فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11]: شك، {فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة} [الحج: 11]

(بابٌُ: { ومِن النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ فإنْ أصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وإنْ أصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ على وجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا والآخِرَةَ} إِلَى قَوْلِهِ: { ذالِكَ هُوَ الضَّلاَلُ البَعِيد} (الْحَج: 11 21) 2.

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَول الله عز وَجل: { وَمن النَّاس} ... الْآيَة.
قَالَ الواحدي: روى عَطِيَّة عَن أبي سعيد قَالَ: أسلم رجل من الْيَهُود فَذهب بَصَره وَمَاله فتشاءم بِالْإِسْلَامِ، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أَقلنِي.
قَالَ: إِن الْإِسْلَام لَا يُقَال وَالْإِسْلَام يسْكب الرِّجَال كَمَا تسكب النَّار خبث الْحَدِيد، فَنزلت هَذِه الْآيَة.
وَسَيَأْتِي عَن ابْن عَبَّاس وَجه آخر.

قَوْله: (على حرف) ، أَي: طرف وَاحِد وجانب فِي الدّين لَا يدْخل فِيهِ على الثَّبَات والتمكين، والحرف مُنْتَهى الْجِسْم، وَعَن مُجَاهِد: على شكّ، وَعَن الْحسن: هُوَ الْمُنَافِق يعبد بِلِسَانِهِ دون قلبه.
قَوْله: (خيرا) ، أَي: صِحَة فِي جِسْمه وسعة فِي معيشته.
قَوْله: (اطْمَأَن بِهِ) ، أَي: أَي: رَضِي بِهِ وَأقَام عَلَيْهِ.
قَوْله: (فتْنَة) ، أَي: بلَاء فِي جِسْمه وضيقاً فِي معيشته.
قَوْله: (انْقَلب على وَجهه) ارْتَدَّ فَرجع إِلَى وَجهه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ من الْكفْر.
قَوْله: (الخسران الْمُبين) ، أَي: الضلال الظَّاهِر.
قَوْله: (الضلال الْبعيد) ، أَي: ذهب عَن الْحق ذَهَابًا بَعيدا.

شَكّ أتْرَافْناهُمْ وسَّعْناهُمْ

قَوْله: (شكّ) تَفْسِير قَوْله: حرف، وَلم يُوجد ذَلِك إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.

هَذِه من السُّورَة الَّتِي تَلِيهَا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { وَقَالَ الْمَلأ من قومه الَّذين كفرُوا وكذبوا بلقاء الْآخِرَة واتر فناهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} (الْمُؤْمِنُونَ: 33) وَلم يكن مَوْضِعه هُنَا.



[ قــ :4486 ... غــ :4742 ]
- حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ الحَارِثِ حَدثنَا يَحْيَى بنُ أبي بُكَيْرٍ حَدثنَا إسْرَائِيلُ عنْ أبي حَصِينٍ عنْ سعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ ومِنَ الناسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ قَالَ كانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ المَدِينَةَ فإنْ وَلَدَتِ امْرَأتُهُ غُلاَماً ونُتِجَتْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينٌ صالحٌ وإنْ لمْ تَلِدِ امْرَأتُهُ ولَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ هاذَا دِينُ سَوْءٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَإِبْرَاهِيم بن الْحَارِث الْكرْمَانِي سكن بَغْدَاد روى عَنهُ البُخَارِيّ حديثين أَحدهمَا هُنَا وَالْآخر فِي الْوَصَايَا، وَيحيى بن أبي بكير، وَاسم أبي بكير قيس الْكُوفِي قَاضِي كرمان، وَإِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَأَبُو حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: واسْمه عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: (كَانَ الرجل يقدم الْمَدِينَة) ، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مرْدَوَيْه: كَانَ أحدهم إِذا قدم الْمَدِينَة، وَفِي رِوَايَة جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة عَن سعيد بن جُبَير: كَانَ نَاس من الْأَعْرَاب يأْتونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يسلمُونَ.
قَوْله: (ونتجت خيلة) ، بِضَم النُّون على صِيغَة الْمَجْهُول، يُقَال: نتجت النَّاقة فَهِيَ منتوجة مثل نفست الْمَرْأَة فَهِيَ منفوسة، فَإِذا أردْت أَنَّهَا حَاضَت قلت: نفست، بِفَتْح النُّون، ونتجها أَهلهَا، وَمِنْهُم من حكى الضَّم فِي نفست فِي الثَّانِي وَالْفَتْح فِي الأول، وَزَاد الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: وَصَحَّ جِسْمه.
أخرجه ابْن أبي حَاتِم.
قَوْله: (قَالَ هَذَا دين صَالح) وَفِي رِوَايَة الْحسن.
قَالَ: لنعم الدّين هَذَا، وَفِي رِوَايَة جَعْفَر، قَالُوا: إِن ديننَا هَذَا لصالح فَتمسكُوا بِهِ.
قَوْله: (قَالَ هَذَا دين سوء) يجوز بِالصّفةِ وبالإضافة وَفِي رِوَايَة جَعْفَر: وَإِن وجدوا عَام جَدب وقحط وولاد سوء قَالُوا مَا فِي ديننَا هَذَا خير، وَفِي رِوَايَة الْعَوْفِيّ: وَإِن أَصَابَهُ وجع الْمَدِينَة وَولدت امْرَأَته جَارِيَة وتأخرت عَنهُ الصَّدَقَة أَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: وَالله مَا أصبت على دينك هَذَا إِلَّا شرا، وَفِي رِوَايَة الْحسن: فَإِن سقم جِسْمه وحبست عَنهُ الصَّدَقَة وأصابته الْحَاجة قَالَ: وَالله لَيْسَ الدّين هَذَا، مَا زلت أتعرف النُّقْصَان فِي جسمي وَمَالِي، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.