فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب سورة الروم

( سورَةُ ألم غُلِبَتِ الرُّومُ)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الرّوم، وَهِي مَكِّيَّة وفيهَا اخْتِلَاف فِي آيَتَيْنِ، قَوْله: { وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} ( لُقْمَان: 72) فَذكر السّديّ أَنَّهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ، وَقَوله: { وَإِن الله عِنْده علم السَّاعَة} ( لُقْمَان: 43) .

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت بعد: { إِذا السَّمَاء انشقت} ( الانشقاق: 1) وَقبل العنكبوت، وَهِي سِتُّونَ آيَة، وَثَمَانمِائَة وتسع عشرَة كلمة، وَثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ حرفا، وَالروم إثنان: الأول: من ولد يافث بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ رومي بن لنطي بن يونان بن يافث، الثَّانِي: الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِم الْملك من ولد رومي بن لنطي من ولد عيص بن إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام، غلبوا على اليونانيين فَبَطل ذكر الْأَوَّلين وَغلب هَؤُلَاءِ على الْملك.
وروى الواحدي من حَدِيث الْأَعْمَش: عَن عَطِيَّة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدر ظَهرت الورم على فَارس فأعجب بذلك الْمُؤْمِنُونَ، فَنزلت { ألم غلبت الرّوم} ( الرّوم: 1 2) إِلَى أَن قَالَ: يفرح الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُور الرّوم على أهل فَارس.

{ بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
لم تثبت الْبَسْمَلَة وَلَفظ سُورَة إلاَّ لأبي ذَر.

قَالَ مُجاهِدٌ يُحْبَرُونَ: يُنَعَّمُونَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فهم فِي رَوْضَة يُحبرون} ( الرّوم: 51) وَفسّر: ( يحبرون) بقوله: ( ينعمون) .
وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْحَنْظَلِي عَن حجاج: حَدثنَا شَبابَُة حَدثنَا وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَعَن ابْن عَبَّاس: يكرمون، وَقيل: السماع فِي الْجنَّة.

فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ الله مَنْ أعْطَى عَطِيَّةٍ يَبْتَغِي أفْضَلَ مِنْهُ فَلاَ أجْرَ لَهُ فِيها

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} ( الرّوم: 93) وَهَذَا قد اخْتلف فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وطاووس وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك: هُوَ الرجل يُعْطي الرجل الْعَطِيَّة وَيهْدِي إِلَيْهِ الْهَدِيَّة ليَأْخُذ أَكثر مِنْهَا، فَهَذَا رَبًّا حَلَال لَيْسَ فِيهِ أجر وَلَا وزر فَهَذَا للنَّاس عَامَّة، وَفِي حق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حرَام عَلَيْهِ أَن يُعْطي شَيْئا فَيَأْخُذ أَكثر مِنْهُ، لقَوْله تَعَالَى: { وَلَا تمنن تستكثر} ( المدثر: 6) .
.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ: هُوَ الرجل يلتزق بِالرجلِ فيحمله ويخدمه ويسافر مَعَه فَيحمل لَهُ ربح مَاله ليجزيه، وَإِنَّمَا أعطَاهُ التمَاس عونه وَلم يرد وَجه الله تَعَالَى،.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم: هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة، كَانَ يُعْطي الرجل قرَابَته المَال يكثر بِهِ مَاله.
قَوْله: ( من أعْطى عَطِيَّة)
إِلَى آخِره، تَفْسِير قَوْله: ( فَلَا يَرْبُو) .
قَوْله: ( يَبْتَغِي) ، أَي: يطْلب أفضل مِنْهُ أَي أَكثر.
قَوْله: ( فَلَا أجر لَهُ فِيهَا) ، أَي: فِي هَذِه الْعَطِيَّة، وَلَا وزر عَلَيْهِ.

يَمْهَدُونَ: يُسَوُّونَ المَضاجِع

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَمن عمل صَالحا فلأنفسهم يمهدون} ( الرّوم: 44) وَفسّر: ( يمهدون) ، بقوله: ( يسوون الْمضَاجِع) وَكَذَا رَوَاهُ الْفرْيَابِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، أَي: يوطؤون مقار أنفسهم فِي الْقُبُور أَو فِي الْجنَّة.

الوَدْقُ: المَطَرُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فترى الودق يخرج من خلاله} ( الرّوم: 84) وَفسّر: ( الودق) ( بالمطر) وَكَذَا فسره مُجَاهِد فِيمَا روى عَنهُ ابْن أبي نجيح.

قَالَ ابنُ عَبّاسٍ: { هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ} ( الرّوم: 82) فِي الآلهَةِ وفِيهِ تَخاوفُونَهُمْ أنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { ضرب لكم مثلا من أَنفسكُم هَل لكم مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم من شُرَكَاء فبمَا رزقنا كم فَأنْتم فِيهِ سَوَاء تخافونهم} .
قَوْله: ( فِي الْآلهَة) ، أَي: نزل هَذَا فِي حق الْآلهَة.
قَوْله: ( وَفِيه) ، أَي: وَفِي حق الله، وَهَذَا على سَبِيل الْمثل، أَي: هَل ترْضونَ لأنفسكم أَن يشارككم بعض عبيدكم فِيمَا رزقناكم تَكُونُونَ أَنْتُم وهم فِيهِ سَوَاء من غير تَفْرِقَة بَيْنكُم وَبَين عبيدكم تخافونهم أَن يَرث بَعضهم بَعْضكُم أَو أَن يستبدوا بِتَصَرُّف دونكم كَمَا يخَاف بعض الْأَحْرَار بَعْضًا.
فَإِذا لم ترضوا ذَلِك لأنفسكم فَكيف ترْضونَ لرب الأربابُ أَن تجْعَلُوا بعض عباده شَرِيكا لَهُ؟
يَصَّدَّعُونَ يَتَفَرَّقُونَ فاصْدَعْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { يومئذٍ يصدعون} ( الرّوم: 34) وَفَسرهُ بقوله: ( يتفرقون) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَقيل: هُوَ بِمَعْنى قَوْله: { يومئذٍ يصدر النَّاس أشتاتاً} ( الزلزلة: 6) ، وَقيل: هُوَ تفَاوت الْمنَازل.
وَفِي التَّفْسِير: يصدعون يتفرقون فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير، ويصدعون أَصله: يتصدعون، قلبت التَّاء صاداً وأدغمت الصَّاد فِي الصَّاد.
قَوْله: ( فَاصْدَعْ) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} ( الْحجر: 49) أَي: أفرق وأمضه، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وأصل الصدع الشق فِي الشَّيْء.

