فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير}


[ قــ :23568 ... غــ :23569 ]
- ( سورَة سَبَأ)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة سبأ.
قَالَ مقَاتل، مَكِّيَّة غير آيَة وَاحِدَة: { وَيرى الَّذين آتوا الْعلم الَّذِي أنزل} ( سبإ: 6) .
وَهِي أَرْبَعَة آلَاف وَخَمْسمِائة واثني عشر حرفا، وَثَمَانمِائَة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ كلمة، وَخمْس وَخَمْسُونَ آيَة.
وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث فَرْوَة بن مسيك الْمرَادِي، قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر حَدِيثا فِيهِ، فَقَالَ رجل: وَمَا سبأ أَرض أم امْرَأَة؟ قَالَ: لَيْسَ بِأَرْض وَلَا امْرَأَة، وَلكنه رجل ولد عشرَة من الْعَرَب فتيامن مِنْهُم سِتَّة وتشاءم مِنْهُم أَرْبَعَة، فَأَما الَّذين تشاءموا: فلخم وجذام وغسان وعاملة، وَأما الَّذين تيامنوا: فالأزد والأشعرون وحمير وكنده ومذحج وأنمار.
فَقَالَ الرجل: وَمَا أَنْمَار؟ قَالَ: الَّذين مِنْهُم خثعم وبجيلة،.

     وَقَالَ : حَدِيث حسن غَرِيب.
.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: سبأ اسْمه عبد شمس بن يشخب بن يعرب بن قحطان من يقظان بن عَامر وَهُوَ هود بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ أول من سبى من الْعَرَب فلقب بذلك، وَفِي: ( أدب الْخَواص) : هَذَا اشتقاق غير صَحِيح لِأَن سبأ مَهْمُوز، والسبي غير مَهْمُوز، وَالصَّوَاب: أَن يكون من سبأت النَّار الْجلد، أَي: أحرقته، وَمن سبأ الْحمر إِذا اشْتَرَيْتهَا.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَلَاء: لَو كَانَ الْأَمر كَمَا يَقُولُونَ لوَجَبَ أَن لَا يهمز وَلَا يمْتَنع أَن يكون أصل السَّبي الْهمزَة إِلَّا أَنهم فرقوا بَين سبيت الْمَرْأَة وسبأت الْحمر، وَالْأَصْل وَاحِد، وَفِي ( التيجان) : وَهُوَ أول متوج وَبنى السد الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن، وَهُوَ سد فِيهِ سَبْعُونَ نَهرا، وَنقل إِلَيْهِ الشّجر مسيرَة ثَلَاثَة أشهر فِي ثَلَاثَة أشهر وَبلغ من الْعُمر خَمْسمِائَة سنة.

( بِسم الله الرحمان الرَّحِيم)

لم تثبت الْبَسْمَلَة وَلَفظ السُّورَة إلاَّ لأبي ذَر، وَسميت هَذِه السُّورَة سبأ لقَوْله تَعَالَى: { لقد كَانَ لسبإ فِي مسكنهم} ( سبإ: 51) .

مُعاجزِين مُسابقين.
بِمُعْجِزِينَ بفَائِتِينَ.
مُعاجِزِينَ مُغالِبِينَ: مُعاجِزِيَّ مُسابِقِيَّ سبقوا فاتوا لَا يُعْجِزُونَ لَا يَفُوتُونَ: يَسْبِقُونا يُعْجِزُونا.
وقوْلُهُ بِمُعْجِزِ بنَ بِفائِتِينَ ومَعْنَى مُعاجِزِينَ مُغالِبِينَ يُرِيدُ كُلُّ واحِدٍ منْهُما أنْ يُظْهِرَ عَجْزَ صاحبِهِ.

