فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]

( { سُورَةُ هُودٍ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي تَفْسِير بعض سُورَة هود، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي ( المقامات) فِيهَا آيَة مَدَنِيَّة.

     وَقَالَ  بَعضهم: آيتان.
قَالَ السّديّ: قَالَ ابْن عَبَّاس: سُورَة هود مَكِّيَّة غير قَوْله: { أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} ( هود: 114) الْآيَة.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: عَن ابْن عَبَّاس: هِيَ مَكِّيَّة مُطلقًا، وَبِه قَالَ الْحسن وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَجَابِر بن زيد وَقَتَادَة، وَعنهُ: هِيَ مَكِّيَّة إلاَّ آيَة وَاحِدَة وَهِي: { فلعلك تَارِك بعض مَا يُوحى إِلَيْك} ( هود: 12) رَوَاهُ عَنهُ عَليّ بن أبي طَلْحَة،.

     وَقَالَ  مقَاتل: مَكِّيَّة إلاَّ آيَتَيْنِ: { أقِم الصَّلَاة} الْآيَة.
{ وَأُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ} ( هود: 17) نزلت فِي ابْن سَلام وَأَصْحَابه.
وَهِي سَبْعَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسَبْعَة وَسِتُّونَ حرفا.
وَألف وَتِسْعمِائَة وَخمْس عشرَة كلمة، وَمِائَة وَثَلَاث وَعِشْرُونَ آيَة.

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ عَصِيبٌ شَدِيدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَهَذَا يَوْم عصيب} ( هود: 77) وَفَسرهُ بقوله: شَدِيد، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: فِي قَوْله: { هَذَا يَوْم عصيب} شَدِيد الْقَائِل بِهَذَا لوط، عَلَيْهِ السَّلَام، حِين جَاءَتْهُ الْمَلَائِكَة فِي صُورَة غلْمَان جرد بهم منزله وَحسب أَنهم أنَاس، فخاف عَلَيْهِم من قومه وَلم يعلم بذلك أحد فَخرجت امْرَأَته فَأخْبرت بهم قَومهَا.
فَقَالَ: { هَذَا يَوْم عصيب} أَي: شَدِيد عليّ وقصته مَشْهُورَة.

لَا جَرَمَ بَلَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لَا جرم أَنهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون} ( هود: 22) وَفَسرهُ بقوله: بل قَالَ بَعضهم: وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: لَا جرم إِن الله يعلم قَالَ: أَي: بلَى أَن الله يعلم.
قلت: الَّذِي ذكره البُخَارِيّ فِي هَذِه السُّورَة.
أَعنِي سُورَة هود.
الَّذِي نَقله لَيْسَ فِي سُورَة هود، وَإِنَّمَا هُوَ فِي سُورَة النَّحْل، وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يذكر مَا فِي سُورَة هود لِأَنَّهُ فِي صدد تَفْسِير سُورَة هود وَإِن كَانَ الْمَعْنى فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاء، وَالْعم أَن الْفراء قَالَ: لَا جرم، كلمة كَانَت فِي الأَصْل بِمَنْزِلَة لَا بُد وَلَا محَالة، فجرت على ذَلِك وَكَثُرت حَتَّى تحولت إِلَى معنى الْقسم وَصَارَت بِمَنْزِلَة حَقًا، فَلذَلِك يُجَاب عَنهُ بَالَام، كَمَا يُجَاب بهَا عَن الْقسم.
أَلا تَرَاهم يَقُولُونَ: لَا جرم لآتينك، وَيُقَال: جرم، فعل عِنْد الْبَصرِيين وَاسم عِنْد الْكُوفِيّين، فَإِذا كَانَ اسْما يكون بِمَعْنى حَقًا وَمعنى الْآيَة.
حَقًا إِنَّهُم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون، وعَلى قَول الْبَصرِيين لَا رد لقَوْل الْكفَّار: وجرم مَعْنَاهُ عِنْدهم كسب.
أَي: كسب كفرهم الخسارة فِي الْآخِرَة.

وَقَالَ غَيْرُهُ: وَحَاقَ نَزَلَ يَحِيقُ يَنْزِلُ
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس: معنى حاق فِي قَوْله: { وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون} ( هود: 8) نزل بهم وأصابهم.
قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَإِنَّمَا ذكر: يَحِيق إِشَارَة إِلَى أَنه من فعل يفعل بِفَتْح الْعين فِي الْمَاضِي وَكسرهَا فِي الْمُضَارع.

يؤسٌ فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلَئِن أذقنا الْإِنْسَان منَّا رَحْمَة ثمَّ نزعناها مِنْهُ إِنَّه ليؤوس كفور} ( هود: 9) وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن وَزنه فعول، من صِيغ الْمُبَالغَة وَأَنه مُشْتَقّ من يئست من الْيَأْس وَهُوَ انقاطع الرَّجَاء، وَفِي قَوْله: من يئست، تساهل لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من الْيَأْس كَمَا تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد الصرفية.

وَقَالَ مُجاهِدٌ تَبْتَئِسْ تَحْزَنْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن مُجَاهدًا فسر قَوْله: تبتئس: تحزن فِي قَوْله تَعَالَى: { فَلَا نبتئس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ( هود: 36) وَالْخطاب لنوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَوصل هَذَا الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد.

