فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {ولا تخزني يوم يبعثون} [الشعراء: 87]


[ قــ :43875 ... غــ :43876 ]
- ( سورَةُ الشُّعَرَاءِ)

أَي: هَذَا تَفْسِير بعض سُورَة الشُّعَرَاء.
مَكِّيَّة كلهَا إِلَّا آيَة وَاحِدَة.
{ إلاَّ الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا وانتصروا من بَعْدَمَا ظلمُوا} ( الشُّعَرَاء: 722) نزلت فِي حسان وَعبد الله بن رَوَاحَة وَكَعب بن مَالك شعراء الْأَنْصَار،.

     وَقَالَ  مقَاتل: فِيهَا من الْمدنِي آيتان: { وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} ( الشُّعَرَاء: 422) وَقَوله: { أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} ( الشُّعَرَاء: 791) وَعند السخاوي: نزلت بعد سُورَة الْوَاقِعَة، وَقبل سُورَة النَّمْل، وَهِي: مِائَتَان وَسبع وَعِشْرُونَ آيَة، وَألف ومائتان وَسبع وَتسْعُونَ كلمة، وَخَمْسَة آلَاف وَخَمْسمِائة وإثنان وَأَرْبَعُونَ حرفا.

{ بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}

ثبتَتْ لأبي ذَر
وَقَالَ مُجاِدٌ تَعْبَثُونَ تَبْنُونَ

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { أتبنون بِكُل ريع آيَة تعبثون} ( الشُّعَرَاء: 821) وَفسّر تعبثون بقوله: ( تبنون) .
وصصله الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ فِي قَوْله: { أتبنون بِكُل ريع} قَالَ: بِكُل فج ( آيَة تعبثون) ، قَالَ: بنياناً.
وَعَن ابْن عَبَّاس: بِكُل ريع بِكُل شرف، عَن قَتَادَة وَالضَّحَّاك وَمُقَاتِل والكلبي: طَرِيق، وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن عِكْرِمَة: وَاد، وَعَن مقَاتل: كَانُوا يسافرون وَلَا يَهْتَدُونَ إلاَّ بالنجوم فبنوا على الطّرق أعلاماً طوَالًا عَبَثا ليهتدوا بهَا وَكَانُوا فِي غبة مِنْهَا،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: كَانُوا يبنون بروجاً للحمامات يعبثون بهَا.
والريع الْمُرْتَفع من الأَرْض وَالْجمع ريعة بِكَسْر الرَّاء وَفتح الْيَاء، وَأما الأرياع فمفرده: ريعة، بِالْكَسْرِ والسكون.

هَضِيمٌ: يَتَفَتَّتُ إذَا مُسَّ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فِي جنَّات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم} ( الشُّعَرَاء: 741 841) وَفسّر هضيماً بقوله: ( يتفتت إِذا مس) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهَذَا قَول مُجَاهِد أَيْضا، وَقيل: هُوَ المنظم فِي وعائه قبل أَن يظْهر.

مُسَحَّرِينَ: المَسْحُورِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { قَالُوا إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} ( الشُّعَرَاء: 351 581) وَفَسرهُ بقوله: ( المسحورين) أَي: من سحر مرّة بعد مرّة من المخلوقين المعللين بِالطَّعَامِ وَالشرَاب،.

     وَقَالَ  الْفراء: أَي أَنَّك تَأْكُل الطَّعَام وتشرب الشَّرَاب وتسحر بِهِ، وَالْمعْنَى: لست بِملك إِنَّمَا أَنْت بشر مثلهَا لَا تفضلنا فِي شَيْء.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: كل من أكل فَهُوَ مسحر، وَذَلِكَ أَن لَهُ سحرًا، بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْحَاء، أَي: رئة، وَقيل: من السحر بِالْكَسْرِ.

واللَّيْكَةُ والأيْكَةُ جَمْعُ أيْكَةٍ وَهْيَ جَمْعُ شَجَرٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { كذب أصحابُ الأيكة الْمُرْسلين} ( الشُّعَرَاء: 671) والليكة، بِفَتْح اللَّام والأيكة بِفَتْح الْهمزَة.
قَالَ الْجَوْهَرِي: من قَرَأَ أَصْحَاب الأيكة فَهِيَ الغيضة، وَمن قَرَأَ: ليكة، فَهِيَ الْقرْيَة.
.

