فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك، قال: إنكم ماكثون} [الزخرف: 77]

37676 - ( { سُورَةُ حم الزُّخْرُفِ} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة حم الزخرف، وَفِي بعض النّسخ سُورَة الزخرف، وَفِي بَعْضهَا وَمن سُورَة حم الزخرف.
قَالَ مقَاتل: هِيَ مَكِّيَّة غير آيَة وَاحِدَة وَهِي: { واسأل من أرسلنَا} ( الزخرف: 54) الْآيَة.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَبَّاس: مَكِّيَّة لَا اخْتِلَاف فِيهَا وَهِي ثَلَاثَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة حرف، وَثَمَانمِائَة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ كلمة، وتسع وَثَمَانُونَ آيَة.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الزخرف الذَّهَب، هَذَا الأَصْل ثمَّ سعى كل زِينَة زخرفا، وزخرف الْبَيْت زينته، وكل مَا زوق وزين فقد زخرف.


{ بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}

عَلَى أُمَّةٍ عَلَى إمَامٍ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى { بل قَالُوا إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم مهتدون} ( الزخرف: 22) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر.
.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: فَذكره.
فَقَالَ بَعضهم: وَالْأول أولى.
قلت: لَيْت شعري مَا وَجه الْأَوْلَوِيَّة، وَفسّر الْأمة بِالْإِمَامِ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وروى عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد على مِلَّة، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، على أمة.
أَي: على دين، وَمن طَرِيق السّديّ مثله.

{ وَقِيلَهُ يَا رَبِّ} تَفْسِيرُهُ أيَحْسَبُونَ أنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَلا نَسْمَعُ قِبلَهُمْ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { وقيله يَا رب إِن هَؤُلَاءِ قوم لَا يُؤمنُونَ} ( الزخرف: 88) وَفسّر؟ ( قيله يَا رب) بقوله: ( أيحسبون) إِلَى آخِره، وَبَعْضهمْ أنكر هَذَا التَّفْسِير.
فَقَالَ: إِنَّمَا يَصح لَو كَانَت التِّلَاوَة وقيلهم، وَإِنَّمَا الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: وقيله يَا رب، يَعْنِي: وَقَول مُحَمَّد، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شاكيا إِلَى ربه، وَقيل؛ مَعْنَاهُ وَعِنْده علم السَّاعَة وَعلم قيله،.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ: قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة، وقيله بِكَسْر اللَّام على معنى: { وَعِنْده علم السَّاعَة} ( الزخرف: 58) وَعلم قيله.
وَهَذَا الْعَطف غير قوي فِي الْمَعْنى مَعَ وُقُوع الْفَصْل بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ بِمَا لَا يحسن اعتراضا مَعَ تنافر النّظم، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْح اللَّام وَالْأَوْجه أَن يكون الْجَرّ وَالنّصب على إِضْمَار حرف الْقسم وحذفه، وَيكون قَوْله: إِن هَؤُلَاءِ قوم، جَوَاب الْقسم كَأَنَّهُ قيل: وَأقسم بقيله يَا رب إِن هَؤُلَاءِ قوم لَا يُؤمنُونَ، وَالضَّمِير فِي قيله.
للرسول، وأقسام الله بقيله رفع مِنْهُ وتعظيم لرعايته والتجائه إِلَيْهِ.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: { وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} لَوْلا أنّ جَعلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارا لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الكُفَّارِ سُقُفا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ وَهِيَ دَرَجٌ: وَسُرُرَ فِضَةٍ.