يَثْنُونَ صُدُروَهُمْ شَك وَامْتِرَاءٌ فِي الحَقِّ لِيسْتَخْفُوا مِنْهُ مِنَ الله إنْ اسْتَطَاعُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِلَّا أَنهم يثنون صُدُورهمْ ليستخفوا مِنْهُ} ( هود: 5) الْآيَة.
وَهُوَ تَفْسِير مُجَاهِد أَيْضا فَأَنَّهُ قَالَ: يثنون صُدُورهمْ شكا وامتراءا فِي الْحق.
قَوْله: ( يثنون صُدُورهمْ) من الثني ويعبر بِهِ عَن الشَّك فِي الْحق والإعراض عَنهُ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: يزورَّون عَن الْحق وينحرفون عَنهُ لِأَن من أقبل على الشَّيْء استقبله بصدره وَمن أزورّ عَنهُ وانحرف ثنى عَنهُ صَدره وطوى عَنهُ كشحه.
وَيُقَال: هَذِه نزلت فِي الْأَخْنَس بن شريق وَكَانَ حُلْو الْكَلَام المنظر يلقِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يحب وينطوي لَهُ على مَا يكره، وَقيل: نزلت فِي بعض الْمُنَافِقين، وَقيل: فِي بعض الْمُشْركين كَانَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، إِذا مر عَلَيْهِ يثني صَدره ويطأطىء رَأسه كَيْلا يرَاهُ، فَأخْبر الله تَعَالَى نبيه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِمَا ينطوي عَلَيْهِ صُدُورهمْ، ويثنون يكتمون مَا فِيهَا من الْعَدَاوَة.
قَوْله: ( ليستخفوا مِنْهُ) أَي: من الله.
وَقيل: من الرَّسُول، وَهُوَ من الْقُرْآن.
وَقَوله: { إِن اسْتَطَاعُوا} لَيْسَ من الْقُرْآن، والتفاسير الْمَذْكُورَة إِلَى هُنَا وَقعت فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَعند غَيره وَقعت مؤخرة وَالله أعلم وَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ عَن قريب مستقصى.

وَقَالَ أبُو مَيْسَرَةً الأوَّاه الرَّحِيمُ بِالحَبَشِيَّةِ
لم يَقع هَذَا هُنَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وَأَبُو ميسرَة ضد الميمنة واسْمه عَمْرو بن شُرَحْبِيل الْهَمدَانِي التَّابِعِيّ الْكُوفِي، روى عَنهُ مثل الشّعبِيّ وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي، وَأَشَارَ بقوله الأواه إِلَى قَوْله: { إِن إِبْرَاهِيم لحليم أَواه منيب} ( هود: 75) .

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ بَادِي الرَّأْي مَا ظَهَرَ لَنَا
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { هم أراذلنا بَادِي الرَّأْي} الْآيَة.
وَفسّر قَوْله: بَادِي الرَّأْي: بقوله: مَا ظهر لنا، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن مزِيد أَخْبرنِي مُحَمَّد بن شُعَيْب أَخْبرنِي عُثْمَان بن عَطاء عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ الجُودِيُّ جَبَلٌ بِالجَزِيرَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { واستوت على الجودي} ( هود: 44) أَي: اسْتَوَت سفينة نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على الجودي، وَهُوَ جبل بالجزيرة، تشامخت الْجبَال يَوْمئِذٍ وتطاولت وتواضع الجودي لله عز وَجل، فَلم يغرق، فأرسيت عَلَيْهِ السَّفِينَة.
وَقيل: إِن الجودي جبل بالموصل، وَقيل: بآمدوهما من الجزيرة،.

     وَقَالَ : أكْرم الله عز وَجل، ثَلَاثَة جبال بِثَلَاثَة أَنْبيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، حراء بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: والجودي بِنوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالطور بمُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.

وَقَالَ الحَسَنُ: إنَّكَ لأنْتَ الحَلِيمُ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: { إِنَّك لأَنْت الْحَلِيم الرشيد} ( هود: 87) فِي قصَّة شُعَيْب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ: إِنَّمَا قَالَ قومه ذَلِك استهزاءً بِهِ.
وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن الْمُنْذر بن شَاذان عَن زَكَرِيَّا بن عدي عَن أبي مليح عَن الْحسن.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ أقْلِعِي أمْسِكِي
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك وَيَا سَمَاء اقلعي} ( هود: 40) رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن أبي صَالح حَدثنَا مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.

وَفَارَ التَّنُّورُ نَبَعَ المَاءُ: عَصِيبٌ شَدِيدٌ لَا جَرَمَ بَلَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { حَتَّى إِذا جَاءَ أمرنَا وفار التَّنور} ( هود: 40) وَهَذَا أَيْضا رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: ( فار) ، من الْفَوْر وَهُوَ الغليان، والفوارة مَا يفور من الْقدر،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: التَّنور اسْم فَارسي مُعرب لَا تعرف لَهُ الْعَرَب اسْما غَيره، فَلذَلِك جَاءَ فِي التَّنْزِيل لأَنهم خوطبوا بِمَا عرفوه: وَاخْتلفُوا فِي مَوْضِعه.
فَقَالَ مُجَاهِد: كَانَ ذَلِك فِي نَاحيَة الْكُوفَة،.

     وَقَالَ : اتخذ نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام، السَّفِينَة فِي جَوف مَسْجِد الْكُوفَة وَكَانَ التَّنور على يَمِين الدَّاخِل مِمَّا يَلِي كشدة، وَبِه قَالَ عَليّ وزر بن حُبَيْش،.

     وَقَالَ  مقَاتل: كَانَ تنور آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِنَّمَا كَانَ بِالشَّام بِموضع يُقَال لَهُ: عين وردة، وَعَن عِكْرِمَة، كَانَ التَّنور بِالْهِنْدِ.

