فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله عز وجل: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأعراف: 33]

( { سُورَةُ الأعْرَاف} )

أَي: هَذَا بَيَان تَفْسِير بعض سُورَة الْأَعْرَاف، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي كِتَابه فِي (مقامات التَّنْزِيل) هِيَ مَكِّيَّة، وفيهَا اخْتِلَاف، وَذكر الْكَلْبِيّ أَن فِيهَا خمس عشر آيَة مدنيات من قَوْله: { إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل} (الْأَعْرَاف: 152) إِلَى قَوْله: { وَاتبعُوا النُّور الَّذِي أنزل مَعَه} وَمن قَوْله: { واسألهم عَن الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر} (الْأَعْرَاف: 157) إِلَى قَوْله: { ودرسوا مَا فِيهِ} قَالَ: وَلم يبلغنَا هَذَا عَن غير الْكَلْبِيّ، وفيهَا آيَة أُخْرَى: { وَإِذا قرىء الْقُرْآن} الْآيَة.
ذكر جمَاعَة أَنَّهَا نزلت فِي الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة، وَالْجُمُعَة إِنَّمَا كَانَت بِالْمَدِينَةِ وَهِي مِائَتَان وست آيَات كُوفِي ومكي ومائتان وَخمْس بَصرِي وشامي، وَأَرْبَعَة عشر ألفا وثلاثمائة وَعشرَة أحرف، وَثَلَاث آلَاف وثلاثمائة وَخمْس وَعِشْرُونَ كلمة.

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لم تُوجد الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وَرياشا المَالُ
لَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بابُُ، وَأَشَارَ بقوله: ورياشا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { قد أنزل عَلَيْكُم لباسا يواري سوآتكم ورياشا} (الْأَعْرَاف: 26) قَرَأَ الْجُمْهُور وريشا وَقَرَأَ الْحسن وذر بن حُبَيْش وَعَاصِم فِيمَا رُوِيَ عَنهُ وَابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأَبُو رَجَاء ورياشا وَهِي قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: رَوَاهَا عَنهُ عُثْمَان.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ فسره بِالْمَالِ، رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو مُحَمَّد عَن مُحَمَّد بن إِدْرِيس حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا مُعَاوِيَة حَدثنَا عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.

     وَقَالَ  ابْن الْأَعرَابِي: الريش الْأكل، والرياش المَال الْمُسْتَفَاد،.

     وَقَالَ  ابْن درير الريش الْجمال، وَقيل: هُوَ اللبَاس، حكى أَبُو عَمْرو أَن الْعَرَب تَقول: كساني فلَان ريشة أَي كسْوَة،.

     وَقَالَ  قطرب الريش والرياش وَاحِد مثل حل وحلال وَحرم وَحرَام،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: يجوز أَن يكون مصدرا من قَول الْقَائِل: راشه الله يريشه رياشا.
والرياش فِي كَلَام الْعَرَب الأثاث وَمَا ظهر من الْمَتَاع وَالثيَاب والفرش وَغَيرهَا، وَعَن ابْن عَبَّاس الرياش اللبَاس والعيش وَالنَّعِيم،.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش: هُوَ الخصب والمعاش،.

     وَقَالَ  القتبي: الريش والرياش مَا ظهر من اللبَاس.
إنَّهُ لَا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ فِي الدُّعاءِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أدعوا ربكُم تضرعا وخفية أَنه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} (الْأَنْعَام: 55) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين (إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ فِي الدُّعَاء) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني والحموي (فِي الدُّعَاء وَفِي غَيره).

     وَقَالَ  الطَّبَرِيّ: حَدثنَا الْقَاسِم حَدثنَا الْحُسَيْن حَدثنِي حجاج عَن ابْن جريج عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ فِي الدُّعَاء وَلَا فِي غَيره) ، والاعتداء فِي الدُّعَاء بِزِيَادَة السُّؤَال فَوق الْحَاجة وَيطْلب مَا يَسْتَحِيل حُصُوله شرعا وَيطْلب مَعْصِيّة.
وبالاعتناء بالأدعية الَّتِي لم تُؤثر خُصُوصا إِذا كَانَ بالسجع الْمُتَكَلف وبرفع الصَّوْت والنداء والصياح لقَوْله تَعَالَى: { ادعوا ربكُم تضرعا وخفية} وأمرنا بِأَن نَدْعُو بالتضرع والاستكانة والخفية أَلا ترى أَن الله تَعَالَى ذكر عبدا صَالحا وَرَضي فعله فَقَالَ: { إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا} (مَرْيَم: 3) وَفِي (التَّلْوِيح) (إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ) إِلَى قَوْله، قَالَ غَيره: يشبه وَالله أعلم أَنه من قَول ابْن عَبَّاس، وَقد ذكره من غير عطف لذَلِك.

