فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} [النحل: 70]

( سُورَةُ النَّحْلِ)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة النَّحْل، روى همام عَن قَتَادَة أَنَّهَا مَدَنِيَّة، وروى سعيد عَنهُ أَولهَا مكي إِلَى قَوْله عز وَجل { الَّذين هَاجرُوا فِي الله من بَعْدَمَا ظلمُوا} ( النَّحْل: 14) وَمن هُنَا إِلَى آخرهَا مدنِي،.

     وَقَالَ  السّديّ: مَكِّيَّة إِلَّا آيَتَيْنِ: { وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ( النَّحْل: 621) .

     وَقَالَ  سُفْيَان: إِنَّهَا مَكِّيَّة،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ مَكِّيَّة إلاَّ ثَلَاث آيَات نزلت بعد قتل حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ: { وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا} ( النَّحْل: 59) الْآيَات، وَفِي رِوَايَة: هِيَ مَكِّيَّة إلاَّ ثَلَاث آيَات نزلت بَين مَكَّة وَالْمَدينَة منصرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحد،.

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت بعد الْكَهْف، وَقبل سُورَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وَهِي سَبْعَة آلَاف وَسَبْعمائة وَسَبْعَة أحرف، وَأَلْفَانِ وَثَمَانمِائَة وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَمِائَة وثماني وَعِشْرُونَ آيَة.

{ بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.

رُوحُ القُدُسِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { قل نزله روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ} ( النَّحْل: 201) الْآيَة، وَفسّر: روح الْقُدس بقوله: جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ، وَكَذَا روى الطَّبَرِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، قَالَ: روح الْقُدس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وأضيف الرّوح إِلَى الْقُدس وَهُوَ الطُّهْر، كَمَا يُقَال: حَاتِم الْجُود، وَزيد الْخَيْر، وَالْمرَاد الرّوح الْقُدس،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: لِأَنَّهُ خلق من طَهَارَة، وَالروح فِي الْحَقِيقَة مَا يقوم بِهِ الْجَسَد وَتَكون بِهِ الْحَيَاة، وَقد أطلق على الْقُرْآن وَالْوَحي وَالرَّحْمَة وعَلى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله: ( نزل بِهِ الرّوح الْأمين) ، ذكره اسْتِشْهَادًا لصِحَّة هَذَا التَّأْوِيل، فَإِن المُرَاد بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، اتِّفَاقًا وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى رد مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: روح الْقُدس، الِاسْم الَّذِي كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، يحيي بِهِ الْمَوْتَى، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد ضَعِيف.
قَوْله: قَوْله: ( الْأمين) ، وصف جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَنَّهُ كَانَ أَمينا فِيمَا استودع من الرسَالَة إِلَى الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام.

{ فِي ضَيْقٍ يُقالُ أمْرٌ ضَيْقٌ وضَيِّقٌ مِثْلُ هَيِّنٍ ولَيِّنٍ ولَيِّنٍ وَمَيْتٍ ومَيِّتٍ} ( النَّحْل: 721)

أَشَارَ بقوله فِي ضيق إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا يمكرون} وَأَشَارَ بقوله: بقال أَمر ضيق إِلَّا أَن فِيهِ لغتين: التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف كَمَا ذكرهَا فِي الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة، وَقَرَأَ ابْن كثير هُنَا، وَفِي النَّمْل بِكَسْر الضَّاد وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا،.

     وَقَالَ  الْفراء الضّيق بِالتَّشْدِيدِ مَا يكون فِي الَّذِي يَتَّسِع مثل الدَّار وَالثَّوْب معنى الْآيَة لَا يضيق صدرك من مَكْرهمْ.

     وَقَالَ  ( وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي تقلبهم: اخْتلَافهمْ) .

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم} فِي اخْتلَافهمْ { فَمَا هم بمعجزين} بسابقي الله تَعَالَى، وروى ذَلِك الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة، عَنهُ وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن جرير عَن الْمثنى، وَعلي بن دَاوُد حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ.
.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: مَعْنَاهُ يَأْخُذهُمْ الْعَذَاب فِي تصرفهم فِي الْأَسْفَار بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار.