وَفِي بعض النّسخ يُقَال: معاجزين، وَأَشَارَ بقوله: معاجزين إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين} ( سبإ: 5) وَفَسرهُ بقوله: ( مسابقين) وَفِي التَّفْسِير: معاجزين مسابقين يحسبون أَنهم يفوتوننا، وَعَن ابْن زيد: جاهدين، وَفِي هَذِه اللَّفْظَة قراءتان: إِحْدَاهمَا: معاجزين، وَهِي قِرَاءَة الْأَكْثَرين فِي موضِعين من هَذِه السُّورَة وَفِي الْحَج.
وَالْأُخْرَى: قِرَاءَة ابْن كثير وَأبي عَمْرو: معجزين، بِالتَّشْدِيدِ ومعناهما وَاحِد، وَقيل: معنى معاجزين معاندين ومغالبين، وَمعنى: معجزين ناسبين غَيرهم إِلَى الْعَجز.
قَوْله: ( بمعجزين) إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة العنكبوت.
{ وَمَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} ( العنكبوت: 22) .
وَفَسرهُ بقوله: ( بفائتين) .
وَقد أخرج ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن الزبير نَحوه.
قَوْله: ( معاجزي: مسابقي) ، لم يثبت فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة.
قَوْله: ( معاجزين مغالبين) ، كَذَا وَقع مكرراً فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده وَلم يُوجد فِي رِوَايَة البَاقِينَ.
قَوْله: ( سبقوا: فَأتوا لَا يعجزون لَا يفوتون) إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْأَنْفَال: { وَلَا تحسبن الَّذين كفرُوا سبقوا} ( الْأَنْفَال: 95) وَفَسرهُ بقوله: ( فَأتوا إِنَّهُم لَا يعجزون) ، أَي: لَا يفوتون.
قَوْله: ( يسبقونا) إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أم حسب الَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات أَن يسبقونا} ( العنكبوت: 4) وَفَسرهُ بقوله: ( يعجزونا) ، أَي: أَن يعجزونا.
قَوْله: ( وَقَوله بمعجزين مُكَرر) ، وَفَسرهُ بقوله: ( بفائتين) ، قَوْله: ( وَمعنى: معاجزين)
إِلَى آخِره.
أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن معاجزين من بابُُ المفاعلة وَهُوَ يَسْتَدْعِي الْمُشَاركَة بَين إثنين.

مِعْشَارٌ: عَشْرٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { وَمَا بلغُوا معشار مَا آتَيْنَاهُم} ( سبإ: 54) وَفسّر بقوله: ( عشر) أَي: مَا بلغُوا عشر مَا أعطيناهم،.

     وَقَالَ  الْفراء: الْمَعْنى: وَمَا بلغ أهل مَكَّة معشار الَّذين أهلكناهم من قبلهم من الْقُوَّة والجسم وَالْولد وَالْعدَد.

الأكُلُ: الثَّمَرُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { ذواتي أكل خمط أثل} ( سبإ: 61) وَفسّر ( الْأكل بالثمر) ، أَرَادَ أَن الْأكل الجني بِفَتْح الْجِيم بِمَعْنى الثَّمَرَة، وَفِي التَّفْسِير: الْأكل الثَّمر والخمط الْأَرَاك، قَالَه أَكثر الْمُفَسّرين، وَقيل: هُوَ كل شجر ذَات شوك.
وَقيل: شَجَرَة العضاه، والأثل الطرفاء، قَالَه ابْن عَبَّاس.

باعِدْ وبَعِّدْ واحِدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَقَالُوا رَبنَا باعد بَين أسفارنا} ( سبإ: 91) ،.

     وَقَالَ : إِن معنى باعد وَبعد وَاحِد، وباعد قِرَاءَة الْأَكْثَرين، وَبعد بِالتَّشْدِيدِ قِرَاءَة أبي عَمْرو وَابْن كثير.

وَقَالَ مجاهِدٌ لَا يَعْزُبُ لَا يَغِيبُ أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لَا يعزب عَنهُ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الأَرْض} ( سبإ: 3) .
وَفسّر: ( لَا يعزب) بقوله ( لَا يغيب) ، وروى هَذَا التَّعْلِيق أَبُو مُحَمَّد الْحَنْظَلِي عَن أبي سعيد الْأَشَج: حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل عَن أبي يحيى عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: لَا يعزب لَا يغيب عَن رَبك.

العَرِمُ السَّدُّ ماءٌ أحْمَرُ أرْسَلَهُ الله فِي السُّدِّ فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ وَحَفَرَ الوَادِي فَارْتَفَعَتَا عَنِ الجَنْتَيْن وغابَ عَنْهُما الماءُ فَيَبِسَتا وَلَمْ يَكُنْ الماءُ الأحْمَرُ مِنَ السُّدَّ ولاكِنْ كانَ عَذَاباً أرْسَلَهُ الله عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ شاءَ:.

