فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} [طه: 117]

(بابُُ قَوْلِهِ: { فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} (طه: 711)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { فَلَا يخرجنكما} أَي: الشَّيْطَان، وَالْخطاب لآدَم وحواء عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَوْله: (فتشقى) ، أَي: فتتعب وَيكون عيشك من كد يَمِينك بعرق جبينك، وَعَن سعيد بن جُبَير: أهبط إِلَى آدم ثَوْر وأحمر فَكَانَ يحرث عَلَيْهِ وَيمْسَح الْعرق من جَبينه، فَهُوَ الشَّقَاء الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى: { وَكَانَ حَقه أَن يَقُول: فتشقيا} ، وَلَكِن غلب الْمُذكر رُجُوعا بِهِ إِلَى آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَن تَعبه أَكثر، وَقيل: لأجل رُؤُوس الْآي.



[ قــ :4482 ... غــ :4738 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سعِيدٍ حَدثنَا أيُّوبُ بنُ النّجَّارِ عنْ يَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ عنْ أبي سَلَمَةَ ابْن عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حاجَّ مُوسأ آدمَ فَقَالَ لَهُ أنْتَ الَّذِي أخْرَجْتَ الناسَ مِنَ الجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وأشْقَيْتَهُمْ قَالَ قَالَ آدَمُ يَا مُوسَى أنْتَ الذِي اصْطَفَاكَ الله بِرِسالَتِهِ وبكَلاَمِهِ أتَلُومُنِي عَلَى أمْرٍ كَتَبَهُ الله عَليَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَني أوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى..
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبابُُ، ومطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تَأْخُذ من قَوْله: (وأشقيتهم) .

وَأَيوب بن النجار، بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْجِيم وبالراء أَبُو إِسْمَاعِيل الْحَنَفِيّ اليمامي.
قَوْله: (أَو قدره) ، شكّ من الرَّاوِي، وَعند مُسلم: (أتلومني على أَمر قدره على قبل أَن يخلقني بِأَرْبَعِينَ سنة).

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: المُرَاد بالتقدير هُنَا الْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَو فِي صحف التَّوْرَاة وألواحها، أَي: كتبه على قبل خلقي بِأَرْبَعِينَ سنة، وَقد صرح بِهَذَا فِي الرِّوَايَة الَّتِي بعد هَذِه وَهُوَ قَوْله: قَالَ: بكم وجدت الله كتب التَّوْرَاة قبل أَن أخلق؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ سنة، قَالَ: أتلومني على أَن عملت عملا كتبه الله عَليّ قبل أَن يخلقني بِأَرْبَعِينَ سنة؟ فَهَذِهِ الرِّوَايَة مصرحة بِبَيَان المُرَاد بالتقدير وَلَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ حَقِيقَة الْقدر.
فَإِن علم الله وَمَا قدره على عباده وأراده من خلقه أزلي لَا أول لَهُ (فَإِن قلت) : مَا الْمَعْنى بالتحديد الْمَذْكُور وَجَاء فِي الحَدِيث أَن الله قدر الْمَقَادِير قبل أَن يخلق الْخلق بِخَمْسِينَ ألف سنة؟ قلت: المعلومات كلهَا قد أحَاط بهَا الْعلم الْقَدِيم قبل وجود كل مَخْلُوق وَلكنه كتبهَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ زَمَانا دون زمَان فَجَائِز أَن يكون كتب مَا يجْرِي لآدَم قبل خلقه بِأَرْبَعِينَ سنة إِشَارَة إِلَى مُدَّة لبثه طيناً، فَإِنَّهُ بَقِي كَذَلِك أَرْبَعِينَ سنة، فَكَأَنَّهُ يَقُول: كتب على مَا جرى مُنْذُ سواني طيناً قبل أَن ينْفخ فيّ الرّوح وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
<