فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]

(بابُُ قَوْلِهِ: { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤُكُمْ} (الْمَائِدَة: 101)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره لفظ: بابُُ قَوْله: وَإِنَّمَا هُوَ (لَا تسألوا) إِلَى آخِره.
قَوْله: (لَا تسألوا) الْآيَة تَأْدِيب من الله تَعَالَى عباده الْمُؤمنِينَ، وَنهي لَهُم عَن أَن يسْأَلُوا عَن أَشْيَاء مِمَّا لَا فَائِدَة لَهُم فِي السُّؤَال والنقيب عَنْهَا لِأَنَّهَا إِن ظَهرت تِلْكَ الْأُمُور رُبمَا ساءتهم وشق عَلَيْهِم سماعهَا، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يبلغنِي أحد عَن أحد شَيْئا آني أحب أَن أخرج إِلَيْكُم وَأَنا سليم الصَّدْر) .



[ قــ :4368 ... غــ :4621 ]
- ح دَّثنا مُنْذِرُ بنُ الوَلِيدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ الجَارُودِيُّ حدَّثنا أبي حَدِيثا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بنِ أنَسٍ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ خَطَبَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطَّ قَالَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرا قَالَ فَغَطَى أصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وُجُوهَهُمْ لَهُمْ حَنِينٌ فَقَالَ رَجُلٌ مَنْ أبَى قَالَ فُلانٌ فَنَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤَكُمْ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُنْذِر، على وزن اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار ابْن الْوَلِيد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي حبيب ابْن علْبَاء بن حبيب بن الْجَارُود الْعَبْدي الْبَصْرِيّ الجارودي، نِسْبَة إِلَى جده الْأَعْلَى، وَهُوَ ثِقَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَآخر فِي كفارت الْأَيْمَان، وَأَبوهُ مَاله ذكر إلاَّ فِي هَذَا الْموضع، ومُوسَى بن أنس هُوَ ابْن أنس بن مَالك يروي عَن أَبِيه هَذَا الحَدِيث.

وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق وَفِي الِاعْتِصَام عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم.
وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مُحَمَّد بن معمر وَغَيره.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن معمر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن مَحْمُود بن غيلَان مُخْتَصرا.

قَوْله: (لَهُم حنين) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، قَالَ النَّوَوِيّ: فِي مُعظم النّسخ، ولمعظم الروَاة يَعْنِي بِالْمُعْجَمَةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ الْمَشْهُور، وَهُوَ خُرُوج الصَّوْت من الْأنف بغنة وَفِي (التَّوْضِيح) وَعند العذري بحاء مُهْملَة، وَمِمَّنْ ذكرهَا القَاضِي وَصَاحب (التَّحْرِير) ، وَذكر الْقَزاز أَنه قد يكون الحنين والخنين وَاحِدًا إِلَّا أَن الَّذِي بِالْمُهْمَلَةِ من الصَّدْر وبالمعجمة من الْأنف،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده الحنين من بكاء النِّسَاء دون الانتحاب، وَقيل: هُوَ تردد الْبكاء حَتَّى يصير فِي الصَّوْت غنة، وَقيل: هُوَ رفع الصَّوْت بالبكاء، وَقيل: هُوَ صَوت يخرج من الْأنف حَتَّى يخن، والخنين أَيْضا الضحك إِذا أظهره الْإِنْسَان فَخرج خافيا.
.

     وَقَالَ  فِي الْحَاء الْمُهْملَة، الحنين الشَّديد من الْبكاء والطرب، وَقيل: هُوَ صَوت الطَّرب كَانَ ذَلِك عَن حزن أَو فَرح،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الحنين بكاء دون الانتحاب.
قلت: وَأَصله من حنين الْمَرْأَة وَهُوَ نزاعها إِلَى وَلَدهَا وَإِن لم يكن لَهَا صَوت عِنْد ذَلِك،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس، وَقد يكون حنينها صَوتهَا، وَيدل عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي الحَدِيث من حنين الْجذع قَوْله: (فَقَالَ رجل: من أبي) قَالَ بَعضهم: تقدم فِي الْعلم أَنه عبد الله بن حذافة.
قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى لِأَن الَّذِي فِي الْعلم من رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس وَهَذَا من رِوَايَة شُعْبَة عَن مُوسَى بن أنس عَن أنس فَمن أَيْن التَّعْيِين؟ على أَن فِي رِوَايَة العسكري نزلت فِي قيس بن حذافة وَفِي رِوَايَة: خَارِجَة بن حذافة، وكل هَؤُلَاءِ صحابة.

رَوَاهُ النَّضْرُ وَرَوْحُ بنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ
أَي: روى هَذَا الحَدِيث النَّضر بن شُمَيْل، وروح بن عبَادَة عَن شُعْبَة بِإِسْنَادِهِ: أما رِوَايَة النَّضر فوصلها مُسلم، قَالَ: حَدثنَا مَحْمُود ابْن غيلَان وَمُحَمّد بن قدامَة السّلمِيّ وَيحيى بن مُحَمَّد اللؤْلُؤِي، وَأَلْفَاظهمْ مُتَقَارِبَة.
قَالَ مَحْمُود: حَدثنَا النَّضر بن شُمَيْل،.

     وَقَالَ  الْآخرَانِ أخبرنَا النَّضر أخبرنَا شُعْبَة حَدثنَا مُوسَى بن أنس عَن أنس بن مَالك.
قَالَ: بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن أَصْحَابه شَيْء، فَخَطب فَقَالَ: عرضت عَليّ الْجنَّة وَالنَّار الحَدِيث، وَفِي آخِره.
فَنزلت هَذِه الْآيَة: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبدُ لكم تَسُؤْكُمْ} (الْمَائِدَة: 101) وَأما رِوَايَة روح بن عبَادَة فوصلها البُخَارِيّ فِي كتاب الِاعْتِصَام، وَرَوَاهَا مُسلم أَيْضا.
.

     وَقَالَ : حَدثنَا مُحَمَّد ابْن معمر بن ربعي الْقَيْسِي حَدثنَا روح بن عبَادَة حَدثنَا شُعْبَة.
قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، من أبي؟ قَالَ: أَبوك فلَان، فَنزلت: { يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة بِتَمَامِهَا.
<"