     وَقَالَ : الأيك الشّجر الْكثير الملتف الْوَاحِدَة أيكة.
قلت: قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَابْن عَامر أَصْحَاب ليكة هُنَا، وَفِي ( ص) بِغَيْر همزَة، وَالْبَاقُونَ بِالْهَمْزَةِ فيهمَا.
قَوْله: ( جمع أيكة) كَذَا فِي النّسخ وَهُوَ غير صَحِيح، وَالصَّوَاب أَن يُقَال: والليكة والأيكة مُفْرد أيك، وَيُقَال: جمعهَا أيك، وَالْعجب من بعض الشُّرَّاح حَيْثُ لم يذكر هُنَا شَيْئا بل قَالَ: الْكَلَام الأول من قَول مُجَاهِد، وَمن جمع أيكة ... الخ من كَلَام أبي عُبَيْدَة، وحاشا من مُجَاهِد وَمن أبي عُبَيْدَة أَن يَقُولَا الأيكة جمع أيكة.
قَوْله: ( وَهِي جمع شجر) ، كَذَا للأكثرين، وَعند أبي ذَر: وَهِي جمع الشّجر، وَفِي بعض النّسخ وَهِي جمَاعَة الشّجر، وعَلى كل التَّقْدِير: هَذَا فِي نفس الْأَمر تَفْسِير غيضة الَّتِي يُفَسر بهَا الأيكة، لِأَن الغيضة هِيَ جمَاعَة الشّجر، وَإِذا لم يُفَسر الأيكة بالغيضة لَا يَسْتَقِيم هَذَا الْكَلَام.
فَافْهَم فَإِنَّهُ مَوضِع التَّأَمُّل.

يَوْمِ الظُّلَّةِ أظْلاَلُ العَذَابِ إيَّاهُمْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} وَفسّر ( يَوْم الظلة) بقوله: ( إظلال الْعَذَاب إيَّاهُم) ، وَفِي التَّفْسِير معنى الظلة هُنَا: السَّحَاب الَّتِي أظلتهم.

مَوْزُونٍ مَعْلُومٍ

هَذَا غير وَاقع فِي مَحَله فَإِنَّهُ فِي سُورَة الْحجر، وَكَأَنَّهُ من جهل النَّاسِخ لعدم تَمْيِيزه، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { وأنبتنا فِيهَا من كل شَيْء مَوْزُون} ( الْحجر: 91) .

كالطَّوْدِ الجَبَلِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم} ( الشُّعَرَاء: 36) وَفسّر الطود بِالْجَبَلِ، وَوَقع هَذَا لأبي ذَر مَنْسُوبا إِلَى ابْن عَبَّاس، وَلغيره مَنْسُوبا إِلَى مُجَاهِد، وَفِي بعض النّسخ: كالطود الْجَبَل.

الشِّرْذِمَةُ طائِفَةٌ قَلِيلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} ( الشُّعَرَاء: 45) وَفسّر الشرذمة ( بطَائفَة قَليلَة) ،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: أرسل فِرْعَوْن فِي إِثْر مُوسَى لما خرج مَعَ بني إِسْرَائِيل ألف ألف وَخَمْسمِائة ألف ملك، مَعَ كل ملك ألف فَارس، وَخرج فِرْعَوْن فِي الْكُرْسِيّ الْعَظِيم فَكَانَ فِيهِ ألفا ألف فَارس.
فَإِن قلت: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أتبعه فِرْعَوْن فِي ألفي حصان سوى الْإِنَاث وَكَانَ مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سِتّمائَة ألف من بني إِسْرَائِيل، فَقَالَ فِرْعَوْن: إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ، فَكيف التَّوْفِيق بَين الْكَلَامَيْنِ؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون مُرَاد ابْن عَبَّاس: خَواص فِرْعَوْن الَّذين كَانُوا يلازمونه لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلم يذكر غَيرهم، على أَن الَّذِي ذكره الثَّعْلَبِيّ لَا يَخْلُو عَن نظر، وَقد رُوِيَ عَن عبد الله، قَالَ: كَانُوا سِتّمائَة ألف وَسبعين ألفا.

فِي السَّاجِدِينَ المُصَلِّينَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين} ( الشُّعَرَاء: 812 912) وَفسّر الساجدين بالمصلين، وَكَذَا فسره الْكَلْبِيّ،.

