فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}

( بابُُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ونُفِخَ فِي الصُّوَرِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ ومنْ فِي الأرْضِ إلاَّ مَنْ شاءَ الله ثمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فإذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ} ( الزمر: 86)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَنفخ فِي الصُّور} ، الْآيَة.
قَوْله: ( فِي الصُّور) ، هُوَ قرن ينْفخ فِيهِ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فَصعِقَ) ، أَي: مَاتَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض.
قَوْله: ( إِلَّا من شَاءَ الله) ، اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: هم الشُّهَدَاء عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ جبرل عَن هَذِه الْآيَة {من أُولَئِكَ الَّذين لم يَشَأْ الله قَالَ هُوَ الشُّهَدَاء) متقلدين أسيافهم حول الْعَرْش، وَقيل: هم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل، رَوَاهُ أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن كَعْب الْأَحْبَار: هم إثنا عشر: حَملَة الْعَرْش ثَمَانِيَة وجبرائيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت، وَعَن الضَّحَّاك: هم رضوَان والحور الْعين وَمَالك والزبانية، وَعَن الْحسن: {إلاَّ من شَاءَ الله} يَعْنِي: الله وَحده، وَقيل: عقارب النَّار وحياتها.
قَوْله: ( ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى) أَي: ثمَّ نفخ فِي الصُّور نفخة أُخْرَى.
قَوْله: ( فَإِذا هم قيام) ، أَي: من قُبُورهم ( ينظرُونَ) إِلَى الْبَعْث، وَقيل: ينظرُونَ أَمر الله تَعَالَى فيهم.



[ قــ :4553 ... غــ :4813 ]
- حدَّثني الْحَسَنُ حدّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيلٍ أخبرنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بنِ أبي زَائِدَةَ عَنْ عامِرٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنِّي أوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الآخِرَةِ فإذَا أَنا بِمُوسَى مُتَعَلِّقٌ بالعَرْشِ فَلاَ أدْرِي أكَذَلِكَ كانَ أمْ بَعْدَ النَّفْخَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: بعد النفخة الْآخِرَة.
وَالْحسن، كَذَا وَقع غير مَنْسُوب فِي جَمِيع الرِّوَايَات، وَذكر فِي كتاب ( رجال الصَّحِيحَيْنِ) : كَانَ سهل بن السّري الْحَافِظ يَقُول: إِن الْحسن بن شُجَاع أَبُو عَليّ الْحَافِظ الْبَلْخِي، فَإِن كَانَ هُوَ فَإِنَّهُ مَاتَ يَوْم الِاثْنَيْنِ النّصْف من شَوَّال سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ ابْن تسع وَأَرْبَعين.
قلت: فعلى هَذَا هُوَ أَصْغَر من البُخَارِيّ وَمَات قبله، وَكَانَ سهل بن السّري أَيْضا يَقُول: إِنَّه الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي عِنْدِي.
قلت: الْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح أَبُو عَليّ الزَّعْفَرَانِي، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع، مَاتَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثمان بَقينَ من رَمَضَان سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَوَقع فِي كتاب البرقاني أَن البُخَارِيّ قَالَ، هَذَا فِي حَدِيث: حَدثنَا الْحُسَيْن، بِضَم أَوله مُصَغرًا، وَنقل عَن الْحَاكِم أَنه الْحُسَيْن بن مُحَمَّد القباني، وَإِسْمَاعِيل ابْن خَلِيل أَبُو عبد الله الخزاز الْكُوفِي وَهُوَ من مَشَايِخ البُخَارِيّ وَمُسلم أَيْضا.

     وَقَالَ  البُخَارِيّ جَاءَنَا نعيه سنة خَمْسَة وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الرَّحِيم هُوَ ابْن سُلَيْمَان أَبُو عَليّ الرَّازِيّ سكن الْكُوفَة، وزكرياء بن أبي زَائِدَة بن مَيْمُون الْهَمدَانِي الْأَعْمَى الْكُوفِي أَبُو يحيى، وَاسم أبي زَائِدَة خَالِد، وَيُقَال: هُبَيْرَة، مَاتَ سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة، وعامر هُوَ ابْن شرَاحِيل الشّعبِيّ.

والْحَدِيث قد مضى مطولا فِي أول: بابُُ الإشخاص، وَمضى أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، فِي: بابُُ وَفَاة مُوسَى.