وَقَالَ عِكْرَمَةُ وَجْهُ الأرْضِ
أَي: قَالَ عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، التَّنور اسْم لوجه الأَرْض، وَذكروا فِيهِ سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: هَذَا.
وَالثَّانِي: اسْم لأعلى وَجه الأَرْض.
وَالثَّالِث: تنوير الصُّبْح من قَوْلهم: نور الصُّبْح تنويرا.
وَالرَّابِع: طُلُوع الشَّمْس.
وَالْخَامِس: هُوَ الْموضع الَّذِي اجْتمع فِيهِ مَاء السَّفِينَة فَإِذا فار مِنْهُ المَاء كَانَ ذَلِك عَلامَة لنوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لركوب السَّفِينَة، وَالسَّادِس: مَا ذكره البُخَارِيّ.


(بابٌُ: { أَلا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ إلاَّ حِينَ يَسْتَغْشونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (هود: 5)

وَفِي بعض النّسخ: بابُُ: { إِلَّا إِنَّهُم يثنون} وَقد ذكرنَا عَن قريب أَنه من الثني وَمَا قَالُوا فِيهِ.



[ قــ :4426 ... غــ :4681 ]
- ح دَّثنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ صَبَّاحٍ حدَّثنا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابنُ جُرَيْجٍ أخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ أنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ أَلا إنَّهُمْ يَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْها فَقَلَ أُناسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إلَى السَّمَاءِ وَأنْ يُجامِعُوا نِساءَهُمْ فَيُفْضُوا إلَى السَّماءِ فَنَزَلَ ذالِكَ فِيهِمْ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَالْحسن بن مُحَمَّد بن صباح: تَشْدِيد الْبَاء الْمُوَحدَة، أَبُو عَليّ الزَّعْفَرَانِي، مَاتَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان بَقينَ من رَمَضَان سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وحجاج هُوَ ابْن مُحَمَّد الْأَعْوَر ترمذي سكن المصيصة، وَابْن جريح هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَمُحَمّد بن عباد، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن جَعْفَر المَخْزُومِي.

قَوْله: (أَلا إِنَّهُم) ، كلمة تَنْبِيه تدل على تحقق مَا بعْدهَا.
قَوْله: (يثنوني) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْوَاو وَكسر النُّون الْأَخِيرَة، هُوَ مضارع على وزن يفعوعل وماضيه أئتوني.
عَليّ وزن افعوعل من الثني على طَرِيق الْمُبَالغَة.
كَمَا تَقول: أحلولي، للْمُبَالَغَة من الْحَلَاوَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا بِنَاء مُبَالغَة، كاعشوشب.
قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: كيعشوشب، فأحد الشَّيْئَيْنِ وَالْوَاو زائدتان لِأَنَّهُ من عشب، وقرىء بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فِي أَوله مَوضِع الْيَاء آخر الْحُرُوف.
وعَلى الْوَجْهَيْنِ لفظ: (صُدُورهمْ) مَرْفُوع بِهِ وَالْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة يثنون بِلَفْظ الْجمع الْمُذكر الْمُضَارع، وَالضَّمِير فِيهِ رَاجع إِلَى الْمُنَافِقين، وصدورهم مَنْصُوب بِهِ، وقرىء: لتئتوني، بِزِيَادَة اللَّام فِي أَوله: وتثنون أَصله تثنوين، من الثن بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد النُّون، وَهُوَ ماهش وَضعف من الْكَلَام يُرِيد مطاوعة صُدُورهمْ لِلتَّمَنِّي كَمَا يثنى النَّبَات من هشه، وَأَرَادَ ضعف إِيمَانهم وَمرض قُلُوبهم: قرىء: تثنثن من اثْنَان على وزن افعال مِنْهُ، وَلكنه همز كَمَا قيل: أبيأضت من ابياضت، وقرىء: يثنوي.
على وزن يرعوي.
قَوْله: (كَانُوا يستحيون) ، من الْحيَاء، ويروى: يستخفون، من الاستخفاء،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: كَانُوا يستحيون أَن يتخلوا فيفضوا إِلَى السَّمَاء وَأَن يجامعوا نِسَاءَهُمْ فيفضوا إِلَى السَّمَاء.
قَوْله: (أَن يتخلوا) ، أَي: أَن يقضوا الْحَاجة فِي الْخَلَاء وهم عُرَاة، وَحكى ابْن التِّين بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ حكى عَن الشَّيْخ أبي الْحسن الْقَابِسِيّ أَنه أحسن، أَي: يرقدون على حلاوة قفاهم.
قَوْله: (فيفضوا) ، من أفْضى الرجل إِلَى امْرَأَته إِذا بَاشَرَهَا، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: كَانُوا لَا يأْتونَ النِّسَاء وَلَا الْغَائِط إلاَّ وَقد تغشوا بثيابهم كَرَاهَة أَن يفضوا بفروجهم إِلَى السَّمَاء.
(فَنزل ذَلِك) أَي: قَوْله عز وَجل: { أَلا إِنَّهُم يثنون} الْآيَة.





[ قــ :447 ... غــ :468 ]
- ح دَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنَا هِشَامٌ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ وَأخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ أَلا إنهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ.

قُلْتُ يَا أَبَا العَبَّاسِ مَا تَثْنُونِي صُدُورُهُمْ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فَيَسْتَحِي أوْ يَتَخَلَّى فَيَسْتَحِي فَنَزَلَتْ: { أَلا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} .


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْفراء أبي إِسْحَاق الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بالصغير عَن هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ قاضيها عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.

قَوْله: ( وَأَخْبرنِي) ، ويروى عَن ابْن جريج.
قَالَ: وَأَخْبرنِي، فَكَأَن هَذِه الْعبارَة تدل على أَن ابْن جريج روى هَذَا عَن غير مُحَمَّد بن عباد، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: ( تثنوني) ، على وزن، تفعوعل، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، ( وصدورهم) مَرْفُوع بِهِ قلت: قَائِله مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو الْعَبَّاس كنية عبد الله بن عَبَّاس.





