فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا} [النبأ: 18]: زمرا

( بابٌُُ: { يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أفْوَاجا} ( النبأ: 81) زُمَرا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { يَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} وَفسّر الأفواج بقوله: ( زمرا) .



[ قــ :4669 ... غــ :4935 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدٌ أخْبرَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَنِ أبِي صَالح عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ قَالَ أرْبَعُونَ يَوْما قَالَ أرْبَعُونَ شَهْرا قَالَ أبَيْتُ قَالَ أرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أبَيْتُ قَالَ ثُمَّ يُنْزِلُ الله مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ البَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإنْسَانِ شَيْءٌ إلاَّ يَبْلَى إلاَّ عَظْما وَاحِدا وَهُوَ عَجْبُ الذنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيامَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام البيكندي، وَأَبُو مُعَاوِيَة محمدبن خازم الضَّرِير، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات، والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة الزمر وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( أَبيت) ، أَي: امْتنعت عَن الْإِخْبَار بِمَا لَا أعلم قَوْله: ( أَلا يبْلى) أَي: يخلق قَوْله: ( عجب الذَّنب) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم الأَصْل فَهُوَ آخر مَا يخلق وَأول مَا يخلق.





[ قــ :8710 ... غــ :8711 ]
- ( سُورَةُ { وَالنَّازِعَاتِ} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة والنازعات وَتسَمى: سُورَة الساهرة، وَهِي مَكِّيَّة لَا اخْتِلَاف فِيهَا.

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت بعد سُورَة النبأ وَقبل سُورَة { إِذا السَّمَاء انفطرت} ( الانفطار: 1) وَهِي سَبْعمِائة وَثَلَاثَة وَخَمْسُونَ حرفا وَمِائَة وتسع وَسَبْعُونَ كلمة وست وَأَرْبَعُونَ آيَة فِي النازعات أَقْوَال الْمَلَائِكَة تنْزع نفوس بني آدم رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: وَالْمَوْت ينْزع النُّفُوس قَالَه سعيد بن جُبَير، والنجوم تنْزع من أفق إِلَى أفق تطلع ثمَّ تغيب والغزاة الرُّمَاة.
قَالَه عَطاء وَعِكْرِمَة.

زَجْرَةٌ: صَيْحَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة} ( النازعات: 31) وفسرها بقوله: ( صَيْحَة) وَثَبت هَذَا للنسفي وَحده.

وَقَالَ مُجاهِدٌ: تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ هِيَ الزَلْزَلَةُ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { يَوْم ترجف الراجفة} ( النازعات: 6) الراجفة الزلزلة.
.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: يَعْنِي النفخة الأولى الَّتِي يتزلزل ويتحرك لَهَا كل شَيْء، وَهَذَا أَيْضا للنسفي وَحده.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الآيَةَ الكُبْرَى عَصَاهُ وَيَدُهُ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { فَأرَاهُ الْآيَة الْكُبْرَى} ( النازعات: 0) أَي: فَأرى مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِرْعَوْن الْآيَة الْكُبْرَى، وفسرها مُجَاهِد بعصاه وَيَده حِين خرجت بَيْضَاء وَكَذَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة مثله.

سَمكَها: بَنَاها بِغَيْرِ عَمَدٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { رفع سمكها فسواها} ( النازعات: 8) وَفَسرهُ بقوله: ( بناها) بِغَيْر عمد.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: سمكها سقفها.

     وَقَالَ  الْفراء كل شَيْء حمل شَيْئا من الْبناء وَغَيره فَهُوَ سمك وَبِنَاء مسموك، فسواها بِلَا شطور وَلَا فطور، وَهَذَا للنسفي وَحده.

طَغَى عَصى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن إِنَّه طَغى} ( النازعات: 71) وَفَسرهُ بقوله: ( عصى) وطغى من الطغيان وَهُوَ الْمُجَاوزَة عَن الْحَد وَهَذَا أَيْضا للنسفي وَحده.

