيْهِم وَيَنْوِي بِهِ الْمُسلمين قَوْله " ثمَّ وقف فَنزل " فِيهِ جَوَاز اسْتِمْرَار الْوُقُوف الْيَسِير على الدَّابَّة فَإِن طَال نزل كَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقيل لبَعض التَّابِعين أَنه نهى عَن الْوُقُوف على متن الدَّابَّة قَالَ أَرَأَيْت لَو صيرتها سانية أما كَانَ يجوز لي ذَلِك قيل لَهُ نعم قَالَ فَأَي فرق بَينهمَا أَرَادَ لَا فرق بَينهمَا قَوْله " لَا أحسن مِمَّا تَقول " بِفَتْح الْهمزَة على وزن أفعل التَّفْضِيل وَهُوَ اسْم لَا وخبرها مَحْذُوف أَي لَا أحسن كَائِن مِمَّا تَقول قيل وَيجوز رفع أحسن على أَنه خبر لَا وَالِاسْم مَحْذُوف أَي لَا شَيْء أحسن مِمَّا تَقول وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِضَم أَوله وَكسر السِّين وَضم النُّون من أحسن يحسن وَفِي رِوَايَة أُخْرَى وَلَا حسن بِحَذْف الْألف وَفتح السِّين وَضم النُّون قَالَ بَعضهم على أَنَّهَا لَام الْقسم كَأَنَّهُ قَالَ لَا حسن من هَذَا أَن تقعد فِي بَيْتك وَلَا تَأْتِينَا (قلت) هَذَا غلط صَرِيح وَاللَّام فِيهِ لَام الِابْتِدَاء دخلت على أحسن الَّذِي هُوَ أفعل التَّفْضِيل وَلَيْسَ للام الْقسم فِيهِ مجَال وَلم يكتف هَذَا الغالط بِهَذَا الْغَلَط الْفَاحِش حَتَّى نسبه إِلَى عِيَاض وَحكى ابْن الْجَوْزِيّ ضم الْهمزَة وَتَشْديد السِّين بِغَيْر نون من الْحس يَعْنِي لَا أعلم شَيْئا قَوْله " إِن كَانَ حَقًا " شَرط وجزاؤه مقدما قَوْله " لَا أحسن مِمَّا تَقول " قَوْله " فَلَا تؤذينا " ويروى " فَلَا تؤذنا " على الأَصْل قَوْله " رحلك " أَي مَنْزِلك قَوْله " وَالْيَهُود " عطف على الْمُشْركين وَإِنَّمَا اختصوا بِالذكر وَإِن كَانُوا داخلين فِي الْمُشْركين تَنْبِيها على زِيَادَة شرهم قَوْله " كَادُوا يتثاورون " أَي قربوا أَن يتثاوروا بِقِتَال وَهُوَ من ثار بالثاء الْمُثَلَّثَة يثور إِذا قَامَ بِسُرْعَة وإزعاج وَعبارَة ابْن التِّين يتبادرون قَوْله " يخفضهم " أَي يسكنهم قَوْله حَتَّى سكنوا بالنُّون من السّكُون هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني حَتَّى سكتوا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق من السُّكُوت قَوْله " مَا قَالَ أَبُو حبابُ " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة أُخْرَى وَهِي كنية عبد الله بن أبي وَلَيْسَت الكنية للتكرمة مُطلقًا بل قد تكون للشهرة وَغَيرهَا قَوْله " وَلَقَد اصْطلحَ " بِالْوَاو ويروى بِغَيْر الْوَاو وَوَجهه أَن يكون بَدَلا أَو عطف بَيَان وتوضيح أَو تكون الْوَاو محذوفة قَوْله " الْبحيرَة " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة مصغرة.

     وَقَالَ  عِيَاض فِي غير صَحِيح مُسلم بِفَتْح الْبَاء وَكسر الْحَاء مكبرة وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد يُرِيد أهل الْمَدِينَة والبحرة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْحَاء الأَرْض والبلد والبحار والقرى قَالَ بعض الْمُفَسّرين المُرَاد بقوله (ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر) الْقرى والأمصار.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ كل قَرْيَة لَهَا نهر جَار فالعرب تسميها بحرة.

     وَقَالَ  ياقوت بحرة على لفظ تَأْنِيث الْبَحْر من أَسمَاء مَدِينَة سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبالبحرين قَرْيَة لعبد الْقَيْس يُقَال لَهَا بحرة وبحرة مَوضِع لية من الطَّائِف.

     وَقَالَ  الْبكْرِيّ لية بِكَسْر أَوله وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهِي أَرض من الطَّائِف على أَمْيَال يسيرَة وَهِي على لَيْلَة من قرن وَلما سَار رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد حنين إِلَى الطَّائِف سلك على نَخْلَة الْيَمَامَة ثمَّ على قرن ثمَّ على الْمليح ثمَّ على بحرة الرعاء من لية فابتنى فِي بحرة مَسْجِدا وَصلى فِيهِ.

