فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {يسألونك عن الأنفال، قل: الأنفال لله والرسول، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1]

( سورَةُ الأنْفالِ)

أَي: هَذَا بعض تَفْسِير سُورَة الْأَنْفَال وَهِي مَدَنِيَّة إلاَّ خمس آيَات مَكِّيَّة، وَهِي قَوْله: { إِن شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله} ( الْأَنْفَال: 22 و 55) إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ، وَقَوله: { وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا} إِلَى قَوْله: { بِعَذَاب أَلِيم} ( الْأَنْفَال: 33) ، وفيهَا آيَة أُخْرَى اخْتلف فِيهَا، وَهِي قَوْله: { وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ} ( الْأَنْفَال: 30) .

     وَقَالَ  الْحصار فِي كِتَابه: { النَّاسِخ والمنسوخ} : مَدَنِيَّة بِاتِّفَاق، وَحكى الْقُرْطُبِيّ عَن ابْن عَبَّاس: مَدَنِيَّة إلاَّ سبع آيَات من قَوْله: { وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا} إِلَى آخر سبع آيَات،.

     وَقَالَ  مقَاتل: مَدَنِيَّة وفيهَا من الْمَكِّيّ: { وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا} إِلَى آخر الْآيَة،.

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت قبل آل عمرَان وَبعد الْبَقَرَة وآياتها أَرْبَعُونَ وست آيَات، وكلماتها ألف كلمة وسِتمِائَة كلمة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ كلمة، وحروفها خَمْسَة آلَاف ومائتان وَأَرْبَعَة وَتسْعُونَ حرفا.

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.


(بابٌُ قوْلُهُ: { يَسألُونَكَ عنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالُ لله والرَّسولِ فاتقُوا الله وأصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنَكُمْ} (الْأَنْفَال: 1)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال} إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بابُُ.
قَوْله: (يَسْأَلُونَك) ، يَعْنِي: يَسْأَلك أَصْحَابك يَا مُحَمَّد عَن الْغَنَائِم الَّتِي غنمتها أَنْت وَأَصْحَابك يَوْم بدر لمن هِيَ، فَقيل: هِيَ لله وَرَسُوله، وَقيل: هِيَ أنفال السَّرَايَا، وَقيل: هِيَ مَا شدّ من الْمُشْركين إِلَى الْمُسلمين من عبد أَو دَابَّة وَمَا أشبه ذَلِك، وَقيل: هِيَ مَا أَخذ مِمَّا يسْقط من الْمَتَاع بعد مَا تقسم الْغَنَائِم فَهُوَ نفل لله وَرَسُوله، وَقيل: النَّفْل الْخمس الَّذِي جعله الله تَعَالَى لأهل الْخمس،.

     وَقَالَ  النّحاس: فِي هَذِه الْآيَة أَقْوَال فأكثرهم على أَنَّهَا مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: { وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَإِن لله خمسه} (الْأَنْفَال: 41).

     وَقَالَ  بَعضهم: هِيَ محكمَة وللأئمة أَن يعملوا بهَا فينفلوا من شاؤوا إِذا كَانَ ذَلِك صَلَاح الْمُسلمين، وَفِي تَفْسِيره مكي: أَكثر النَّاس على أَنَّهَا محكمَة، وَمِمَّنْ قَالَه أَيْضا ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (فَاتَّقُوا الله) ، الْآيَة أَي: خَافُوا من الله بترك مُخَالفَة رَسُوله.
قَوْله: (وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم) ، أَي: أَحْوَال بَيْنكُم حَتَّى تكون أَحْوَال ألفة ومحبة، والبين: الْوَصْل كَقَوْلِه: لقد تقطع بَيْنكُم.

{ قَالَ ابنُ عبّاسٍ: الأنْفالُ المَغانِمُ}
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الْأَنْفَال الْمَغَانِم كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِصَة لَيْسَ لأحد فِيهَا شَيْء.

قَالَ قَتادَةُ رْيحُكُمْ الحَرْبُ
أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم} (الْأَنْفَال: 8) وَفسّر قَتَادَة الرّيح بِالْحَرْبِ، وروى هَذَا التَّعْلِيق عبد الرَّزَّاق فِي (تَفْسِيره) عَن معمر عَنهُ، وَفِي التَّفْسِير: وَتذهب ريحكم أَي قوتكم وحدتكم وَمَا كُنْتُم من الاقبال.

يُقالُ نافِلَةٌ عَطِيَّةٌ
إِنَّمَا ذكر هَذَا اسْتِطْرَادًا لِأَن فِي معنى الْأَنْفَال الَّتِي هِيَ الْمَغَانِم معنى الْعَطِيَّة.
قَالَ الْجَوْهَرِي: النَّفْل والنافلة عَطِيَّة التَّطَوُّع من حَيْثُ لَا تجب، وَمِنْه نَافِلَة الصَّلَاة،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة} (الْإِسْرَاء: 79) أَي: غنيمَة.