يُقَالُ الناخِرَةُ وَالنَّخِرَة سَوَاءٌ مِثْلُ الطَّامِعَ وَالطَّمِعِ وَالبَاخِلِ وَالْبخل.
.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ النَّخِرَةُ البَالِيَةُ وَالنَّاخِرَةُ العَظْمُ المُجَوَّفُ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { أئذا كُنَّا عظاما نخرة} ( النازعات: 11) قَوْله: ( سَوَاء) ، لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الناخرة اسْم فَاعل، والنخرة صفة مشبهة.
وَإِن كَانَ مُرَاده سَوَاء فِي أصل الْمَعْنى، فَلَا بَأْس بِهِ.
قَوْله: ( مثل الطامع والطمع) ، بِكَسْر الْمِيم على وزن، فعل، بِكَسْر الْعين ( والباخل وَالْبخل) على وزن فعل بِكَسْر الْعين أَيْضا.
وَفِي التَّمْثِيل بهما نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ الْآن.
وَالْآخر: التَّفَاوُت بَينهمَا فِي التَّذْكِير والتأنيث، وَلَو قَالَ: مثل، صانعة وصنعة، وَنَحْو ذَلِك لَكَانَ أصوب، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني، الناحل والنحل، بالنُّون والحاء الْمُهْملَة فيهمَا.

     وَقَالَ  بَعضهم بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة هُوَ الصَّوَاب.
قلت: لم يبين جِهَة الصَّوَاب، لَا يسْتَعْمل إلاَّ فِي مُقَابلَة الْخَطَأ وَالَّذِي وَقع بالنُّون والحاء الْمُهْملَة لَيْسَ بخطأ حَتَّى يكون الَّذِي ذكره صَوَابا.
قَوْله: ( وَقَالَ بَعضهم) ، الظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ هُوَ ابْن الْكَلْبِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: يَعْنِي النخرة البالية إِلَى آخِره فينخر أَي: يصوت، وَهَذَا قد فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى أَيْضا وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة إلاَّ حفصا: ناخرة، بِالْألف وَالْبَاقُونَ نخرة، بِلَا ألف، وَذكر أَن عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود وَعبد الله بن عَبَّاس وَابْن الزبير وَمُحَمّد بن كَعْب وَعِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم، كَانُوا يقرؤون: عظاما ناخرة، بِالْألف،.

     وَقَالَ  الْفراء: ناخرة بِالْألف أَجود الْوَجْهَيْنِ.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: الحَافِرَةُ إلَى أمْرِنا الأوَّلِ إلَى الحَياةِ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { أئنا لمردودون فِي الحافرة} ( النازعات: 01) وفسرها بقوله: ( إِلَى أمرنَا الأول) يَعْنِي: إِلَى الْحَالة الأولى: يَعْنِي الْحَيَاة يُقَال: رَجَعَ فلَان فِي حافرته أَي: فِي طَرِيقَته الَّتِي جَاءَ مِنْهَا، وَأخرج هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه عَن أبي صَالح: حَدثنِي أَبُو مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَأخْبر الْقُرْآن عَن منكري الْبَعْث من مُشْركي مَكَّة أَنهم قَالُوا: ائنا لمردودون فِي الحافرة.
أَي: فِي الْحَالة لأولى، يعنون بِالْحَيَاةِ بعد الْمَوْت أَي: فنرجع أَحيَاء كَمَا كُنَّا قبل مماتنا، وَقيل: التَّقْدِير عِنْد الحافرة، يُرِيدُونَ عِنْد الْحَالة الأولى، وَقيل: الحافرة الأَرْض الَّتِي تحفر فِيهَا قُبُورهم فسميت حافرة بِمَعْنى محفورة، وَقد سميت الأَرْض حافرة لِأَنَّهَا مُسْتَقر الحوافر.

وَقَالَ غَيْرُهُ: { أيانَ مُرْساها} ( النازعات: 4) مَتى مُنْتَهَاهَا، وَمُرْسَى السَّفِينَةِ حَيْثُ تَنْتَهِي

أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { أَيَّانَ مرْسَاها} يَعْنِي: مَتى مُنْتَهَاهَا، ومرسى، بِضَم الْمِيم وَالضَّمِير فِي: مرْسَاها، يرجع إِلَى السَّاعَة.
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لم يزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر السَّاعَة وَيسْأل عَنْهَا حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة.


( بابٌُُ: { الرَّاجِفَةُ النَّفْخَةُ الأولَى.
الرَّادِفَةُ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ}
)


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { يَوْم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة} ( النازعات: 6، 7) وروى هَذَا التَّفْسِير الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.