قَوْله: ( بعد النفخة الْآخِرَة) ، وَهِي نفخة الْإِحْيَاء، والنفخة الأولى نفخة الإماتة.
قَوْله: ( فَلَا أَدْرِي أَكَذَلِك كَانَ) ، أَي: أَنه لم يمت عِنْد النفخة الأولى، وَاكْتفى بصعقة الطّور أم أحيى بعد النفخة الثَّانِيَة قبلي، وَتعلق بالعرش؟ هَكَذَا فسره الْكرْمَانِي، وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْموضع أَن يُقَال: إِن حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي مضى فِي الإشخاص: أَن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فيصعق مَعَهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيكون النَّبِي أول من يفِيق، فَإِذا أَفَاق يرى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، مُتَعَلقا بالعرش وَلَا يدْرِي أَنه كَانَ فِيمَن صعق فأفاق قبله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله عز وَجل، وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ مَضْمُون ذَلِك الحَدِيث الَّذِي أخرجه فِي الإشخاص وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.





[ قــ :4554 ... غــ :4814 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْص حدّثنا أبي قَالَ حدّثنا الأعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا بَينَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أرْبَعُونَ يَوْماً قَالَ أبَيْتُ قَالَ أرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أبَيْتُ قَالَ أرْبَعُونَ شَهْراً قَالَ أبَيْتُ وَسَيُبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإنْسَانِ إلاّ عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الخَلْقُ.

( انْظُر الحَدِيث 4184 طرفه فِي: 5394) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ اشتماله على النفخ.
وَشَيخ البُخَارِيّ يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بن طلق النَّخعِيّ الْكُوفِي قاضيها، وَهُوَ يروي عَن سلميان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان السمان.

قَوْله: ( مَا بَين النفختين) وهما النفخة الأولى والنفخة الثَّانِيَة.
قَوْله: ( قَالُوا) ، أَي: أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: ( أَبيت) من الإباء وَهُوَ الِامْتِنَاع أَي: امْتنعت من تعْيين ذَلِك بِالْأَيَّامِ والسنين والشهور، لِأَنَّهُ لم يكن عِنْده علم بذلك،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَزعم بعض الشُّرَّاح أَنه وَقع عِنْد مُسلم: أَرْبَعِينَ سنة، وَلَا وجود لذَلِك.
انْتهى.
قلت: إِن كَانَ مُرَاده من بعض الشُّرَّاح صَاحب ( التَّوْضِيح) : فَهُوَ لم يقل كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ: وَقد جَاءَت مفسرة فِي رِوَايَة غَيره فِي غير مُسلم: أَرْبَعُونَ سنة، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن الصَّلْت عَن الْأَعْمَش فِي هَذَا الْإِسْنَاد: أَرْبَعُونَ سنة، وَهُوَ شَاذ، وَمن وَجه ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: مَا بَين النفخة والنفخة أَرْبَعُونَ سنة.
قَوْله: ( وسيبلى) أَي: سيخلق، من: بلَى الثَّوْب يبلي بلَى بِكَسْر الْبَاء، فَإِن فتحتها مددتها.
وأبليت الثَّوْب.
قَوْله: ( إلاَّ عجب ذَنبه) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم، وَهُوَ أصل الذَّنب وَهُوَ عظم لطيف فِي أصل الصلب، وَهُوَ رَأس العصعص، وروى ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ( الْبَعْث) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قيل: يَا رَسُول الله! مَا الْعجب؟ قَالَ: مثل حَبَّة خَرْدَل.
انْتهى.
وَيُقَال لَهُ: عجم، بِالْمِيم كلاب ولازم، وَهُوَ أول مَخْلُوق من الْآدَمِيّ، وَهُوَ الَّذِي يبْقى ليركب عَلَيْهِ الْخلق، وَفَائِدَة إبْقَاء هَذَا الْعظم دون غَيره مَا قَالَه ابْن عقيل: لله عز وَجل فِي هَذَا سر لَا نعلمهُ لِأَن من يظْهر الْوُجُود من الْعَدَم لَا يحْتَاج إِلَى أَن يكون لفعله شَيْء يبْنى عَلَيْهِ وَلَا خميرة، فَإِن علل هَذَا يتجوز أَن يكون الْبَارِي جلت عَظمته جعل ذَلِك عَلامَة للْمَلَائكَة، على أَن يحيى كل إِنْسَان بجواهره بِأَعْيَانِهَا وَلَا يحصل الْعلم للْمَلَائكَة بذلك إلاَّ بإبقاء عظم كل شخص ليعلم أَنه إِنَّمَا أَرَادَ بذلك إِعَادَة الْأَرْوَاح إِلَى تِلْكَ الْأَعْيَان الَّتِي هِيَ جُزْءا مِنْهَا، كَمَا أَنه لما مَاتَ عُزَيْرًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَحِمَاره، أبقى عِظَام الْحمار فكساها ليعلم أَن ذَلِك المنشى ذَلِك الْحمار لَا غَيره، وَلَوْلَا إبْقَاء شَيْء لجوزت الْمَلَائِكَة أَن تكون الْإِعَادَة للأرواح إِلَى أَمْثَال الأجساد لَا إِلَى أعيانها.
فَإِن قلت: فِي ( الصَّحِيح) يبْلى كل شَيْء من الْإِنْسَان، وَهنا يبْلى إلاَّ عجب الذَّنب؟ قلت: هَذَا لَيْسَ بِأول عَام خص.
ولأباول مُجمل فصل، كَمَا نقُول: إِن هذَيْن الْحَدِيثين خص مِنْهُمَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، لِأَن الله تَعَالَى حرم على الأَرْض أَن تَأْكُل أَجْسَادهم وَألْحق ابْن عبد الْبر الشُّهَدَاء بهم، والقرطبي الْمُؤَذّن الْمُحْتَسب.
فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْعجب بِعَدَمِ البلى دون غَيره؟ قلت: لِأَن أصل الْخلق مِنْهُ وَمِنْه يركب، وَهُوَ قَاعِدَة بَدْء الْإِنْسَان وأسه الَّذِي يبْنى عَلَيْهِ، فَهُوَ أَصْلَب من الْجَمِيع كقاعدة الْجِدَار،.