     وَقَالَ : الَّذِي يرى تصرفك مَعَ الْمُصَلِّين فِي أَرْكَان الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة قَائِما وَقَاعِدا وراكعاً وساجداً.
قَالَ الثَّعْلَبِيّ: هُوَ رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ كأنَّكُمْ
أَي قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { وتتخذون مصانع لَعَلَّكُمْ تخلدون} ( الشُّعَرَاء: 921) إِن معنى: لَعَلَّكُمْ كأنكم، وَقَرَأَ أبي بن كَعْب: كأنكم تخلدون، وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: { لَعَلَّكُمْ تخلدون} ، وَعَن الواحدي: كل مَا فِي الْقُرْآن: لَعَلَّ، فَهُوَ للتَّعْلِيل إلاَّ هَذَا الْحَرْف فَإِنَّهُ للتشبيه، قيل: فِي الْحصْر نظر لِأَنَّهُ قد قيل مثل ذَلِك فِي قَوْله: { لَعَلَّك باخع نَفسك} ( الشُّعَرَاء: 3) .

الرِّيعُ الأيْفاعُ مِنَ الأرْضِ وَجَمْعُهُ رِيَعَةٌ وأرْياع واحِدَ الرِّيَعَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أتبنون بِكُل ريع آيَة تعبثون} ( الشُّعَرَاء: 821) .
.

     وَقَالَ : ( الرّيع الأيفاع من الأَرْض) ، الأيفاع بِفَتْح الْهمزَة جمع يافع وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع من الأَرْض، وَمِنْه يُقَال: غُلَام يافع من أَيفع الْغُلَام أَي: ارْتَفع، وَالصَّوَاب: اليفاع من الأَرْض بِفَتْح الْيَاء وَالْفَاء وَهُوَ الْمُرْتَفع مِنْهَا، وَقد فسر الرّيع بِكَسْر الرَّاء بقوله: الايفاع واليفاع من الأَرْض،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: يُقَال: غُلَام يافع ويفع ويفعة وغلمان أيفاع ويفعة أَيْضا،.

     وَقَالَ : والريع بِالْكَسْرِ الْمُرْتَفع من الأَرْض،.

     وَقَالَ  عمَارَة: هُوَ الْجَبَل، والريع أَيْضا: الطَّرِيق.
قلت: وَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ، وَقيل: الْفَج بَين الجبلين، وَعَن مُجَاهِد: الثَّنية الصَّغِيرَة وَعَن عِكْرِمَة وادٍ، وَعَن ابْن عَبَّاس: بِكُل ريع يَعْنِي: بِكُل شرف، والريع بِالْفَتْح النَّمَاء، وَمِنْه ريع الاملاك.
قَوْله: ( وَجمعه) ، أَي: جمع الرّيع ( ريعة) بِكَسْر الرَّاء وَفتح الْيَاء كقرد وقردة.
قَوْله: ( وأرياع وَاحِد الريعة) ، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء، وَعند جمَاعَة من الْمُفَسّرين: ريع وَاحِد وَجمعه أرياع وريعة بِالتَّحْرِيكِ، وريع جمع أَيْضا واحده ريعة بِالسُّكُونِ: كعهن وعهنة.

مَصانِعَ كلُّ بِناء فَهْوَ مَصْنَعَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وتتخذون مصانع لَعَلَّكُمْ تخلدون} ( الشُّعَرَاء: 921) .

     وَقَالَ : ( كل بِنَاء فَهُوَ مصنعة) وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة، ومصنعة مُفْرد مصانع،.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة: المصانع الْقُصُور والحصون،.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق: المصانع عندنَا بلغَة الْيمن الْقُصُور العادية، وَقيل: المصانع بروج الْحمام.