     وَقَالَ  عَمْرُو بنُ شَرْحَبِيلَ.
العرِمُ المُسَنَّاة بِلَحْنِ أهْلِ اليَمَنِ:.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ العَرِمُ الوَادِي.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فأعرضوا فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم سيل العرم} ( سبإ: 61) .
وَفسّر: ( العرم) بقوله: ( السد)
إِلَى آخِره، صَاحب ( التَّلْوِيح) : هَل وَجَدْنَاهُ مَنْقُولًا عَن مُجَاهِد؟ قَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا حجاج بن حَمْزَة أخبرنَا أخبرنَا شَبابَُة أخبرنَا وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، فَذكره، فَلَا أَدْرِي أهوَ من قَول البُخَارِيّ أَو هُوَ مَعْطُوف على مَا علقه عَن مُجَاهِد قبل؟ وَالله أعلم.
وبيَّن السُّهيْلي أَنه من كَلَام البُخَارِيّ لَا من كَلَام غَيره.
قلت: رِوَايَة ابْن أبي حَاتِم توضح أَنه من قَول مُجَاهِد لِأَن البُخَارِيّ مَسْبُوق بِهِ، فَافْهَم.
وَالله أعلم.
( والسد) بِضَم السِّين وَتَشْديد الدَّال، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ الشَّديد، بالشين الْمُعْجَمَة على وزن عَظِيم.
قَوْله: ( فشقه) ، من الشق بالشين الْمُعْجَمَة وَالْقَاف، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَذكر عِيَاض أَن فِي رِوَايَة أبي ذَر: فبثقه، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالتَّاء الْمُثَلَّثَة، قَالَ: وَهُوَ الْوَجْه، تَقول: بثقت النَّهر إِذا كَسرته لتصرفه عَن مجْرَاه.
قَوْله: ( فارتفعتا عَن الجنتين) ، كَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: ارْتَفَعت الجنتان عَن المَاء وَلَكِن المُرَاد من الِارْتفَاع الانتفاء، والزوال يَعْنِي ارْتَفع إسم الْجنَّة عَنْهُمَا فتقديره: ارْتَفَعت الجنتان عَن كَونهمَا جنَّة.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: وَتَسْمِيَة الْبَدَل جنتين على سَبِيل المشاكلة، هَذَا كُله فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: فارتفعت على الجنتين، بِفَتْح الْجِيم وَالنُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ النُّون قَوْله: ( وَلم يكن المَاء الْأَحْمَر من السد) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي من السَّيْل، وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ: من السُّيُول.
قَوْله: ( وَقَالَ عَمْرو بن شُرَحْبِيل) ، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام: الْهَمدَانِي الْكُوفِي، يكنى أَبَا ميسرَة.
قَوْله: ( المسناة) ، بِضَم الْمِيم وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد النُّون، كَذَا هُوَ مضبوط فِي أَكثر الرِّوَايَات وَكَذَا هُوَ فِي أَكثر كتب أهل اللُّغَة، وَضبط فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون السِّين وَتَخْفِيف النُّون،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: معنى المسناة مَا يبْنى فِي عرض الْوَادي ليرتفع السَّيْل وَيفِيض على الأَرْض، قَالَ: إِنَّهَا عِنْد أهل الْعرَاق كالزريبة تبنى على سيف الْبَحْر ليمنع المَاء.
قَوْله: ( بلحن أهل الْيمن) ، أَي: بلغَة أهل الْيمن، وَهَذَا أسْندهُ عبد بن حميد عَن يحيى بن عبد الحميد عَن شريك عَن أبي إِسْحَاق عَنهُ،.

     وَقَالَ  بِلِسَان الْيمن بدل بلحن.
قَوْله: ( وَقَالَ غَيره) ، أَي: غير عَمْرو بن شُرَحْبِيل ( العرم الْوَادي) ، وَهُوَ قَول عَطاء، وَقيل: هُوَ إسم الجرد الَّذِي أرسل إِلَيْهِم ( وَحرب السد) وَقيل: هُوَ المَاء، وَقيل: الْمَطَر الْكثير، وَقيل: إِنَّه صفة السَّيْل من العرامة وَهُوَ ذَهَابه كل مَذْهَب،.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: هُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَفِي كتاب: ( مفايض الْجَوَاهِر) : قَالَ ابْن شربة: فِي زمن إِيَاس بن رحيعم بن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام، بعث الله رجلا من الأزد يُقَال لَهُ عَمْرو بن الْحجر وَآخر يُقَال لَهُ حَنْظَلَة بن صَفْوَان، وَفِي زَمَنه كَانَ خراب السد، وَذَلِكَ أَن الرُّسُل دعت أَهله إِلَى الله فَقَالُوا: مَا نَعْرِف لله علينا من نعْمَة، فَإِن كُنْتُم صَادِقين فَادعوا الله علينا وعَلى سدنا، فدعوا عَلَيْهِم، فَأرْسل الله عَلَيْهِم مَطَرا جردا أَحْمَر كَأَن فِيهِ النَّار أَمَامه فَارس، فَلَمَّا خالط الْفَارِس السد انْهَدم وَدفن بُيُوتهم الرمل وَفرقُوا ومزقوا حَتَّى صَارُوا مثلا عِنْد الْعَرَب، فَقَالَت: تفَرقُوا أَيدي سبأ، وأيادي سبأ.