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضَّة ومعارج عَلَيْهَا يظهرون} وَقد فسر ابْن عَبَّاس هَذِه الْآيَة بِمَا ذكره البُخَارِيّ بقوله: لَوْلَا أَن جعل النَّاس إِلَى آخِره، وَهَذَا رَوَاهُ ابْن جرير عَن أبي عَاصِم، حَدثنَا يحيى حَدثنَا وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَنهُ، وَفِي التَّفْسِير: لَوْلَا أَن يكون النَّاس مُجْتَمعين على الْكفْر فيصيروا كلهم كفَّارًا.
قَالَه أَكثر الْمُفَسّرين، وَعَن ابْن زيد، يَعْنِي لَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة فِي طلب الدُّنْيَا واختيارها على العقبى لجعلنا لمن يكفر بالرحمن، لبيوتهم، بدل اشتماله من قَوْله: لمن يكفر، وَيجوز أَن يَكُونَا بِمَنْزِلَة اللامين فِي قَوْلك: وهبت لَهُ ثوبا لقميصه.
قَوْله: ( سقفا) ، قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عمر وبفتح السِّين على الْوَاحِد وَمَعْنَاهُ الْجمع، وَالْبَاقُونَ بِضَم السِّين، وَالْقَاف على الْجمع، وَقيل: هُوَ جمع سقوف جمع الْجمع.
قَوْله: ( ومعارج) يَعْنِي: مصاعد ومراقي ودرجا وسلاليم، وَهُوَ جمع معرج، وَاسم جمع لمعراج.
قَوْله: ( عَلَيْهَا يظهرون) أَي: على المعارج يعلونها يَعْنِي: يعلون سطوحها.

مُقْرِنِينَ مِطِيقِينَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} ( الزخرف: 31) وَفَسرهُ بقوله: ( مطيقين) وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَفِي التَّفْسِير: مُقرنين أَي: مطيقين ضابطين قاهرين، وَقيل: هُوَ من الْقرن، كَأَنَّهُ أَرَادَ: وَمَا كُنَّا لَهُ مقاومين فِي الْقُوَّة.

آسَفُونا أسْخَطُونا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا آسفونا انتقمنا مِنْهُم فأغرقناهم أَجْمَعِينَ} ( الزخرف: 55) وَفَسرهُ: ( آسفونا) بقوله: ( أسخطونا) كَذَا فسره ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِيمَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طلة، عَنهُ وَقيل: مَعْنَاهُ أغضبونا.
وَقيل: خالفونا وَالْكل مُتَقَارب.

يَعْشُ يَعْمَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَانا فَهُوَ لَهُ قرين} وَفسّر: ( يَعش) بقوله: ( يعمى) من عشا يعشو، وَهُوَ النّظر ببصر ضَعِيف، وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِالضَّمِّ، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس بِالْفَتْح أَي: يظلم عَنهُ ويضعف بَصَره، وَعَن الْقرظِيّ: وَمن يول ظَهره، ( وَذكر الرَّحْمَن) هُوَ الْقُرْآن.
قَوْله: ( نقيض لَهُ) أَي: نضمه إِلَيْهِ ونسلطه عَلَيْهِ، ( فَهُوَ لَهُ قرين) فَلَا يُفَارِقهُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: { أفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ} ( الزخرف: 5) أيْ تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لَا تُعَاقِبُونَ عَلَيْهِ.

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحا إِن كُنْتُم قوما مسرفين} وَفَسرهُ بقوله: { أَي تكذبون بِالْقُرْآنِ ثمَّ لَا تعاقبون} ؟ يَعْنِي: أفنعرض عَن المكذبين بِالْقُرْآنِ وَلَا تعاقبهم؟ وَقيل: مَعْنَاهُ أفنضرب عَنْكُم الْعَذَاب ونمسك ونعرض عَنْكُم ونترككم فَلَا نعاقبكم على كفركم، وَرُوِيَ هَذَا أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، وَالسُّديّ، وَعَن الْكسَائي: أفنطوي عَنْكُم الذّكر طيا فَلَا تدعون وَلَا توعظون؟ وَهَذَا من فصيحات الْقُرْآن، وَالْعرب تَقول لمن أمسك على الشَّيْء مَا أعرض عَنهُ صفحا والأصلح فِي ذَلِك أَنَّك إِذا أَعرَضت عَنهُ وليته صفحة عُنُقك، وَضربت عَن كَذَا وأضربت إِذا تركته، وَأَمْسَكت عَنهُ، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد.

