فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة: 87]

(بابُُ قَوْلِهِ: { يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أحَلَّ الله لَكُمْ} (الْمَائِدَة: 87)

أَي: هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى: { لَا تحرموا} وَلَيْسَ لغير أبي ذَر، بابُُ قَوْله: وَإِنَّمَا الْمَرْوِيّ عَن غَيره.
{ لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} بِدُونِ لفظ: بابُُ قَوْله: وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، نزلت هَذِه الْآيَة فِي رَهْط من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدُّنْيَا ونسيح فِي الأَرْض كَمَا يفعل الرهبان، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأرْسل إِلَيْهِم فَذكر لَهُم ذَلِك، فَقَالُوا: نعم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لكني أَصوم وَأفْطر وأصلي وأنام وأنكح النِّسَاء، فَمن أَخذ بِسنتي فَهُوَ مني، وَمن لم يَأْخُذ بِسنتي فَلَيْسَ مني، وروى ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس نَحْو ذَلِك.

[ قــ :4362 ... غــ :4615 ]
- ح دَّثنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ حدَّثنا خَالِدٌ عنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ قَالَ كُنَّا نَغْزُوا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنا أَلا نَخْتَصِي فَنهانا عَنِ ذَلِكَ فَرَخَّصَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ أنْ نَتَزَوَّجَ المَرْأَةَ بِالثَّوْبِ ثُمَّ قَرَأ: { يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أحَلَّ الله لَكُمْ} (الْمَائِدَة: 87) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعَمْرو بن عون بن أَوْس السّلمِيّ الوَاسِطِيّ نزل الْبَصْرَة، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن المثني وَعَن قُتَيْبَة وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره.

قَوْله: (أَلا نختصي) ، من خصاه إِذا نزع خصيته يخصيه خصاءً.
قَوْله: (فنهانا عَن ذَلِك) ، يَعْنِي: عَن الاختصاء، وَفِيه تَحْرِيم الاختصاء لما فِيهِ من تَغْيِير خلق الله تَعَالَى، وَلما فِيهِ من قطع النَّسْل وتعذيب الْحَيَوَان.
قَوْله: (بِالثَّوْبِ) لَيْسَ بِقَيْد أَي: بِالثَّوْبِ وَغَيره مِمَّا يتراضيان بِهِ.
قَوْله: (ثمَّ قَرَأَ) أَي: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،.

     وَقَالَ  النوري: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن عبد الله كَانَ يعْتَقد إِبَاحَة الْمُتْعَة، كَقَوْل ابْن عَبَّاس، وَأَنه لم يبلغهما نسخهَا.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: روى حَدِيث إِبَاحَة الْمُتْعَة جمَاعَة من الصَّحَابَة، فَذكره مُسلم فِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، وَجَابِر وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وسبرة بن معبد الْجُهَنِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلَيْسَ فِي أَحَادِيثهم أَنَّهَا كَانَت فِي الْحَضَر، وَإِنَّمَا كَانَت فِي أسفارهم فِي الْغَزْو وَعند ضرورتهم وَعدم النِّسَاء مَعَ أَن بِلَادهمْ حارة وصبرهم عَنْهُن قَلِيل، وَقد ذكر فِي حَدِيث ابْن عمر: أَنَّهَا كَانَت رخصَة فِي أول الْإِسْلَام إِن اضطروا إِلَيْهَا كالميتة وَنَحْوهَا، وَعَن ابْن عَبَّاس نَحوه،.

     وَقَالَ  الْمَازرِيّ: ثَبت أَن نِكَاح الْمُتْعَة كَانَ جَائِزا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ ثَبت بالأحاديث الصَّحِيحَة أَنه نسخ وانعقد الْإِجْمَاع على تَحْرِيمه وَلم يُخَالف فِيهِ إلاَّ طَائِفَة من المبتدعة، وتعلقوا بالأحاديث المنسوخة فَلَا دلَالَة لَهُم فِيهَا، وتعلقوا بقوله تَعَالَى: { فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فأتوهن أُجُورهنَّ} (النِّسَاء: 24) وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أجل.
وَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود هَذِه شَاذَّة لَا يحْتَج بهَا قُرْآنًا وَلَا خَبرا.