     وَقَالَ  بَعضهم: زعم بعض الشُّرَّاح أَن المُرَاد بِأَنَّهُ لَا يبْلى أَي: يطول بَقَاؤُهُ لَا أَنه لَا يبْلى أصلا، وَهَذَا مَرْدُود لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر بِغَيْر دَلِيل.
انْتهى.
قلت: بعض الشُّرَّاح هَذَا هُوَ شَارِح ( المصابيح) الَّذِي يُسمى شَرحه مظْهرا، وَلَيْسَ هُوَ شَارِح البُخَارِيّ، وَلَيْسَ هُوَ بمنفرد بِهَذَا القَوْل، وَبِه قَالَ الْمُزنِيّ أَيْضا، فَإِنَّهُ قَالَ: إلاَّ، هُنَا بِمَعْنى الْوَاو، أَي: وَعجب الذَّنب أَيْضا يبْلى، وَجَاء عَن الْفراء والأخفش: مَجِيء إلاَّ بِمَعْنى الْوَاو، لَكِن هَذَا خلاف الظَّاهِر، وَكَيف لَا وَقد جَاءَ عَن أبي هُرَيْرَة من طَرِيق همام عَنهُ: أَن للْإنْسَان عظما لَا تَأْكُله الأَرْض أبدا، فِيهِ يركب يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالُوا: أَي عظم هُوَ؟ قَالَ: عجب الذَّنب، رَوَاهُ مُسلم.
قَوْله: ( فِيهِ يركب الْخلق) ، لَا يُعَارضهُ حَدِيث سلمَان: إِن أول مَا خلق من آدم رَأسه، لِأَن هَذَا فِي حق آدم وَذَاكَ فِي حق بنيه، وَقيل: المُرَاد بقول سُلَيْمَان: نفخ الرّوح فِي آدم لَا خلق جسده.





[ قــ :1314 ... غــ :1315 ]
- (سورَةُ المُؤْمِنِ)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الْمُؤمن، وَفِي بعض النّسخ الْمُؤمن، بِغَيْر لفظ: سُورَة، وَفِي بَعْضهَا: سُورَة الْمُؤمن حم.

(بِسم الله الرحمان الرَّحِيم)
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر، وَهِي مَكِّيَّة بِلَا خلاف،.