عَفَوا كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أمْوَالُهُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ بدلنا مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة حَتَّى عفوا} (الْأَعْرَاف: 95) الْآيَة.
وَفسّر لفظ عفوا.
الَّذِي هُوَ صِيغَة جمع بقوله: كَثُرُوا من عَفا الشَّيْء إِذا كثر، وَقَوله كثرت أَمْوَالهم إِنَّمَا وَقع فِي رِوَايَة غير أبي ذَر، وَفِي التَّفْسِير قَوْله: حَتَّى عفوا أَي كَثُرُوا وَكَثُرت أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ.

الفَتَّاحُ القَاضِي افْتَحْ بَيْنَنا اقْضِ بَيْنَنَا
لفظ الفتاح لم يَقع فِي هَذِه السُّورَة، وَإِنَّمَا هُوَ فِي سُورَة سبأ قيل: كَأَنَّهُ ذكره هُنَا تَوْطِئَة لتفسير قَوْله فِي هَذِه السُّورَة: { رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ} (الْأَعْرَاف: 89) انْتهى.
وَفسّر الفتاح بقوله القَاضِي، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة إِن الفتاح القَاضِي،.

     وَقَالَ  الْفراء: وَأهل عمان يسمون القَاضِي الفاتح والفتاح،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ، وَذكر غَيره أَنه لُغَة مُرَاد، وروى ابْن جرير من طرق عَن قَتَادَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: مَا كنت أَدْرِي مَا معنى قَوْله: افْتَحْ بَيْننَا حَتَّى سَمِعت بنت ذِي يزن تَقول لزَوجهَا: انْطلق أفاتحك، وَمن طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: افْتَحْ بَيْننَا.
أَي: اقْضِ بَيْننَا.

نَتقْنا رَفَعنا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَإِذا نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظله} (الْأَعْرَاف: 171) وَفسّر: نتقنا، بقوله رفعنَا وَكَذَا فسره وَكَذَا فسره ابْن عَبَّاس.
قَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله وَإِذ نتقنا الْجَبَل: رفعناه.

انْبَجَسَتْ انْفَجَرَتْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أَن أضْرب بعصاك الْحجر فانبجست مِنْهُ اثْنَتَيْ عشرَة عينا} (الْأَعْرَاف: 160) ثمَّ فسر: انبجست، بقوله: انفجرت، وَكَذَا جَاءَ فِي سُورَة الْبَقَرَة حَيْثُ قَالَ: { فَقُلْنَا اضْرِب بعضاك الْحجر فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَيْ عشرَة عينا} أَي: انشقت، وَكَانَ ذَلِك الْحجر من الطّور يحمل مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِذا نزلُوا فِي مَوضِع ضربه مُوسَى بعصاه فَيخرج مِنْهُ المَاء فِي اثْنَتَيْ عشرَة عينا لكل سبط عين.

مُتَبَّرٌ خُسْرَانٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِن هَؤُلَاءِ متبر مَا هم فِيهِ وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} وَفسّر متبر بقوله خسران واشتقاقه من التبار، وَهُوَ الْهَلَاك وَهُوَ من التتبير، يُقَال: تبره تتبيرا أَي كَسره وأهلكه.

آسي أحْزَنُ تأس تَحْزَنْ
ذكر هُنَا لفظتين: الأولى: قَوْله: آسي، وَهُوَ فِي سُورَة الْأَعْرَاف.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَكيف آسي على قوم كَافِرين} (الْأَعْرَاف: 93) وَفَسرهُ بقوله: احزن وَهُوَ حِكَايَة عَن قَول شُعَيْب.
عَلَيْهِ السَّلَام، حَيْثُ قَالَ بعد هَلَاك قومه، فَكيف آسي، أَي: فَكيف أَحْزَن على الْقَوْم الَّذين هَلَكُوا على الْكفْر؟ واللفظة الثَّانِيَة: قَوْله: تأسى، وَهُوَ فِي سُورَة الْمَائِدَة وَقد ذكرت هُنَاكَ، وَإِنَّمَا ذكر هَاهُنَا أَيْضا اسْتِطْرَادًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: { مَا مَنَعَكَ أنْ لَا تَسْجُدَ} (الْأَعْرَاف: 12) يُقالُ مَا مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { مَا مَنعك أَن لَا تسْجد إِذْ أَمرتك} ، ثمَّ أَشَارَ بقوله: يُقَال: مَا مَنعك أَن تسْجد، وَنبهَ بِهَذَا على أَن كلمة لَا صلَة.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: لَا فِي: أَن لَا تسْجد، صلَة بِدَلِيل قَوْله: { مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي} (ص: 75) ثمَّ قَالَ: فَائِدَة زيادتها توكيد معنى الْفِعْل الَّذِي يدْخل عَلَيْهِ، وتحقيقه كَأَنَّهُ قيل: مَا مَنعك أَن تحقق السُّجُود وَتلْزَمهُ نَفسك إِذا أَمرتك؟ وَذكر ابْن جرير عَن بعض الْكُوفِيّين أَن الْمَنْع هَاهُنَا بِمَعْنى القَوْل، وَالتَّقْدِير: من قَالَ لَك لَا تسْجد؟ قلت: يجوز أَن تكون كلمة أَن مَصْدَرِيَّة وَكلمَة لَا، على أَصْلهَا، وَيكون فِيهِ حذف، وَالتَّقْدِير: مَا مَنعك وحملك على أَن لَا تسْجد أَي على عدم السُّجُود.