وَمَضَى مَثَلُ الأوَّلِينَ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { فأهلكنا أَشد مِنْهُم بطشا وَمضى مثل الْأَوَّلين} وَفَسرهُ بقوله: ( سنة الْأَوَّلين) وَقيل: سنتهمْ وعقوبتهم.

{ وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} يَعْنِي الإبِلَ وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ قد مر عَن قريب معنى، مُقرنين، وَالضَّمِير فِي: لَهُ، يرجع إِلَى الْأَنْعَام الْمَذْكُورَة قبله، وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير لِأَن الْأَنْعَام فِي معنى الْجمع كالجند والجيش والرهط وَنَحْوهَا من أَسمَاء الْجِنْس، قَالَه الْفراء، وَقيل: ردهَا إِلَى مَا.

يَنْشأُ فِي الحِلْيَةِ الجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمانِ وَلَدا فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أَو من ينشأ فِي الْحِلْية وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين} ( الزخرف: 81) قَوْله: ( ينشأ) ، أَي يكبر وَيثبت فِي الْحِلْية أَي فِي الزِّينَة، وَفَسرهُ بقوله: الْجَوَارِي يَعْنِي: جعلتم الْإِنَاث ولد الله حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَة بَنَات الله فَكيف تحكمون بذلك وَلما ترْضونَ بِهِ لأنفسكم؟.

     وَقَالَ  عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة.
فِي قَوْله: ( أَو من ينشأ فِي الْحِلْية) ، قَالَ: الْبَنَات.
وَقِرَاءَة الْجُمْهُور: ينشاه، بِفَتْح أَوله مخففا، وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص بِضَم أَوله مُثقلًا وَقَرَأَ الجحدري بِضَم أَوله مخففا.

{ لَوْ شَاءَ الرَّحْمانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} يَعْنُونَ الأوْثانَ يَقُولُ الله تَعَالَى: { مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ علْم} ( الزخرف: 02) أيْ الأوْثانُ إنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَقَالُوا لَو شَاءَ الرحمان مَا عبدناهم مَا لَهُم بذلك من علم إِن هم إِلَّا يخرصون} ، قَوْله: ( يعنون الْأَوْثَان) ، هُوَ قَول مُجَاهِد،.

     وَقَالَ  قَتَادَة: يعنون الْمَلَائِكَة وَالضَّمِير فِي: مَا عبدناهم، يرجع إِلَى الْأَوْثَان عِنْد عَامَّة الْمُفَسّرين، وَنزلت منزلَة من يعقل فَذكر الضَّمِير.
قَوْله: ( مَا لَهُم بذلك) ، أَي: فِيمَا يَقُولُونَ: ( إِن هم أَلا يخرصون) أَي: يكذبُون.

فِي عَقبِهِ: وَلَدِهِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبَة لَعَلَّهُم يرجعُونَ} ( الزخرف: 82) وَفسّر الْعقب بِالْوَلَدِ وَالْمرَاد بِهِ الْجِنْس حَتَّى يدْخل ولد الْوَلَد،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: بل الْوَرَثَة كلهم عقب، والكلمة الْبَاقِيَة.
قَوْله: ( لَا إلاه إِلَّا الله) .

مُقْتَرِنِينَ يَمْسُونَ مَعا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أَو جَاءَ مَعَه الْمَلَائِكَة مقترنين} ( الزخرف: 35) وَفسّر: ( مُقرنين) بقوله: ( يَمْشُونَ مَعًا) أَي: يَمْشُونَ مُجْتَمعين مَعًا ويمشون مُتَتَابعين يعاون بَعضهم بَعْضًا.

