فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} [النساء: 99]

(بابُُ قَوْلِهِ: { فَأُوْلَئِكَ عَسَى الله أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ الله عَفُوّا غَفُورا} (النِّسَاء: 99)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { فَأُولَئِك} الْآيَة.
كَذَا وَقع فِي كثير من النّسخ على لفظ الْقُرْآن، وَوَقع بِلَفْظ: فَعَسَى الله أَن يعْفُو عَنْهُم وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما، فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَالصَّوَاب مَا وَقع بِلَفْظ الْقُرْآن، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: فَأُولَئِك عَسى الله أَن يعْفُو عَنْهُم، الْآيَة وَوَقع فِي جمع بعض من عاصرناه مِمَّن تصدى لشرح البُخَارِيّ، وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما، وَهُوَ أَيْضا غير صَوَاب على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (فَأُولَئِك) ، إِشَارَة إِلَى قوم أَسْلمُوا وَلَكِن تباطؤا فِي الْهِجْرَة، وَهَذَا بِخِلَاف قَوْله: (فَأُولَئِك مأواهم جَهَنَّم) قَوْله: (عَسى الله أَن يعْفُو عَنْهُم) ، يَعْنِي: لَا يستقصي عَلَيْهِم فِي المحاسبة، وَفِي (تَفْسِير ابْن كثير) أَي: يتَجَاوَز عَنْهُم ترك الْهِجْرَة، وَعَسَى من الله مُوجبَة، وَفِي (تَفْسِير ابْن الْجَوْزِيّ) قَالَ مُجَاهِد: هم قوم أَسْلمُوا وثبتوا على الْإِسْلَام وَلم يكن لَهُم عجلة فِي الْهِجْرَة، فعذرهم الله تَعَالَى بقوله: { عَسى الله أَن يعْفُو عَنْهُم} .



[ قــ :4345 ... غــ :4598 ]
- ح دَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ يَحْيَى عنْ أبِي سَلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ بَيْنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي العِشاءَ إذْ قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمْدِهِ ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أنْ يَسْجُدَ اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بنَ أبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بنَ هِشامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ الوَلِيدَ بنَ الوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْها سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الَّذين عذرهمْ الله فِي الْآيَة المترجم بهَا هم المستضعفون، وَقد دَعَا لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث، ودعا على من عوقهم عَن الْهِجْرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ، وَيحيى بن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.

وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الاسْتِسْقَاء فِي: با دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن أخرجه من حَدِيث أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: (وطأتك) الْوَطْأَة الدوسة والضغطة.
يَعْنِي: الأخذة الشَّدِيدَة.
قَوْله: (اجْعَلْهَا سِنِين) ، أَي: اجْعَل وطأتك أعواما مُجْدِبَة كَسِنِي يُوسُف، وَهِي الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه: { ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك سبع شَدَّاد} (يُوسُف: 48) أَي: سبع سِنِين فِيهَا قحط وجدب.
وَقَوله: (سِنِين) جمع سنة وَهِي الجدب، يُقَال: أخذتهم السّنة إِذا أجدبوا وأقحطوا، وَهِي من الْأَسْمَاء الْغَالِبَة نَحْو: الدَّابَّة فِي الْفرس، وَالْمَال فِي الْإِبِل، وأصل السّنة: سنهة، بِوَزْن: جبهة، فحذفت لامها ونقلت حركتها إِلَى النُّون، وَقيل: أَصْلهَا سنوة بِالْوَاو فحذفت، وَتجمع على: سنهات، فَإِذا جمعتها جمع الصِّحَّة كسرت السِّين، فَقلت: سنُون وسنين، وَبَعْضهمْ يضمها، وَمِنْهُم من يَقُول: سنُون على كل حَال فِي الرّفْع وَالنّصب والجر، وَتجْعَل الْإِعْرَاب على النُّون الْأَخِيرَة فَإِذا أضفتها على الأول حذفت نون الْجمع للإضافة، وعَلى الثَّانِي لَا تحذفها فَتَقول: سني زيد وسنين زيد.