فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا: هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} [الأحقاف: 24]

(بابُُ قَوْلِهِ: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضا مُسْتَقبلَ أوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هاذا عَارِضٌ مِمْطرنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذَابٌ ألِيمٌ} (الْأَحْقَاف: 42)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله عز وَجل: { فَلَمَّا رَأَوْهُ} الخ.
سَاقهَا غير أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عارضا مُسْتَقْبل أَوْدِيَتهمْ} الْآيَة.
قَوْله: (فَلَمَّا رَأَوْهُ) أَي: فَلَمَّا رَأَوْا مَا يوعدون بِهِ وَكَانُوا قَالُوا: فائتنا بِمَا تعدنا، يَعْنِي: من الْعَذَاب إِن كنت من الصَّادِقين، وهم قوم هود، عَلَيْهِ السَّلَام، قَوْله: (عارضا) نصب على الْحَال، وَقيل: رَأَوْا عارضا وَهُوَ السَّحَاب سمي بذلك لِأَنَّهُ يعرض أَي يَبْدُو فِي عرض السَّمَاء.
قَوْله: { مُسْتَقْبل أَوْدِيَتهمْ} صفة لقَوْله: عارضا، فَلَمَّا رَأَوْهُ اسْتَبْشَرُوا بِهِ وَقَالُوا: هَذَا عَارض مُمْطِرنَا يمطر لنا فَقَالَ الله عز وَجل: { بل هُوَ مَا استعجلتم بِهِ ريح فِيهَا عَذَاب أَلِيم} وريح مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف.
أَي: هُوَ ريح، وَكَانَت الرّيح الَّتِي تسمى الديور، وَكَانَت تحمل الْفسْطَاط وَتحمل الظعينة فترفعها حَتَّى كَأَنَّهَا جَرَادَة وَأما مَا كَانَ خَارِجا من مَوَاشِيهمْ ورحالهم تطير بهَا الرّيح بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مثل الريش، قَالَ ابْن عَبَّاس: فَدَخَلُوا بُيُوتهم وَأَغْلقُوا أَبْوَابهم فَجَاءَت الرّيح فَقلعت أَبْوَابهم وصرعتهم، وَأمر الله الرّيح فأمالت عَلَيْهِم الرمال فَكَانُوا تَحت الرمل سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما أَنِين.
ثمَّ أَمر الله تَعَالَى الرّيح فَكشفت عَنْهُم الرمال، ثمَّ أمرهَا فاحتملتهم فرمت بهم فِي الْبَحْر، فَهُوَ الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى: { تدمر كل شَيْء} (الْأَحْقَاف: 52) مرت بِهِ من رجال عَاد وأموالها.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ عَارِضٌ السَّحابُ

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: { هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} الْعَارِض السَّحَاب وَقد قُلْنَا: مَا سَبَب تَسْمِيَته بذلك.



[ قــ :4568 ... غــ :4828 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عِيسَى حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ أخْبرنا عَمْرٌ وأنَّ أبَا النّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ ابنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَاحِكا حَتَّى أُرَى مِنْهُ لَهَوَانِهِ إنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.
حدَّثنا قَالَتْ وَكَانَ إذَا رَأَى غَيْما أوْ رِيحا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ الله إنَّ النَّاسَ إذَا رَأوا الغَيْمَ فَرِحُوا أنْ يَكُونَ فِيهِ المَطَرُ وَأرَاكَ إذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةُ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ مَا يُوؤْمِنُنِي أنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَا عُذِّبَ قَوْمُ عَادٍ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابِ: { فَقَالُوا هاذا عَارِضٌ ممْطِرُنا} .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأحمد كَذَا غير مَنْسُوب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، حَدثنَا أَحْمد بن عِيسَى، كَذَا قَالَ أَبُو مَسْعُود وَخلف وعرفه ابْن السكن بِأَنَّهُ أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ، وغلّط الْحَاكِم.
قَول من قَالَ: إِنَّه ابْن أخي ابْن وهب،.

     وَقَالَ  ابْن مَنْدَه كلما قَالَ البُخَارِيّ فِي (جَامعه) حَدثنَا أَحْمد عَن ابْن وهب، فَهُوَ ابْن صَالح، وَإِذا حدث عَن ابْن عِيسَى نسبه.
قلت: لَعَلَّ الْكرْمَانِي اعْتمد على هَذَا حَيْثُ قَالَ: أَحْمد، أَي: ابْن صَالح الْمصْرِيّ،.