يَخْصِفانِ أخَذا الخِصافَ مِنْ ورَقِ الجَنَّةِ.
يُؤَلِّفانِ الوَرَقَ يَخْصِفان الوَرَقَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} (الْأَعْرَاف: 22) وَفسّر (يخصفان) بقوله: أخذا الْخصاف، وَهُوَ بِكَسْر الْخَاء جمع خصفة وَهِي الجلة الَّتِي يكنز فِيهَا التَّمْر.
قَوْله: (وطفقا) ، من أَفعَال المقاربة أَي: جعلا أَي: آدم وحواء، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة، قيل: ورق التِّين يَعْنِي يجعلان ورقة فَوق ورقة على عوراتهما ليستترا بهَا كَمَا يخصف النَّعْل بِأَن تجْعَل طرفَة على طرْقَة وتوثق بالسبور، وَقَرَأَ الْحسن: يخصفان، بِكَسْر الْخَاء وَتَشْديد الصَّاد، وَأَصله يختصفان.
وَقَرَأَ الزُّهْرِيّ: يخصفان، من أخصف، أَي: يخصفان أَنفسهمَا.
وقرىء: يخصفان، من خصف بِالتَّشْدِيدِ.

سَوْآتِهِما كِنَايةٌ عَنْ فَرْجَيْهِما
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فلماذا قاالشجرة بَدَت لَهما سوآتهما} .

     وَقَالَ .
قَوْله: سوآتهما، كِنَايَة عَن فرجيهما.
أَي: فَرجي آدم وحواء، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي التَّفْسِير: سقط عَنْهُمَا اللبَاس وَظَهَرت لَهما عوراتهما وَكَانَا لَا يريان من أَنفسهمَا وَلَا أَحدهمَا من الآخر، وَعَن وهب كَانَ لباسهما فَوْرًا يحول بَينهمَا وَبَين النّظر،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: السوأة الْعَوْرَة، وَفِي قَول البُخَارِيّ: كِنَايَة نظر لَا يخفى.

وَمَتاعٌ إلَى حِينٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالحِينُ عِنْدَ العَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إلَى مَا لَا يُحْصِي عَدَدُها.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين} (الْأَعْرَاف: 24) وَنبهَ على أَن المُرَاد من الْحِين، هُنَا هُوَ: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَفِي بعض النّسخ، ومتاع إِلَى حِين، هُوَ هَاهُنَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، ثمَّ أَشَارَ بقوله: والحين عِنْد الْعَرَب إِلَى الْحِين يسْتَعْمل لأعداد كَثِيرَة، وَأَدْنَاهُ سَاعَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْحِين الْوَقْت، وَفِي (الْمغرب) الْحِين كالوقت لِأَنَّهُ بهم يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي بَدْء الْخلق.

قبَيلُهُ جِيلهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أَنه يراكم هُوَ وقبيله} (الْأَعْرَاف: 27) وَالضَّمِير فِي (إِنَّه) يرجع إِلَى الشَّيْطَان، وَفسّر الْقَبِيل بالجيل، بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الصِّنْف من النَّاس التّرْك جيل، والصين جيل، وَالْمرَاد هُنَا جيل الشَّيْطَان يَعْنِي قبيله، وَيُؤَيِّدهُ فِي الْمَعْنى مَا رَوَاهُ ابْن جرير من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله قبيله قَالَ الْجِنّ وَالشَّيَاطِين، وَقيل: قبيله خيله وَرجله.
قَالَ الله تَعَالَى: { بخيلك ورجلك} (الْإِسْرَاء: 64) وَقيل: ذُريَّته قَالَ تَعَالَى: { أفتتخذونه وَذريته} (الْكَهْف: 50) وَقيل أَصْحَابه: وَقيل: وَلَده ونسله.
قَالَ الْأَزْهَرِي: الْقَبِيل جمَاعَة لَيْسُوا من أَب وَاحِد وَجمعه قبل فَإِذا كَانُوا من أَب وَاحِد فهم قَبيلَة.

ادَّارَكُوا اجْتَمَعُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { كلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا حَتَّى إِذا داركوا فِيهَا جَمِيعًا} وَفسّر لفظ أداركوا بقوله: اجْتَمعُوا.

     وَقَالَ  مقَاتل: كلما دخل أهل مِلَّة النَّار لعنُوا أهل ملتهم فيلعن الْيَهُود الْيَهُود وَالنَّصَارَى النَّصَارَى وَالْمَجُوس الْمَجُوس، وَالْمرَاد بالأخت أخوة الدّين وَالْملَّة لَا أخوة النّسَب.
قَوْله: (حَتَّى إِذا أداركوا فِيهَا) ، أَي: حَتَّى إِذا اتداركوا فِيهَا وتلاحقوا بِهِ واجتمعوا فِيهَا.
أَي: فِي النَّار.
قلت: أصل اداركوا اتداركوا فقلبت التَّاء دَالا وأدغمت الدَّال فِي الدَّال وَقَرَأَ الْأَعْمَش حَتَّى إِذا تداركوا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء كَذَلِك.