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت بعد الزمر وَقبل حم السَّجْدَة وَبعد السَّجْدَة الشورى ثمَّ الزخرف ثمَّ الدُّخان ثمَّ الجاثية ثمَّ الْأَحْقَاف، وَهِي أَرْبَعَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَسِتُّونَ حرفا، وَألف وَمِائَة وتسع وَتسْعُونَ كلمة، وَخمْس وَثَمَانُونَ آيَة.

قَالَ مُجاهِدٌ: حم مَجازُها مَجازُ أوَائِلِ السُّوَرِ

قَوْله: (حم) فِي مَحل الِابْتِدَاء: (ومجازها) ، مُبْتَدأ ثَان.
وَقَوله: (مجَاز أَوَائِل السُّور) ، خَبره، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول، ومجازها بِالْجِيم وَالزَّاي أَي: طريقها أَي حكمهَا حكم سَائِر الْحُرُوف الْمُقطعَة الَّتِي فِي أَوَائِل السُّور للتّنْبِيه على أَن هَذَا الْقُرْآن من جنس هَذِه الْحُرُوف، وَقيل: القرع الْعَصَا عَلَيْهِم.
وَعَن عِكْرِمَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حم إسم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَهِي مِفْتَاح خَزَائِن رَبك، جلّ جَلَاله، وَعَن ابْن عَبَّاس: هُوَ إسم الله الْأَعْظَم، وَعنهُ: قسم أقسم الله بِهِ، وَعَن قَتَادَة: إسم من أَسمَاء الْقُرْآن، وَعَن الشّعبِيّ: شعار السُّورَة، وَعَن عَطاء الْخُرَاسَانِي: الْحَاء افْتِتَاح أَسمَاء الله تَعَالَى: حَلِيم وَحميد وَحي وحنان وَحَكِيم وحفيظ وحبِيب، وَالْمِيم افْتِتَاح اسْمه: مَالك ومجيد ومنان.
وَعَن الضَّحَّاك وَالْكسَائِيّ: مَعْنَاهُ قضى مَا هُوَ كَائِن، كَأَنَّهُمَا أَرَادَا الْإِشَارَة إِلَى: حم، بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الْمِيم.

ويُقالُ: بَلْ هُوَ إسْمٌ، لِقَوْلِ شُرَيْحِ بنِ أبي أوْفَى العَبْسِيِّ:
(يُذَكِّرُني حامِيمَ والرُّمْحُ شاجِرٌ ... فَهَلاَّ تَلاَ حامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ)

الْقَائِلُونَ بِأَن لفظ: حم إسم هم الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ الْآن، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقول الشَّاعِر الْمَذْكُور حَيْثُ وَقع لفظ: حم، فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَنْصُوبًا على المفعولية، وَكَذَا قَرَأَ عِيسَى بن عمر: أَعنِي بِفَتْح الْمِيم، وَقيل: يجوز أَن يكون لالتقاء الساكنين.
قلت: الْقَاعِدَة أَن السَّاكِن إِذا حرك حرك بِالْكَسْرِ، وَيجوز الْفَتْح وَالْكَسْر فِي الْحَاء وهما قراءتان.
قَوْله: (وَيُقَال) فِي رِوَايَة أبي ذَر: قَالَ البُخَارِيّ: وَيُقَال قَوْله: (شُرَيْح بن أبي أوفى) هَكَذَا وَقع ابْن أبي أوفى فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ شُرَيْح بن أوفى الْعَبْسِي، وَكَانَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، يَوْم الْجمل، وَكَانَ شعار أَصْحَاب عَليّ رَضِي الله عَنهُ، يومئذٍ حم، فَلَمَّا نهد شُرَيْح لمُحَمد بن طَلْحَة بن عبيد الله الملقب بالسجاد وطعنه، قَالَ: حم، فَقَالَ شُرَيْح: يذكرنِي حَامِيم، الْفَاعِل فِيهِ مُحَمَّد السَّجَّاد، وَقيل، لما طعنه شُرَيْح قَالَ: { أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله} (غَافِر: 8) فَهُوَ معنى قَوْله: (يذكرنِي حَامِيم) .
قَوْله: (وَالرمْح شَاجر) جملَة إسمية وَقعت حَالا من: شجر الْأَمر يشجر شجوراً إِذا اخْتَلَط، واشتجر الْقَوْم وتشاجروا إِذا تنازعوا وَاخْتلفُوا وَالْمعْنَى هُنَا: وَالرمْح مشتبك مختلط.
قَوْله: (فَهَلا) حرف تحضيض مُخْتَصّ بالجمل الفعلية الخبرية، وَالْمعْنَى: هلا كَانَ هَذَا قبل تشاجر الرماح عِنْد قيام الْحَرْب، قَوْله: (قبل التَّقَدُّم) ، أَي: إِلَى الْحَرْب، وَأول هَذَا الْبَيْت على مَا ذكره الْحسن بن المظفر النَّيْسَابُورِي فِي: (مأدبة الأدباء) :
(وَأَشْعَث قوّام بآيَات ربه ... قَلِيل الْأَذَى فِيمَا ترى الْعين مُسلم)

