فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} [هود: 102]

(بابُُ قَوْلِهِ: { وكَذَلِكَ أخْذُ رَبِّكَ إذَا أخَذَ القرَى وهْيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ} (هود: 102)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَكَذَلِكَ} الْآيَة، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بابُُ قَوْله: (وَكَذَلِكَ) ، أَي: ذكر من إهلاك الْأُمَم وَأَخذهم بِالْعَذَابِ.
قَوْله: (إِذا أَخذ الْقرى) أَي: أَهلهَا، وقرى إِذا أَخذ قَوْله: (وَهِي ظالمة) حَال من الْقرى.
قَوْله: (إِن أَخذه) أَي: أَخذ الله (أَلِيم) ، أَي: وجيع شَدِيد، وَهَذَا تحذير من وخامة الذَّنب لكل أهل قَرْيَة.
الرِّفْدُ المَرْفُودُ العَوْنُ المُعِينُ رَفَدْتُهُ أعَنْتُهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وأتبعوا فِي هَذِه لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة بئس الرفد المرفود} (هود: 99) وَفسّر الرفد المرفود بقوله: العون الْمعِين، أَي: بئس العون المعان، كَذَا فسره الزَّمَخْشَرِيّ، وَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ، وَالْمَشْهُور بِلَفْظ الْمعِين على لفظ إسم الْفَاعِل، وَوَجهه أَن يُقَال: الْفَاعِل بِمَعْنى الْمَفْعُول، أَو يُقَال: مَعْنَاهُ بِذِي عون.
قَوْله: (رفدته أعنته) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن معنى الرفد العون، يُقَال: رفدت فلَانا، أَي: أعنته،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: رفدوا يَوْم الْقِيَامَة بلعنة أُخْرَى.

تَرْكَنُوا تَمِيلُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا} مَعْنَاهُ: وَلَا تميلوا، وَعَن ابْن عَبَّاس: لَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا فِي الْمحبَّة ولين الْكَلَام والعودة، وَعَن مُجَاهِد: لَا تدهنوا الظلمَة، وَعَن ابْن الْعَالِيَة: لَا ترضوا بأعمالهم، وَكَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد من طَرِيق الرّبيع بن أنس.

فَلَوْلاَ كانَ فَهَلاَّ كانَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ} (هود: 116) ثمَّ قَالَ: مَعْنَاهُ: فَهَلا كَانَ، وَهَكَذَا فسره الزَّمَخْشَرِيّ، ثمَّ قَالَ: وحكوا عَن الْخَلِيل، كل لَوْلَا فِي الْقُرْآن فمعناها: هلا إلاَّ الَّتِي فِي الصافات، وَمَا صحت هَذِه الْحِكَايَة، فَفِي غير الصافات: { لَوْلَا أَن تَدَارُكه نعْمَة من ربه لنبذ بالعراء} (الْقَلَم: 49) { وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ} (الْفَتْح: 251) { وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك لقد كدت تركن إِلَيْهِم} (الْإِسْرَاء: 74) وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: (فلولا) قَالَ: فِي حرف ابْن مَسْعُود: فَهَلا، وَكلمَة: هلا، للتحضيض.

أُتْرِفُوا هلِكُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { وَاتبع الَّذين ظلمُوا مَا أترفوا فِيهِ وَكَانُوا مجرمين} (هود: 116) وَفسّر أترفوا بقوله: أهلكوا، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمعنى الإتراف التَّنْعِيم، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنهم أهلكوا بِسَبَب هَذَا الإتراف الَّذِي أطغاهم.

وَقَالَ ابْن عَبَّاسٍ زفَيْرٌ وشَهِيقٌ صَوْتٌ شَدِيدٌ وصَوْتٌ ضَعِيفٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لَهُم فِيهَا زفير وشهيق} (هود: 106) أَي: اللَّذين شَقوا فِي النَّار زفير وشهيق،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: الزَّفِير صَوت شَدِيد، والشهيق صَوت ضَعِيف، وَفِي التَّفْسِير: الزَّفِير والشهيق من أصوات المكروبين المحزونين، وَحكي عَن أهل اللُّغَة أَن الزَّفِير بِمَنْزِلَة ابْتِدَاء صَوت الْحمار بالنهيق، والشهيق بِمَنْزِلَة آخر صَوته.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: الزَّفِير زفير الْحمار، والشهيق شهيق البغال.
وَقيل: الزَّفِير ضد الشهيق، لِأَن الشهيق رد النَّفس والزفير إِخْرَاج النَّفس، وأصل الزَّفِير الْحمل على الظّهْر، والشهيق من قَوْلهم: جبل شَاهِق،.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَالِيَة: الزَّفِير فِي الْحلق والشهيق فِي الصَّدْر.



[ قــ :4431 ... غــ :4686 ]
- ح دَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبرَنا أبُو مُعاوِيةَ حَدثنَا برَيْدُ بنُ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله لَيُمْلِي لِلظّالِمِ حَتَّى إذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: { وكَذَلِكَ أخْذُ رَبِّكَ إذَا أخَذَ القُرَى وهْيَ ظالِمَةُ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ} (هود: 102) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي: الضَّرِير، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء: ابْن عبد الله بن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وبريد هَذَا يروي عَن جده أبي بردة، وَحذف البُخَارِيّ عبد الله تَخْفِيفًا وَنسبه إِلَى جده لروايته عَنهُ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أَبَا بريد بن أبي بردة عَن أَبِيه، وَالصَّوَاب مَا ذكره هُنَا.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، وَأخرجه فِي التَّفْسِير عَن أبي كريب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي بكر بن عَليّ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن ابْن نمير.

قَوْله: (ليملي) أَي: ليمهل، من الْإِمْلَاء وَهُوَ الامهال، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: ليمهل، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد (وَلم يفلته) بِضَم الْيَاء أَي: لم يخلصه أبدا بِوَجْه لِكَثْرَة مظالمه حَتَّى الشّرك، أَو لم يخلصه مُدَّة طَوِيلَة إِن كَانَ مُؤمنا،.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّوْضِيح) : لم يفلته من أفلت رباعي أَي، لم يُؤَخِّرهُ.
قلت: لَا يُسمى هَذَا رباعياً فِي الِاصْطِلَاح وَإِنَّمَا هُوَ ثلاثي مزِيد فِيهِ.