سَلَفا قَوْمُ فِرْعُونَ سَلَفا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمَثَلاً عِبْرَةً.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فجعلناهم سلفا ومثلاً للآخرين} قَوْله: ( جعلناهم) ، أَي: جعلنَا قوم فِرْعَوْن سلفا لكفار هَذِه الْأمة، وَفِي التَّفْسِير: سلفا: هم الماضون المتقدمون من الْأُمَم.
قَوْله: ( ومثلاً) ، أَي: عِبْرَة للآخرين أَي؛ لمن يَجِيء بعدهمْ، وقرىء بِضَم السِّين وَاللَّام وفتحهما.

يَصِدُّونَ يَضِجُّونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { إِذا قَوْمك مِنْهُم يصدون} ( الزخرف: 75) وَفَسرهُ بقوله: { يضجون} بِالْجِيم وبكسر الضَّاد، وَمن قَرَأَ بِالضَّمِّ فَالْمَعْنى: يعرضون،.

     وَقَالَ  الْكسَائي: هما لُغَتَانِ بِمَعْنى، وَأنكر بَعضهم الضَّم.

     وَقَالَ : لَو كَانَ مضموما لَكَانَ يُقَال: عَنهُ، وَلم يقل: مِنْهُ وَقيل: معنى، مِنْهُ، من أَجله فَلَا إِنْكَار فِي الضَّم.

مُبْرِمُونَ مجْمعُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أم أبرموا أمرا فَإنَّا مبرمون} ( الزخرف: 97) وَفَسرهُ بقوله: ( مجمعون) وَقيل: محكمون، وَالْمعْنَى: أم أحكموا أمرا فِي الْمَكْر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإنَّا مبرمون محكمون.

أوَّلُ العَابِدِينَ أوَّلُ المُؤْمِنِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: { قل إِن كَانَ للرحمان ولد فَأَنا أول العابدين} ( الزخرف: 18) وَفسّر العابدين بِالْمُؤْمِنِينَ، وَوَصله الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد بِلَفْظ: أول الْمُؤمنِينَ بِاللَّه فَقولُوا مَا شِئْتُم، وَفِي التَّفْسِير: يَعْنِي: إِن كَانَ للرحمن ولد فِي زعمكم وقولكم فَأَنا أول الْمُوَحِّدين الْمُؤمنِينَ بِاللَّه فِي تكذيبكم والجاحدين مَا قُلْتُمْ من أَن لَهُ ولدا، وَعَن ابْن عَبَّاس: يَعْنِي مَا كَانَ للرحمان ولد وَأَنا أول الشَّاهِدين لَهُ بذلك.

وَقَالَ غَيْرُهُ: { إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} ( الزخرف: 62) العَرَبُ تَقُولُ نَحْنُ مِنْكَ البَرَاء وَالخَلاءُ وَالوَاحِدُ وَالاثنانِ وَالجَمْعُ مِنَ المُذَكَّرِ وَالمُؤَنَثِ يُقالُ فِيهِ بَرَاءٌ لأنَّهُ مَصْدَرٌ وَلَوْ قَالَ بَرِيءٌ لَقِيلَ فِي الاثْنَيْنِ بَرِيَآنِ وَفِي الجَمَعِ بَرِيؤُنَ: وَقَرَأَ عَبْدُ الله إنَّنِي بَرِيءٌ بِالْيَاءِ.

أَي:.

     وَقَالَ  غير مُجَاهِد لِأَن مَا قبله قَوْله مُجَاهِد، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ،.