[ قــ :4670 ... غــ :4936 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ حدَّثنا الفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثنا أبُو حَازِمٍ حدَّثنا سَهْلُ ابنُ سَعْدٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بِإصْبِعَيْهِ هاكَذا بِالوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإبْهَامَ بُعِثتُ والسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ
.
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ السُّورَة من حَيْثُ إِنَّه من جملَة مَا فِيهَا، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد ابْن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده من هَذَا الْوَجْه.

قَوْله: ( قَالَ بإصبعيه) أَي: ضم بَين إصبعيه وَالْقَوْل يسْتَعْمل فِي غير مَعْنَاهُ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة من روى، وَضم بَين السبابَُة وَالْوُسْطَى وَفِي رِوَايَة: قرن بَينهمَا.
قَوْله: ( بعثت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أرْسلت، ويروى: ( بعثت أَنا) قَوْله: ( والساعة) ، قَالَ الْكرْمَانِي بِالنّصب وَسكت عَلَيْهِ،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: رويته بِفَتْح السَّاعَة وَضمّهَا فالضم على الْعَطف وَالْفَتْح على الْمَفْعُول مَعَه وَالْعَامِل: بعثت وكهاتين، حَال أَي: مقترنين، فعلى النصب يَقع التَّشْبِيه بِالضَّمِّ وعَلى الرّفْع يحْتَمل هَذَا وَيحْتَمل أَن يَقع بالتفاوت الَّتِي بَين السبابَُة وَالْوُسْطَى فِي الطول، وَيدل عَلَيْهِ قَول قَتَادَة فِي رِوَايَته كفضل إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى، وَحَاصِل هَذَا التَّعْرِيف بِسُرْعَة مَجِيء الْقِيَامَة.
قَالَ عز وَجل: فقد جَاءَ أشراطها.

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أغْطَشَ أظْلَمَ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { وأغطش لَيْلهَا} ( النازعات: 9) وَفَسرهُ بقوله: وَقد أظلم، وَقد مر فِي بَدْء الْخلق، وَهَذَا ثَبت هُنَا للنسفي وَحده.

الطَّامَةُ: تَطُمُّ كلَّ شَيْءٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: { فَإِذا جَاءَت الطامة الْكُبْرَى} ( النازعات: 43) وفسرها بقوله: ( نظلم كل شَيْء) .

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: الطامة عِنْد الْعَرَب الداهية الَّتِي لَا تستطاع وَإِنَّمَا أَخذ من قَوْلهم: طم الْفرس طميما إِذا استفرغ جهده فِي الجري، وَهَذَا أَيْضا ثَبت للنسفي وَحده.





[ قــ :34567 ... غــ :34568 ]
- ( سورةَ الأحْزَابِ)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الْأَحْزَاب، وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا لَا اخْتِلَاف فِيهَا،.

     وَقَالَ  السخاوي: نزلت بعد آل عمرَان، وَقبل سُورَة الممتحنة، وَهِي خَمْسَة آلَاف وَسَبْعمائة وَسِتَّة وَتسْعُونَ حرفا، وَألف ومائتان وَثَمَانُونَ كلمة، وَثَلَاث وَسَبْعُونَ آيَة.

لم تثبت الْبَسْمَلَة وَلَفظ سُورَة إلاَّ لأبي ذَر، وَسَقَطت الْبَسْمَلَة فَقَط للنسفي.

وَقَالَ مُجاهِدٌ: صَياصِيهِمْ: قُصُورِهِمْ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وَأنزل الَّذين ظاهروهم من أهل الْكتاب من صياصيهم وَقذف فِي قُلُوبهم الرعب} ( الْأَحْزَاب: 6) ، ( صياصيهم: قصورهم) وَهُوَ جمع صيصة وَهِي مَا يحصن بِهِ، وَمِنْه قيل لقرن الثور: صيصية.
قَوْله: ( وَأنزل الَّذين ظاهروهم) ، يَعْنِي الَّذين عاونوا الْأَحْزَاب من قُرَيْش وغَطَفَان على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ، وهم بَنو قُرَيْظَة.

مَعْرُوفاً فِي الكِتابِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { إلاَّ أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا} ( الْأَحْزَاب: 6) وَأَرَادَ ( مَعْرُوفا فِي الْكتاب) .
وَأُرِيد بِهِ الْقُرْآن، وَقيل: اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَقيل: التَّوْرَاة وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطوراً} ( الإسراب: 85 والأحزاب: 6) وَهَذَا أثبت للنسفي وَحده.



