فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {إلا المودة في القربى} [الشورى: 23]

( { فإنْ يَصْبِرُوا فالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} (فصلت: 42)

تَمام الْآيَة: { وَإِن يستعتبوا فَمَا هم من المعتبين} أَي: فَإِن يصبروا على أَعمال أهل النَّار فَالنَّار مثوى لَهُم، أَي: منزل إِقَامَة لَهُم وَإِن يستعتبوا أَي: وَإِن يسترضوا ويطلبوا العتبى فَمَا هم من المعتبين أَي: المرضيين، والمعتب الَّذِي قد قبل عتابه، وَأجِيب إِلَى مَا سَأَلَ، وقرىء بِضَم أَوله وَكسر التَّاء لأَنهم فارقوا دَار الْعَمَل.


حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيّ حَدثنَا يَحْيَى حَدثنَا سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ حدّثني مَنْصُورٌ عَنْ مُجاهِدٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الله بِنَحْوِهِ.
عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان.
قَوْله: (نَحوه) أَي بِنَحْوِ الحَدِيث الْمَذْكُور.



[ قــ :54621 ... غــ :54622 ]
- (سورَةُ حم عسق)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة حم عسق، وَفِي بعض النّسخ: سُورَة حم عسق، وَفِي بَعْضهَا: وَمن سُورَة حم عسق، قيل: قطع حم عسق وَلم يقطع كهيعص وألم والمص، لكَونهَا بَين سور أوائلها حم فجرت مجْرى نظائرها قبلهَا وَبعدهَا فَكَانَ حم مُبْتَدأ وعسق خَبره، وَلِأَنَّهُمَا عدا آيَتَيْنِ وعدت أخواتها الَّتِي كتبت مَوْصُولَة آيَة وَاحِدَة، وَقيل: لِأَنَّهَا خرجت من حيّز الْحُرُوف وَجعلت فعلا مَعْنَاهُ: حم أَي قضى مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بِخِلَاف أخواتها لِأَنَّهَا حُرُوف التهجي لَا غير، وَذكروا فِي: حم عسق مَعَاني كَثِيرَة لَيْسَ لَهَا مَحل هَهُنَا، وَهِي مَكِّيَّة، قَالَ مقَاتل: وفيهَا من الْمدنِي قَوْله: { ذَلِك الَّذِي يبشر الله عباده} (الشورى: 32) .
وَقَوله: { وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} إِلَى قَوْله: { أُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم من سَبِيل} (الشورى: 93 14) .
وَهِي ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَثَمَانُونَ حرفا، وَثَمَانمِائَة وست وَسِتُّونَ كلمة، وَثَلَاث وَخَمْسُونَ آيَة.
فَافْهَم.

(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر رَضِي الله عَنهُ.

ويُذْكَرُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَقِيماً الَّتي لَا تَلِدُ
أَي: يذكر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: { وَيجْعَل من يَشَاء عقيماً} (الشورى: 05) الْمَرْأَة الَّتِي لَا تَلد، وَهَذَا ذكره جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس وَكَأن فِيهِ ضعفا وانقطاعاً، فَلذَلِك لم يجْزم بِهِ فَقَالَ: وَيذكر.

رُوحاً مِنْ أمْرِنا: القُرْآنُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيْك روحاً من أمرنَا} (الشورى: 25) وَفسّر الرّوح بِالْقُرْآنِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، وَعَن السّديّ: وَحيا، وَعَن الْحسن: رَحْمَة.

وَقَالَ مُجاهِدٌ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ نَسْلٌ بَعْدَ نَسْلٍ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن الْأَنْعَام أَزْوَاجًا بذرؤكم فِيهِ} (الشورى: 11) أَن معنى: يذرؤكم نَسْلًا بعد نسل من النَّاس والأنعام، أَي: يخلقكم وَكَذَا فسره السّديّ، يُقَال: ذَرأ الله الْخلق يذرأ هم ذَرأ إِذا خلقهمْ وَكَأَنَّهُ مُخْتَصّ بِخلق الذُّرِّيَّة بِخِلَاف برأَ لِأَنَّهُ أَعم.
قَوْله: (يذرؤكم فِيهِ) قَالَ القتبي: أَي فِي الرّوح، وَخطأ من قَالَ: فِي الرَّحِم، لِأَنَّهَا مُؤَنّثَة وَلم تذكر.

لَا حُجَّةَ بَيْنَنا: لَا خُصُومَةَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { لنا أَعمالنَا وَلكم أَعمالكُم لَا حجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُم الله يجمع بَيْننَا} (الشورى: 51) وَفسّر الْحجَّة بِالْخُصُومَةِ، وَفِي بعض النّسخ: لَا خُصُومَة بَيْننَا وَبَيْنكُم.