[ قــ :448 ... غــ :4683 ]
- (حَدثنَا الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو قَالَ قَرَأَ ابْن عَبَّاس أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ ليستخفوا مِنْهُ أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ.

     وَقَالَ  غَيره عَن ابْن عَبَّاس يستغشون يغطون رُؤْسهمْ) هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن عبد الله بن الزبير بن عِيسَى الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار قَوْله " يثنون " بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضم النُّون وَهِي الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة وَلَفظ صُدُورهمْ مَنْصُوب بِهِ قَوْله " ليستخفوا مِنْهُ " قد مر تَفْسِيره عَن قريب قَوْله ".

     وَقَالَ  غَيره " أَي غير عَمْرو بن دِينَار روى عَن ابْن عَبَّاس
(سيء بهم سَاءَ ظَنّه بقَوْمه وضاق بهم بأضيافه) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَلما جَاءَت رسلنَا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وَالَّذِي فسره البُخَارِيّ مَرْوِيّ عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس أخرجه الطَّبَرِيّ وَالضَّمِير فِي بهم يرجع إِلَى قوم لوط وَفِي الَّذِي ضَاقَ بهم يرجع إِلَى الأضياف وهم الْمَلَائِكَة الَّذين أَتَوا لوطا فِي صُورَة غلْمَان جرد فَلَمَّا نظر إِلَى حسن وُجُوههم وَطيب روائحهم أشْفق عَلَيْهِم من قومه وضاق صَدره وَعظم الْمَكْرُوه عَلَيْهِ قَوْله " وضاق بهم ذرعا " قَالَ الزّجاج يُقَال ضَاقَ زيد بأَمْره ذرعا إِذا لم يجد من الْمَكْرُوه الَّذِي أَصَابَهُ مخلصا
(بِقطع من اللَّيْل بسواد) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد الْآيَة وَفسّر الْقطع بسواد وَهُوَ مَرْوِيّ هَكَذَا عَن ابْن عَبَّاس أخرجه ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة مَعْنَاهُ بِبَعْض من اللَّيْل وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة بطَائفَة من اللَّيْل
(وَقَالَ مُجَاهِد أنيب أرجع) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب وَفسّر أنيب من الْإِنَابَة بقوله أرجع وَقد وَصله عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد بِهَذَا وَلم تقع نِسْبَة هَذَا إِلَى مُجَاهِد فِي رِوَايَة أبي ذَر وَرُبمَا يُوهم ذَلِك أَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِك وَهنا تَفْسِير أَلْفَاظ وَقعت فِي بعض النّسخ قبل بابُُ وَكَانَ عرضه على المَاء
(سجيل الشَّديد الْكَبِير: سجيل وسجين وَاللَّام وَالنُّون أختَان.

     وَقَالَ  تَمِيم بن مقبل
(ورجلة يضْربُونَ الْبيض ضاحية ... ضربا توَاصى بِهِ الْأَبْطَال سجينا)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى { وأمطرنا عَلَيْهَا حِجَارَة من سجيل منضود} وَفَسرهُ بقوله الشَّديد الْكَبِير بِالْبَاء وبالثاء الْمُثَلَّثَة أَيْضا.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة هُوَ الشَّديد من الْحِجَارَة الصلب وَاعْترض ابْن التِّين بِأَنَّهُ لَو كَانَ معنى السجيل الشَّديد الْكَبِير لما دخلت عَلَيْهِ من وَكَانَ يَقُول حِجَارَة سجيلا لِأَنَّهُ لَا يُقَال حِجَارَة من شَدِيد (قلت) يُمكن أَن يكون فِيهِ حذف تَقْدِيره وَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِم حِجَارَة كائنة من شَدِيد كَبِير يَعْنِي من حجر قوي شَدِيد صلب قَوْله " سجيل وسجين " أَرَادَ بِهِ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِاللَّامِ وَالنُّون بِمَعْنى وَاحِد قَوْله " وَاللَّام وَالنُّون أختَان " إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمَا من حُرُوف الزَّوَائِد وَأَن كلا مِنْهُمَا يقلب عَن الآخر وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بقول تَمِيم بن مقبل بن حبيب بن عَوْف بن قُتَيْبَة بن العجلان بن كَعْب بن عَامر بن صعصعة العامري الْعجْلَاني شَاعِر مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَكَانَ أَعْرَابِيًا جَافيا أحد الْغَوْر من الشُّعَرَاء المجيدين وَالْبَيْت الْمَذْكُور من جملَة قصيدته الَّتِي ذكر فِيهَا ليلى زوج أَبِيه وَكَانَ خلف عَلَيْهَا فَلَا فرق الْإِسْلَام بَينهمَا قَالَ
(طَاف الخيال بِنَا ركبا يَمَانِيا ... وَدون ليلى عواد لَو تعدينا)

(مِنْهُنَّ مَعْرُوف آيَات الْكتاب وَإِن ... نعتل تكذب ليلى بِمَا تمنينا)
إِلَى أَن قَالَ
(وعاقد التَّاج أوسام لَهُ شرف ... من سوقة النَّاس عَادَته عوادينا)

(فَإِن فِينَا صَبُوحًا إِن أريت بِهِ ... ركبا بهيا وآلاف تمانينا)

