فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113]

(بابُُ قَوْلِهِ: { مَا كَانَ لِلنبيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} (الْبَقَرَة: 36)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { مَا كَانَ للنَّبِي} إِلَى آخِره قَالَ قَتَادَة: فِي هَذِه الْآيَة ذكر لنا أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: يَا نَبِي الله! إِن من آبَائِنَا من كَانَ يحسن الْجوَار ويصل الْأَرْحَام ويفك العاني ويوفي بالذمم، أَفلا تستغفر لَهُم؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بلَى.
وَالله إِنِّي لأَسْتَغْفِرَن لأبي كَمَا اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ) فَأنْزل الله: { مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا} حَتَّى بلغ { الْجَحِيم} .
.

     وَقَالَ  الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس، فِي هَذِه الْآيَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يسْتَغْفر لأمه فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك، فَقَالَ إِن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله اسْتغْفر لِأَبِيهِ فَأنْزل الله: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} (التَّوْبَة: 114).

     وَقَالَ  عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُم حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة فَلَمَّا أنزلت أَمْسكُوا عَن الاسْتِغْفَار لأمواتهم وَلم ينهوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للأحياء حَتَّى يموتوا ثمَّ أنزل الله: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ} الْآيَة.



[ قــ :4420 ... غــ :4675 ]
- ح دَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَاقِ أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِيهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْدَهُ أبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ الله بنُ أبِي جَهْلٍ وَعَبْدُ الله بنُ أبِي أُمَيَّةَ يَا أبَا طِالِبِ أتَرْغَبُ عَنْ مِلَةِ عَبْدِ الْمُطَلِبِ فَقَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ انْهَ عَنْكَ فَنَزَلَتْ: { مَا كَانَ لِلنبيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُمْ أصْحَابُ الجَحِيمِ} .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بابُُ إِذا قَالَ الْمُشرك عِنْد الْمَوْت لَا إلاه إلاَّ الله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن صَالح عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه إِلَى آخِره، بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه الْمسيب بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: لم يرو عَن الْمسيب إلاَّ ابْنه، وَفِيه رد على الْحَاكِم أبي عبد الله فِيمَا قَالَه: إِن البُخَارِيّ لم يخرج عَن أحد مِمَّن لم يرو عَنهُ إلاَّ وَاحِد، وَلَعَلَّه أَرَادَ من غير الصَّحَابَة.
وَأَبُو طَالب اسْمه: عبد منَاف، وَأَبُو جهل عَمْرو بن هِشَام المَخْزُومِي، وَعبد الله بن أبي أُميَّة المَخْزُومِي أسلم عَام الْفَتْح.
قَوْله: (أَي عَم) ، يَعْنِي: يَا عمي، حذفت يَاء الْإِضَافَة للتَّخْفِيف.
قَوْله: (أُحَاج) ، جَوَاب لِلْأَمْرِ،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَقد سَمِعت أَن الله أحيى عَمه أَبَا طَالب فَآمن من بِهِ، وروى السُّهيْلي فِي (الرَّوْض) بِسَنَدِهِ أَن الله أحيى أم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأباه فَآمَنا بِهِ.