فَرِهِينَ مَرِحِينَ فارِهِينَ بِمَعْناهُ ويُقالُ: فارِهِينَ حاذِقِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وتنحّون من الْجبَال بُيُوتًا فارهين} ( الشُّعَرَاء: 941) وَفَسرهُ بقوله: مرحين، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، ومرحين جمع مرح صفة مشبهة من مرح بِالْكَسْرِ مرحاً، والمرح شدَّة الْفَرح والنشاط، وَعَن ابْن عَبَّاس: أشرين، وَعَن الضَّحَّاك: كيسين، وَعَن قَتَادَة: معجبين بصنيعهم، وَعَن مُجَاهِد: شرهين، وَعَن عِكْرِمَة: ناعمين، وَعَن السّديّ: متحيرين، وَعَن ابْن زيد: أقوياء، وَعَن الْكسَائي: بطرين، وَعَن الْأَخْفَش: فرحين، وَهَكَذَا هُوَ رِوَايَة أبي ذَر،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَصَوَّبَهُ بَعضهم لقرب مخرج الْحَاء من الْهَاء وَلَيْسَ بِشَيْء.
قلت: أَرَادَ بالمصوب صَاحب ( التَّوْضِيح) ورده عَلَيْهِ لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْهَاء والحاء من حُرُوف الْحلق وَالْعرب تعاقب بَين الْحَاء وَالْهَاء مثل مدحته ومدهته.
قَوْله: ( فارهين بِمَعْنَاهُ) ، أَي: بِمَعْنى: فرهين، من قَوْله الرجل فَهُوَ فاره.
قَوْله: ( وَيُقَال: فارهين حاذقين) وَكَذَا رُوِيَ عَن عبد الله بن شَدَّاد،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: وقرىء فرهين بِالْألف: فارهين، أَي: حاذرين بنحتها، وَقيل: متحيرين لمواضع نحتها.

تَعْثَوْا هُوَ أشَدُّ الفَسادِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} ( الشُّعَرَاء: 381) وَتَفْسِيره بأشد الْفساد، تَفْسِير مصدر: تعثوا، لِأَنَّهُ من عثا فِي الأَرْض يعثو: فسد، وَكَذَلِكَ عثى بِالْكَسْرِ يعثي، فمصدر الأول عثواً ومصدر الثَّانِي عثى، فَافْهَم.

عاثَ يَعِيثُ عَيْثاً

أَرَادَ بِهَذَا أَن معنى: عاث، مثل معنى: عثى: أفسد وَلَيْسَ مُرَاده أَن تعثوا مُشْتَقّ من عاث لِأَن تعثوا معتل اللَّام نَاقص، وعاث معتل الْعين أجوف، وَمن لَهُ أدنى ملكة من التصريف يفهم هَذَا.

الجِبِلَّةُ الخَلْق جُبِلَ خُلِقَ ومِنْهُ جُبُلاً وجِبِلاً وجُبْلاً يَعْنِي الخَلْقَ قالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { والجبلة الْأَوَّلين} ( الشُّعَرَاء: 481) وفسرها بالخلق.
قَوْله: ( جبل على صِيغَة الْمَجْهُول) ، أَي: خلق مَجْهُول أَيْضا.
قَوْله: ( وَمِنْه) ، أَي: وَمن هَذَا الْبابُُ جبلا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَقَد أضلّ مِنْكُم جبلا كثيرا} ( يس: 26) .
وَفِيه قراءات شَتَّى ذكره البُخَارِيّ هُنَا ثَلَاثَة: الأولى: جبلا: بِضَمَّتَيْنِ.
الثَّانِيَة: جبلا، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْبَاء.
الثَّالِثَة: جبلا، بِضَم الْجِيم وَالْبَاء وَتَشْديد اللَّام، وَالْحَاصِل أَن قِرَاءَة نَافِع وَعَاصِم بكسرتين وَتَشْديد اللَّام.
وَقِرَاءَة أبي عَمْرو وَابْن عَامر بكسرتين وَتَخْفِيف اللَّام، وَقَرَأَ الْأَعْمَش بكسرتين وَتَخْفِيف اللَّام، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمَّتَيْنِ وَاللَّام خَفِيفَة، وقرىء فِي الشواذ بِضَمَّتَيْنِ وبالتشديد وبكسرة وَسُكُون وبكسرة وفتحة وبالتخفيف.
قَوْله: ( قَالَه ابْن عَبَّاس) وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَلم يَقع عِنْد غَيره،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا أولى فَإِن هَذَا كُله كَلَام أبي عُبَيْدَة، انْتهى.
قلت: لَيْت شعري من أَيْن الْأَوْلَوِيَّة، وَكَونه كَلَام أبي عُبَيْدَة لَا يسْتَلْزم نفي كَونه من كَلَام ابْن عَبَّاس أَيْضا.


(بابُُ: { وَلَا يُخْزِني يَوْمَ يُبْعَثُونَ} (الشُّعَرَاء: 78)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { وَلَا تخزني يَوْم يبعثون} وَلم يثبت لفظ بابُُ إلاَّ يثبت لفظ بابُُ إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده.
قَوْله: (يَوْم يبعثون) أَي: الْعباد، وَقيل: يَوْم يبْعَث الضالون، وَأبي فيهم.