(ورجلة يضْربُونَ الْبيض ضاحية ... ضربا توَاصى بِهِ الْأَبْطَال سجينا)
وَهِي من الْبَسِيط والاستشهاد فِي قَوْله سجينا لِأَنَّهُ بِمَعْنى شَدِيدا كثيرا قَوْله " ورجلة " قَالَ الْكرْمَانِي الرجلة بِمَعْنى الرجالة ضد الفرسان (قلت) هُوَ بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْجِيم وَلَيْسَ بِمَعْنى الرجالة بل بِمَعْنى الرجل بِدُونِ التَّاء وَفِي الأَصْل الرجل جمع راجل خلاف الْفَارِس مثل صحب جمع صَاحب وَالظَّاهِر أَنه بِضَم الرَّاء وَالتَّقْدِير وَذَوي رجلة أَي رجولية وَيُقَال راجل جيد الرجلة بِالضَّمِّ يَعْنِي كَامِل فِي الرجولية.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَهُوَ بِالْجَرِّ وَقيل بِالنّصب مَعْطُوفًا على مَا قبله وَهُوَ قَوْله فَإِن فِينَا صَبُوحًا (قلت) وَلم يبين وَجه الْجَرّ وَالظَّاهِر أَن الْوَاو فِيهِ وَاو رب أَي رب ذَوي رجلة وَحكى ابْن التِّين بِالْحَاء الْمُهْملَة وَلم يبين وَجهه فَإِن صَحَّ ذَلِك فوجهه أَن يُقَال تَقْدِيره وَذَوي رحْلَة بِالضَّمِّ أَي قُوَّة وَشدَّة يُقَال نَاقَة ذَات رحْلَة أَي ذَات شدَّة وَقُوَّة على السّير وَحكى هَذَا عَن أبي عَمْرو قَوْله " الْبيض " بِكَسْر الْبَاء جمع أَبيض وَهُوَ السَّيْف وَيجوز بِفَتْح الْبَاء جمع بَيْضَة الْحَدِيد قَوْله " ضاحية " أَي فِي وَقت الضحوة أَو ظَاهِرَة قَوْله " توَاصى " أَصله تتواصى فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ ويروى تواصت بِالتَّاءِ فِي آخِره قَوْله " الْأَبْطَال " جمع بَطل وَهُوَ الشجاع قَوْله " سجينا " بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْجِيم.

     وَقَالَ  الْحسن بن المظفر النَّيْسَابُورِي كَأَنَّهُ هُوَ فعيل من السجْن يثبت من وَقع فِيهِ فَلَا يبرح مَكَانَهُ.

     وَقَالَ  المؤرخ سجيل وسجين أَي دَائِم وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي سخينا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي سخينا حارا يَعْنِي الضَّرْب.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة السجيل بِالْفَارِسِيَّةِ سنك كل أَي حِجَارَة وطين (قلت) سنك بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وبالكاف الصماء وَهُوَ الْحجر بِالْفَارِسِيَّةِ وكل بِكَسْر الْكَاف الصماء وَسُكُون اللَّام الطين فَلَمَّا عرب كسرت السِّين لِأَن الْعَرَب إِذا اسْتعْملت لفظا أعجميا يتصرفون فِيهِ بتغيير الحركات وقلب بعض الْحُرُوف بِبَعْض وَذكروا أقوالا فِي لفظ سجيل الْمَذْكُور فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وأمطرنا عَلَيْهِم حِجَارَة من سجيل فَفِي التَّلْوِيح وَاخْتلف فِي لفظ سجيل فَقيل هُوَ دخيل وَقيل هُوَ عَرَبِيّ وَقيل هُوَ الْحِجَارَة كالمدر وَقيل حِجَارَة من سجيل طبخت بِنَار جَهَنَّم مَكْتُوب عَلَيْهَا أَسمَاء الْقَوْم.

     وَقَالَ  الْحسن أَصله طين شوى.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك يَعْنِي الْآجر.

     وَقَالَ  ابْن زيد طبخ حَتَّى صَار كالآجر وَقيل اسْم للسماء الدُّنْيَا.

     وَقَالَ  عِكْرِمَة سجيل بَحر مُعَلّق فِي الْهَوَاء بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مِنْهُ نزلت الْحِجَارَة وَقيل هِيَ جبال فِي السَّمَاء وَهِي الَّتِي أَشَارَ الله عز وَجل إِلَيْهَا بقوله { وَينزل من السَّمَاء من جبال فِيهَا من برد} .

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ قيل هُوَ فعيل من قَول الْعَرَب أسجلته إِذا أَرْسلتهُ فَكَأَنَّهَا مُرْسلَة عَلَيْهِم وَقيل هُوَ من سجلت لَهُ سجلا إِذا أَعْطيته كَأَنَّهُمْ أعْطوا ذَلِك الْبلَاء وَالْعَذَاب.