مَشَاقُّ الإنْسَانِ وَالدَّابَةِ كلُّهُمْ يُسَمَّى سُمُوما وَاحِدُها سَمٌّ وَهِيَ عَيْناهُ وَمَنْخِرَاهُ وَفَمُهُ وَاذُنَاهُ وَدُبُرُهُ وَإحْلِيلُهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير لفظ سم، فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} (الْأَعْرَاف: 40) قَوْله: (مشاق الْإِنْسَان) ، وَفِي بعض النّسخ مسام الْإِنْسَان، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد وَهِي سموم الْإِنْسَان جمع سم، وَهِي عَيناهُ إِلَى آخر مَا ذكر قَالَ الْجَوْهَرِي: السم الثقب وَمِنْه سم الْخياط ومسام الْجَسَد ثقبه، وَفِي (الْمغرب) المسام المنافذ من عِبَارَات الْأَطِبَّاء، وَفِي السم ثَلَاث لُغَات فتح السِّين وَهِي قِرَاءَة الْأَكْثَرين، وَضمّهَا وَبِه قَرَأَ ابْن مَسْعُود وَقَتَادَة، وَكسرهَا وَبِه قَرَأَ بو عمرَان الْجونِي، والخياط مَا يخاط بِهِ وَيُقَال: مخيط أَيْضا وَبِه قَرَأَ ابْن مَسْعُود وَأَبُو رزين.

غَوَاشٍ مَا غُشُوا بِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لَهُم من جَهَنَّم مهاد وَمن فَوْقهم غواش} (الْأَعْرَاف: 41) وَفسّر لفظ غواش، بقوله: مَا غشوا بِهِ.
أَي: مَا غطوا بِهِ وَهُوَ جمع غاشية وَهِي كل مَا يغشاك أَي يسترك من اللحف، وَقيل: من اللبَاس، وَالْمرَاد بذلك أَن النَّار من فَوْقهم وَمن تَحْتهم بالمهاد وعماد فَوْقهم بالغواشي، وروى ابْن جرير من طَرِيق مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: المهاد الْفرش.
.

     وَقَالَ : وَمن فَوْقهم غواش اللحف.

نُشُرا مُتَفَرِّقَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح نشرا} (الْأَعْرَاف: 57) وَفسّر نشرا بقوله: مُتَفَرِّقَة وفن التَّفْسِير: النشر جمع نشور وَهِي الرّيح الطّيبَة الهبوب تهب من كل نَاحيَة وجانب، وَقيل: النشور بِمَعْنى المنشور كالركوب بِمَعْنى المركوب،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَنْبَارِي: النشر المنتشرة الواسعة الهبوب أرسلها الله منشورة بعد انطوائها.

نَكِدا قَلِيلاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَالَّذِي خبث لَا يخرج إلاَّ نكدا} (الْأَعْرَاف: 58) وَفسّر قَوْله: نكدا بقوله: قَلِيلا وَفَسرهُ أَبُو عُبَيْدَة بقوله: قَلِيلا عسرا فِي شدَّة، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ.
قَالَ: النكد الشَّيْء الْقَلِيل الَّذِي لَا ينفع.

يَغْنَوْا يَعِيشُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { الَّذين كذبُوا شعيبا كَأَن لم يغنوا فِيهَا} (الْأَعْرَاف: 92) وَفسّر: يغنوا بقوله: يعيشوا، وَترك ذكر الْجَازِم.
.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة كَأَن لم يغنوا فِيهَا أَي: كَأَن لم يعيشوا أَو كَأَن لم ينعموا ومادته من غنى أَي عَاشَ وغنى بِهِ عَنهُ غنية، وغنيت الْمَرْأَة بزوجها غنيانا وغني بِالْمَكَانِ أَقَامَ، والغناء بِالْفَتْح النَّفْع وبالكسر من السماع والغنى مَقْصُورا الْيَسَار.

حَقِيقٌ حَقٌّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْن إِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين حقيق على أَن لَا أَقُول على الله إلاَّ الْحق} (الْأَعْرَاف: 104 وَفسّر قَوْله حقيق، بقوله حق أَي: جدير بذلك حري بِهِ.

استَرْهَبُوهُمْ مِنَ الرَّهْبَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا القوا سحروا أعين النَّاس واسترهبوهم} (الْأَعْرَاف: 146).

     وَقَالَ : استرهبوهم من الرهبة.
أَي: الْخَوْف، وَالْمعْنَى: أَن سحرة فِرْعَوْن سحروا أعين النَّاس أَي خيلوا إِلَى الْأَبْصَار أَن مَا فَعَلُوهُ لَهُ حَقِيقَة فِي الْخَارِج، واسترهبوا النَّاس بذلك وخوفوهم وَخَافَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَيْضا من ذَلِك.