السَّابِغاتُ الدُّرُوعُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وأالنَّاله الحديدان اعْمَلْ سابغات} ( سبإ: 11) وفسرها ( بالدروع) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَزَادُوا: وَاسِعَة طَوِيلَة.
وَفِي التَّفْسِير: دروعا كوامل واسعات وَأَن دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أول من عَملهَا.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُجَازِي: يُعاقِبُ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وَهل نجازي إلاَّ الكفور} ( سبأ: 71) وَفسّر: ( يجازي) بقوله: ( يُعَاقب) وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ.

أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ بِطَاعَةِ الله مَثْنَى وَفُرَادَى وَاحِدا وَاثْنَيْنِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة إِن تقوموا لله مثنى وفرادى} ( سبأ: 64) الْآيَة.
وَفِي التَّفْسِير: أعظكم أَي: آمركُم وأوصيكم، بِوَاحِدَة أَي: بخصلة وَاحِدَة وَهِي أَن تقوموا لله، وَأَن فِي مَحل الْخَفْض على الْبَيَان من وَاحِدَة، والترجمة عَنْهَا مثنى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ متناظرين، وفرادى وَاحِدًا وَاحِدًا متفكرين، والتفكر طلب الْمَعْنى بِالْقَلْبِ، وَقيل: معنى وفرادى أَي: جمَاعَة ووحدانا، وَقيل: مناظرا مَعَ غَيره ومتفكرا فِي نَفسه.
قَوْله: ( وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ) قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: معنى مثنى وفرادى مُكَرر، فَلم ذكره مرّة وَاحِدَة؟ قلت: المُرَاد التّكْرَار ولشهرته اكْتفى بِوَاحِد مِنْهُ.

التنَّاوُش الرَّدُّ مِنَ الآخِرَةِ إلَى الدُّنْيَا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَقَالُوا آمنا بِهِ وأتى لَهُم التناوش من مَكَان بعيد} ( سبأ: 25) وَفَسرهُ بقوله: ( الرَّد من الْآخِرَة إِلَى الدُّنْيَا) وَعَن ابْن عَبَّاس: يتمنون الرَّد وَلَيْسَ بِحِين رد.

وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ مَالٍ أوْ وَلَدٍ أوْ زَهْرَةٍ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} ( سبأ: 45) وَهَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد،.

     وَقَالَ  الْحسن: وحيل بَينهم وَبَين الْإِيمَان لما رَأَوْا الْعَذَاب، وَفِي التَّفْسِير: وَبَين مَا يشتهون الْإِيمَان وَالتَّوْبَة فِي وَقت الْيَأْس قَوْله: ( أَو زهرَة) أَي: زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا ونضارتها وحسنها.

بأشْياعِهِمْ: بأمْثَالِهِمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { كَمَا فعل بأشياعهم} ( سبأ: 45) وَفَسرهُ: بأمثالهم، وأشياعهم أهل دينهم وموافقيهم من الْأُمَم الْمَاضِيَة حِين لم يقبل مِنْهُم الْإِيمَان وَالتَّوْبَة فِي وَقت الْيَأْس.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كَالجَوَابِ: كَالجَوْبَةِ مِنَ الأرْضِ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: { وجفان كالجواب} ( سبأ: 31) وفسرها بقوله: ( كالجوبة من الأَرْض) وَأسْندَ هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه عَن أبي صَالح عَن مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: الْجَواب حِيَاض الْإِبِل، وَأَصله فِي اللُّغَة من الْجَابِيَة وَهِي الْحَوْض الَّذِي يَجِيء فِيهِ الشَّيْء أَي يجمع، وَيُقَال: إِنَّه كَانَ يجْتَمع على كل جَفْنَة وَاحِدَة ألف رجل، والجفان جمع جَفْنَة وَهِي الْقَصعَة، وَالْجَوَاب جمع جابية كَمَا مر.

الخَمْطُ الأرَاكُ وَالأثْلُ: الطَّرْفَاءُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { ذواتي أكل وخمط واثل وشى من سدر قَلِيل} ( سبأ: 61) وَفسّر الخمط بالأراك وَهُوَ الشّجر الَّذِي يسْتَعْمل مِنْهُ المساويك، وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَالضَّحَّاك،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: الخمط كل شَجَرَة فِيهَا مرَارَة ذَات شوك،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: كل شجر لَا شوك لَهُ.

