فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قوله: {خلق الإنسان من علق} [العلق: 2]


[ قــ :4690 ... غــ :4953 ]
- سُورَةُ: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ( العلق: 1)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة: اقْرَأ وَتسَمى سُورَة العلق وَفِي بعض النّسخ: سُورَة اقْرَأ فَقَط وَهِي مَكِّيَّة وَهِي مِائَتَان وَسَبْعُونَ حرفا، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ كلمة.
وَعِشْرُونَ آيَة.

وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حدَّثنا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى بنِ عَتِيقٍ عَنِ الحَسَنِ.
قَالَ: اكْتُبْ فِي المُصْحَفِ فِي أوَّلِ الإمامِ: بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ وَاجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطّا.

مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قَوْله: ( اقْرَأ باسم رَبك) فِي قِرَاءَة: بِسم الله الرحمان الرَّحِيم، لَكِن فِي أول سُورَة الْفَاتِحَة فَقَط أَو فِي أول كل سُورَة من الْقُرْآن؟ فِيهِ خلاف مَشْهُور بَين الْعلمَاء.
فمذهب الْحسن الْبَصْرِيّ وَمَا ذكره البُخَارِيّ.
بقوله: قَالَ قُتَيْبَة وَذَلِكَ بطرِيق المذاكرة، وقتيبة هُوَ ابْن سعيد يروي عَن حَمَّاد بن زيد عَن يحيى بن عَتيق ضد الْجَدِيد.
الطفَاوِي، بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وبالفاء وَالْوَاو عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَلَيْسَ ليحيى هَذَا فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع وَهُوَ ثِقَة بَصرِي من طبقَة أَيُّوب وَمَات قبله.
قَوْله: ( فِي أول الإِمَام) ، أَي: أول الْقُرْآن أَي: اكْتُبْ فِي أول الْقُرْآن الَّذِي هُوَ الْفَاتِحَة: بِسم الله الرحمان الرَّحِيم، فَقَط ثمَّ اجْعَل بَين كل سورتين خطا أَي: عَلامَة فاصلة بَينهمَا، وَهَذَا مَذْهَب حَمْزَة من الْقُرَّاء السَّبْعَة،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: إِن أَرَادَ خطأ فَقَط بِغَيْر الْبَسْمَلَة فَلَيْسَ بصواب لِاتِّفَاق الصَّحَابَة على كِتَابَة الْبَسْمَلَة بَين كل سورتين إلاَّ بَرَاءَة، وَإِن أَرَادَ بِالْإِمَامِ إِمَام كل سُورَة فَيجْعَل الْخط مَعَ الْبَسْمَلَة فَحسن، ورد عَلَيْهِ بِأَن مَذْهَب الْحسن أَن الْبَسْمَلَة تكْتب فِي أول الْفَاتِحَة فَقَط ويكتفي فِي الْبَاقِيَة بَين كل سورتين بالعلامة، فَإِذا كَانَ هَذَا مذْهبه كَيفَ يَقُول الدَّاودِيّ إِن أَرَادَ خطا بِغَيْر الْبَسْمَلَة فَلَيْسَ بصواب وَإِن أَرَادَ بِالْإِمَامِ بِكَسْر الْهمزَة الَّذِي هُوَ الْفَاتِحَة فَكيف يَقُول: وَإِن أَرَادَ بِالْإِمَامِ أَمَام كل سُورَة بِفَتْح الْهمزَة يَعْنِي: فَكيف يَصح ذكر الإِمَام بِالْكَسْرِ، وَيُرَاد بِهِ الإِمَام بِالْفَتْح؟.

     وَقَالَ  السُّهيْلي: هَذَا الْمَذْكُور عَن مصحف الْحسن شذوذ، قَالَ: وَهِي على هَذَا من الْقُرْآن إِذْ لَا يكْتب فِي الْمُصحف مَا لَيْسَ بقرآن، وَلَيْسَ يلْزم قَول الشَّافِعِي: إِنَّهَا آيَة من كل سُورَة وَلَا أَنَّهَا آيَة من الْفَاتِحَة، بل يَقُول إِنَّهَا آيَة من كتاب الله تَعَالَى مقترنة مَعَ السُّورَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَدَاوُد، وَهُوَ قَول بَين الْقُوَّة لمن أنصف.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) لَا نسلم لَهُ ذَلِك، بل من تَأمل الْأَدِلَّة ظهر لَهُ أَنَّهَا من الْفَاتِحَة وَمن كل سُورَة.
قلت: مُجَرّد الْمَنْع بِغَيْر إِقَامَة الْبُرْهَان مَمْنُوع، وَمَا قَالَه بِالْعَكْسِ، بل من تَأمل الْأَدِلَّة ظهر لَهُ أَنَّهَا لَيست من الْفَاتِحَة وَلَا من أول كل سُورَة، بل هِيَ آيَة مُسْتَقلَّة أنزلت للفصل بَين السورتين، وَلِهَذَا اسْتدلَّ ابْن الْقصار الْمَالِكِي على أَن بِسم الله الرحمان الرَّحِيم لَيست بقرآن فِي أَوَائِل السُّور من قَوْله: اقْرَأ باسم رَبك لم تذكر الْبَسْمَلَة.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: نَادِيَهُ: عَشِيرَتَهُ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: { فَليدع نَادِيه} أَي: ( عشيرته) أَي: أهل نَادِيه، لِأَن النادي هُوَ الْمجْلس الْمُتَّخذ للْحَدِيث، وَرَوَاهُ ابْن جرير عَن الْحَارِث: حَدثنِي الْحسن عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد.