     وَقَالَ  الله عز وَجل: { لَا تخف إِنَّك أَنْت الْأَعْلَى والق مَا فِي يَمِينك تلقف مَا صَنَعُوا} (طه: 68، 69) الْقِصَّة بِتَمَامِهَا فِي التَّفْسِير.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون} وَفسّر لفظ تلقف، بِلَفْظ تلقم أَي: تَأْكُل مَا يأفكون أَي: مَا يلقونه ويوهمون أَنه حق وَهُوَ بَاطِل.

طائِرُهُمْ حَظهُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إلاَّ إِنَّمَا طائرهم عِنْد الله وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} (الْأَعْرَاف: 117) وَفسّر طَائِر هم بقوله حظهم، وَكَذَا قَالَ: أَبُو عُبَيْدَة: طائرهم حظهم ونصيبهم.

طُوفانٌ مِنَ السَّيْلِ وَيُقالُ لِلْمَوْتِ الكَثِيرِ الطُّوفانُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم الطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل} وَفسّر الطوفان بِأَنَّهُ من السَّيْل، وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهُ فَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي رِوَايَة الطوفان كَثْرَة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع وَالثِّمَار.
وَبِه قَالَ الضَّحَّاك: وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة كَثْرَة الْمَوْت، وَهُوَ معنى قَوْله: وَيُقَال للْمَوْت الْكثير الطوفان، وَبِه قَالَ عَطاء،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: الطوفان المَاء والطاعون على كل حَال، وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أُخْرَى هُوَ أَمر من الله طَاف بهم ثمَّ قَرَأَ: { فَطَافَ عَلَيْهِم طائف من رَبك وهم نائمون} (الْقَلَم: 19) .
.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش الطوفان واحده طوفانة وَقيل: هُوَ مصدر كالرجحان وَالنُّقْصَان.
قلت: هُوَ اسْم للمصدر، فاقهم.

القُمَّلُ الحُمْنانُ يُشْبِهُ صِغارَ الحَلَمِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الْقمل الْمَذْكُور فِي الْآيَة الَّتِي مَضَت الْآن، وَفَسرهُ بقوله الحمنان، بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْمِيم.
قَوْله: (يشبه صغَار الْحلم) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَاللَّام.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: الْقمل عِنْد الْعَرَب ضرب من القردان وَاحِدهَا حمنانة وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الْقمل السوس الَّذِي يخرج من الْحِنْطَة، وَعنهُ أَنه الدُّبَّاء وَهُوَ الْجَرَاد الصغار الَّذِي لَا أَجْنِحَة لَهُ، وَبِه قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة، وَعَن الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير: الْقمل دَوَاب سود صغَار،.

     وَقَالَ  عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم: الْقمل البراغيث،.

     وَقَالَ  ابْن جرير: الْقمل جمع قلمة وَهِي دَابَّة تشبه الْقمل تَأْكُل الْإِبِل، والحلم جمع حلمة والحلمة تتقفي من ظهرهَا فَيخرج مِنْهَا القمقامة وَهِي أَصْغَر مِمَّا رَأَيْته مِمَّا يمشي وَيتَعَلَّق بِالْإِبِلِ فَإِذا امْتَلَأَ سقط على الأَرْض وَقد عظم ثمَّ يضمر حَتَّى يذهب دَمه فَيكون قرادا فَيتَعَلَّق بِالْإِبِلِ ثَانِيَة فَيكون حمْنَة، قَالَ أَبُو الْعَالِيَة: أرسل الله تَعَالَى الحمنان على دوابهم فأكلنها حَتَّى لم يقدروا على الْمسير، وَقَرَأَ الْحسن: الْقمل، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْمِيم، وَفِي (الْمُحكم) : الْقمل صغَار الذَّر والدباء، وَفِي (الْجَامِع) : هُوَ شَيْء أَصْغَر من الظفر لَهُ جنَاح أَحْمَر وأكدر، قَالَ أَبُو يُوسُف: هُوَ شَيْء يَقع فِي الزَّرْع لَيْسَ بجراد فيأكل السنبلة وَهِي غضة قبل أَن تخرج فَيطول الزَّرْع وَلَا سنبل فِيهِ،.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة هُوَ شَيْء يشبه الْحلم وَهُوَ لَا يَأْكُل أكل الْجَرَاد وَلَكِن يمص الْحبّ إِذا وَقع فِيهِ الدَّقِيق وَهُوَ رطب وَتذهب قوته وخيره وَهُوَ خَبِيث الرَّائِحَة.