     وَقَالَ  الْقَزاز سجيل عَال
(استعمركم جعلكُمْ عمارا أعمرته الدَّار فَهِيَ عمرى جَعلتهَا لَهُ) أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى { هُوَ أنشأكم من الأَرْض واستعمركم فِيهَا فاستغفروه} الْآيَة وَفَسرهُ بقوله جعلكُمْ عمارا وَهَكَذَا روى عَن مُجَاهِد قَوْله " أعمرته الدَّار " إِلَى آخِره مر فِي كتاب الْهِبَة قَوْله " جَعلتهَا لَهُ " أَي هبة وَهَذَا لم يثبت إِلَّا فِي رِوَايَة أبي ذَر (نكرهم وأنكرهم واستنكرهم وَاحِد) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى { فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم وأوجس مِنْهُم خيفة} الْآيَة أَي فَلَمَّا رأى أَيدي الْمَلَائِكَة لَا تصل إِلَى عجل حنيذ الَّذِي قدمه إِلَيْهِم حِين جَاءَ خَافَ فَقَالُوا { لَا تخف إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم لوط} وَأَشَارَ بِأَن معنى نكرهم الثلاثي الْمُجَرّد وأنكرهم الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ واستنكرهم من بابُُ الاستفعال كلهَا بِمَعْنى وَاحِد من الْإِنْكَار.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي نكرت الرجل بِالْكَسْرِ نكرا ونكورا وأنكرته كُله بِمَعْنى
(حميد مجيد كَأَنَّهُ فعيل من ماجد.
مَحْمُود من حمد) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل { رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت إِنَّه حميد مجيد} أَي أَن الله هُوَ الَّذِي يسْتَحق الْحَمد وَالْمجد وَالْمجد الشّرف يُقَال رجل ماجد إِذا كَانَ سخيا وَاسع الْعَطاء قَوْله " كَأَنَّهُ فعيل " لَيْسَ هَذَا مَحل الشَّك حَتَّى قَالَ كَأَنَّهُ فعيل أَي كَانَ وَزنه فعيل بل هُوَ على وزن فعيل من صِيغَة ماجد وَحميد بِمَعْنى مَحْمُود قَوْله " من حمد " أَي أَخذ حميد من حمد على صِيغَة الْمَجْهُول.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ الْمجِيد مُبَالغَة الْمَاجِد من الْمجد وَهُوَ سَعَة الْكَرم من قَوْلهم مجدت الْمَاشِيَة إِذا صادفت رَوْضَة انفا وأمجدها الرَّاعِي وَقيل الْمجِيد بِمَعْنى الْعَظِيم الرفيع الْقدر
(إجرامي هُوَ مصدر من أجرمت وَبَعْضهمْ يَقُول جرمت) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل { قل إِن افتريته فعلي إجرامي وَأَنا برىء مِمَّا تجرمون} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وإجرامي بِلَفْظ الْمصدر وَالْجمع كَقَوْلِه { وَالله يعلم إسرارهم} وينصر الْجمع أَن فسروه بآثامي وَالْمعْنَى إِن صَحَّ وَثَبت أَنِّي افتريته فعلي عُقُوبَة إجرامي أَي افترائي وَيُقَال الإجرام اكْتِسَاب السَّيئَة يُقَال أجرم فَهُوَ مجرم قَوْله " وَبَعْضهمْ " يَقُول جرمت يَعْنِي من صِيغَة الثلاثي الْمُجَرّد وَهُوَ قَول أبي عُبَيْدَة وجرمت بِمَعْنى كسبت
(الْفلك والفلك وَاحِد وَهِي السَّفِينَة والسفن) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى { واصنع الْفلك بأعيننا} وَأَشَارَ بِأَن الْفلك يُطلق على الْوَاحِد وعَلى الْجمع بِلَفْظ وَاحِد فَلذَلِك قَالَ وَهِي السَّفِينَة والسفن أَي الْفلك إِذا أطلق على الْوَاحِد يكون الْمَعْنى السَّفِينَة وَإِذا أطلق على الْجمع يكون الْمَعْنى السفن الَّتِي هِيَ جمع سفينة وَالْفَاء فيهمَا مَضْمُومَة فضمة الْمُفْرد مثل ضمة قفل وضمة الْجمع مثل ضمة أَسد جمع أَسد
(مجْراهَا مدفعها وَهُوَ مصدر أجريت وأرسيت حبست وَيقْرَأ مرْسَاها من رست هِيَ ومجراها من جرت هِيَ ومجريها ومرسيها من فعل بهَا) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى { وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} وَفسّر مجْراهَا بِضَم الْمِيم الَّذِي هُوَ قِرَاءَة الْجُمْهُور بقوله مدفعها وَأَرَادَ بِهِ مسيرها وَعَن ابْن عَبَّاس مجْراهَا حَيْثُ تجْرِي وَمرْسَاهَا حَيْثُ ترسي قَوْله " وَهُوَ مصدر أجريت " أَرَادَ بِهِ الْمصدر الميمي والمصدر على بابُُه من أجريت إِجْرَاء قَوْله " وأرسيت حبست " أَي معنى أرسيت حبست قَوْله وَيقْرَأ مرْسَاها يَعْنِي بِفَتْح الْمِيم وَهِي قِرَاءَة الْكُوفِيّين حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص عَن عَاصِم قَوْله " من رست " أَي أَن مرْسَاها بِفَتْح الْمِيم مَأْخُوذ من رست أَي السَّفِينَة إِذا ركدت واستقرت وَكَذَلِكَ مجْراهَا بِفَتْح الْمِيم من جرت هِيَ أَي من جرت تجْرِي جَريا قَوْله " ومجريها ومرسيها " يَعْنِي تقْرَأ بِضَم الْمِيم فيهمَا وَهِي قِرَاءَة يحيى بن وثاب وَالْمعْنَى الله مجريها ومرسيها (فَالْأول) من الإجراء (وَالثَّانِي) من الإرساء قَوْله من فعل بهَا بِصِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول يرجع إِلَى الْقِرَاءَتَيْن فَفِي قِرَاءَة بِفَتْح الْمِيم بِصِيغَة الْمَعْلُوم وَفِي قِرَاءَة بِلَفْظ الْفَاعِل بِصِيغَة الْمَجْهُول (الراسيات ثابتات) ذكر هَذَا اسْتِطْرَادًا لذكر مرْسَاها لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي سُورَة هود.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى { وقدور راسيات} أَي ثابتات عِظَام
(عنيد وعنود وعاند وَاحِد هُوَ تَأْكِيد التجبر) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى { وَاتبعُوا كل جَبَّار عنيد} وَأَشَارَ بِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة مَعْنَاهَا وَاحِد وَهُوَ تَأْكِيد التجبر.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة معنى عنيد الْمعَارض الْمُخَالف
(وَيَقُول الأشهاد هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم أَلا لعنة الله على الظَّالِمين وَاحِد الأشهاد شَاهد مثل صَاحب وَأَصْحَاب) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَيَقُول الأشهاد هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا الْآيَة وَأَشَارَ إِلَى أَن الأشهاد جمع واحده شَاهد مثل أَصْحَاب واحده صَاحب.