وَقَالَ مُجاهدٌ تَمِيدُ تكَفَّأُ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير: تميد، فِي قَوْله تَعَالَى: { وَألقى فِي الأَرْض رواسي أَن تميد بكم} ( النَّحْل: 51) الْآيَة، تكفأ، بِالْكَاف وَتَشْديد الْفَاء وبالهمزة، وَقيل: بِضَم أَوله وَسُكُون الْكَاف، ومعى: تكفأ تقلب، وروى هَذَا التَّعْلِيق أَبُو مُحَمَّد: حَدثنَا حجاج حَدثنَا شَبابَُة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ.

مُفْرَطونَ مَنْسِيُّونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { أَن لَهُم النَّار وَإِنَّهُم مفرطون} ( النَّحْل: 26) وَفسّر مفرطون بقوله: ( منسيون) وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي عَاصِم: حَدثنَا عِيسَى عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وروى من طَرِيق سعيد بن جُبَير، قَالَ: مفرطون، أَي: متركون فِي النَّار منسيون فِيهَا، وَقَرَأَ الْجُمْهُور بتَخْفِيف الرَّاء وَفتحهَا، وَقرأَهَا نَافِع بِكَسْرِهَا، وَهُوَ من الإفراط، وَقرأَهَا أَبُو جَعْفَر بن الْقَعْقَاع بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة أَي: مقصرون فِي أَدَاء الْوَاجِب مبالغون فِي الْإِسَاءَة.

وَقَالَ غيْرُهُ: { فإِذَا قَرَأتَ القُرْآن فاسْتَعِذْ بِاللَّه} ( النَّحْل: 89) هاذَا مُقَدَّمٌ ومُؤَخرٌ وذلِكَ أنَّ الاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ القِرَاءَةِ ومَعْناها الإعْتِصامُ بِاللَّه

أَي: قَالَ غير مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه} إِن فِيهِ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، وَذَلِكَ أَن الِاسْتِعَاذَة تكون قبل الْقِرَاءَة، وَالتَّقْدِير: فَإِذا أردْت أَن تقْرَأ الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه، هَذَا على قَول الْجُمْهُور حَتَّى قَالَ صَاحب ( التَّوْضِيح) : هَذَا إِجْمَاع إلاَّ مَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة وَدَاوُد وَمَالك أَنهم قَالُوا: إِن الِاسْتِعَاذَة بعد الْقِرَاءَة، أخذا بِظَاهِر الْقُرْآن، وَقد أبعد بَعضهم هَذَا فِي موضِعين.
الأول: فِي قَوْله: المُرَاد بِالْغَيْر أَبُو عُبَيْدَة، فَإِن هَذَا كَلَامه بِعَيْنِه وَهَذَا فِيهِ خبط.
وَالثَّانِي: فِي قَوْله: وَالتَّقْدِير فَإِذا أخذت فِي الْقِرَاءَة فاستعذ، وَقيل: هُوَ على أَصله لَكِن فِيهِ إِضْمَار، أَي: إِذا أردْت الْقِرَاءَة، وَهَذَا يكَاد أَن يكون أقوى خبطاً من الأول على مَا لَا يخفى على من يتَأَمَّل فِيهِ.
قَوْله: ( وَمَعْنَاهَا) ، أَي: معنى الِاسْتِعَاذَة ( الِاعْتِصَام بِاللَّه) .

قَصْدُ السَّبِيلِ البَيانُ أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وعَلى الله قصد السَّبِيل وَمِنْهَا جَائِر وَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} ( النَّحْل: 9) وَفسّر الْقَصْد بِالْبَيَانِ وَكَذَا روى عَن ابْن عَبَّاس أخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، قيل: قصد السَّبِيل بَيَان طَرِيق الحكم لكم، وَالْقَصْد الطَّرِيق الْمُسْتَقيم، وَقيل: بَيَان الشَّرَائِع والفرائض، وَعَن ابْن الْمُبَارك: قصد السَّبِيل السّنة.
قَوْله: ( وَمِنْهَا) أَي: وَمن السَّبِيل، والتأنيث بِاعْتِبَار أَن لفظ السَّبِيل وَاحِد، وَمَعْنَاهَا: الْجمع.
قَوْله: ( جَائِر) أَي: معوج عَن الاسْتقَامَة.

الدِّفْءُ مَا اسْتَدْفَأْتَ بِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ( النَّحْل: 5) وَفسّر الدفء بقوله: ( مَا استدفأت بِهِ) يَعْنِي: من الأكسية والأبنية، قَالَ الْجَوْهَرِي: الدفء السخونة، تَقول مِنْهُ دفىء الرجل دفاء، مثل كره كَرَاهَة، وَكَذَلِكَ دفىء دفأً مثل ظمىء ظمأ، وَالِاسْم الدفء وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يدفيك، وَالْجمع الأدفاء، وَفسّر الْجَوْهَرِي: الدفء فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة بقوله: النَّفْع بنتاج الْإِبِل وَأَلْبَانهَا، وَمَا ينْتَفع بِهِ مِنْهَا، قَالَ الله تَعَالَى: { لكم فِيهَا دفء} .

تُرِيحُونَ بالعَشيِّ وتَسْرَحُونَ بالغَدَاةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلكم فِيهَا جمال حِين تريحون وَحين تسرحون} ( النَّحْل: 6) وَفسّر: تريحون بالْعَشي، وتسرحون بِالْغَدَاةِ وَفِي التَّفْسِير، أَي: تردونها إِلَى مراجها وَهِي حَيْثُ تأوى إِلَيْهِ، وَحين تسرحون ترسلونها بِالْغَدَاةِ إِلَى مراعيها،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: وَأحسن مَا يكون إِذا راحت عظاماً ضروعها، طوَالًا أسنمتها.

بِشِقِّ يعْنِي المَشَقَّةَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَتحمل أثقالكم إِلَى بلد لم تَكُونُوا بالغيه إلاَّ بشق الْأَنْفس} ( النَّحْل: 7) وَفسّر الشق بالمشقة، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: { إِلَّا بشق الْأَنْفس} أَي: بِمَشَقَّة الْأَنْفس، وَقِرَاءَة الْجُمْهُور بِكَسْر الشين، وَقرأَهَا أَبُو جَعْفَر بن الْقَعْقَاع بِفَتْحِهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هما بِمَعْنى،.

     وَقَالَ  الْفراء: مَعْنَاهُمَا مُخْتَلف بِالْكَسْرِ الْمَشَقَّة وبالفتح من الشق فِي الشَّيْء كالشق فِي الْجَبَل.

عَلَى تَخَوُّفٍ تَنَقُّصٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { على تخوف} ( النَّحْل: 74) وَفَسرهُ بقوله: ( تنقص) وَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: على تخوف، قَالَ: على تنقص من أَعمالكُم، وَقيل: هُوَ تفعل من الْخَوْف.

الأنْعامِ لِعَبْرَةً وهْيَ تُؤنّثُ وتُذَكّرُ وكَذَلِكَ النَّعَمُ للأنْعامِ جَماعَةُ النَّعَمِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} ( النَّحْل: 66) قَوْله: ( لعبرة) ، أَي: لعظة.
قَوْله: ( نسقيكم) ، قرىء بِفَتْح النُّون وَضمّهَا، قيل: هما لُغَتَانِ،.

     وَقَالَ  الْكسَائي، تَقول الْعَرَب: أسقيته لَبَنًا إِذا جعلته لَهُ سقيا دَائِما، فَإِذا أَرَادوا أَنهم أَعْطوهُ شربة قَالُوا: سقيناه.
قَوْله: { مِمَّا فِي بطونه} وَلم يقل: بطونها، لِأَن الْأَنْعَام وَالنعَم وَاحِد، وَلَفظ: النعم، مُذَكّر قَالَه الْفراء، فباعتبار ذَلِك ذكّر الضَّمِير.
قَوْله: ( وَهِي) ، أَي: الْأَنْعَام تؤنث وتذكر.
قَوْله: ( وَكَذَلِكَ النعم) ، أَي: يذكر وَيُؤَنث، وَقد ذكرنَا الْآن عَن الْفراء أَن النعم مُذَكّر وَيجمع على أنعام وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم.

سَرَابِيلَ قُمُصٌ تَقِيكُمُ الحَرَّ وأمَّا سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بأْسَكُمْ فإِنّها الدُّرُوعُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَجعل لكم سرابيل تقيكم الْحر وسرابيل تقيكم بأسكم} وَفسّر سرابيل الأول: بالقمص بِضَم الْقَاف وَالْمِيم جمع قَمِيص من قطن وكتان وصوف، والسرابيل.
الثَّانِي: بالدروع.
قَوْله: ( تقيكم الْحر) أَي: تحفظكم من الْحر، وَمن الْبرد أَيْضا، وَهَذَا من بابُُ الِاكْتِفَاء.
قَوْله: ( بأسكم) أَرَادَ بِهِ شدَّة الطعْن وَالضَّرْب وَالرَّمْي.

( دخَلاً بَيْنَكُمْ كلُّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ فَهْوَ دَخَلٌ) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم} ( النَّحْل: 29) وَفسّر الدخل بقوله: ( كل شَيْء لم يَصح فَهُوَ دخل) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَكَذَلِكَ الدغل وَهُوَ الْغِشّ والخيانة.

وَقَالَ ابنْ عبَّاسٍ حَفَدَة مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفد} ( النَّحْل: 27) وَذكر أَن الحفدة من ولد الرجل هم: وَلَده وَولد وَولده، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: { بَنِينَ وحفدة} قَالَ: الْوَلَد وَولد الْوَلَد.

السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرِها والرِّزْقُ الحَسَنُ مَا أحَلَّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَمن ثَمَرَات النخيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} ( النَّحْل: 76) الْآيَة، وَبَين السكر بقوله: ( مَا حرم من ثَمَرهَا) أَي: من ثَمَر النخيل وَالْأَعْنَاب، ويروى: من ثَمَرَتهَا، ويروى: مَا حرم الله من ثَمَرهَا وَبَين الرزق الْحسن الْمَذْكُور فِي الْآيَة بقوله: والرزق الْحسن مَا أحل، أَي: الَّذِي جعل حَلَالا، ويروى: مَا أحل الله،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: قَالَ قوم: السكر الْخمر، والرزق الْحسن الدبس، وَالتَّمْر وَالزَّبِيب، قَالُوا: وَهَذَا قبل تَحْرِيم الْخمر، وَإِلَى هَذَا ذهب ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم وَالْحسن وَمُجاهد وَابْن أبي ليلى والكلبي، وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: السكر مَا حرم من ثمرتيهما، والرزق الْحسن مَا أحل من ثمرتيهما،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: أما السكر فخمور هَذِه الْأَعَاجِم، وَأما الرزق الْحسن فَهُوَ مَا تنتبذون وَمَا تخللون وتأكلون، قَالَ: وَنزلت هَذِه الْآيَة وَمَا حرمت الْخمر يومئذٍ، وَإِنَّمَا نزل تَحْرِيمهَا بعد فِي سُورَة الْمَائِدَة،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: السكر مَا شربت، والرزق الْحسن مَا أكلت، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْحَبَشَة يسمون الْخمر سكرا.

وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ أنْكاثاً هِيَ خَرْقاءُ كانَتْ إِذا أبْرَمَتْ غَزْلَها نَقَضَتْهُ
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن صَدَقَة، قَالَ الْكرْمَانِي: صَدَقَة هَذَا هُوَ ابْن الْفضل الْمروزِي، ورد عَلَيْهِ بِأَن صَدَقَة بن الْفضل الْمروزِي شيخ البُخَارِيّ يرْوى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَهَهُنَا يروي سُفْيَان عَن صَدَقَة، وَالدَّلِيل على عدم صِحَة قَوْله: إِن صَدَقَة هَذَا روى عَن السّديّ وَصدقَة بن الْفضل الْمروزِي مَا أدْرك السّديّ وَلَا أَصْحَاب السّديّ، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه عَن ابْن أبي عمر الْعَدنِي والطبري من طَرِيق الْحميدِي، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة عَن صَدَقَة عَن السّديّ قَالَ: كَانَت بِمَكَّة امْرَأَة تسمى خرقاء، فَذكر مثل مَا ذكره البُخَارِيّ، وَالظَّاهِر أَن صَدَقَة هَذَا هُوَ أَبُو الْهُذيْل روى عَن السدى قَوْله: ( وروى عَنهُ ابْن عُيَيْنَة) ، كَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي ( تَارِيخه) .
قَوْله: ( أنكاثاً) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثاً} ( النَّحْل: 29) ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَي: لَا تَكُونُوا فِي نقض الْإِيمَان كَالْمَرْأَةِ الَّتِي أنحت على غزلها بعد أَن أحكمته وأبرمته فَجَعَلته أنكاثاً، جمع نكث وَهُوَ مَا ينْكث قَتله،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير، النكث نقض الْعَهْد، وَالِاسْم النكث بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْخَيط الْخلق من صوف أَو شعر أَو وبرسمي، بِهِ لِأَنَّهُ ينْقض ثمَّ يُعَاد فتله، قَوْله: ( هِيَ خرقاء) ، الضَّمِير يرجع إِلَى تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِي تسمى خرقاء، وذكرا ( أنكاثاً) يدل عَلَيْهِ فَلَا يكون دَاخِلا فِي الْإِضْمَار قبل الذّكر وَكَانَت إِذا أحكمت غزلها نقضته، فَلذَلِك قيل: خرقاء، أَي: حمقاء، وَفِي: ( غرر التِّبْيَان) أَنَّهَا كَانَت تغزل هِيَ وجواريها من الْغَدَاة إِلَى نصف النَّهَار، ثمَّ تأمرهن فينقضن مَا غزلن جَمِيعًا، فَهَذَا كَانَ دأبها، وَالْمعْنَى: أَنَّهَا كَانَت لَا تكف عَن الْغَزل وَلَا تبقي مَا غزلت، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة، قَالَ: هُوَ مثل ضربه الله تَعَالَى لمن ينْكث عَهده،.

     وَقَالَ  مقَاتل فِي تَفْسِيره: هَذِه الْمَرْأَة قرشية اسْمهَا ريطة بنت عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تَمِيم بن مرّة وتلقب جعرانة لحمقها، وَذكر السُّهيْلي: أَنَّهَا بنت سعد بن زيد مَنَاة بن تيم بن مرّة،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: كَانَت اتَّخذت مغزلاً بِقدر ذِرَاع وسنارة مثل الإصبع وفلكة عَظِيمَة على قدرهما تغزل الْغَزل من الصُّوف والوبر وَالشعر وتأمر جواريها بذلك، وَكن يغزلن إِلَى نصف النَّهَار، ثمَّ تأمرهن بِنَقْض جَمِيع ذَلِك، فَهَذَا كَانَ دأبها.

وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ الأُمّةُ مُعَلِّمُ الخَيْرِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله} ( النَّحْل: 021) .

     وَقَالَ  عبد الله بن مَسْعُود فِي تَفْسِير الْأمة بِأَنَّهُ: معلم الْخَيْر، وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث مَسْرُوق عَن عبد الله،.

     وَقَالَ : صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَعَن مُجَاهِد: كَانَ مُؤمنا وَحده وَالنَّاس كلهم كفار، وَعَن قَتَادَة لَيْسَ من أهل دين إلاَّ ويتولونه ويرضونه، وَعَن شهر بن حَوْشَب: لَا تَخْلُو الأَرْض إلاَّ وفيهَا أَرْبَعَة عشر يدْفع الله بهم عَن أهل الأَرْض وَيخرج بركتها إلاَّ زمَان إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ كَانَ وَحده انْتهى.
وَالْأمة لَهَا معَان أخر فِي الْقُرْآن من: النَّاس وَالْجَمَاعَة وَالدّين والحين وَالْوَاحد الَّذِي يقوم مقَام جمَاعَة.

وَالْقَانِتُ المُطِيعُ
هَذَا من تَتِمَّة كَلَام ابْن مَسْعُود، فَإِنَّهُ فسر القانت فِي قَوْله: { إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا} ( النَّحْل: 021) بالمطيع، وكذكل أخرجه ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره.

أكْناناً واحِدُها كِنٌّ مِثْلُ حِمْلِ وأحْمَالٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَجعل لكم من الْجبَال أكناناً} وَفسّر قَتَادَة: أكناناً، بقوله: غيراناً من الْجبَال يسكن فِيهَا،.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ: وَاحِد الأكنان كن، بِكَسْر الْكَاف مثل حمل بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَاحِد الْأَحْمَال، والكن كل شَيْء وقى شَيْئا وستره، وَفِي بعض النّسخ وَقع هَذَا عقيب.
قَوْله: ( جمَاعَة النعم) .


(بابُُ قَوْلِهِ: { ومِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أرْذَلِ العُمُرِ} (النَّحْل: 7)

{ ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر} من رذل الرجل يرذل رذالة ورذولة، قَالَ الْجَوْهَرِي: الرذل الدون الخسيس، ورذل كل شَيْء رديه، وَكَذَلِكَ الأرذل من كل شَيْء، وأرذل الْعُمر اردؤه وأوضعه،.

     وَقَالَ  السّديّ: أرذله الخرف،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: تسعون سنة، وَعَن عَليّ: خمس وَسَبْعُونَ سنة، وَعَن مقَاتل: الْهَرم، وَعَن ابْن عَبَّاس: مَعْنَاهُ يرد إِلَى أَسْفَل الْعُمر، وَعَن عِكْرِمَة: من قَرَأَ الْقُرْآن لم يرد إِلَى أرذل الْعُمر، وروى ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره، من حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ: مائَة سنة.



[ قــ :4451 ... غــ :477 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا هارُونُ بنُ مُوساى أبُو عبْدِ الله الأعْوَرُ عنْ شُعَيْبٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْل والكَسَلِ وأرْذَلِ العُمُرِ وعَذَابِ القَبْرِ وفِتْنَةِ الدَّجَّالِ وفِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأرذل الْعُمر) .
وَشُعَيْب هُوَ ابْن الحبحاب، بالحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ والباءين الموحدتين، مر فِي كتاب الْجُمُعَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن أبي بكر بن نَافِع.

قَوْله: (من الْبُخْل) يَعْنِي فِي حُقُوق المَال، واستعاذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْبُخْل كَمَا استعاذ أَيْضا من فتْنَة الْغِنَا، وَهُوَ إِنْفَاقه فِي الْمعاصِي أَو إِنْفَاقه فِي إِسْرَاف أَو فِي بَاطِل.
قَوْله: (والكسل) هُوَ عدم انبعاث النَّفس للخير وَقلة الرَّغْبَة فِيهِ مَعَ إِمْكَانه.
قَوْله: (وأرذل الْعُمر) آخِره فِي آخر الْعُمر فِي حَال الْكبر وَالْعجز والخرف، وَجه الِاسْتِعَاذَة مِنْهُ أَن الْمَطْلُوب من الْعُمر التفكر فِي آلَاء الله ونعمائه من خلق الموجودات فيقوموا بِوَاجِب الشُّكْر بِالْقَلْبِ والجوارح والخرف الفاقد لَهما فَهُوَ كالشيء الردي الَّذِي لَا ينْتَفع بِهِ فَيَنْبَغِي أَن يستعاذ مِنْهُ.
قَوْله: (وَعَذَاب الْقَبْر) لِأَن فِيهِ الْأَهْوَال والشدائد.
قَوْله: (وفتنة الدَّجَّال) إِذْ لم تكن فتْنَة فِي الأَرْض مُنْذُ خلق الله ذُرِّيَّة آدم أعظم مِنْهَا.
قَوْله: (وفتنة الْمحيا) هُوَ مفعل من الْحَيَاة وَالْمَمَات مفعل من الْمَوْت.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو النجيب السهروردي، قدس الله، روحه: يُرِيد بفتنة الْمحيا الِابْتِلَاء مَعَ زَوَال الصَّبْر وَالرِّضَا والوقوع فِي الْآفَات والأصرار على الْفساد وَترك مُتَابعَة طَرِيق الْهدى وفتنة الْمَمَات سُؤال مُنكر وَنَكِير مَعَ الْحيرَة وَالْخَوْف.