[ قــ :44875 ... غــ :44876 ]
- وَقَالَ إبْرَاهيمُ بنُ طَهْمانَ عنِ ابنِ أبي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضيَ الله عنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يُري أباهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلَيْهِ الغَبَرَةُ والقَتَرَةُ.
الغَبَرَةُ هِيَ القَتَرَةُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذِه وَالَّتِي قبلهَا وَهِي قَوْله تَعَالَى: { واغفر لأبي أَنه كَانَ من الضَّالّين} (الشُّعَرَاء: 68) فِي قصَّة سُؤال إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ورؤيته أَبَاهُ على الْهَيْئَة الْمَذْكُورَة، وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء: الْهَرَوِيّ أَبُو سعيد، سكن نيسابور ثمَّ سكن مَكَّة وَمَات سنة سِتِّينَ وَمِائَة وَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَابْن أبي ذِئْب مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ذِئْب واسْمه هِشَام وَسَعِيد يروي عَن أَبِيه عَن أبي سعيد واسْمه كيسَان الْمَدِينِيّ، وَكَانَ يسكن عِنْد مَقْبرَة فنسب إِلَيْهَا.

والْحَدِيث مُعَلّق وَصله النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن حَفْص بن عبد الله عَن أَبِيه عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان إِلَى آخر الحَدِيث.

قَوْله: (يرى) ، ويروى: رأى، قَوْله: (أَبَاهُ) ، هُوَ آزر.
قَوْله: (عَلَيْهِ الغبرة) جملَة حَالية بِلَا وَاو.
قَوْله: (والقترة) ، بِفَتْح الْقَاف وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهِي سَواد كالدخان، وَهَذَا مقتبس من قَوْله تَعَالَى: { عَلَيْهَا غبرة ترهقها قترة} (عبس: 04 14) ، أَي: تصيبها قترة، وَلَا يرى أوحش من اجْتِمَاع الغبرة والسواد فِي الْوَجْه.
قَوْله: (الغبرة) ، مُبْتَدأ.
وَقَوله: هِيَ الفترة جملَة خَبره، وَهَذَا من كَلَام البُخَارِيّ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة النَّسَائِيّ، وَعَلِيهِ الغبرة والقترة، وَتَفْسِيره هَكَذَا غير طائل على مَا لَا يخفى، يفهم بِالتَّأَمُّلِ.





[ قــ :4509 ... غــ :4769 ]
- حدَّثنا إسْماعِيلُ حَدثنَا أخِي عنِ ابنِ أبي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُريِّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَلْقَى إبْرَاهِيمُ أباهُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إنَّكَ وعَدْتَني أنْ لَا تُخْزِني يَوْم يُبْعَثُونَ فَيَقُولُ الله إنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكافِرِينَ.

( انْظُر الحَدِيث 0533 وطرفه) .

هَذَا طَرِيق آخر عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة بِلَا وَاسِطَة أَبِيه، وَسَعِيد قد سمع عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة وَسمع أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة، وَذَا لَا يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، واسْمه عبد الله يروي عَن أَخِيه عبد الحميد بن أبي ذِئْب إِلَى آخِره ... والْحَدِيث قد مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام.

قَوْله: ( لَا تخزني) فَإِن قيل: إِذا أَدخل الله أَبَاهُ فِي النَّار فقد أَخْزَاهُ لقَوْله: { إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته} ( آل عمرَان: 91) وخزي الْوَالِد خزي الْوَلَد فَيلْزم الْخلف فِي الْوَعْد وَأَنه محَال، وَأجِيب: لَو لم يدْخل النَّار لزم الْخلف فِي الْوَعيد، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بقوله: حرمت الْجنَّة على الْكَافرين، وَيُجَاب أَيْضا بِأَن أَبَاهُ يمسخ إِلَى صُورَة ذيخ، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره خاء مُعْجمَة أَي: ضبع، ويلقى فِي النَّار فَلَا خزي حَيْثُ لَا تبقى لَهُ صورته الَّتِي هِيَ سَبَب الخزي، فَهُوَ عمل بالوعد والوعيد كليهمَا، وَقيل: الْوَعْد مَشْرُوط بِالْإِيمَان كَمَا أَن الاسْتِغْفَار لَهُ كَانَ عَن موعدة وعدها إِيَّاه، فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عَدو لله تَبرأ مِنْهُ.