[ قــ :34567 ... غــ :34568 ]
- ( سُورَةُ { عَبَسَ} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة { عبس} ، وَتسَمى: سُورَة السفرة، وَهِي مَكِّيَّة وَهِي خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ حرفا.
وَمِائَة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ كلمة، وَاثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ آيَة وَذكر السخاوي أَنَّهَا نزلت قبل سُورَة الْقدر وَبعد سُورَة النَّجْم، وَذكر الْحَاكِم مصححا عَن عَائِشَة أَنَّهَا نزلت فِي ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى، أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يَقُول: يَا رَسُول الله أَرْشدنِي وَعند رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجال من عُظَمَاء الْمُشْركين، فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض عَنهُ وَيقبل على الآخرين.
الحَدِيث.

بِسم الله الرحمان الرَّحِيم.

لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر.

عَبَسَ: كَلَحَ وَأعْرَضَ

نفسير عبس بقوله: كلح هُوَ لأبي عُبَيْدَة وَتَفْسِيره بأعرض لغيره، وَلم يخْتَلف السّلف فِي أَن فَاعل عبس هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الدَّاودِيّ، فَقَالَ: هُوَ الْكَافِر الَّذِي كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى.
قيل: كَانَ هَذَا أبي بن خلف، رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة، وَقيل: أُميَّة بن خلف، رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور وروى ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث عَائِشَة أَنه كَانَ يُخَاطب عتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن عَائِشَة أَنه كَانَ فِي مجْلِس فِيهِ نَاس من وُجُوه الْمُشْركين فيهم أَبُو جهل وَعتبَة، فَهَذَا يجمع الْأَقْوَال.

مُطَهَّرَةٌ لَا يَمَسُّها إلاَّ المُطَهَّرُونَ وَهُمْ المَلائِكَةُ وَهاذا مِثْلُ قَوْلِهِ: { فَالْمُدَبِّراتِ أمْرا} ( النازعات: 5) جَعَلَ المَلائِكَةَ وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً لأنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ فَجَعَلَ التَّطْهِيرُ لِمَنْ حَمَلَهَا أيْضا.

أَشَارَ بِهِ قَوْله تَعَالَى: { فِي صحف مكرمَة مَرْفُوعَة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة} ( عبس: 31، 61) وَفسّر المطهرة بقوله: ( لَا يَمَسهَا إلاَّ الْمُطهرُونَ وهم الْمَلَائِكَة) يَعْنِي: لما كَانَت الصُّحُف تتصف بالتطهير، وصف أَيْضا حاملها أَي: الْمَلَائِكَة.
فَقيل: لايمسها إلاَّ الْمُطهرُونَ وَهَذَا كَمَا فِي المدبرات أمرا فَإِن التَّعْبِير لمحمول خُيُول الْغُزَاة فوصف الْحَامِل يَعْنِي الْخُيُول بِهِ.
فَقيل: ( فالمدبرات أمرا) .
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ لَا يَقع بِزِيَادَة، لَا فِي تَوْجِيهه تكلّف.
قلت: وَجهه أَن الصُّحُف لَا يُطلق عَلَيْهَا التَّطْهِير الَّذِي هُوَ خلاف التَّنْجِيس حَقِيقَة وَإِنَّمَا المُرَاد أَنَّهَا مطهرة عَن أَن ينالها أَيدي الْكفَّار.
وَقيل: مطهرة عَمَّا لَيْسَ بِكَلَام الله فَهُوَ الْوَحْي الْخَالِص وَالْحق الْمَحْض، وَقَوله: ( مطهرة) فِي رِوَايَة غير أبي ذَر والنسفي،.

     وَقَالَ  غَيره: مطهرة، وَهَذَا يَقْتَضِي تقدم أحد قبله حَتَّى يَصح،.

     وَقَالَ  غَيره: وَالظَّاهِر أَن فِي أول تَفْسِير عبس،.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: عبس كلح، ثمَّ قَالَ:.

     وَقَالَ  غَيره أَي: غير مُجَاهِد.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ الغُلْبُ المُلْتَفَّةُ وَالأبُّ مَا يَأْكُلُ الأنْعَامُ

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { وَنَخْلًا وَحَدَائِق غلبا وَفَاكِهَة وَأَبا} ( عبس: 9، 13) .