(هتكت بصدر الرمْح جيب قَمِيصه ... فَخر صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ)

(على غير شَيْء غير أَن لَيْسَ تَابعا ... عليا وَمن لَا يتبع الْحق يظلم)

يذكرنِي حميم ... .

وَذكر عمر بن شبة بِإِسْنَادِهِ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق: أَن مَالِكًا الأشتر النَّخعِيّ قتل مُحَمَّد بن طَلْحَة،.

     وَقَالَ  فِي ذَلِك شعرًا وَهُوَ: (واشعث قوام بآيَات ربه ... الأبيات)

وَذكر أَبُو محنف لوط فِي كِتَابه (حَرْب الْجمل) : الَّذِي قتل مُحَمَّدًا مُدْلِج بن كَعْب، رجل من بني سعد بن بكر، وَفِي كتاب الزبير بن أبي بكر: كَانَ مُحَمَّد أَمرته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، بِأَن يكف يَده فَكَانَ كلما حمل عَلَيْهِ رجل قَالَ: نشدتك بحاميم، حَتَّى شدّ عَلَيْهِ رجل من بني أَسد بن خُزَيْمَة يُقَال لَهُ: حَدِيد فنشده بحاميم فَلم ينْتَه وَقَتله، وَقيل: قَتله كَعْب بن مُدْلِج من بني منقذ بن طريف، وَيُقَال: قَتله عِصَام بن مُقْشَعِر النصري، وَعَلِيهِ كَثْرَة الحَدِيث.

     وَقَالَ  المرزباني: هُوَ الثبت وَهُوَ يخدش فِي إِسْنَاد البُخَارِيّ لِأَن هذَيْن الْإِمَامَيْنِ إِلَيْهِمَا يرجع فِي هَذَا الْبابُُ.
قلت: الزَّمَخْشَرِيّ الْعَلامَة ذكر هَذَا الْبَيْت فِي أول سُورَة الْبَقَرَة وَنسبه إِلَى شُرَيْح بن أوفى الْمَذْكُور، وَفِي (الحماسة) البحترية قَالَ عدي بن حَاتِم.

(من مبلغ أفناء مذْحج انني ... ثأرت بحالي ثمَّ لم أتأثم)

(تركت أَبَا بكر ينوء بصدره ... بصفين مخضوب الكعوب من الدَّم)

(يذكرنِي ثَأْرِي غَدَاة لَقيته ... فأجررته رُمْحِي فَخر على الْفَم)

(يذكرنِي ياسين حِين طعنته ... فَهَلا تَلا ياسين قبل التَّقَدُّم)

الطَّوْلُ التَّفَضُّلُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { شَدِيد الْعقَاب ذِي الطول} (غَافِر: 3) وَفَسرهُ بالتفضل، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَزَاد: تَقول الْعَرَب للرجل إِنَّه لذُو طول على قومه أَي: ذُو فضل عَلَيْهِم، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
فِي قَوْله: (ذِي الطول، قَالَ: ذِي السعَة والغنى، وَمن طَرِيق عِكْرِمَة: ذِي المنن، وَمن طَرِيق قَتَادَة، قَالَ: ذِي النعماء.

داخِرِينَ خَاضِعِينَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { سيدخلون جَهَنَّم داخرين} (غَافِر: 06) وَفَسرهُ بقوله: (خاضعين) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَعَن السّديّ: صاغرين.

وَقَالَ مُجاهِدٌ: إلَى النَّجاةِ إِلَى الْإِيمَان
أَي قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وَيَا قوم مَالِي أدعوكم إِلَى النجَاة وتدعونني إِلَى النَّار} (غَافِر: 14) وَفسّر قَوْله: إِلَى النجَاة، بقوله: إِلَى الْإِيمَان.

لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ يَعْنِي لِلْوَثَنِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لَا جرم إِنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة} (غَافِر: 34).