     وَقَالَ  غَيره: قَوْله: ( إِنَّنِي برَاء) ، وأوله: { وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَقَومه إِنَّنِي برَاء} ( الزخرف: 62) يَعْنِي: وَاذْكُر يَا مُحَمَّد إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم إِلَى آخِره، وَهَذَا كُله ظَاهر.
قَوْله: ( يُقَال فِيهِ برَاء) ، لِأَنَّهُ مصدر وضع مَوضِع النَّعْت.
يُقَال: بَرِئت مِنْك وَمن الدُّيُون والعيوب بَرَاءَة، وبرئت من الْمَرَض برَاء بِالضَّمِّ، وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ: ابرأت من الْمَرَض برَاء بِالْفَتْح.
قَوْله: ( وَفِي الْجمع: بريئون) ، وَيُقَال أَيْضا: بُرَآء مثل فَقِيه وفقهاء، وبراء أَيْضا بِكَسْر الْبَاء مثل: كريم وكرام، وأبراء مثل شرِيف وأشراف، وأبرياء مثل نصيب وأنصباء، وَفِي الْمُؤَنَّث، يُقَال: امْرَأَة بريئة وهما بريئتان وَهن بريئات وبرايا، وَهَذِه لُغَة أهل نجد، وَالْأولَى لُغَة أهل الْحجاز.
قَوْله: ( وَقَرَأَ عبد الله) ، أَي: ابْن مَسْعُود، ذكره الْفضل بن شَاذان فِي كتاب ( الْقرَاءَات) بِإِسْنَادِهِ عَن طَلْحَة بن مصرف عَن يحيى بن وثاب عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله.

وَالزُّخْرُفُ الذَّهَبُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { ولبيوتهم أبوابا وسررا عَلَيْهَا يتكؤون وزخرفا} ( الزخرف: 43، 53) وَفَسرهُ بِالذَّهَب، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْبابُُ.

مَلائِكَةٌ يَخْلُفونَ يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَلَو نشَاء لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة فِي الأَرْض يخلفون} وَفسّر ( يخلفون) بقوله: ( يخلف بَعضهم بَعْضًا) وَأخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة، وَزَاد فِي آخِره مَكَان ابْن آدم.


( بابٌُ قَوْلِهِ: { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ( الزخرف: 77) الآيَةَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { وَنَادَوْا} أَي: الْكفَّار فِي النَّار ينادون لمَالِك خَازِن النَّار { ليق علينا رَبك} أَي: ليمتنا فنستريح، فَيُجِيبهُمْ مَالك بعد ألف سنة: إِنَّكُم مَاكِثُونَ فِي الْعَذَاب، وَفِي تَفْسِير الْجَوْزِيّ: ينادون مَالِكًا أَرْبَعِينَ سنة فَيُجِيبهُمْ بعْدهَا إِنَّكُم مَاكِثُونَ.
ثمَّ ينادون رب الْعِزَّة رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَلَا يُجِيبهُمْ مثل عمر الدُّنْيَا، ثمَّ يَقُول: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون.



[ قــ :4559 ... غــ :4819 ]
- حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ حدَّثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْروٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ ابنِ يَعْلَى عَنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ عَلَى المِنْبَرَ: { وَنَادُوا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح ويعلى بن أُميَّة والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب بَدْء الدُّنْيَا فِي بابُُ صفة النَّار فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار إِلَى آخِره.

وَقَالَ قَتادَةُ مَثَلاً لِلآخِرِينَ عِظَةَ لِمَنْ بَعْدَهُ

أَي: قَالَ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: { فجعلناهم سلفا ومثلاً للآخرين} ( الزخرف: 65) أَي: عظة لمن يَأْتِي بعدهمْ، والعظة الموعظة أَصْلهَا وعظة، حذفت الْوَاو تبعا للحذف فِي فعلهَا.

وَقَالَ غَيْرُهُ مُقْرِنِينَ ضَابِطِينَ يُقالُ فُلانٌ مُقْرِنٌ لِفُلانٍ ضَابِطٌ لَهُ

أَي: قَالَ غير قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.

وَالأكْوَابُ الأبَارِيقُ الَّتِي لَا خَرَاطِيمَ لَهَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { يُطَاف عَلَيْهِم بصحاف من ذهب وأكواب} الْآيَة.
وَهُوَ جمع كوبة.
.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: الكوب الْكوز بِلَا عُرْوَة.
{ أَوَّلُ العَابِدِينَ} أيْ: مَا كَانَ فَأنَا أوَّلُ الآنِفِينَ وَهُمَا لُغَتَانِ رَجُلٌ عَابِدٌ وَعَبْدٌ، وَقَرَأَ عَبْدُ الله.