     وَقَالَ  زيد بن أسلم الأشهاد أَرْبَعَة الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام والمؤمنون والأجناد.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك الْأَنْبِيَاء وَالرسل عَلَيْهِم السَّلَام وَعَن مُجَاهِد الْمَلَائِكَة وَعَن قَتَادَة الْخَلَائق رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم -
(بابُُ قَوْلِهِ: { وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الماءِ} (هود: 7)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَكَانَ عَرْشه على المَاء} أَي: كَانَ عَرْشه على المَاء قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَقيل لِابْنِ عَبَّاس: على أَي شَيْء كَانَ المَاء؟ قَالَ: على متن الرّيح، وَفِي وقُوف الْعَرْش على المَاء وَالْمَاء على غير تُرَاب أعظم الِاعْتِبَار لأهل الأفكار،.

     وَقَالَ  كَعْب: خلق الله ياقوتة حَمْرَاء ثمَّ نظر إِلَيْهَا بالهيبة فَصَارَت مَاء يرتعد، ثمَّ خلق الرّيح فَجعل المَاء على متنها، ثمَّ وضع الْعَرْش على المَاء.


[ قــ :449 ... غــ :4684 ]
- (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ قَالَ الله عز وَجل أنْفق أنْفق عَلَيْك.

     وَقَالَ  يَد الله ملآى لَا تغيضها نَفَقَة سحاء اللَّيْل وَالنَّهَار.

     وَقَالَ  أَرَأَيْتُم مَا أنْفق مُنْذُ خلق السَّمَاء وَالْأَرْض فَإِنَّهُ لم يغض مَا فِي يَده وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَبِيَدِهِ الْمِيزَان يخْفض وَيرْفَع) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَأَبُو الزِّنَاد بِكَسْر الزَّاي وبالنون عبد الله بن ذكْوَان والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز والْحَدِيث أخرجه فِي التَّوْحِيد أَيْضا وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير بِبَعْضِه قَوْله أنْفق عَلَيْك مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر وَفِيه مشاكلة لِأَن إِنْفَاق الله تَعَالَى لَا ينقص من خزائنه شَيْئا قَوْله يَد الله ملأى كِنَايَة عَن خزائنه الَّتِي لَا تنفد بالعطاء قَوْله لَا يغيضها بالغين وَالضَّاد المعجمتين أَي لَا ينقصها وَهُوَ لَازم ومتعد يُقَال غاض المَاء يغيض وغضته أَنا أغيضه وغاض المَاء إِذا غَار قَوْله سحاء أَي دائمة الصب والهطل بالعطاء يُقَال سح يسح فَهُوَ ساح والمؤنث سحاء وَهِي فعلاء لَا أفعل لَهَا كهطلاء وروى سَحا بِالتَّنْوِينِ على الْمصدر فَكَأَنَّهَا لشدَّة امتلائها تفيض أبدا قَوْله اللَّيْل وَالنَّهَار منصوبان على الظَّرْفِيَّة قَوْله أَرَأَيْتُم أَي أخبروني قَوْله مَا أنْفق أَي الَّذِي أنْفق من يَوْم خلق السَّمَاء وَالْأَرْض قَوْله فَإِنَّهُ أَي فَإِن الَّذِي أنْفق قَوْله لم يغض أَي لم ينقص مَا فِي يَده وَحكم هَذَا حكم المتشابهات تَأْوِيلا قَوْله " الْمِيزَان " أَي الْعدْل قَالَ الْخطابِيّ الْمِيزَان هُنَا مثل وَإِنَّمَا هُوَ قسمته بِالْعَدْلِ بَين الْخلق قَوْله " يخْفض وَيرْفَع " أَي يُوسع الرزق على من يَشَاء ويقتر كَمَا يصنعه الْوزان عِنْد الْوَزْن يرفع مرّة ويخفض أُخْرَى وأئمة السّنة على وجوب الْإِيمَان بِهَذَا وأشباهه من غير تَفْسِير بل يجْرِي على ظَاهره وَلَا يُقَال كَيفَ (اعتراك افتعلك من عروته أَي أصبته وَمِنْه يعروه واعتراني) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى أَن نقُول إِلَّا اعتراك بعض آلِهَتنَا بِسوء وَلم يثبت هَذَا هُنَا إِلَّا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده قَوْله " اعتراك افتعلك " أَرَادَ بِهِ أَنه من بابُُ الافتعال وَلَكِن قَوْله اعتراك افتعلك بكاف الْخطاب لَيْسَ باصطلاح أحد من أهل الْعُلُوم الآلية.