مِنْ طرْفٍ خَفِيّ: ذَلِيلٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { خاشعين من الذل ينظرُونَ من طرف خَفِي} (الشورى: 54) وَفسّر قَوْله: (خَفِي) بقوله: (ذليل) ، وَهَكَذَا فسره مُجَاهِد، وَعَن السّديّ: يسارقون النّظر، وَتَفْسِير مُجَاهِد من لَازم هَذَا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: { فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} يَتَحَرَّكْنَ وَلَا يَجْرِينَ فِي البحْرِ
أَي: قَالَ غير مُجَاهِد لِأَن مَا قبله تَفْسِير مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمن آيَاته الْجوَار فِي الْبَحْر كالأعلام أَن يَشَأْ يسكن الرّيح فيظللن رواكد على ظَهره} (الشورى: 23) وَفَسرهُ بقوله: (يتحركن وَلَا يجرين فِي الْبَحْر) أَي: يضطربن بالأمواج وَلَا يجرين فِي الْبَحْر لسكون الرّيح.
.

     وَقَالَ  صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا أَيْضا عَن مُجَاهِد، ورد عَلَيْهِ بقوله:.

     وَقَالَ  غَيره: أَي: غير مُجَاهِد كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: (وَمن آيَاته) أَي: وَمن علاماته الدَّالَّة على عَظمته ووحدانيته، الْجَوَارِي يَعْنِي: السفن وَهِي جمع جَارِيَة وَهِي السائرة فِي الْبَحْر.
قَوْله: (كالاعلام) أَي: كالجبال جمع علم بِفتْحَتَيْنِ، وَعَن الْخَلِيل: كل شَيْء مُرْتَفع عِنْد الْعَرَب فَهُوَ علم.
قَوْله: (واكد) أَي: ثوابت وقوفاً (على ظَهره) أَي: ظهر المَاء لَا تجْرِي.
فَإِن قلت: بَين قَوْله: راوكد، وَبَين قَوْله: يتحركن، مُنَافَاة؟ لِأَن الراكد لَا يَتَحَرَّك.
قلت: هَذَا أَمر نسبي، وَأَيْضًا لَا يلْزم من وُقُوفه فِي المَاء عدم الْحَرَكَة أصلا لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون راكداً وَهُوَ يَتَحَرَّك، وَلَيْسَ هَذَا الركود على ظهر المَاء كالركود على ظهر الأَرْض، وَبِهَذَا يسْقط قَول من زعم أَن كَلمه: لَا، سَقَطت من قَوْله يتحركن، قَالَ: لأَنهم فسروا رواكد بسواكن.
شَرَعُوا ابْتَدَعُوا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { أم لَهُم شُرَكَاء شرعوا لَهُم من الدّين مَا لم يَأْذَن بِهِ الله} (الشورى: 12) وَفسّر: (شرعوا) بقوله: (ابتدعوا) وَلَكِن لَيْسَ هَذَا الْموضع مَحل ذكره لِأَنَّهُ فِي سُورَة حم عسق.


(بابُُ قَوْلِهِ: { إلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى: 3)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { لَا أسئلكم عَلَيْهِ أجرا إلاَّ الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} وَفِي التَّفْسِير: لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة كَانَت تنوبه نَوَائِب وَحُقُوق وَلَيْسَ فِي يَده سَعَة، فَقَالَ الْأَنْصَار: يَا رَسُول الله! قد هدَانَا الله تَعَالَى على يَديك وتنوبك نَوَائِب وَحُقُوق وَلَيْسَ فِي يدك سَعَة فنجمع لَك من أَمْوَالنَا فَاسْتَعِنْ بِهِ على ذَلِك.
فَنزلت هَذِه الْآيَة، قل: يَا مُحَمَّد لَا أسئلكم على مَا أتيتكم بِهِ من الْبَينَات وَالْهدى أجرا إلاَّ الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى إلاَّ أَن تودوا الله عز وَجل وتقربوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ، قَالَه الْحسن الْبَصْرِيّ، رَضِي الله عَنهُ، فَقَالَ هُوَ الْقُرْبَى إِلَى الله تَعَالَى، وَعَن عِكْرِمَة وَمُجاهد وَالسُّديّ وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة: مَعْنَاهُ إلاَّ أَن تودوا قَرَابَتي وعترتي وتحفظوني فيهم، وَاخْتلف فِي قرَابَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقيل: عَليّ وَفَاطِمَة وابناهما، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ولد عبد الْمطلب، وَقيل: هم الَّذين تحرم عَلَيْهِم الصَّدَقَة وَيقسم عَلَيْهِم الْخمس وهم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب الَّذين لم يفترقوا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام.



[ قــ :4558 ... غــ :4818 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ حدَّثنا عَنْ عَبْدِ المَلِكَ بنِ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ طَاوُسا عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنهُما أنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: { إلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فَقَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَال ابنُ عَبَّاسٍ عَجِلْتَ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلاَّ كَانَ لَهُ فِيهمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ إلاَّ أنْ تصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ القَرَابَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن بشار بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن غنْدر بِهِ، وَحَاصِل كَلَام ابْن عَبَّاس أَن جَمِيع قُرَيْش أقَارِب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ المُرَاد من الْآيَة بَنو هَاشم وَنَحْوهم، كَمَا يتَبَادَر الذِّهْن إِلَى قَول سعيد بن جُبَير، وَالله أعلم.