     وَقَالَ  ياقوت الْبحيرَة تَصْغِير بحرة يُرَاد بِهِ كل مجمع مَاء مستنقع لَا اتِّصَال لَهُ بالبحر الْأَعْظَم غَالِبا ثمَّ ذكر بحيرات عديدة ثمَّ قَالَ فِي آخرهَا والبحيرة كورة بِمصْر قرب اسكندرية قَوْله على أَن يُتَوِّجُوهُ أَي على أَن يَجْعَلُوهُ ملكا وَكَانَ من عَادَتهم إِذا ملكوا إنْسَانا توجوه أَي جعلُوا على رَأسه تاجا قَوْله فيعصبوه بِالْعِصَابَةِ أَي فيعمموه بعمامة الْمُلُوك وَوَقع فِي أَكثر نسخ البُخَارِيّ يعصبوه بِدُونِ الْفَاء وَوَجهه أَن يكون بَدَلا من قَوْله " على أَن يُتَوِّجُوهُ " ويروى فَيعصبُونَهُ بِالْفَاءِ وبالنون على تَقْدِير فهم يعصبونه قَالَ الْكرْمَانِي أَي يَجْعَلُوهُ رَئِيسا لَهُم ويسودوه عَلَيْهِم وَكَانَ الرئيس معصبا لما يعصب بِرَأْيهِ من الْأَمر وَقيل بل كَانَ الرؤساء يعصبون رُؤْسهمْ بعصابة يعْرفُونَ بهَا قَوْله شرف بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وبالقاف يَعْنِي غص لِأَنَّهُ حسد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكَانَ سَبَب نفَاقه يُقَال غص الرجل بِالطَّعَامِ وشرق بِالْمَاءِ وشجي بالعظم إِذا اعْترض شَيْء فِي الْحلق فَمنع الإساغة قَوْله " بذلك " أَي بِمَا أَتَى بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " فَذَلِك فعل بِهِ مَا رَأَيْت " أَي الَّذِي أَتَى الله بِهِ من الْحق فعل بِهِ مَا رَأَيْت مِنْهُ من قَوْله وَفعله القبيحين وَمَا رَأَيْت فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول فعل وَمَا مَوْصُولَة وصلتها محذوفة وَالتَّقْدِير الَّذِي رَأَيْته قَوْله " فَعَفَا عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَكَانَ الْعَفو مِنْهُ قبل أَن يُؤذن لَهُ فِي الْقِتَال كَمَا يذكرهُ فِي الحَدِيث قَوْله قَالَ الله تَعَالَى { ولتسمعن} الْآيَة ولتسمعن خطاب للْمُؤْمِنين خوطبوا بذلك ليوطنوا أنفسهم على احْتِمَال مَا سيلقون من الْأَذَى والشدائد وَالصَّبْر عَلَيْهَا.

     وَقَالَ  ابْن كثير يَقُول الله تَعَالَى للْمُؤْمِنين عِنْد مقدمهم الْمَدِينَة قبل وقْعَة بدر مسليا لَهُم عَمَّا ينالهم من الْأَذَى من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين وَأمرهمْ بِالصبرِ والصفح حَتَّى يفرج الله تَعَالَى عَنْهُم قَوْله { فَإِن ذَلِك} أَي فَإِن الصَّبْر وَالتَّقوى قَوْله { من عزم الْأُمُور} أَي مِمَّا عزم الله أَن يكون ذَلِك عَزمَة من عَزمَات الله لَا بُد لكم أَن تصبروا وتتقوا قَوْله " حَتَّى أذن الله فيهم " أَي فِي قِتَالهمْ وَترك الْعَفو عَنْهُم وَلَيْسَ المُرَاد أَنه ترك الْعَفو أصلا بل بِالنِّسْبَةِ إِلَى ترك الْقِتَال وَلَا ووقوعه أخيرا وَإِلَّا فعفوه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن كثير من الْمُشْركين وَالْيَهُود بالمن وَالْفِدَاء وصفحه عَن الْمُنَافِقين مَشْهُور فِي الْأَحَادِيث وَالسير قَوْله " صَنَادِيد " جمع صنديد وَهُوَ السَّيِّد الْكَبِير فِي الْقَوْم قَوْله " وَعَبدَة الْأَوْثَان " من عطف الْخَاص على الْعَام وَفَائِدَته الإيذان بِأَن إِيمَانهم كَانَ أبعد وضلالهم أَشد قَوْله " قد توجه " أَي ظهر وَجهه قَوْله " فَبَايعُوا " بِصُورَة الْجُمْلَة الْمَاضِيَة وَيحْتَمل أَن يكون بِصِيغَة الْأَمر -