وَقَالَ غَيْرُهُ: ضُعْفٌ وضَعْفٌ، لُغَتانِ
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، فِي قَوْله تَعَالَى: { الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف} ( الرّوم: 45)
الْآيَة، الأول بِفَتْح الضَّاد، وَالثَّانِي بِالضَّمِّ، وقرىء بهما.
فالجمهور بِالضَّمِّ.
وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة بِالْفَتْح،.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: الضعْف بِالضَّمِّ مَا كَانَ فِي الْجَسَد، وبالفتح مَا كَانَ فِي الْعقل.

وَقَالَ مُجاهِدٌ: السُّوآي الإساءَةُ جَزَاءُ المُسيئِينَ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوآي أَن كذبُوا بآيَات الله} ( الرّوم: 01) وَفسّر: ( السوآي) ( بالإساءة) وَاخْتلف فِي ضبط الْإِسَاءَة، فَقيل: بِكَسْر الْهمزَة وَالْمدّ، وَجوز ابْن التِّين فتح أَوله ممدوداً ومقصوراً،.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ: السوآي تَأْنِيث الأسوء، وَهُوَ الأقبح، كَمَا أَن الْحسنى تَأْنِيث الْأَحْسَن.



[ قــ :4514 ... غــ :4774 ]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا مَنْصُور وَالْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق قَالَ بَيْنَمَا رجل يحدث فِي كِنْدَة فَقَالَ يَجِيء دُخان يَوْم الْقِيَامَة فَيَأْخُذ بأسماع الْمُنَافِقين وأبصارهم يَأْخُذ الْمُؤمن كَهَيئَةِ الزُّكَام ففزعنا فَأتيت ابْن مَسْعُود وَكَانَ مُتكئا فَغَضب فَجَلَسَ فَقَالَ من علم فَلْيقل وَمن لم يعلم فَلْيقل الله أعلم فَإِن من الْعلم أَن تَقول لما لَا تعلم لَا أعلم فَإِن الله قَالَ لنَبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر وَمَا أَنا من المتكلفين وَإِن قُريْشًا أبطؤا عَن الْإِسْلَام فَدَعَا عَلَيْهِم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ اللَّهُمَّ أَعنِي عَلَيْهِم بِسبع كسبع يُوسُف فَأَخَذتهم سنة حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وأكلوا الْميتَة وَالْعِظَام وَيرى الرجل مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض كَهَيئَةِ الدُّخان فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَان فَقَالَ يَا مُحَمَّد جِئْت تَأْمُرنَا بصلَة الرَّحِم وَإِن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله فَقَرَأَ { فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} إِلَى قَوْله { عائدون} أفيكشف عَنْهُم عَذَاب الْآخِرَة إِذا جَاءَ ثمَّ عَادوا إِلَى كفرهم فَذَلِك قَوْله تَعَالَى { يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى} يَوْم بدر ولزاما يَوْم بدر) هَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد قد مر فِي كتاب الاسْتِسْقَاء فِي بابُُ إِذا استشفع الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين عِنْد الْقَحْط وَلَكِن فِي متنهما بعض تفَاوت بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَأَبُو الضُّحَى مُسلم بن صبيح الْكُوفِي الْعَطَّار ومسروق هُوَ ابْن الأجدع روى الحَدِيث عَن عبد الله بن مَسْعُود وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله " فِي كِنْدَة " بِكَسْر الْكَاف وَسُكُون النُّون قَالَ الْكرْمَانِي مَوضِع بِالْكُوفَةِ قلت يحْتَمل أَن يكون حَدِيث الرجل بَين قوم هم من كِنْدَة الْقَبِيلَة قَوْله " فَأتيت ابْن مَسْعُود فِيهِ حذف " أَي فَأتيت ابْن مَسْعُود وأخبرته بِخَبَر الرجل وَكَانَت مُتكئا فَغَضب من ذَلِك فَجَلَسَ قَوْله " فَإِن من الْعلم أَن يَقُول لما لَا يعلم لَا أعلم ".

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي كَيفَ يكون لَا أعلم من الْعلم قلت تَمْيِيز الْمَعْلُوم من الْمَجْهُول نوع من الْعلم وَهُوَ الْمُنَاسب لما قيل لَا أَدْرِي نصف الْعلم وَأما مُنَاسبَة الْآيَة فَلِأَن القَوْل فِيمَا لَا يعلم قسم من التَّكَلُّف قَوْله " سنة بِفَتْح السِّين " أَي قحط قَوْله البطشة الْكُبْرَى إِلَى آخِره أُرِيد بالبطشة الْقَتْل يَوْم بدر وباللزام الْأسر فِيهِ أَيْضا -