[ قــ :4391 ... غــ :4645 ]
- ح دَّثني مُحَمَّدُ بنُ عبْدِ الرَّحِيمِ حدّثنا سعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ أخبرَنا هُشَيْمٌ أخبرنَا أَبُو بِشْرٍ عنْ سعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ.

قُلْتُ ل ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا سورَةُ الأنْفَالِ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو يحيى كَانَ يُقَال لَهُ صَاعِقَة، وَسَعِيد بن سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ الْمَشْهُور بسعدويه، وهشيم مصغر الهشم بن بشير الو اسطي، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس الوَاسِطِيّ.

قَوْله: (سُورَة الْأَنْفَال) أَي: مَا سَبَب نزُول سُورَة الْأَنْفَال؟ قَوْله: (قَالَ نزلت فِي بدر) أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: نزلت سُورَة الْأَنْفَال فِي قَضِيَّة بدر، وَهَذَا أحد الْأَقْوَال وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَادِهِ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدر وَقتل أخي عُمَيْر وَقتلت سعيد بن الْعَاصِ وَأخذت سَيْفه، وَكَانَ يُسمى ذَا الكثيفة، فَأتيت بِهِ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إذهب فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبْض.
قَالَ: فَرَجَعت وَبِي مَا لَا يُعلمهُ إلاَّ الله من قتل أخي وَأخذ سَلبِي، قَالَ: فَمَا جَاوَزت إلاَّ يَسِيرا حَتَّى نزلت سُورَة الْأَنْفَال، فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذهب فَخذ سَيْفك، قلت: الكثيفة، بِضَم الْكَاف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء، وَالْقَبْض، بِفتْحَتَيْنِ: بِمَعْنى الْمَقْبُوض وَهُوَ مَا جمع من الْغَنِيمَة قبل أَن يقسم، وَقيل: إِنَّهَا نزلت هَذِه الْآيَة لِأَن بعض الصَّحَابَة سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمغنم شَيْئا قبل قسمته فَلم يُعْطه إِيَّاه إِذْ كَانَ شركا بَين الْجَيْش،.

     وَقَالَ  مقَاتل: نزلت فِي أبي الْيُسْر إِذْ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعطنا مَا وعدتنا من الْغَنِيمَة، وَكَانَ قتل رجلَيْنِ وَأسر رجلَيْنِ: الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَآخر يُقَال لَهُ سعد بن معَاذ،.

     وَقَالَ  ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد: إِنَّهُم سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْخمس بعد الْأَرْبَعَة أَخْمَاس، فَنزلت { يَسْأَلُونَك} (الْأَنْفَال: 1) .

الشَّوْكَةُ الحَدُّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَإِذ يَعدكُم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم وتودون أَن غير ذَات الشَّوْكَة تكون لكم} (الْأَنْفَال: 7) وَفسّر الشَّوْكَة بقوله: (الْحَد) وَفِي التَّفْسِير: أَي تحبون أَن الطَّائِفَة الَّتِي لَا حد لَهَا وَلَا مَنْعَة وَلَا قتال تكون لكم وَهِي العير، وَهَذِه اللَّفْظَة أَعنِي قَوْله: (الشَّوْكَة الْحَد) لم تثبت لأبي ذَر.

مُرْدَفِينَ فوْجاً بعْدَ فوْجٍ رَدِفَنِي وأرْدَفَني جاءَ بَعْدِي
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِنِّي مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} (الْأَنْفَال: 9) وَفسّر مُردفِينَ بقوله: فوجاً بعد فَوْج، وَعَن ابْن عَبَّاس: مُردفِينَ مُتَتَابعين، وَعنهُ: المردفون المدد، وَعنهُ: وَرَاء كل ملك ملك، وَعنهُ: بَعضهم على إِثْر بعض، وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاك وَقَتَادَة،.

     وَقَالَ  ابْن جرير: حَدثنِي الْمثنى حَدثنَا إِسْحَاق حَدثنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ حَدثنِي عبد الْعَزِيز بن عمرَان عَن الزمعِي عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن مُحَمَّد ابْن جُبَير عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِي ألف من الْمَلَائِكَة عَن ميمنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفيهَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ، وَنزل مِيكَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام، فِي ألف من الْمَلَائِكَة عَن ميسرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا فِي الميسرة،.

