فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {فلما جاوزا قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} [الكهف: 63]

(بابٌُ .

     قَوْلُهُ : { فَلَمَّا جاوَزَ قَالَ لِفَتاهُ آتِنا غَدَاءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هاذَا نَصَباً} إِلَى قَوْلِهِ: { عَجَباً} (الْكَهْف: 26 36) 2.

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { فَلَمَّا جاوزا} أَي: لما جاوزا الْموضع الَّذِي نسيا فِيهِ الْحُوت قَالَ مُوسَى لفتاه يُوشَع بن نون آتنا غداءنا، يَعْنِي: طعامنا وزادنا.
قَوْله: (نصبا) ، أَي: تعباً لِأَنَّهُمَا سارا بعد مُفَارقَة الصَّخْرَة يَوْمًا وَلَيْلَة.

صُنْعاً عَمَلاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا} (الْكَهْف: 401) وَفسّر صنعا بقوله: (عملا) .
وَقَوله: هم، يرجع إِلَى { الأخسرين أعمالاً} (الْكَهْف: 301) فِي قَوْله: هَل ننبئكم فِي قَوْله: { هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَاخْتلفُوا فيهم} فَعَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: هم الرهبان والقسوس الَّذين حبسوا أنفسهم فِي الصوامع، وَعَن سعيد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَسَأَلَ عبد الله بن الكوا عليا رَضِي الله عَنهُ، عَن الأخسرين أعمالاً، قَالَ: أَنْتُم يَا أهل حروراء.
قَوْله: (يحسبون) ، أَي: يظنون.

حِوَلاً تَحَوُّلاً

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حولا} (الْكَهْف: 801) وَفسّر حولا بقوله: تحولاً، والحول مصدر مثل الصغر والعوج، وَالْمعْنَى: أَصْحَاب الْجنَّة لَا يطْلبُونَ عَن الْجنَّة تحويلاً.

إمْراً ونُكْراً دَاهِيَةً

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لقد جِئْت شَيْئا إمراً} (الْكَهْف: 17) وَقَوله: { لقد جِئْت شَيْئا نكراً} (الْكَهْف: 47) وَقد مر تفسيرهما، وفسرهما البُخَارِيّ بقوله: (داهية) .

يَنْقَضُّ يَنْقاضُ كَما تَنْقاضُ السِّنُّ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فوجدا فِيهَا جداراً يُرِيد أَن ينْقض فأقامه} (الْكَهْف: 77) وَقد مر تَفْسِيره.
قَوْله: (السن) بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون، ويروى الشين.

لَتَخِذْتَ واتَّخَذْتَ وَاحِدٌ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { قَالَ لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} (الْكَهْف: 77) قَالَ: وَذكر أَن معنى: (لتخذت واتخذت) وَاحِدًا، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ فِي رِوَايَة مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَهَا: لاتخذت، وَهِي قِرَاءَة أبي عَمْرو وَقِرَاءَة غَيره: لَا اتَّخذت.

رُحْماً منَ الرُّحْمِ وهْيَ أشَدُّ مُبالَغَةً مِنَ الرَّحْمَةِ ويُظَنُّ مِنَ الرَّحِيمِ وتُدْعَى مَكَّةُ أُمَّ رُحْمٍ أَي الرَّحْمَةُ تَنْزِلُ بِها

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما} (الْكَهْف: 18) قَوْله: من الرَّحِم، بِكَسْر الْحَاء إِلَى آخِره، من كَلَام أبي عُبَيْدَة، وَلَكِن وَقع عِنْده مُعَرفا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: (ويظن) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (أم رحم) ، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْحَاء.



[ قــ :4471 ... غــ :4727 ]
- حدَّثني قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدّثني سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرو بن دينارٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ.

قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ إنَّ نَوْفاً البَكَالِيَّ يَزْعُمُ أنَّ مُوسَى بَنى إسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى الخَضِرِ فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ الله حدّثنا أبيُّ بنُ كَعْبٍ عنْ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قامَ مُوسَى خَطِيباً فِي بَني إسْرَائِيلَ فَقِيلَ لَهُ أَي النَّاسِ أعْلَمُ قَالَ أَنا فَعَتَبَ الله عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إلَيْهِ وأوْحَى إلَيْهِ بَلَى عَبْدٌ مِنْ عبَادي بِمَجْمَع البَحْرَيْنِ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ قَالَ أيْ رَبِّ كَيْفَ السَّبِيلُ إلَيْهِ قَالَ تأخُذُ حُوتاً فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُما فَقَدْتَ الحُوتَ فاتَّبِعْهُ قَالَ فَخَرَجَ مُوساى ومعَهُ فَتاهُ يُوشَعُ بنُ نُونٍ ومَعَهُما الحُوتُ حَتّى انْتَهَيا إِلَى الصَّخْرَةِ فَنَزَلا عِنْدَها قَالَ فَوَضَعَ مُوسَى رأسَهُ فَنامَ قَالَ سُفْيانُ وَفِي حَدِيثِ غيْرِ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  وَفِي أصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقال لَها الحَياةُ لَا يُصيبُ مِنْ مائِها شَيْءٌ إلاّ حَيِيَ فأصابَ الحُوتَ مِنْ ماءِ تِلْكَ العَيْنِ قَالَ فَتَحَرَّكَ وانْسَلَّ مِنَ المِكْتَلِ فَدَخَلَ البَحْرَ كُلّما اسْتَيْقَظَ مُوسَى قَالَ لِفَتاهُ آتِنا غَدَاءَنا الآيةَ قَالَ ولمْ يَجِدِ النَّصَبَ حَتّى جاوَز مَا أُمِرَ بِهِ قَالَ لَهُ فَتاهُ يُوشَعُ بنُ نُونٍ أرَأيْتَ إذْ أوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فإِنِّي نَسيتُ الحُوتَ الآيَةَ قَالَ فَرَجَعا يَقُصَّانِ فِي آثارِهِما فَوَجَدَا فِي البَحْرِ كالطّاقِ مَمَرَّ الحُوتِ فَكانَ لِفَتاهُ عَجَباً ولِلْحُوتِ سَرَباً قَالَ فَلَمّا انْتَهَيا إلَى الصَّخْرَةِ إِذْ هُما بِرَجُلٍ مُسَجَّى بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى قَالَ وأنِّي بأرْضِكَ السّلاَمُ فَقَالَ أَنا مُوسَى قَالَ مُوسَى بَني إسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَلْ أتَّبِعُكَ عَلَى أنْ تُعَلِّمَني مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَداً قَالَ لَهُ الخَضرُ يَا مُوسَى إنّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلَّمَكَهُ الله لَا أعْلَمهُ وَأَنا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلّمَنِيهِ الله لَا تَعْلمُهُ قَالَ بَلْ أتّبِعُكَ قَالَ فإِن اتّبَعْتَنِي فَلا تَسْألْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً فانْطَلَقا يَمْشِيانِ عَلَى السَّاحِلِ فَمَرَّتْ بِهِما سَفِينَةٌ فعُرِفَ الخَضِرُ فَحَمَلُوهُمْ فِي سَفِينَتِهِمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ يَقُولُ بِغَيْرِ أجْرٍ فرَكِبا السّفِينَةَ قَالَ وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْف السّفِينَةِ فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ البَحْرَ فَقَالَ الخَضِرُ لمُوسَى مَا عِلْمُكَ وعِلْمِي وعِلْمُ الخَلاَئِقِ فِي عِلْمِ الله إلاَّ مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هاذَا العُصْفُورُ مِنقارَهُ قَالَ فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إذْ عَمَدَ الخَضِرُ إلَى قَدُومٍ فَخَرَقَ السَّفِينَةَ فَقَالَ لَهُ مُوسى قَوْمٌ حَمَلُونا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سفينَتِهِمْ فَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ الآيةَ فانْطَلَقا إِذا هُما بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمانِ فأخَذَ الخَضِرُ بِرَأسِهِ فَقَطَعَهُ قَالَ لَهُ مُوسى أقَتَلْتَ نَفْساً زكِيَّةَ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قَالَ ألَمْ أقُلْ لَكَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً إِلَى قَوْلِهِ فأبَوْا أنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدَا فِيها جِدَاراً يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ فَقَالَ بِيَدِهِ هاكَذَا فأقامَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسى إنّا دَخَلْنا هاذِهِ القَرْيَةَ فَلَمْ يُضَيِّفُونا وَلَمْ يُطْعِمُونا لوْ شِئتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْراً قَالَ هاذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدِدْنا أنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتّى يُقَصَّ عَلَيْنا مِنْ أمْرِهِما قَالَ وكانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وكانَ أمامَهم مَلِكٌ يأخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالِحَةٍ غَصْباً وأمّا الغُلاَمُ فَكانَ كافِراً..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
قَوْله: (قَالَ لفتاه آتنا غداءنا) وَهُوَ طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور قبله، وَهُوَ عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان إِلَى آخِره، وَفِيه بعض اخْتِلَاف فِي الْمَتْن بِبَعْض زِيَادَة وَبَعض نُقْصَان، وَفِيه: حَدثنِي قُتَيْبَة حَدثنِي سُفْيَان، ويروى: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا سُفْيَان، وَفِيه: عَن عَمْرو بن دِينَار، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي فِي الْبابُُ الْمُتَقَدّم: حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار.

قَوْله: (يُقَال لَهَا الْحَيَاة) ، وَهِي الْمَشْهُورَة بَين النَّاس: بِمَاء الْحَيَاة وَعين الْحَيَاة.
قَوْله: (فَلم يفجأ) ، ويروى: فَلم يفج، وَوَجهه أَن الْهمزَة تخفف فَتَصِير ألفا فتحذف بالجازم نَحْو: لم يخْش.
قَوْله: (وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ) إِلَى آخِره، وَوَافَقَهُ عَلَيْهَا عُثْمَان أَيْضا.
<