فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {قل: هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} [الأنعام: 65] الآية

( بابُُ قَوْلِهِ: { قلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابا مِنْ فَوْقِكُمْ} ( الْأَنْعَام: 65) الآيَةَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { قل هُوَ الْقَادِر} الْآيَة.
أَي: قل يَا مُحَمَّد الله الْقَادِر على بعث الْعَذَاب عَلَيْكُم من فَوْقكُم كالحجارة الَّتِي أرْسلت على قوم لوط وكالماء المنهمر الَّذِي نزل لإغراق قوم نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وكالحجارة الَّتِي أرْسلت على أَصْحَاب الْفِيل، وَمن تَحت أَرْجُلكُم كالخسف بقارون وإغراق آل فِرْعَوْن.
وَقيل: من فَوْقكُم من أكابركم وسلاطينكم وَمن تَحت أَرْجُلكُم من سفلتكم وعبيدكم، وَقيل: من فَوْقكُم حبس الْمَطَر وَمن تَحت أَرْجُلكُم منع النَّبَات.

يَلْبِسَكُمْ يَخْلِطَكُمْ مِنَ الالْتِبَاسِ يَلْبِسُوا يَخْلِطُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أَو يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض} وَفسّر يلْبِسكُمْ بقوله يخلطكم، وَنبهَ على أَن مادته من مَادَّة الالتباس، لِأَن ثلاثيه من لبس يلبس من بابُُ علم يعلم.

شِيعا فِرَقا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} وَفسّر الشيع بِالْفرقِ جمع فرقة، وَفِي التَّفْسِير قَوْله تَعَالَى: { أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} أَي ليجعلكم ملتبسين شيعًا فرقا متخالفين.
.

     وَقَالَ  الْوَالِي عَن ابْن عَبَّاس: يَعْنِي الْأَهْوَاء وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَغير وَاحِد، وَقد ورد فِي الحَدِيث الْمَرْوِيّ من طرق عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( سَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة) .



[ قــ :4375 ... غــ :4628 ]
- ح دَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمْرو بنِ دِينارٍ عنْ جابِرٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ قُلْ هُوَ القادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذابا مِنْ فَوْقِكُمْ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( أعُوذُ بِوَجْهِكَ قَالَ أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجِلكُمْ قَال أعُوذُ بِوَجْهِكَ أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأسَ بَعْضٍ قَالَ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاذَا أهْوَنُ أوْ هاذَا أيْسَرُ) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو النُّعْمَان، بِضَم النُّون اسْمه مُحَمَّد بن الْفضل الملقب بعارم، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة وَغَيره.

قَوْله: ( أعوذ بِوَجْهِك) ، أَي: بذاتك.
قَوْله: ( وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض) ، قَالَ ابْن عَبَّاس وَغير وَاحِد يَعْنِي يُسَلط بَعْضكُم على بعض بِالْعَذَابِ وَالْقَتْل.
قَوْله: ( هَذَا أَهْون) ، لِأَن الْفِتَن من المخلوقين وعذابهم أَهْون من عَذَاب الله وبالفتن ابْتليت هَذِه الْأمة.
قَوْله: ( أَو هَذَا أيسر) ، شكّ من الرَّاوِي وَوَقع فِي ( الِاعْتِصَام) هَاتَانِ أَهْون أَو أيسر، أَي: خصْلَة الإلباس وخصلة إذاقة بَعضهم بَأْس بعض.