     وَقَالَ  الغلب الملتفة من الالتفاف، وَالْأَب بِالتَّشْدِيدِ مَا يَأْكُل الْأَنْعَام وَهُوَ الْكلأ والمرعى، وَعَن الْحسن: هُوَ الْحَشِيش وَمَا تَأْكُله الدَّوَابّ وَلَا يَأْكُلهُ النَّاس،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: الغلب غِلَاظ الْأَشْجَار واحده أغلب، وَمِنْه قيل للتغليظ الرَّقَبَة الْأَغْلَب وَعَن قَتَادَة: الغلب النّخل الْكِرَام، وَعَن ابْن زيد: عِظَام الْجُذُوع، وَهَذَا لم يثبت إلاَّ للنسفي.

سفَرَةٌ: المَلائِكَةُ وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ سَفَرْتُ أصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ وَجُعِلَتِ المَلائِكَةُ إذَا نَزَلَتْ بِوَحْي الله وَتَأْدِيَتِهِ كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْن القَوْمِ.

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { بأيدي سفرة} ، أَي: بأيدي الْمَلَائِكَة.
قَوْله: ( واحدهم) ، أَي: وَاحِد السفرة سَافر، وَعَن قَتَادَة واحدهم سفير، وَإِنَّمَا ذكره بواو الْجَمَاعَة بِاعْتِبَار الْمَلَائِكَة.
قَوْله: ( سفرت) ، إِشَارَة إِلَى أَن معنى: سَافر من سفرت بِمَعْنى أصلحت بَينهم، وَمِنْه السفير وَهُوَ الرَّسُول، وسفير الْقَوْم هُوَ الَّذِي يسْعَى بَينهم بِالصُّلْحِ، وسفرت بَين الْقَوْم إِذا أصلحت بَينهم، وَعَن ابْن عَبَّاس وَمُقَاتِل: سفرة، كتبة وهم الْمَلَائِكَة الْكِرَام الكاتبون، وَمِنْه قيل للْكتاب: سفر، وَجمعه أسفار، وَيُقَال للوراق سفر بلغَة العبرانية.
قَوْله: ( وتأديته) ، من الْأَدَاء أَي: وتبليغه ويروى: وتأديبه من الْأَدَب لَا من الْأَدَاء.
قَالَه الْكرْمَانِي: وَفِيه مَا فِيهِ.

تَصَدَّى: تَغَافَلُ عَنْهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَأَنت لَهُ تصدى} ، وَفَسرهُ بقوله: ( تغافل) وَأَصله: تتغافل وَكَذَلِكَ أصل: تصدى تتصدى فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: أَي تتعرض لَهُ بالإقبال عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسب الْمَشْهُور،.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) فِي أَكثر النّسخ تصدى تغافل عَنهُ، وَالَّذِي فِي غَيرهَا تصدى أقبل عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ الصَّوَاب وَعَلِيهِ أَكثر الْمُفَسّرين، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ،.

     وَقَالَ  غَيره: تصدى تغافل، وَهَذَا يَقْتَضِي تقدم ذكر أحد قبله حَتَّى يَسْتَقِيم أَن يُقَال:.

     وَقَالَ  غَيره.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ لمَا يَقْضِ لَا يَقْضِي أحَدٌ مَا أُمِرَ بِهِ

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { لما يقْض مَا أمره} وَتَفْسِيره ظَاهر، ( وَأمر) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَرَوَاهُ عبد عَن شَبابَُة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد وَلَفظه: لَا يقْض أحد مَا افْترض عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: تَرْهَقُها: تَغْشَاهَا شِدَّةٌ

أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: { ترهقها فَتْرَة} تغشاها شدَّة، وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ بِهِ، وَقيل: يُصِيبهَا ظلمَة وذلة وكآبة وكسوف وَسَوَاد، وَعَن ابْن زيد: الْفرق بَين الغبرة والفترة أَن الغبرة مَا ارْتَفع من الْغُبَار فلحق بالسماء، والقترة مَا كَانَ أَسْفَل فِي الأَرْض.

مُسْفِرَةٌ: مُشْرِقَةُ
كَذَا فسره ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ.

{ بأيْدِي سَفَرَةٍ} .

     وَقَالَ  ابنُ عَبَّاسٍ: كَتَبَةٍ أسْفَارا كَتُبا
قد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب، وَهُوَ من وَجه مُكَرر.