العَرمُ: الشَّدِيدُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { سيل العرم} ( سبأ: 61) وَفَسرهُ بالشديد، وَقد مر فِيمَا مضى.


(بابٌُ: { حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقِّ وَهُوَ العَلِيُّ الْكَبِيرُ} (سبأ: 3)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: (حَتَّى إِذا فزع) الْآيَة، وأولها: { وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إلاَّ لمن أذن لَهُ} أَي: لَا تَنْفَع شَفَاعَة ملك وَلَا نَبِي حَتَّى يُؤذن لَهُ فِي الشَّفَاعَة، وَفِيه رد على الْكفَّار فِي قَوْلهم: أَن الْآلهَة شُفَعَاء قَوْله: (حَتَّى إِذا فزع) أَي: كشف الْفَزع وَأخرج من قُلُوبهم، وَاخْتلف فِيمَن هم، فَقيل: الْمَلَائِكَة تفزع قُلُوبهم من غشية تصيبهم عِنْد سماعهم كَلَام الله تَعَالَى فَيَقُول بَعضهم لبَعض: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالُوا: الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير، وَقيل: الْمُشْركُونَ فَالْمَعْنى إِذا كشف الْفَزع عَن قُلُوبهم عِنْد الْمَوْت قَالَت لَهُم الْمَلَائِكَة: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ قَالُوا الْحق.
فأقروا بِهِ حِين لَا يَنْفَعهُمْ الْإِقْرَار، وَبِه قَالَ الْحسن.

[ قــ :4540 ... غــ :4800 ]
- حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا عَمْرٌ وقَالَ سَمِعْتُ عِكْرَمَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ نَبِيَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا قَضَى الله الأمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الملائِكَةُ بأجْنِحَتِها خَضَعانا لِقَوْلِهِ كأنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإذا { فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} (سبأ: 3) قَالُوا لِلَّذِي قَالَ الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُ السَّمْعِ وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هاكذا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَقَها وَبَدَّدَ بَيْنَ أصَابِعِهِ فَيَسْمَعُ الكَلِمَةُ فَيُلْقِيها إلَى مَنْ تَحْتَهُ ثُمَّ يَلْقِيهَا الآخَرُ إلَى مَنْ تَحْتَهُ حَتَّى يُلْقِيها عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أوْ الكاهِنِ فَرُبَّما أدْرَكَهُ الشَّهابُ قَبْلَ أنْ يُلْقِيها وَرُبَّمَا ألْقَاهَا قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ فَيُكَذِّبُ مَعَهَا مَائَةِ كَذْبَةٍ فَيُقَالُ ألَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذا وَكَذا وَكَذا؟ فَيُصَدِّقُ بِتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.

والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي تَفْسِير سُورَة الْحجر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن عَمْرو إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: (إِذا قضى الله الْأَمر) ، وَفِي حَدِيث النواس بن سمْعَان عِنْد الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا إِذا تكلم الله بِالْوَحْي أخذت السَّمَاء رَجْفَة شَدِيدَة من خوف الله فَإِذا سمع بذلك أهل السَّمَاء صعقوا وخروا سجدا فَيكون أَوَّلهمْ يرفع رَأسه جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فيكلمه الله بوحيه بِمَا أَرَادَ فينتهي بِهِ على الْمَلَائِكَة كلما مر بسماء سَأَلَهُ أَهلهَا مَاذَا قَالَ رَبنَا قَالَ: الْحق فينتهي بِهِ حَيْثُ أَمر قَوْله: (خضعانا) بِفتْحَتَيْنِ ويروى بِضَم أَوله وَسُكُون ثَانِيه، وَهُوَ مصدر بِمَعْنى خاضعين.
قَوْله: (كَأَنَّهُ) أَي: القَوْل المسموع.
قَوْله: (فيسمعها مسترق السّمع) ويروى: مسترقو السّمع.
قَوْله: (وَوصف) ، سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: (وبدد) ، أَي: فرق من التبديد.
قَوْله: (على لِسَان السَّاحر) ، وَفِي رِوَايَة الْجِرْجَانِيّ: على لِسَان الآخر.
قيل: هُوَ تَصْحِيف.
قَوْله: (أَو الكاهن) ويروى، والكاهن، بِالْوَاو.
قَوْله: (سمع من السَّمَاء) ويروى: سَمِعت، وَهُوَ الظَّاهِر.