فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم)

(بابٌُ .

     قَوْلُهُ : { إنَّ الَّذِينَ جاؤُوا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسِبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النُّور: 11) 2.

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله: عز وَجل: (إِن الَّذين جاؤوا)
الْآيَة، وَاقْتصر أَبُو ذَر فِي هَذَا على قَوْله: (بابُُ إِن الَّذين جاؤوا بالإفك عصبَة مِنْكُم) ، وَغَيره سَاق الْآيَة كلهَا، أجمع الْمُفَسِّرُونَ على أَن هَذِه الْآيَة، وَمَا يتَعَلَّق بهَا بعْدهَا نزلت فِي قصَّة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَوْله: (بالإفك) أَي: بِالْكَذِبِ، وَيُقَال: الْإِفْك أَسْوَأ الْكَذِب وأقبحه مَأْخُوذ من أفك الشَّيْء إِذا قلبه عَن وَجهه، فالإفك هُوَ الحَدِيث المقلوب عَن وَجهه، وَمعنى الْقلب هُنَا أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، كَانَت تسْتَحقّ الثَّنَاء بِمَا كَانَت عَلَيْهِ من الحصانة وَشرف النّسَب لَا الْقَذْف، فَالَّذِينَ رموا بالسوء قلبوا الْأَمر عَن وَجهه فَهُوَ إفْك قَبِيح وَكذب ظَاهر.
قَوْله: (عصبَة) ، أَي: جمَاعَة، قَالَ الْفراء: الْجَمَاعَة من الْوَاحِد إِلَى الْأَرْبَعين، وَيُقَال: من الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين.
قَوْله: (مِنْكُم) ، خطاب للْمُسلمين وهم عبد الله بن أبي رَأس الْمُنَافِقين وَزيد بن رِفَاعَة وَحسان بن ثَابت ومسطح بن أَثَاثَة وَحمْنَة بنت جحش وَمن ساعدهم.
قَوْله: (لَا تحسبوه شرا لكم) ، أَي: لَا تحسبوا الْإِفْك أَو الْقَذْف أَو الْمَجِيء بالإفك أَو مَا نالكم من الْغم، وَالْخطاب للْمُؤْمِنين الَّذين ساءهم ذَلِك وخاصة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو بكر وَعَائِشَة وَصَفوَان بن الْمُعَطل { شرا لكم بل هُوَ خير لكم} لِأَن الله يَأْجُركُمْ على ذَلِك الْأجر الْعَظِيم وَتظهر براءتكم وَينزل فِيكُم ثَمَانِيَة عشر آيَة كل وَاحِدَة مِنْهَا مُسْتَقلَّة بِمَا هُوَ تَعْظِيم لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتسلية لَهُ وتبرئة لأم الْمُؤمنِينَ وتطهير لأهل الْبَيْت وتهويل لمن تكلم فِي ذَلِك.
قَوْله: (لكل امرىء مِنْهُم) ، أَي: من الَّذين جاؤوا بالإفك (مَا اكْتسب من الْإِثْم) جَزَاء مَا اجترح من الذَّنب وَالْمَعْصِيَة.
قَوْله: (الَّذِي تولى كبره) أَي: عظمه وَبَدَأَ بِهِ وَهُوَ عبد الله بن أبي، وَقيل: حسان بن ثَابت،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: حسان ومسطح وَحمْنَة هم الَّذين توَلّوا كبره ثمَّ فضى ذَلِك فِي النَّاس.

أفَّاكٌ كَذَّابٌ

أفاك على وزن فعال للْمُبَالَغَة، وَفَسرهُ بقوله: (كَذَّاب) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.



[ قــ :4493 ... غــ :4749 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، { والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَة} قالَتْ عَبْدُ الله بنُ أبَيّ ابنُ سَلُولَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَقد صرح بِهِ ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أبي نعيم شيخ البُخَارِيّ وَفِيه معمر، بِفَتْح الميمين: هُوَ ابْن رَاشد وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: (كبره) بِضَم الْكَاف وَكسرهَا أَي: كبر الْإِفْك، وَقد مر تَفْسِيره.
قَوْله: (ابْن سلول) ، بِرَفْع الابْن لِأَنَّهُ صفة لعبد الله لَا: لأبي، وسلول غير منصرف لِأَنَّهُ إسم أم عبد الله للتأنيث والعلمية، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.