رقم 2 كتاب ج 81 من ص 235
عُرُوشٌ وعَرِيشٌ بِناءٌ
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : قَول البُخَارِيّ: عروش وعريش، بِنَاء وَجَدْنَاهُ مروياً عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ الطَّبَرِيّ: حَدثنَا الْمثنى حَدثنَا عبد الله بن صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: { وَمَا كَانُوا يعرشون} (الْأَعْرَاف: 137) أَي: يبنون،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: يبنون الْبيُوت والمساكن.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمَا كَانُوا يعرشون} أَي: يبنون.
انْتهى.
قلت: أما قَول صَاحب (التَّلْوِيح) : قَول البُخَارِيّ إِلَى آخِره، فَلَا وَجه لَهُ أصلا لِأَن قَول ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله: { وَمَا كَانُوا يعرشون} يبنون، فَكيف يُطَابق تَفْسِير عروش وعريش؟ وَكَذَا قَول بَعضهم مثله، وَأما تَفْسِير البُخَارِيّ: العروش والعريش بِالْبِنَاءِ فَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن العروش جمع عرش وَالْعرش سَرِير الْملك وسقف الْبَيْت وَالْعرش مصدر، قَالَ الْجَوْهَرِي: عرش يعرش عرشاً أَي: بنى بِنَاء من خشب، والعريش مَا يستظل بِهِ، قَالَه الْجَوْهَرِي.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: الْعَرْش الْكَرم والعريش شبه الهودج الْعَريش وخيمة من خشب وَتَمام الْجمع عرش مثل قليب وقلب، وَمِنْه قيل لبيوت مَكَّة: الْعَرْش لِأَنَّهَا عيدَان تنصب وتظلل عَلَيْهَا، وَهَذَا الَّذِي ذكره مُخَالف لقاعدته فِي تَفْسِير بعض الْأَلْفَاظ فِي بعض السُّور وَفِي بعض الْمَوَاضِع، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنِّي يَقُول: يعرشون يبنون إِشَارَة لما وَقع فِي الْآيَة من قَوْله: { ودمرنا مَا كَانَ يصنع فِرْعَوْن وَقَومه وَمَا كَانُوا يعرشون} (الْأَعْرَاف: 137) .

سُقِطَ كلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلما سقط فِي أَيْديهم} (الْأَعْرَاف: 149) وَفسّر قَوْله: (سقط) بقوله: (كل من نَدم فقد سقط فِي يَده).

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: وَسقط فِي يَدَيْهِ أَي: نَدم: قَالَ الله تَعَالَى: { وَلما سقط فِي أَيْديهم} ، قَالَ الْأَخْفَش: وَقَرَأَ بَعضهم سقط كَأَنَّهُ أضمر النَّدَم وَجوز أسقط فِي يَدَيْهِ،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر وَلَا يُقَال أسقط بِالْألف على مَا لم يسم فَاعله، وَهَذِه فِي قصَّة قوم مُوسَى الَّذين اتَّخذُوا من حليهم عجلاً وَأخْبر الله تَعَالَى عَنْهُم: { وَلما سقط فِي أَيْديهم وَرَأَوا أَنهم قد ضلوا} الْآيَة أَرَادَ أَنهم ندموا على مَا فعلوا { وَرَأَوا أَنهم قد ضلوا قَالُوا: لَئِن لم يَرْحَمنَا رَبنَا} الْآيَة.

الأسْباطُ قَبائِلُ بَني إِسْرائِيلَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وقطعناهم اثْنَتَيْ عشرَة أسباطاً أمماً} (الْأَعْرَاف: 160) وَفسّر الأسباط بِأَنَّهُم قبائل بني إِسْرَائِيل، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَزَاد: واحدهم سبط، تَقول: من أَي سبط أَنْت، أَي: من أَي قَبيلَة وجنس؟ وَيُقَال: الأسباط فِي ولد يَعْقُوب كالقبائل فِي ولد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام، واشتقاقه من السبط وَهُوَ التَّتَابُع، من السبط بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الشّجر الملتف، وَقيل لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: سبطا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لانتشار ذريتهما، ثمَّ قيل لكل ابْن بنت: سبط.

يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ يَتَعَدَّوْنَ ثُمَّ يَتَجَاوَزُونَ تَعَدَّى تَجاوَزَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { واسألهم عَن الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر إِذْ يعدون فِي السبت} (الْأَعْرَاف: 163) وَفسّر: يعدون، بقوله: يتعدون ثمَّ يتجاوزن،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: إِذْ يعدون إِذْ يتجاوزون حد الله فِيهِ وَهُوَ اصطيادهم يَوْم السبت وَقد نهوا عَنهُ، وقرىء يعدون، بِمَعْنى يعتدون وَإِذ يعدون من الإعداد وَكَانُوا يعدون آلَات الصَّيْد يَوْم السبت وهم مأمورون بِأَن لَا يشتغلوا فِيهِ بِغَيْر الْعِبَادَة.
قَوْله: (تعدى تجَاوز) نبه بِهِ على أَن معنى هَذِه الْكَلِمَة التجاوز فَإِذا تجَاوز أحد أمرا من الْأُمُور المحدودة يُقَال لَهُ: تعدى.

شُرَّعاً شَوَارعَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { إِذْ تأتيهم حيتانهم يَوْم سبتهم شرعا} وَذكر أَن شرّعاً جمع شوارع وشوارع جمع شَارِع وَهُوَ الظَّاهِر على وَجه المَاء، وروى الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: شرعا، أَي ظَاهِرَة على المَاء،.

     وَقَالَ  الْعَوْفِيّ عَنهُ: شرعا على كل مَكَان.