     وَقَالَ  الرَّسُولُ يَا رَبِّ وَيُقَالُ أوَّلُ الْعابِدِينَ الجَاحِدِينَ مِنْ عَبْدَ يَعْبَدُ

قد مر عَن قريب.
قَوْله: { أول العابدين} أول الْمُؤمنِينَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَأعَاد هُنَا أَيْضا لأجل معنى آخر على مَا لَا يخفى وَلكنه لَو ذكر كُله فِي مَوضِع وَاحِد لَكَانَ أولى، وَفسّر هُنَا.
أول العابدين، بقوله: أَي مَا كَانَ فَأَنا أول الآنفين.
فَقَوله: ( أَي مَا كَانَ) تَفْسِير قَوْله: { إِن كَانَ للرحمن ولد} وَكلمَة أَن نَافِيَة أَي: مَا كَانَ لَهُ ولد قَوْله: ( فَأَنا أول الآنفين) تَفْسِير قَوْله: ( أول العابدين) لِأَن العابدين هُنَا مُشْتَقّ من عبد بِكَسْر الْبَاء إِذا أنف واشتدت أنفته.
قَوْله: ( وهما لُغَتَانِ) ، يَعْنِي: عَابِد وَعبد، فَالْأول بِمَعْنى الْمُؤمن، وَالثَّانِي بِمَعْنى الآنف، وَعبد بِكَسْر كَذَا بِخَط الدمياطي،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: ضبط بِفَتْحِهَا،.

     وَقَالَ : وَكَذَا ضبط فِي كتاب ابْن فَارس،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: العَبْد، بِالتَّحْرِيكِ: الْغَضَب، وَعبد بِالْكَسْرِ إِذا أنف.
قَوْله: ( من عبد يعبد) ، بِمَعْنى: جحد بِكَسْر الْبَاء فِي الْمَاضِي وَفتحهَا فِي الْمُضَارع هَكَذَا هُوَ فِي أَكثر النّسخ، ويروى بِالْفَتْح فِي الْمَاضِي وَالضَّم فِي الْمُضَارع، وَجَاء الْكسر فِي الْمُضَارع أَيْضا.

     وَقَالَ  ابْن التِّين، وَلم يذكر أهل اللُّغَة عبد بِمَعْنى جحد، ورد عَلَيْهِ بِمَا ذكره مُحَمَّد بن عَزِيز السجسْتانِي صَاحب ( غَرِيب الْقُرْآن) أَن معنى العابدين الآنفين الجاحدين، وَفسّر على هَذَا { إِن كَانَ لَهُ ولد فَأَنا أول الجاحدين} وَهَذَا مَعْرُوف من قَول الْعَرَب إِن كَانَ هَذَا الْأَمر قطّ يَعْنِي: مَا كَانَ، وَعَن السّديّ: إِن بِمَعْنى: لَو أَي لَو كَانَ للرحمن ولد كنت أول من عَبده بذلك، لَكِن لَا ولد لَهُ.
.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة، إِن بِمَعْنى: مَا وَالْفَاء بِمَعْنى: الْوَاو.
أَي: مَا كَانَ للرحمن ولد وَأَنا أول العابدين.
قَوْله: ( وَقَرَأَ عبد الله) ، يَعْنِي: ابْن مَسْعُود،.

     وَقَالَ  الرَّسُول: يَا رب مَوضِع { وقيله يَا رب} ( الزخرف: 88) وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر هَذَا عِنْد قَوْله: ( وقيله يَا رب) ، على مَا لَا يخفى.

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي أُمِّ الكِتابِ: جُمْلَةِ الكِتابِ أصْلِ الكِتابِ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب لدينا لعَلي حَكِيم} ( الزخرف: 4) وَفسّر قَتَادَة بقوله جملَة الْكتاب وَأَصله.

     وَقَالَ  الْمُفَسِّرُونَ أم الْكتاب اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي عِنْد الله تَعَالَى مِنْهُ نسخ.