     وَقَالَ : لَيْسَ للوثن دَعْوَة، هَذَا من تَتِمَّة كَلَام الرجل الَّذِي آمن بمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَهُوَ الَّذِي أخبر الله تَعَالَى عَنهُ بقوله: { وَقَالَ الَّذِي آمن يَا قوم اتبعوني أهدكم سَبِيل الرشاد} (غَافِر: 83) وَكَانَ من آل فِرْعَوْن يكتم إيمَانه مِنْهُ وَمن قومه، وَعَن السّديّ وَمُقَاتِل: كَانَ ابْن عَم فِرْعَوْن، وَعَن ابْن عَبَّاس، أَن اسْمه حزقيل، وَعَن وهب بن مُنَبّه: خزيبال، وَعَن إِسْحَاق: خزبيل، وَقيل: حبيب.

يُسْجَرُونَ: تُوقَدُ بِهِمُ النَّارُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { إِذا الأغلال فِي أَعْنَاقهم والسلاسل يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم ثمَّ فِي النَّار يسجرون} (غَافِر: 7) وَفَسرهُ بقوله: (توقد بهم النَّار) .
وَعَن مُجَاهِد: يصيرون وقوداً فِي النَّار.

تَمْرَحُونَ: تَبْطَرُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { ذَلِكُم بِمَا كُنْتُم تفرحون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَبِمَا كُنْتُم تمرحون} (غَافِر: 57) وَفَسرهُ بقوله: تبطرون، من البطر بِالْبَاء الْمُوَحدَة والطاء الْمُهْملَة.

وكانَ العلاَءُ بنُ زِيادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ فَقَالَ رجُلٌ لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ قَالَ وَأَنا أقْدِرُ أنْ أُقَنِّطُ النَّاسَ وَالله عَزَّ وجلَّ يَقُولُ: { يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله} (الزمر: 35) ويَقُولُ: { وأنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أصْحابُ النَّارِ} (غَافِر: 34) ولكنَّكُمْ تُحِبُّونَ أنْ تُبَشَّرُوا بالجَنَّةِ عَلَى مَساوِيءِ أعْمالِكُم وإنَّما بَعَثَ الله مُحَمَّداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبَشِّراً بالجَنَّةِ لَمِنْ أطاعَهُ ومُنْذِراً بالنَّارِ مَنْ عَصاهُ.
الْعَلَاء بن زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف الْعَدوي الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ الزَّاهِد، قَلِيل الحَدِيث وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ ذكر إلاَّ فِي هَذَا الْموضع، مَاتَ قَدِيما سنة أَربع وَتِسْعين.
قَوْله: (يذكر النَّار) ، قَالَ بَعضهم: هُوَ بتَشْديد الْكَاف.
قلت: لَيْسَ بِصَحِيح بل هُوَ بِالتَّخْفِيفِ على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (لم تقنط النَّاس) ؟ من التقنيط لَا من قنط يقنط قنوطاً، وَهُوَ أَشد الْيَأْس من الشَّيْء، وأصل: لم لما فحذفت الْألف وَهِي اسْتِفْهَام.
قَوْله: (أَن تبشروا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من التبشير.
قَوْله: (ومنذراً) ، ويروى: ينذر.
قَوْله: (من عَصَاهُ) ، ويروى: لمن عَصَاهُ.





[ قــ :4555 ... غــ :4815 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ حَدثنَا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حَدثنِي يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ قَالَ حَدثنِي مُحَمَّدُ بنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ قَالَ حَدثنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ قَالَ.

قُلْتُ لِعَبْدِ الله بنِ عَمْروِ بنِ العاصِ أخْبَرَنِي بأشَدِّ مَا صَنَعَ المُشْرِكُونَ برَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِفِناءِ الكَعْبَةِ إذْ أقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ أبِي مُعَيْطٍ فأخَذَ بِمَنْكِبِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقاً شَديداً فأقْبَلَ أبُو بَكْرٍ فأخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ : { أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جاءَكُمْ بالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ} ( غَافِر: 8) .

( انْظُر الحَدِيث 8763 وطرفه) .

الْوَلِيد بن مُسلم الدِّمَشْقِي يروي عَن عبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي آخر مَنَاقِب أبي بكر رَضِي الله عَنهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يزِيد الْكُوفِي عَن الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.