بئِيسٍ شَدِيدٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وأخذنا الَّذين ظلمُوا بِعَذَاب بئيس} (الْأَعْرَاف: 165) وَفَسرهُ بقوله: شَدِيد، وَعَن مُجَاهِد مَعْنَاهُ: أَلِيم، وَعَن قَتَادَة: موجع، وَفِي بئيس قراءات كَثِيرَة وَالْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة بِفَتْح أَوله وَكسر الْهمزَة.

أخْلَدَ إِلَى الأرْضِ أقْعَدَ وتَقاعَسَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلكنه أخلد إِلَى الأَرْض وَاتبع هَوَاهُ} (الْأَعْرَاف: 176) وَفسّر قَوْله: أخلد بقوله: أقعد من الإقعاد وَهُوَ أَن يلازم الْقعُود إِلَى الأَرْض وَهُوَ كِنَايَة عَن شدَّة ميله إِلَى الدُّنْيَا، وَقد فسر أَبُو عُبَيْدَة قَوْله: أخلد إِلَى الأَرْض بقوله: لَزِمَهَا، وأصل الإخلاد للُزُوم، وَيُقَال مَعْنَاهُ: مَال إِلَى زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وزهراتها وَأَقْبل على لذاتها وَنَعِيمهَا وغرته مَا غرت غَيره، قَوْله: وتقاعس، أَي: تَأَخّر وَأَبْطَأ، وَالضَّمِير فِي قَوْله: وَلكنه، يرجع إِلَى بلعام بن باعورا من عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَلكنه اتبع هَوَاهُ فانسلخ من الْإِيمَان وَاتبعهُ الشَّيْطَان، وقصته مَشْهُورَة، وَقيل: المُرَاد بِهِ أُميَّة بن أبي الصَّلْت أدْرك زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يتبعهُ وَصَارَ إِلَى مُوالَاة الْمُشْركين، وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث أَنه آمن بِلِسَانِهِ وَلم يُؤمن بِقَلْبِه وَله أشعار ربانية وَحكم وفصاحة وَلكنه لم يشْرَح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ.

(سنَسْتَدْرِجُهُمْ) أيْ نأتِيهِمْ مِنْ مأمَنِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعالى: { فأتاهُمُ الله منْ حَيْث لمْ يَحْتَسِبُوا} أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} (الْأَعْرَاف: 182) وَفسّر قَوْله: سنستدرجهم، بقوله: نأتيهم من مَا مِنْهُم، أَي: من مَوضِع أَمنهم، وأصل الاستدراج التَّقْرِيب منزلَة من الدرج لِأَن الصاعد يترقى دَرَجَة دَرَجَة.
قَوْله: كَقَوْلِه تَعَالَى: { فَأَتَاهُم الله من حَيْثُ لم يحتسبوا} (الْحَشْر: 2) وَجه التَّشْبِيه فِيهِ هُوَ أَخذ الله إيَّاهُم بَغْتَة، كَمَا قَالَ فِي آيَة أُخْرَى: { حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة} (الْأَنْعَام: 44) .

مِنْ جِنَّةٍ مِنْ جُنُونٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أَو لم يتفكروا مَا بِصَاحِبِهِمْ من جنَّة} (الْأَعْرَاف: 184) ثمَّ قَالَ: من جُنُون، وَكَانُوا يَقُولُونَ: مُحَمَّد شَاعِر أَو مَجْنُون، وَالْمرَاد بالصاحب هُوَ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

فمَرَّتْ بِهِ فاسْتَمَرَّ بهَا الحمْلُ فأتَمَّتْهُ
لم يَقع هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَتقدم هَذَا فِي أول كتاب الْأَنْبِيَاء، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا تغشاها حملت حملا خَفِيفا فمرت بِهِ} (الْأَعْرَاف: 189) وَفسّر قَوْله: فمرت بِهِ، بقوله: فاستمر بهَا الْحمل فأتمته، وَالضَّمِير فِي قَوْله: فمرت، يرجع إِلَى حَوَّاء عَلَيْهَا السَّلَام، لِأَن قبل هَذَا قَوْله تَعَالَى: { هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا} الْآيَة.
وَأَرَادَ بِالنَّفسِ الْوَاحِدَة آدم عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَرَادَ بقوله: زَوجهَا، حَوَّاء عَلَيْهَا السَّلَام، وَفِي التَّفْسِير: اخْتلفُوا فِي معنى قَوْله: فمرت، فَقَالَ مُجَاهِد: استمرت بِحمْلِهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَن الْحسن وَالنَّخَعِيّ وَالسُّديّ،.

     وَقَالَ  مَيْمُون بن مهْرَان عَن أَبِيه: استخفته،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: استبان حملهَا،.

     وَقَالَ  الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: استمرت بِهِ فشكَّت أحبلت أم لَا.

يَنْزَغَنَّكَ يَسْتَخِفنَّكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَأما يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ} (الْأَعْرَاف: 200) الْآيَة.
وَفسّر يَنْزغَنك بقوله: يستخفنك، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة،.