تَلَهَّى: تَشَاغَلَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَأَنت عَنهُ تلهى} ( عبس: 1) أَصله: تتلهى.
أَي: تتشاغل حذفت التَّاء مِنْهُمَا،.

     وَقَالَ  الثَّعْلَبِيّ: أَي: تعرض وتتغافل عَنهُ وتتشاغل بِغَيْرِهِ.

يُقَالُ: وَاحِدُ الأسْفَارِ، سِفْرٌ سقط هَذَا لأبي ذَر، والأسفار جَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى: { كَمثل الْحمار يحمل أسفارا} ( الْجُمُعَة: 5) ذكره اسْتِطْرَادًا، وَهُوَ جمع سفر بِكَسْر السِّين وَهُوَ الْكتاب، وَقد مر عَن قريب.

فَأقْبَرَهُ يُقالُ: أقْبَرتُ الرَّجُلَ جَعَلْتُ لَهُ قَبْرا قَبَرْتُهُ دَفَنْتُهُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { ثمَّ أَمَاتَهُ فاقبره} ( عبس: 1) قَوْله: ( يُقَال) ، إِلَى آخِره، ظَاهر،.

     وَقَالَ  الْفراء: أَي جعلته مقبورا وَلم يقل: قَبره، لِأَن القابر هُوَ الدافن،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة فأقبره أَي: جعل لَهُ قبرا وَالَّذِي يدْفن بِيَدِهِ هُوَ القابر.





[ قــ :4671 ... غــ :4937 ]
- حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ حدَّثنا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ زُرَارَةَ بنَ أوْفَى يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدٍ بنِ هِشامٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفْرَةِ الكِرَامِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَؤهُ وَهُوَ يَتَعَاهَدَهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أجْرَانِ.

مطابقته لقَوْله تَعَالَى: { بأيدي سفرة كرام بررة} ( عبس: 51، 61) وَسَعِيد بن هِشَام بن عَامر الْأنْصَارِيّ.
ولأبيه صُحْبَة وَلَيْسَ لَهُ فِي يالبخاري إلاَّ هَذَا الْموضع وَآخر مُعَلّق فِي المناقب.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبيد وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مَحْمُود بن غيلَان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَغَيره وَفِي التَّفْسِير عَن أبي الْأَشْعَث وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي ثَوَاب الْقُرْآن عَن هِشَام بن عمار.

قَوْله: ( مثل الَّذِي) ، بِفتْحَتَيْنِ أَي: صفته كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون} ( الرَّعْد: 53) قَوْله: ( وَهُوَ حَافظ لَهُ) ، أَي: الْقُرْآن وَالْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( مَعَ السفرة) ، ويروى مثل السفرة،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: كَأَنَّهُ مَعَ السفرة فِيمَا يسْتَحقّهُ من الثَّوَاب.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لفظ مثل زَائِد وَإِلَّا فَلَا رابطة بَينه وَبَين السفرة لِأَنَّهُمَا مُبْتَدأ وَخبر فَيكون التَّقْدِير الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مَعَ السفرة الْكِرَام، أَي: كَائِن مَعَهم وَيجوز أَن يكون لفظ مثل بِمَعْنى: مثيل، بِمَعْنى: شَبيه، فيكو التَّقْدِير: شَبيه الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مَعَ السفرة الْكِرَام.
قَوْله: ( وَهُوَ يتعاهده) ، أَي: يضبطه ويتفقده.
قَوْله: ( وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيد) ، أَي: وَالْحَال أَن التعاهد عَلَيْهِ شَدِيد.
قَوْله: ( فَلهُ أَجْرَانِ) ، من حَيْثُ التِّلَاوَة وَمن حَيْثُ الْمَشَقَّة قَالَه الْقُرْطُبِيّ.
فَإِن قلت: مَا معنى كَون الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ حَافظ لَهُ مَعَ السفرة.
قلت: لَهُ مَعْنيانِ أَحدهمَا: أَن يكون لَهُ منَازِل فَيكون فِيهَا رَفِيقًا للْمَلَائكَة لاتصافه بصفاتهم من حمل كتاب الله تَعَالَى، وَالْآخر: أَن يكون المُرَاد أَنه عَامل بِعَمَل السفرة وسالك مسلكهم.