     وَقَالَ  ابْن كثير: وَهَذَا يَقْتَضِي، لَو صَحَّ إِسْنَاده، أَن الْألف مردوفه بِمِثْلِهَا، وَلِهَذَا قَرَأَ بَعضهم مُردفِينَ، بِفَتْح الدَّال.
قَوْله: (ردفني وأردفني) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن ردف بِكَسْر الدَّال وَأَرْدَفَ بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ الطَّبَرِيّ: الْعَرَب تَقول: أردفته وردفته بِمَعْنى،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: ردفه بِالْكَسْرِ أَي تبعه، والردف المرتدف وَهُوَ الَّذِي يركب خلف الرَّاكِب، وأردفته أَنا إِذا أركبته مَعَك، وَذَلِكَ الْموضع الَّذِي يركبه رداف، فَكل شَيْء تبع شَيْئا فَهُوَ ردفه، والترادف التَّتَابُع.

ذُوقُوا باشِرُوا وجَرِّبُوا ولَيْسَ هَذا مِنْ ذَوْقِ الفَمِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { ذَلِكُم فذوقوه وَإِن للْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار} (الْأَنْفَال: 14) وَفسّر: ذوقوا، بقوله: باشروا وجربوا وَهَذَا من الْمجَاز أَن يسْتَعْمل الذَّوْق وَهُوَ مِمَّا يتَعَلَّق بالأجسام فِي الْمعَانِي، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فذاقوا وبال أَمرهم} (الْحَشْر: 15 والتغابن: 5) وَلِهَذَا قيد بقوله: وَلَيْسَ هَذَا من ذوق الْفَم، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: فذوقوه، يرجع إِلَى الْعقَاب الْمَذْكُور قبله، وَهُوَ قَوْله: { فَإِن الله شَدِيد الْعقَاب} (الْبَقَرَة: 211 والأنفال: 13) .

فيَرْكُمُهُ يَجْمَعُهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { ليميز الله الْخَبيث من الطّيب وَيجْعَل الْخَبيث بعضه على بعض فيركمه} (الْأَنْفَال: 37) وَفسّر: يركمه، بقوله: يجمعه، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، فَقَالَ: يجمعه بعضه فَوق بعض، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد القراطيسي عَن إصبغ عَن ابْن زيد، والركم جمع الشَّيْء بعضه على بعض، كَمَا قَالَ فِي السَّحَاب: ثمَّ يَجعله ركاماً أَي: متراكباً، وَالْمعْنَى: ليميز الله الْفَرِيق الْخَبيث من الْكفَّار من الْفَرِيق الطّيب من الْمُؤمنِينَ فَيجْعَل الْفَرِيق الْخَبيث بعضه على بعض فيركمه جَمِيعًا حَتَّى يتراكبوا فَيَجْعَلهُ فِي جَهَنَّم، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: فيركمه، يرجع إِلَى الْفَرِيق الْخَبيث.

شَرِّدْ فَرِّقْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فإمَّا تثقفنهم فِي الْحَرْب فشرد بهم من خَلفهم لَعَلَّهُم يذكرُونَ} (الْأَنْفَال: 57) وَفسّر لفظ: شرد بقوله: فرق، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة،.

     وَقَالَ  الزّجاج: تفعل بهم فعلا من الْقَتْل والتفريق، قَالَ: وَهُوَ بذال مُعْجمَة ومهملة لُغَتَانِ، وَفِي التَّفْسِير: أَي نكل بهم، كَذَا فسره ابْن عُيَيْنَة،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَالضَّحَّاك وَالسُّديّ وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي: مَعْنَاهُ غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلا ليخاف من سواهُم من الْأَعْدَاء من الْعَرَب وَغَيرهم.

وإِنْ جَنَحُوا طَلَبُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَإِن جنحوا للسلم فاجنح لهاوتوكل على الله} (الْأَنْفَال: 61) وَفسّر: جنحوا، بقوله: طلبُوا،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: أَي إِن رجعُوا إِلَى المسالمة وطلبوا الصُّلْح، وَفِي التَّفْسِير: أَي وَإِن مالوا إِلَى المسالمة والمهادنة فاجنح لَهَا أَي، مل إِلَيْهَا وَاقْبَلْ مِنْهُم ذَلِك.

يُثْخِنَ يَغْلِبَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض} (الْأَنْفَال: 67) وَفسّر قَوْله: يثخن، بقوله: يغلب، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن منْجَاب بن الْحَارِث عَن بشر بن عمَارَة عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: يظْهر على الأَرْض.