     وَقَالَ  ابْن جرير فِي معنى هَذَا: وَأما يغضبنك من الشَّيْطَان غضب يصدك عَن الْإِعْرَاض عَن الْجَاهِل ويحملك على مجازاته فاستعذ بِاللَّه، أَي: فاستجر بِاللَّه.

طَيْفٌ مُلِمٌّ بِهِ لَمَمٌ ويُقالُ طائِفٌ وهْوَ واحِدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طيف من الشَّيْطَان} وَفسّر قَوْله: طيف بقوله: ملم بِهِ لمَم،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: طيف أَي لمَم، واللمم يُطلق على ضرب من الْجُنُون وعَلى صغَار الذُّنُوب، وَفِي التَّفْسِير: مِنْهُم من فسر ذَلِك بِالْغَضَبِ، وَمِنْهُم من فسره بِمَسّ الشَّيْطَان بالصرع وَنَحْوه، وَمِنْهُم من فسره بالهم بالذنب، وَمِنْهُم من فسره بِإِصَابَة الذَّنب.
قَوْله: (وَيُقَال طائف) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن طيفاً وطائفاً وَاحِد فِي الْمَعْنى، وهما قراءتان مشهورتان.

يَمُدُّونَهُمْ يُزَيِّنُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وإخوانهم يمدونهم فِي الغي ثمَّ لَا يقصرون} (الْأَعْرَاف: 202) وَفسّر يمدونهم بقوله: (يزينون) ،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: أَي يزينون لَهُم الغي وَالْكفْر.

وخِيفَةً خَوْفاً وخُفْيَةً مِنَ الإِخْفاءِ
أَشَارَ بقوله خيفة إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَاذْكُر رَبك فِي نَفسك تضرعاً وخيفة} (الْأَعْرَاف: 205) وَفسّر قَوْله: (خيفة) ، بقوله: (خوفًا) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَيُقَال: { اذكر رَبك فِي نَفسك تضرعاً وخيفة} أَي: رَغْبَة وَرَهْبَة وَأَشَارَ بقوله وخيفة إِلَى قَوْله: (وَاذْكُر رَبك فِي نَفسك تضرعاً وخيفة) وَأي: سرا.
قَوْله: (من الْإخْفَاء) أَرَادَ بِهِ أَن الْخفية مَأْخُوذَة من الْإخْفَاء وَفِيه تَأمل، لِأَن الْقَاعِدَة أَن الْمَزِيد فِيهِ يكون مشتقاً من الثلاثي دون الْعَكْس، وَلَكِن يُمكن أَن يُوَجه كَلَامه بِاعْتِبَار انتظام اشتقاق الصيغتين فِي معنى وَاحِد.
والآصالُ واحِدُها أصِيلٌ مَا بَيْنَ العَصْرِ إِلَى المَغْرِبِ كَقَوْلِكَ بُكْرَةً وأصِيلاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَدون الْجَهْر من القَوْل بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} وَذكر أَن وَاحِد الآصال أصيل، كَذَا قَالَه أَبُو عُبَيْدَة،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس الْأَصِيل: بعد الْعشَاء وَجمعه أصل وَجمع أصل وَجمع أصل آصال فَيكون الأصائل جمع الْجمع،.

     وَقَالَ  الأصال لَعَلَّه أَن يكون جمع أصيلة.
قَوْله: (كَقَوْلِك بكرَة وَأَصِيلا) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الْأَصِيل وَاحِد الآصال.


(بابُُ قوْلِهِ عَز وجَلَّ: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ} (الْأَعْرَاف: 33)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَول الله عز وَجل: { قل إِنَّمَا} الْآيَة.
وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بابُُ.
وَاخْتلف فِي المُرَاد بالفواحش: فَمنهمْ من حملهَا على الْعُمُوم، فَعَن قَتَادَة: المُرَاد سر الْفَوَاحِش وعلانيتها، وَمِنْهُم من حملهَا على نوع خَاص، فَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يرَوْنَ بِالزِّنَا بَأْسا فِي السِّرّ ويستقبحونه فِي الْعَلَانِيَة فَحرم الله الزِّنَا فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، وَعَن سعيد بن جُبَير وَمُجاهد: مَا ظهر نِكَاح الْأُمَّهَات وَمَا بطن الزِّنَا.



[ قــ :4384 ... غــ :4637 ]
- ح دَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا شعْبَةُ عنْ عَمْروِ بنِ مُرَّةَ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ.

قُلْتُ أنْتَ سَمِعْتَ هاذَا مِنْ عَبْدِ الله قَالَ نَعَمْ ورَفَعَهُ قَالَ لَا أحَدَ أغْيَرُ مِنَ الله فلِذالِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ ولاَ أحَدَ أحَبُّ إلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ الله فَلِذالِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بابُُ { لَا تقربُوا الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن} (الْأَنْعَام: 151) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قَالَ: قلت) ، الْقَائِل هُوَ عَمْرو بن مرّة، والمخاطب أَبُو وَائِل.
قَوْله: (وَرَفعه) ، أَي: رفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.