فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {يغشى الناس هذا عذاب أليم} [الدخان: 11]

(بابٌُ: { يَغْشَى النَّاسَ هاذَا عَذَابٌ ألِيمٌ} (الْفرْقَان: 11)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { يغشى النَّاس} ، وَلَيْسَ فِي عَامَّة النّسخ لفظ بابُُ.
قَوْله: (يغشى النَّاس) ، أَي: يُحِيط النَّاس يمْلَأ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب يمْكث أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة أما الْمُؤمن فَيُصِيبهُ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام، وَأما الْكَافِر فَيصير كَالسَّكْرَانِ يخرج من مَنْخرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدبره.
قَوْله: (هَذَا عَذَاب أَلِيم) ، أَي: يَقُول الله ذَلِك، وَقيل: يَقُوله النَّاس.



[ قــ :4561 ... غــ :4821 ]
- حدَّثنا يَحْيَى حدَّثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عَبْدِ الله إنَّمَا كَانَ هاذا لأنَّ قُرَيْشا لَمَّا اسْتَعْصوْا عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنيْ يُوصُفَ فأصابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أكَلُوا العِظامَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَها كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الجَهْدِ فأنْزَلَ الله تَعَالَى: { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (الدُّخان: 51) فَلَمَّا أصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إلَى حَالِهِمْ حِينَ أصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ فَأنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: { يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إنَّا مُنْتَقِمُونَ} قَالَ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: يغش النَّاس، وَيحيى هُوَ ابْن مُوسَى الْبَلْخِي، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَمُسلم هُوَ ابْن صبيح أَبُو الضُّحَى، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، وَقد ترْجم لهَذَا الحَدِيث ثَلَاث تراجم بعد هَذَا، وسَاق الحَدِيث بِعَيْنِه مطولا ومختصرا.
وَقد مضى أَيْضا فِي الاسْتِسْقَاء وَفِي تَفْسِير الْفرْقَان مُخْتَصرا، وَفِي تَفْسِير الرّوم وَفِي تَفْسِير صَاد مطولا.

قَوْله: (إِنَّمَا كَانَ هَذَا) ، يَعْنِي: الْقَحْط والجهد اللَّذين أصابا قُريْشًا حَتَّى رَأَوْا بَينهم وَبَين السَّمَاء كالدخان.
قَوْله: (لما استعصوا) ، أَي: حِين أظهرُوا الْعِصْيَان وَلم يتْركُوا الشّرك.
قَوْله: (كَسِنِي يُوسُف) ، وَهِي الَّتِي أخبر الله تَعَالَى عَنْهَا بقوله: { ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك سبع شَدَّاد} (يُوسُف: 84) .
قَوْله: (فَأَصَابَهُمْ) ، تَفْسِير لما قبله، فَلذَلِك أَتَى بِالْفَاءِ.
قَوْله: (جهد) ، بِالْفَتْح وَهُوَ الْمَشَقَّة الشَّديد.
قَوْله: (فَأَنِّي) ، بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول، والآتي هُوَ أَبُو سُفْيَان وَكَانَ كَبِير مُضر فِي ذَلِك الْوَقْت.
قَوْله: (قَالَ لمضر) أَي: لأبي سُفْيَان، وَأطلق عَلَيْهِ مُضر لكَونه كَبِيرهمْ وَالْعرب تَقول قتل قُرَيْش فلَانا يُرِيدُونَ بِهِ شخصا معينا مِنْهُم، وَكَثِيرًا يضيفون الْأَمر إِلَى الْقَبِيلَة وَالْأَمر فِي الْوَاقِع مُضَاف إِلَى وَاحِد مِنْهُم.
قَوْله: (إِنَّك لجريء) أَي: ذُو جرْأَة حَيْثُ تشرك بِاللَّه وتطلب الرَّحْمَة مِنْهُ، وَإِذا كشف عَنْكُم الْعَذَاب إِنَّكُم عائدون إِلَى شرككم والإصرار عَلَيْهِ، قَوْله: (فسقوا) بِضَم السِّين وَالْقَاف على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (الرَّفَاهِيَة) ، يتخفيف الْفَاء وَكسر الْهَاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ التَّوَسُّع والراحة.