وَقَالَ مجاهِدٌ مُكاءً إدْخالُ أصابِعِهِمْ فِي أفْوَاهِهِمْ: وتَصْدِيَةَ الصَّفِيرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَمَا كَانَ صلَاتهم عِنْد الْبَيْت إلاَّ مكاء وتصدية فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكفرون} (الْأَنْفَال: 35) وَفسّر: المكاء، بقوله: إِدْخَال أَصَابَهُم فِي أَفْوَاههم، قَالَه عبد الله بن عَمْرو ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو رَجَاء العطاردي وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَحجر بن عَنْبَس ونبيط بن شريط وَقَتَادَة بن زيد بن أسلم: المكاء، الصفير وَزَاد مُجَاهِد: وَكَانُوا يدْخلُونَ أَصَابِعهم فِي أَفْوَاههم، والتصدية فَسرهَا البُخَارِيّ بقوله: الصفير، وَكَذَا فَسرهَا مُجَاهِد رَوَاهُ عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَفَسرهُ أَبُو عُبَيْدَة بالتصفيق حَيْثُ قَالَ: التصدية صفق الأكف،.

     وَقَالَ  ابْن جرير بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عمر: المكاء الصفير والتصدية التصفيق،.

     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة: كَانَت قُرَيْش تَطوف بِالْبَيْتِ عُرَاة تصفر وتصفق.

لِيُثْبِتُوكَ ليَحْبِسوكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { وَإِذا يمكر بك الَّذين كفرُوا ليثبتوك أَو يَقْتُلُوك أَو يخرجوك} (الْأَنْفَال: 3) الْآيَة وَفسّر قَوْله: (ليثبتوك) بقوله: ليحبسوك، وَبِه فسر عَطاء وَابْن زيد،.

     وَقَالَ  السّديّ: الْإِثْبَات هُوَ الْحَبْس والوثاق،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَقَتَادَة: ليثبتوك ليقيدوك،.

     وَقَالَ هُ سنيد عَن حجاج عَن ابْن جريج، قَالَ عَطاء: سَمِعت عبيد بن عُمَيْر يَقُول: لما ائْتَمرُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليثبتوه أَو يقتلوه أَو يخرجوه قَالَ لَهُ عَمه أَبُو طَالب: هَل تَدْرِي مَا ائتمر بك؟ قَالَ: يُرِيدُونَ أَن يسجروني أَو يقتلوني أَو يُخْرِجُونِي، قَالَ: من خبرك بِهَذَا؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: نعم الرب رَبك اسْتَوْصِ بِهِ خيرا، قَالَ: أَنا أستوصي بِهِ؟ بل هُوَ يستوصي بِي.
وَرَوَاهُ ابْن جرير أَيْضا بِإِسْنَادِهِ إِلَى عبيد بن عُمَيْر عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة نَحوه،.

     وَقَالَ  ابْن كثير: ذكر أبي طَالب هُنَا غَرِيب جدا بل مُنكر لِأَن هَذِه الْآيَة مَدَنِيَّة ثمَّ إِن هَذِه الْقِصَّة واجتماع قُرَيْش على هَذَا الائتمار والمشاورة على الْإِثْبَات أَو النَّفْي أَو الْقَتْل إِنَّمَا كَانَ لَيْلَة الْهِجْرَة سَوَاء، وَكَانَ ذَلِك بعد موت أبي طَالب بِنَحْوِ من ثَلَاث سِنِين لما تمكنوا مِنْهُ واجترؤوا عَلَيْهِ بِسَبَب موت عَمه أبي طَالب الَّذِي كَانَ يحوطه وينصره وَيقوم بأعبائه، وَاعْلَم أَن هَذِه الْأَلْفَاظ وَقعت فِي كثير من النّسخ مُخْتَلفَة بِحَسب تَقْدِيم بَعْضهَا على بعض وَتَأْخِير بَعْضهَا عَن بعض.
إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ
هَذَا يعم جَمِيع من أشرك بِاللَّه عز وَجل من حَيْثُ الظَّاهِر وَإِن كَانَ سَبَب نُزُوله خَاصّا على مَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَن المُرَاد بهؤلاء نفر من بني عبد الدَّار من قُرَيْش،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن إِسْحَاق: هم المُنَافِقُونَ، وَأخْبر الله تَعَالَى عَنْهُم أَن هَذَا الضَّرْب من بني آدم سيء الْخلق والخليفة، فَقَالَ: إِن شَرّ الدَّوَابّ الصم أَي عَن سَماع الْحق إِلَيْكُم عَن فهمه وَلِهَذَا قَالَ: لَا يعْقلُونَ، فَهَؤُلَاءِ شَرّ الْبَريَّة لِأَن كل دَابَّة مِمَّا سواهُم مطيعة لله تَعَالَى فِيمَا خلقهَا لَهُ، وَهَؤُلَاء خلقُوا لِلْعِبَادَةِ فَكَفرُوا وَلِهَذَا شبههم بالأنعام فِي قَوْله: { أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا} (الْأَعْرَاف: 179) .