     وَقَالَ  فِي (رجال الصَّحِيحَيْنِ) أَحْمد غير مَنْسُوب يحدث عَن عبد الله ابْن وهب الْمصْرِيّ، حدث عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع من (الْجَامِع) .

وَاخْتلفُوا فِي أَحْمد هَذَا، فَقَالَ قوم: إِنَّه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أخي ابْن وهب،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ: إِنَّه أَحْمد بن صَالح أَو أَحْمد بن عِيسَى،.

     وَقَالَ  أَبُو أَحْمد الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي: أَحْمد عَن ابْن وهب هُوَ ابْن أخي ابْن وهب،.

     وَقَالَ  ابْن مَنْدَه: لم يخرج البُخَارِيّ عَن أَحْمد بن صَالح وَعبد الرَّحْمَن شَيْئا فِي (الصَّحِيح) ، وَعَمْرو هُوَ ابْن الْحَارِث، وَأَبُو النَّضر، بِسُكُون الْمُعْجَمَة، سَالم، وَسليمَان بن يسَار.
ضد الْيَمين، وَنصف هَذَا الْإِسْنَاد الْأَعْلَى مدنيون والأدنى مصريون.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن يحيى بن سُلَيْمَان وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِسْقَاء عَن هَارُون بن مَعْرُوف.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن صَالح.

قَوْله: (لهوانه) ، بتحريك الْهَاء جمع لهاة وَهِي اللحمة الْمُتَعَلّقَة فِي أَعلَى الحنك وَيجمع أَيْضا على: لَهَا بِفَتْح اللَّام مَقْصُور.
قَوْله: (إِنَّمَا كَانَ يتبسم) ، قلت: روى أَنه ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، فِي التَّوْفِيق بَينهمَا.
قلت: ظُهُور النواجذ الَّتِي هِيَ الْأَسْنَان الَّتِي فِي مقدم الْفَم أَو الأنياب لَا يسْتَلْزم ظُهُور اللهاة.
قَوْله: (عرفت الْكَرَاهِيَة فِي وَجهه) ، وَهِي من أَفعَال الْقُلُوب الَّتِي لَا ترى، وَلكنه إِذا فَرح الْقلب تبلج الجبين، فَإِذا حزن أُرِيد بِالْوَجْهِ فعبرت عَن الشَّيْء الظَّاهِر فِي الْوَجْه بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ ثَمَرَتهَا.
قَوْله: (مَا يؤمنني) من آمن يُؤمن ويروى: مَا يؤمني، بِالْهَمْزَةِ وَتَشْديد النُّون.
قَوْله: (عذب قوم عَاد) حَيْثُ أهلكوا يرِيح صَرْصَر.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: النكرَة الْمُعَادَة هِيَ غير الأولى، وَهنا الْقَوْم الَّذين قَالُوا: هَذَا عَارض مُمْطِرنَا، هم بعينهم الَّذين عذبُوا بِالرِّيحِ فِيهَا عَذَاب أَلِيم قدمر كل شَيْء.
قلت: تِلْكَ الْقَاعِدَة النحوية إِنَّمَا هِيَ فِي مَوضِع لَا يكون ثمَّة قرينَة على الِاتِّحَاد، أما إِذا كَانَت فَهِيَ بِعَينهَا الأولى لقَوْله تَعَالَى: { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إلاه وَفِي الأَرْض إلاه} (الزخرف: 48) وَلَئِن سلمنَا وجوب الْمُغَايرَة مُطلقًا فَلَعَلَّ عادا قومان، قوم بالأحقاف، أَي فِي الرمال وهم أَصْحَاب الْعَارِض، وَقوم غَيرهم من الَّذين كذبُوا انْتهى.
قلت: تمثيله بقوله: (هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إلاه وَفِي الأَرْض إلاه) غير مُطَابق لما قَالَه لِأَن فِيهِ الْمُغَايرَة ظَاهِرَة، لَكِن يحمل على معنى أَن كَونه معبودا فِي السَّمَاء غير كَونه معبودا فِي الأَرْض لِأَن إلاها بِمَعْنى مألوه بِمَعْنى معبود فَافْهَم.