فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: (ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)

(بابُُُ قَوْلِهِ: { تُرْجِىءُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤوِي إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ} (الْأَحْزَاب: 15)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { ترجىء من تشَاء} إِلَى آخِره، كَذَا جَمِيع الروَاة، لغير أبي ذَر لفظ: بابُُ، وَحكى الواحدي عَن الْمُفَسّرين: أَن هَذِه الْآيَة نزلت عقيب نزُول آيَة التَّخْيِير، وَذَلِكَ أَن التَّخْيِير لما وَقع أشْفق بعض الْأزْوَاج أَن يُطَلِّقهُنَّ ففوضن أَمر الْقسم إِلَيْهِ فَنزلت { ترجىء من تشَاء} الْآيَة.
قَوْله: (ترجىء) ، أَي: تُؤخر، قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص عَن عَاصِم: تجىء بِغَيْر همزَة وَالْبَاقُونَ بِالْهَمْزَةِ، وهما لُغَتَانِ (وَتُؤْوِي) من الإيواء أَي: تضم قَوْله: (وَمن ابْتَغَيْت) ، أَي: طلبت وَأَرَدْت إصابتها مِمَّن عزلت فأصبتها وجامعتها بعد الْعَزْل فَلَا جنَاح عَلَيْك، فأباح الله تَعَالَى لَك ترك الْقسم لَهُنَّ حَتَّى إِنَّه ليؤخر من شَاءَ مِنْهُنَّ فِي وَقت نوبتها فَلَا يَطَؤُهَا ويطأ من يَشَاء مِنْهُنَّ فِي غير نوبتها، وَله أَن يردهَا إِلَى فرَاشه من غير عزلها، فَلَا جنَاح عَلَيْهِ فِيمَا فعل تَفْضِيلًا لَهُ على سَائِر الرِّجَال وتخفيفا عَنهُ.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: تُرْجِىءُ: تُؤَخِّرُ أرْجِئْهُ أخِّرْهُ

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: معنى ترجىء، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَهَذَا خص بِهِ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (أرجئه: أخِّره) ، هَذَا فِي سُورَة الْأَعْرَاف وَالشعرَاء، ذكره هُنَا اسْتِطْرَادًا.



[ قــ :4528 ... غــ :4788 ]
- حدَّثني زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى حدَّثنا أبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشامٌ حدَّثنا عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أغَارُ عَلَى اللاَّتِي وَهَبْنَ أنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأقُولُ أتَهَبُ المَرْأةُ نَفْسَهَا فَلَمَّا أنْزَلَ الله تَعالى: { تُرْجِىءُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} .

قُلْتُ مَا أُرَى رَبِّكَ إلاَّ يُسَارِعُ فِي هَوَاك.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وزَكَرِيا بن يحيى أَبُو السكين الطَّائِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام بن عُرْوَة بن الزبير.

قَوْله: (قَالَ هِشَام: حَدثنَا عَن أَبِيه) ، تَقْدِيره: قَالَ: حَدثنَا هِشَام عَن أَبِيه، وَهَذَا جَائِز عِنْدهم.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن أبي كريب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي عشرَة النِّسَاء وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُبَارك المَخْزُومِي، ثَلَاثَتهمْ عَن أبي أُسَامَة.

قَوْله: (أغار) بالغين الْمُعْجَمَة مَعْنَاهُ هُنَا أعيب، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ كَانَت تعير اللَّاتِي، بِالْعينِ الْمُهْملَة قَوْله: (اللَّاتِي وهبْنَ) ظَاهره أَن الواهبة أَكثر من وَاحِدَة؟ مِنْهُنَّ: خَوْلَة بنت حَكِيم، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم، ومنهن: أم شريك رَوَاهُ الشّعبِيّ، ومنهن: فَاطِمَة بنت شُرَيْح، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة، ومنهن: ليلى بنت الْحطيم، رَوَاهُ بَعضهم، ومنهن: مَيْمُونَة بنت الْحَارِث، رَوَاهُ قَتَادَة عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ مُنْقَطع.
قَوْله: (مَا أرى) رَبك إِلَى آخِره أَي: مَا أرى الله إِلَّا موجدا لمرادك بِلَا تَأْخِير منزلا لما تحب وترضاه.





[ قــ :459 ... غــ :4789 ]
- حدَّثنا حِبَّانُ بنُ مُوسَى أخْبرنا عَبْدُ الله أخْبرنا عَاصِمٌ الأحْوَلُ عَنْ مُعاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْها أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ المَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أنْ أُنْزِلَتْ هاذِهِ الآيَةَ: { تُرْجِىءُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوى إلَيْكَ مَنْ تَشَاءِ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ} ( الْأَحْزَاب: 15) فَقُلْتُ لَها: مَا كُنْتُ تَقُولِينَ؟ قَالَتْ: كُنْتُ أقُولُ لَهُ إنْ كَانَ ذَاكَ إلَيَّ فَإنِّي لَا أُرِيدُ يَا رَسُولَ الله أنْ أُوتِرَ عَلَيْكَ أحَدا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وحبان: بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول الْمصْرِيّ، ومعاذ، بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة بنت عبد الله العدوية البصرية.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن شُرَيْح بن يُونُس، وَعَن الْحسن بن عِيسَى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي النِّكَاح عَن يحيى بن معِين وَمُحَمّد بن الطباع، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن عَامر المصِّيصِي.

قَوْله: ( كَانَ يسْتَأْذن فِي يَوْم الْمَرْأَة) بِإِضَافَة يَوْم إِلَى الْمَرْأَة ويروى فِي الْيَوْم الْمَرْأَة بِنصب الْمَرْأَة ويروى: يسْتَأْذن الْمَرْأَة فِي الْيَوْم أَي: الْيَوْم الَّذِي تكون فِيهِ نوبتها إِذا أَرَادَ أَن يتَوَجَّه إِلَى الْأُخْرَى.
قَوْله: ( مَا كنت) ؟ اسْتِفْهَام.
قَوْله: ( لَهُ) أَي: للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: ( إِن كَانَ ذَاك) أَي: الاسْتِئْذَان.

تَابَعَهُ عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ سَمِعَ عَاصِما

أَي: تَابع عبد الله عباد بن عباد، بتَشْديد الْيَاء الْمُوَحدَة فيهمَا، أَبُو مُعَاوِيَة المهلبي، وَوَصله ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من طَرِيق يحيى بن معِين عَن عباد بن عباد.