     وَقَالَ  بَعضهم وَإِنَّمَا يُقَال اعتراك افتعلت بتاء مثناة من فَوق وَهُوَ كَذَلِك عِنْد أبي عُبَيْدَة قلت كَذَا وَقع فِي بعض النّسخ وَالصَّوَاب أَن يُقَال اعترى افتعل فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر كَاف الْخطاب فِي الْوَزْن قَوْله " من عروته " إِشَارَة إِلَى أَن أَصله من عرا يعرو عروا وَفِي الصِّحَاح عروت الرجل أعروه عروا إِذا أَلممْت بِهِ وأتيته طَالبا فَهُوَ معرو وَفُلَان تعروه الأضياف وتعتريه أَي تغشاه قَوْله وَمِنْه يعروه واعتراني أَي وَمن هَذَا الأَصْل قَوْلهم فلَان يعروه أَي يُصِيبهُ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي أعراني هَذَا الْأَمر واعتراني تغشاني وَفِيه معنى الْإِصَابَة
(آخذ بناصيتها أَي فِي ملكه وسلطانه) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى { مَا من دَابَّة إِلَّا هُوَ آخذ بناصيتها إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم} وَتَفْسِيره بقوله أَي فِي ملكه وسلطانه تَفْسِير بِالْمَعْنَى الغائي لِأَن من أَخذ بناصيته يكون تَحت قهر الْآخِذ وَحكمه وَهَذَا التَّفْسِير بمفسره لم يثبت إِلَّا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده
(وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيبا) أَي أرسلنَا إِلَى أهل مَدين أَخَاهُم أَي من أنفسهم قَوْله " شعيبا " بدل من أَخَاهُم الَّذِي هُوَ مَنْصُوب بأرسلنا الْمُقدر وَشُعَيْب منصرف لِأَنَّهُ علم عَرَبِيّ وَلَيْسَ فِيهِ عِلّة أُخْرَى وَفِي صَحِيح ابْن حبَان أَرْبَعَة من الْعَرَب هود وَصَالح وَشُعَيْب وَنَبِيك يَا أَبَا ذَر وَكَانَ لِسَانه الْعَرَبيَّة أرْسلهُ الله إِلَى مَدين بعد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي اسْم أَبِيه أَقْوَال وَالْمَشْهُور شُعَيْب بن بويب بن مَدين بن إِبْرَاهِيم ومدين لَا ينْصَرف للعلمية والعجمة ثمَّ صَار اسْما للقبيلة ثمَّ أَن مَدين لما بنى بَلْدَة قريبَة من أَرض معَان من أَطْرَاف الشَّام مِمَّا يَلِي نَاحيَة الْحجاز سَمَّاهَا باسمه مَدين قَوْله " إِلَى مَدين " أَي إِلَى أهل مَدين لِأَن مَدين اسْم بلد فَلَا يُمكن الْإِرْسَال إِلَيْهِ وَلَا يكون الْإِرْسَال إِلَّا إِلَى أَهله فَلذَلِك قدر الْمُضَاف مثل واسأل الْقرْيَة أَي اسْأَل أهل الْقرْيَة لِأَن السُّؤَال عَن الْقرْيَة لَا يتَصَوَّر وَكَذَلِكَ قَوْله واسأل العير تَقْدِيره واسأل أَصْحَاب العير بِكَسْر الْعين الْإِبِل بأحمالها من عَار يعير إِذا سَار وَقيل هِيَ قافلة الْحمير فكثرت حَتَّى سمى بهَا كل قافلة
(وراءكم ظهريا يَقُول لم تلتفتوا إِلَيْهِ وَيُقَال إِذا لم يقْض الرجل حَاجته ظَهرت بحاجتي وجعلتني ظهريا والظهري هَهُنَا أَن تَأْخُذ مَعَك دَابَّة أَو وعَاء تستظهر بِهِ) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى واتخذتموه وراءكم ظهريا وَهَذَا أَيْضا لم يثبت إِلَّا للكشميهني وَحده وَفَسرهُ بقوله لم تلتفتوا إِلَيْهِ وَهُوَ تَفْسِير بِالْمَعْنَى الغائي لِأَن معنى قَوْله واتخذتموه وراءكم ظهريا جعلتموه وَرَاء ظهوركم وَجعل الشَّيْء وَرَاء الظّهْر كِنَايَة عَن عدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ والظهري مَنْسُوب إِلَى الظّهْر وكسرة الظَّاء من تغييرات النّسَب قَوْله وَيُقَال إِذا لم يقْض الرجل حَاجته أَي حَاجَة فلَان مثلا يُقَال لَهُ ظَهرت بهَا كَأَنَّهُ استخف بهَا وَجعلهَا بظهره أَي كَأَنَّهُ أزالها وَلم يلْتَفت إِلَيْهَا وَجعلهَا ظهريا أَي خلف ظَهره قَوْله والظهري هَهُنَا إِلَى آخِره أَن أَرَادَ بقوله هَهُنَا تَفْسِير الظهري الَّذِي فِي الْقُرْآن فَلَا يَصح ذَلِك لِأَن تَفْسِير الظهري هُوَ الَّذِي ذكره أَولا.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ معنى قَوْله تَعَالَى واتخذتموه وراءكم ظهريا نسيتموه وجعلتموه كالشيء مَنْبُوذًا وَرَاء الظّهْر لَا يعبأ بِهِ وَعَن ابْن عَبَّاس رصي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُرِيد ألقيتموه خلف ظهوركم وامتنعتم من قَتْلِي مَخَافَة قومِي وَالله أكبر وأعز من جَمِيع خلقه وَقَوله والظهري هَهُنَا إِلَى آخِره غير الْمَعْنى الَّذِي ذكره الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَة الْكَرِيمَة نعم جَاءَ الظهري أَيْضا بِهَذَا الْمَعْنى وَقد قَالَ الْجَوْهَرِي الظهري بِالْكَسْرِ الْعدة للْحَاجة إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ وَهَذَا يُؤَكد الْمَعْنى الَّذِي قَالَه وَمِنْه يُقَال بعير ظهير بَين الظهارة إِذا كَانَ قَوِيا وناقة ظهيرة قَالَه الْأَصْمَعِي قَوْله يستظهر بِهِ أَي يَسْتَعِين بِهِ أَي بالظهري وَيُقَال فلَان ظهرني على فلَان وَأَنا ظهرتك على هَذَا الْأَمر أَي عونك
(أراذلنا سقاطنا) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَمَا نرَاك اتبعك إِلَّا الَّذين هم أراذلنا بَادِي الرَّأْي وَفسّر أراذلنا بقوله سقاطنا بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْقَاف جمع سقط بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الردي الدني الخسيس وسقاطنا أَي أخساؤنا والأراذل جمع أرذل وَهُوَ الردي من كل شَيْء وَقيل جمع أرذل بِضَم الذَّال وَهُوَ جمع رذل مثل كلب وأكلب وأكالب وَالْآيَة فِي قصَّة نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام -