فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} [الكهف: 54]

(سُورَةُ الكَهْفِ)
أَي: هَذَا فِي بَيَان بعض تَفْسِير سُورَة الْكَهْف، ذكر ابْن مرديه أَن ابْن عَبَّاس، وَعبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُم، قَالَا: إِنَّهَا مَكِّيَّة، وَعَن الْقُرْطُبِيّ عَن ابْن عَبَّاس: مَكِّيَّة إلاَّ قَوْله: { واصبر نَفسك} (الْكَهْف: 82) فَإِنَّهَا مَدَنِيَّة، وَفِي: { مقامات التَّنْزِيل} : فِيهَا ثَلَاث آيَات مدنيات: قَوْله: { واصبر نَفسك} ، وَقَوله: { ويسألونك عَن ذِي القرنين} (الْكَهْف: 38) ، وَهِي سِتَّة آلَاف وثلاثمائة وَسِتُّونَ حرفا، وَألف وَخَمْسمِائة وَسبع وَسَبْعُونَ كلمة، وَمِائَة وَعشر آيَات.

{ بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}

ثبتَتْ الْبَسْمَلَة للأكثرين إلاَّ لأبي ذَر فَإِنَّهَا لم تثبت.

وَقَالَ مُجاهِدٌ تَقْرِضُهُمْ تَتْرُكُهُمْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: (وَإِذا غربت تقرضهم ذَات الشمَال) (الْكَهْف: 71) وَفسّر مُجَاهِد: (تقرضهم) بقوله: (تتركهم) هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْحَنْظَلِي عَن حجاج بن حَمْزَة: حَدثنَا شَبابَُة حَدثنَا وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، فَذكره.
وَعَن ابْن عَبَّاس: تقرضهم تَدعهُمْ، وَعَن مقَاتل: تتجاوزهم أصل الْقَرْض الْقطع.

{ وكانَ لَهُ ثُمُرٌ ذَهَبٌ وفِضَّةٌ}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وفجرنا خلالهما نَهرا وَكَانَ لَهُ ثَمَر} (الْكَهْف: 33) الْآيَة، وَفسّر الثَّمر، بِضَم الثَّاء: بِالذَّهَب وَالْفِضَّة، وَهَذَا من تَتِمَّة قَول مُجَاهِد، وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره عَن ابْن جريج عَنهُ.
وَأخرج الْفراء من وَجه آخر عَن مُجَاهِد، قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن ثَمَر بِالضَّمِّ فَهُوَ المَال، وَمَا كَانَ بِالْفَتْح فَهُوَ النَّبَات.

{ وَقَالَ غَيْرُهُ جَماعَةُ الثَّمَر}
قَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ عَنى بِهِ قَتَادَة.
قلت: الَّذِي قَالَه صَاحب (التَّلْوِيح) جمَاعَة هُوَ الصَّوَاب.
قَوْله: (جمَاعَة) أَي: جُمُعَة، أَي جمع الثَّمر، بِالْفَتْح الثَّمر بِضَمَّتَيْنِ، وَقيل: إِن الثَّمَرَة تجمع على ثمار، وَالثِّمَار تجمع على ثَمَر، فَيكون الثَّمر جمع الْجمع.

{ باخِعٌ مُهْلِكٌ}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { فلعلك باخع نَفسك على آثَارهم} (الْكَهْف: 6) الْآيَة.
وَفسّر باخع، بقوله: مهلك، وَبِه فسر أَبُو عُبَيْدَة.

{ أسَفاً نَدَماً}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الحَدِيث أسفا} (الْكَهْف: 6) ، وَفسّر: أسفا بقوله: (ندماً) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَعَن قَتَادَة: أسفا حزنا، وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ الْقُرْآن.

{ الكَهْفُ الفَتْحُ فِي الجَبَلِ} أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم} (الْكَهْف: 9) وَفسّر (الْكَهْف) بقوله: (الْفَتْح فِي الْجَبَل) ، وَيُقَال: الْكَهْف الْغَار فِي الْجَبَل.

{ والرَّقيمُ الكِتابُ مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ}

اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي الرقيم، فَقيل: هُوَ الطاق فِي الْجَبَل، وَعَن ابْن عَبَّاس: هُوَ وَاد بَين أَيْلَة وَعُسْفَان، وأيلة دون فلسطين وَهُوَ الْوَادي الَّذِي فِيهِ أَصْحَاب الْكَهْف،.

     وَقَالَ  كَعْب: هُوَ قريتهم، فعلى هَذَا التَّأْوِيل من رقمة الْوَادي، وَهُوَ مَوضِع المَاء مِنْهُ، وَعَن سعيد بن جُبَير: الرقيم لوح من حِجَارَة، وَقيل: من رصاص كتبُوا فِيهِ أَسمَاء أَصْحَاب الْكَهْف وقصصهم ثمَّ وضعوه على بابُُ الْكَهْف، فعلى هَذَا الرقيم بِمَعْنى المرقوم، أَي: الْمَكْتُوب، والرقم الْخط والعلامة، والرقم الْكِتَابَة.

{ رَبَطْنا عَلَى قُلُوبِهِمْ ألْهَمْناهُمْ صَبْراً}

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وربطنا على قُلُوبهم إِذْ قَامُوا} وَفسّر: ربطنا قَوْله: ألهمناهم صبرا.
وَفِي التَّفْسِير: شددنا على قُلُوبهم بِالصبرِ وألهمناهم ذَلِك وقويناهم بِنور الْإِيمَان حَتَّى صَبَرُوا على هجران دَار قَومهمْ وفراق مَا كَانُوا فِيهِ من خفض الْعَيْش.
{ لَوْلاَ أنْ رَبَطْنا عَلَى قَلْبِها}

هَذَا فِي تَفْسِير سشورة الْقَصَص، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { وَأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا إِن كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا لتَكون من الْمُؤمنِينَ} (الْقَصَص: 01) ذكره هُنَا اسْتِطْرَادًا لِأَنَّهُ من مَادَّة: ربطنا على قُلُوبهم، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة: لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا بِالْإِيمَان.

{ شَطَطاً: إفْرَاطاً}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لن نَدْعُو من دونه إل هَا لقد قُلْنَا إِذا شططا} (الْكَهْف: 41) ، وَفسّر: (شططاً) بقوله: (إفراطاً) وَعَن ابْن عَبَّاس وَمُقَاتِل: جوراً وَعَن قَتَادَة: كذبا وأصل الشطط مُجَاوزَة الْقدر والإفراط.

الوَصِيدُ الفِناءُ جَمْعُهُ وصائِدُ ووُصُدُ ويُقالُ الوَصِيدُ البابُُ مُؤْصَدَة مُطْبَقَةٌ آصَدَ البابَُ وأوْصَدَ.


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} (الْكَهْف: 81) وَفَسرهُ (بالفناء) بِكَسْر الْفَاء وَهُوَ سَعَة أَمَام الْبيُوت، وَقيل: مَا امْتَدَّ من جوانبها.
قَوْله: (وَيُقَال الوصيد الْبابُُ) ، وَرُوِيَ كَذَلِك عَن ابْن عَبَّاس،.

     وَقَالَ هُ السّديّ أَيْضا، وَعَن عَطاء: الوصيد عتبَة الْبابُُ.
قَوْله: (مؤصدة: مطبقة) ذكره اسْتِطْرَادًا، وَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى: { إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة} (الْهمزَة: 8) يَعْنِي: إِن النَّار عَلَيْهِم أَي على الْكَافرين مؤصدة، أَي مطبقة، قَالَه الْكَلْبِيّ، واشتقاقه من آصد يوصد أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (آصد الْبابُُ) بِمد الْهمزَة أَي: أطبقه، وَكَذَلِكَ (أوصد) .

{ بَعَثْناهُمْ أحْيَيْناهُمْ}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ بعثناهم لنعلم أَي الحزبين أحصى لما لَبِثُوا أمداً} (الْكَهْف: 21) وَإِلَى قَوْله تَعَالَى أَيْضا: { وَكَذَلِكَ بعثناهم ليتساءلوا} (الْكَهْف: 91) الْآيَة، وَفِي التَّفْسِير قَوْله: (ثمَّ بعثناهم) يَعْنِي: من نومهم، وَذَلِكَ حِين تنَازع الْمُسلمُونَ الْأَولونَ أَصْحَاب الْكَهْف والمسلمون الْآخرُونَ الَّذين أَسْلمُوا حِين رَأَوْا أَصْحَاب الْكَهْف فِي قدر مُدَّة لبثهم فِي الْكَهْف، فَقَالَ الْمُسلمُونَ الْأَولونَ: مَكَثُوا فِي الْكَهْف ثَلَاثمِائَة وتسع سِنِين،.

     وَقَالَ  الْمُسلمُونَ الْآخرُونَ: بل مَكَثُوا كَذَا وَكَذَا،.

     وَقَالَ  الْآخرُونَ: الله أعلم بِمَا لَبِثُوا، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ بعثناهم لنعلم} قَوْله: (أحصى) أَي: أحفظ فِي الْعد.
قَوْله: (لما لَبِثُوا) أَي: لما مَكَثُوا فِي كهفهم نياماً.
قَوْله: (أمداً) أَي: غَايَة، وَعَن مُجَاهِد عددا، وَكَذَلِكَ بعثناهم يَعْنِي: كَمَا امتناهم فِي الْكَهْف ومنعناهم من الْوُصُول إِلَيْهِم وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزَّمَان وثيابهم من العفن، كَذَلِك بعثناهم من النومة الَّتِي تشبه الْمَوْت.

أزْكَى أكْثَرُ ويُقالُ أحَلُّ ويُقالُ أكثَرُ رَيْعاً: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ أكْلَها

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَلْينْظر أَيهَا أزكى طَعَاما} (الْكَهْف: 91) وَفسّر أزكى بقوله: أَكثر، وَكَذَا فسره عِكْرِمَة، وَأَصله من الزَّكَاة وَهِي الزِّيَادَة والنماء.
قَوْله: (وَيُقَال: أحل) ، أَي: أحل ذَبِيحَة، قَالَه ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير لِأَن عامتهم كَانُوا مجوساً وَفِيه قوم مُؤمنُونَ يخفون إِيمَانهم.
قَوْله: (وَيُقَال: أَكثر ريعاً) أَي: معنى أزكى أَكثر ريعاً، والريع الزِّيَادَة والنماء على الأَصْل، قَالَه ابْن الْأَثِير.
قَوْله: (وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أكلهَا) أَي: أزكى أكلهَا، أَي: أطيب أكلهَا، والمعاني الْمَذْكُورَة مُتَقَارِبَة.

ولَمْ تَظْلِمْ لَمْ تَنْقُصْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { كلتا الجنتين آتت أكلهَا وَلم تظلم مِنْهُ شَيْئا} (الْكَهْف: 33) وَفسّر قَوْله: (لم تظلم) بقوله: (لم تنقص) وَهَذَا من تَفْسِير ابْن عَبَّاس رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى حَدثنَا هِشَام بن يُوسُف عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس.

وَقَالَ سَعِيدٌ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ الرَّقِيمُ اللَّوْحُ مِنْ رصاصٍ كَتَبَ عامِلُهُمْ أسْماءَهُمْ ثمَّ طَرَحَهُ فِي خِزانَتِهِ

لَا يُوجد هَذَا فِي كثير من النّسخ وَمَعَ هَذَا لَو كَانَ ذكر عِنْد قَوْله: (والرقيم) الْكتاب مرقوم مَكْتُوب من الرقم لَكَانَ أوجه وَأقرب، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير، وروى هَذَا التَّعْلِيق ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ عَن أبي عبيد: حَدثنَا سُفْيَان بن حُسَيْن عَن يعلى بن مُسلم عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ إِن الْفتية طلبُوا فَلم يجدوهم، فَرفع ذَلِك إِلَى الْملك فَقَالَ: لَيَكُونن لهَؤُلَاء شَأْن، فدعى بلوح من رصاص فَكتب أَسْمَاءَهُم فِيهِ وَطَرحه فِي خزانته، قَالَ: فالرقيم هُوَ اللَّوْح الَّذِي كتبُوا فِيهِ.
{ فَضرب الله على آذانهم فَنَامُوا} هَذِه إشاءة إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فضربنا على آذانهم فِي الْكَهْف سِنِين عددا} (الْكَهْف: 11) هَذَا من فصيحات الْقُرْآن الَّتِي أقرَّت الْعَرَب بالقصور عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ، وَمَعْنَاهُ: أنمناهم وسلطنا عَلَيْهِم النّوم، كَمَا يُقَال: ضرب الله فلَانا بالفالج، أَي: ابتلاه بِهِ وأرسله عَلَيْهِ، وَقيل: مَعْنَاهُ حجبناهم عَن السّمع وسددها نُفُوذ الصَّوْت إِلَى مسامعهم، وَهَذَا وصف الْأَمْوَات والنيام.

وَقَالَ غَيْرُهُ وألَتْ تَثِلُ تَنْجُو:.

     وَقَالَ  مُجاهِدٌ مَوْئلاً مَحْرِزاً

أَي:.

     وَقَالَ  غير ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: { بل لَهُم موعد لن يَجدوا من دونه موئلاً} (الْكَهْف: 85) أَرَادَ أَن لفظ موئلاً مُشْتَقّ من: (وألت تئل) من بابُُ فعل يفعل بِفَتْح الْعين فِي الْمَاضِي وَكسرهَا فِي الْمُسْتَقْبل، وَمعنى: (تئل تنجو).

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: وأل إِلَيْهِ يئل وَألا ووؤلاً على فعول، أَي: لَجأ، والموئل الملجأ.
قَوْله: (وَقَالَ مُجَاهِد موئلاً محرزا) يَعْنِي مَعْنَاهُ: محرزا، وَعَن قَتَادَة مَعْنَاهُ ملْجأ وَرجح ابْن قُتَيْبَة هَذَا الْمَعْنى.

لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً لاَ يَعْقِلُونَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكري وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا} وَفسّر قَوْله: (لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا) بقوله: (لَا يعْقلُونَ) وَفِي التَّفْسِير وصف الله الْكَافرين بقوله: الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء.
أَي: غشاء وغفلة عَن ذكري، أَي: عَن الْإِيمَان وَالْقُرْآن لَا يَسْتَطِيعُونَ أَي: لَا يُطِيقُونَ أَن يسمعوا كتاب الله عز وَجل ويتدبرونه ويؤمنون بِهِ لغَلَبَة الشَّقَاء عَلَيْهِم، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.


(بابُُ قوْلِهِ عَزّ وجَلَّ: { وكانَ الإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (الْكَهْف: 45)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلاً} أَي: خُصُومَة فِي الْبَاطِل، نزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث وَكَانَ جداله فِي الْقُرْآن، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَقيل: فِي أبي بن خلف وَكَانَ جداله فِي الْبَعْث.



[ قــ :4468 ... غــ :4724 ]
- حدَّثنا عليُّ بن عبْدِ الله حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بن سَعْدٍ حدَّثنا أبي عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أخبرَني عليُّ بنُ حُسَيْنٍ أنَّ حُسَيْنَ بنَ علِيّ أخبرَهُ عنْ عليّ رَضِي الله عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَرَقَهُ وفاطِمَةَ قَالَ ألاَ تُصَلِّيانِ.

هَذَا الحَدِيث ذكره هُنَا مُخْتَصرا.
وَقد مضى بأتم مِنْهُ فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ تحريض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قيام اللَّيْل، وَفِي آخِره: { وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلاً} وَهَذَا هُوَ وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة وَإِن لم يذكر صَرِيحًا.

وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَدِينِيّ، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعلي بن حُسَيْن هُوَ عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، سمع أَبَاهُ وَمضى الْكَلَام فِي الحَدِيث هُنَاكَ، قَوْله: (طرقه) أَي: أَتَاهُ لَيْلًا.

رَجْماً بالغَيْبِ لَمْ يَسْتَبِنْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَيَقُولُونَ خَمْسَة سادسهم كلبهم رجماً بِالْغَيْبِ} (الْكَهْف: 22) وَفَسرهُ بقوله: (لم يستبن) وَقيل: قذفا بِالظَّنِّ من غير يَقِين وَهَذَا لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَاتبع هَوَاهُ وَكَانَ أمره فرطا} (الْكَهْف: 82) نزلت فِي عُيَيْنَة بن حُصَيْن بن بدر الْفَزارِيّ قبل أَن يسلم، قَالَه ابْن جريج، وَفسّر قَوْله: فرطا بقوله: ندماً وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد فِي قَوْله: (فرطا) أَي: ندامة، وَعَن أبي عُبَيْدَة تضييعاً وإسرافاً، وَعَن مُجَاهِد: ضيَاعًا، وَعَن السّديّ إهلاكاً.

سُرَادِقُها مِثْلُ السُّرَادِقِ والحُجْرَةِ الَّتي تُطِيفُ بالْفَساطِيطِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِنَّا اعتدنا للظالمين نَارا أحَاط بهم سرادقها} (الْكَهْف: 92) وَالضَّمِير فِي سرادقها يرجع إِلَى النَّار، وَالْمعْنَى أَن سرادق النَّار مثل السرادق، والحجرة الَّتِي تطيف أَي تحيط بالفساطيط وَهُوَ جمع فسطاط وَهِي الْخَيْمَة الْعَظِيمَة، والسرادق هُوَ الَّذِي يمد فَوق صحن الدَّار ويطيف بِهِ ويقاربه.
وَفِي التَّفْسِير عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: سرادق النَّار أَربع جدر كتف كل وَاحِدَة مسيرَة أَرْبَعِينَ سنة.
وَعَن ابْن عَبَّاس: السرادق حَائِط من نَار، وَعَن الْكَلْبِيّ: هُوَ عنق يخرج من النَّار فيحيط بالكفار كالحظيرة، وَعَن القتبي: السرادق الْحُجْرَة الَّتِي تكون حول الْفسْطَاط، وَهُوَ هُنَا دُخان مُحِيط بالكفار يَوْم الْقِيَامَة.

يُحاوِرُهُ مِنَ المُحاوَرَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَكَانَ لَهُ ثَمَر فَقَالَ لصَاحبه وَهُوَ يحاوره} (الْكَهْف: 43) الْآيَة قَوْله: (من المحاورة) يَعْنِي: لفظ (يحاوره) مُشْتَقّ من المحاورة وَهِي الْمُرَاجَعَة، وَفِي التَّفْسِير: يحاوره، أَي: يجاوبه.

لاكِنّا هُوَ الله رَبِّي أيْ لَكِنْ أَنا هُوَ الله رَبِّي ثُمَّ حَذَفَ الألِفَ وأدْغَمَ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الأخْرَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لكنَّا هُوَ الله رَبِّي وَلَا أشرك بربي أحدا} (الْكَهْف: 83) هَذَا الَّذِي ذكره هُوَ تصرف عَامَّة النَّحْوِيين، وَهُوَ حذف همزَة، أَنا طلبا للخفة لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله وإدغام إِحْدَى النونين فِي الْأُخْرَى، وَعَن الْكسَائي: فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير مجازه، لَكِن هُوَ الله رَبِّي.

{ وفَجَّرْنا خلالَهُما نَهَراً يَقُولُ بَيْنَهُما}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { كلتا الجنتين آتت أكلهَا وَلم تظلم مِنْهُ شَيْئا وفجرنا خلالهما نَهرا وَكَانَ لَهُ ثَمَر} (الْكَهْف: 33 43) الْآيَة، وَفسّر قَوْله: (خلالهما) بقوله: (بَينهمَا) وَفِي التَّفْسِير: وفجرنا خلالهما، يَعْنِي: شققنا وسطهما نَهرا، وَفِي بعض النّسخ: وَقع هَذَا مقدما، وَثَبت لأبي ذَر.

زَلَقاً لَا يَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَتُصْبِح صَعِيدا زلقاً} (الْكَهْف: 04) وَفَسرهُ بقوله: لَا تثبت فِيهِ قدم.
وَفِي التَّفْسِير { صَعِيدا زلقاً} يَعْنِي: صَعِيدا أملس لَا نَبَات عَلَيْهِ، وَعَن مُجَاهِد: رملاً هائلاً وتراباً.

هُنالِكَ الوَلايَةُ مَصْدَرُ الوَلِيِّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَمَا كَانَ منتصراً هُنَالك الْولَايَة لله الْحق} الْآيَة.
قَوْله: (الْولَايَة) ، بِفَتْح الْوَاو فِي قِرَاءَة الْجُمْهُور،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: الْولَايَة بِالْفَتْح النُّصْرَة، والتولي، وبالكسر: السُّلْطَان وَالْملك، وَقد قرىء بهما.
قَوْله: (مصدر الْوَلِيّ) ، ويروى: مصدر ولي بِدُونِ الْألف وَاللَّام، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر مصدر ولي الْمولى.
وَلَاء وَالْأول هُوَ الأصوب.
قَوْله: (هُنَالك) أَي: يَوْم الْقِيَامَة، وَفِي التَّفْسِير: هُنَالك يتولون الله تَعَالَى ويتبرؤون مِمَّا كَانُوا يعبدونه.

عُقُباً عاقِبَةٌ وعقبى وعُقْبَةٌ واحِدٌ وهْيَ الآخِرَةُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { هُوَ خير ثَوابًا وَخير عقباً} (الْكَهْف: 44) وَفسّر بقوله: (عَاقِبَة) ، ثمَّ قَالَ: (الْعَاقِبَة وعقبى وَعقبَة) بِمَعْنى وَاحِد، يُقَال: هَذَا عقب أَمر كَذَا وعقباه وعاقبته، أَي: آخِره،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: عَاقِبَة كل شَيْء آخِره.

قِبِلاً وقُبُلاً وقَبَلاً اسْتِئْنافاً

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب قُبُلاً} (الْكَهْف: 55) وقبلاً وقبلاً.
الأول: بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء، الثَّانِي: بِضَمَّتَيْنِ، وَالثَّالِث: بِفتْحَتَيْنِ، وَفسّر ذَلِك كُله بقوله: استئنافاً يَعْنِي اسْتِقْبَالًا، وَفِي التَّفْسِير: أَي عيَانًا، قَالَه ابْن عَبَّاس،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: قَالَ الْكَلْبِيّ: هُوَ السَّيْف يَوْم بدر،.

     وَقَالَ  مقَاتل: فَجْأَة، وَمن قَرَأَ بِضَمَّتَيْنِ أَرَادَ أَصْنَاف الْعَذَاب.

لِيُدْحِضُوا لِيُزِيلوا الدَّحَضُ الزَّلَقُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { ويجادل الَّذين كفرُوا بِالْبَاطِلِ ليدحضوا بِهِ الْحق} (الْكَهْف: 65) وَفسّر: ليدحضوا بقوله: (ليزيلوا) من الدخض وَهُوَ الزلق، يُقَال: دحضت رجله إِذا زلقت، وَعَن السّديّ: مَعْنَاهُ ليفسدوا، وَقيل: ليبطلوا بِهِ الْحق.
<