الزَّبَانِيَةَ: المَلائِكَةَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { سَنَدع الزَّبَانِيَة} وَالْمرَاد بالزبانية ( الْمَلَائِكَة) والزبانية فِي كَلَام الْعَرَب الشَّرْط الْوَاحِد زبنية كعفرية من الزين وَهُوَ الدّفع، وَقيل: زابن.
وَقيل: زباني، وَقيل: زبني كَأَنَّهُ نسب إِلَى الزين، وَالْمرَاد: مَلَائِكَة الْعَذَاب الْغِلَاظ الشداد.

وَقَالَ مَعْمَرٌ: الرُّجْعى: المَرْجِعُ

أَي: قَالَ معمر وَهُوَ أَبُو عُبَيْدَة، فِي قَوْله تَعَالَى: { إِن إِلَى رَبك الرجعى} ( العلق: 8) أَي: الرُّجُوع، وَهَذَا هَكَذَا وَقع لأبي ذَر وَلم يثبت لغيره.

لَنَسْفَعْن: قَالَ لَنَأْخُذَنْ وَلَنَسْفَعَنْ بِالنُّونِ وَهِيَ الخَفِيفَةُ سَفَعْتُ بِيَدِهِ أخَذْتُ
أَي: قَالَ معمر فِي قَوْله تَعَالَى: { لنسفعن بالناصية} ( العلق: 51) لنأخذن قَوْله: ( بالناصية) هِيَ مقدم الرَّأْس، وَاكْتفى بِذكر الناصية عَن الْوَجْه كُله لِأَنَّهَا فِي مقدمه، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: فَيَأْخُذ بالنواصي والأقدام.
قَوْله: ( بالنُّون) الْخَفِيفَة وَقد علم أَن نون التَّأْكِيد خَفِيفَة وثقيلة وَقد رُوِيَ عَن أبي عَمْرو بالنُّون الثَّقِيلَة.
قَوْله: ( سفعت بِيَدِهِ) أَشَارَ بِهِ إِلَى معنى السفع من حَيْثُ اللُّغَة وَهُوَ الْأَخْذ، وَقيل: هُوَ الْقَبْض بِشدَّة،.

     وَقَالَ  مقَاتل: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَعْبَة فَوجدَ أَبَا جهل قد قلد هُبل طوقا من ذهب وطيبه، وَهُوَ يَقُول: يَا هُبل لكل شَيْء شكر وَعزَّتك لأشكرنك من قَابل.
قَالَ: وَكَانَ قد ولد لَهُ ذَلِك الْعَام ألف نَاقَة وَكسب فِي تِجَارَته ألف مِثْقَال ذهب، فَنَهَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، فَقَالَ لَهُ: وَالله إِن وَجَدْتُك هُنَا تعبد غير إلاهنا لأسفعنك على ناصيتك، يَقُول: لأجرنك على وَجهك، فَنزلت: { كلا لَئِن لم ينْتَه لنسفعن بالناصية} أَي: فِي النَّار.





[ قــ :4690 ... غــ :4953 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ بَكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابنِ شهابٍ ح وحدَّثني سَعِيدُ بنُ مَرْوَانَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ أبِي رَزْمَةَ أخْبَرَنَا أبُو صَالِحٍ سَلْمُويَةُ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الله عَنْ يُونُسَ بنُ يَزِيدَ قَالَ أخبرنِي ابنُ شِهابٍ أنَّ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ أخْبَرَهُ أنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

هَذَا الحَدِيث قد مر فِي أول الْكتاب.
وَأخرجه هُنَا أَيْضا بِإِسْنَادَيْنِ: الأول: عَن يحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وينسب إِلَى جده غَالِبا وَذكر هُنَا مُجَردا وَفِي بعض النّسخ يحيى بن بكير يروي عَن اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ عَن عقيل بِضَم الْعين بن خَالِد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
الثَّانِي: عَن سعيد بن مَرْوَان أبي عُثْمَان الْبَغْدَادِيّ نزيل نيسابور من طبقَة البُخَارِيّ، وشاركه فِي الرِّوَايَة عَن أبي نعيم وَسليمَان بن حَرْب وَنَحْوهمَا وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع وَمَات قبل البُخَارِيّ بِأَرْبَع سِنِين، كَذَا قَالَه بَعضهم: ثمَّ قَالَ: وَلَهُمَا شيخ آخر يُقَال لَهُ: أَبُو عُثْمَان سعيد بن مَرْوَان الرهاوي حدث عَنهُ أَبُو حَاتِم وَابْن واره وَغَيرهمَا، وَفرق بَينهمَا البُخَارِيّ فِي ( تَارِيخه) وَوهم من زعم أَنَّهُمَا وَاحِد ووحدهما الْكرْمَانِي.
فَإِن قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: وَسَعِيد بن مَرْوَان الرهاوي بِفَتْح الرَّاء وخفة الْهَاء وبالواو الْبَغْدَادِيّ، مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
قلت: الْكرْمَانِي تبع فِي ذَلِك صَاحب ( رجال الصَّحِيحَيْنِ) فَإِنَّهُ قَالَ: سعيد بن مَرْوَان أَبُو عُثْمَان الرهاوي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ سمع مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رزمة روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي تَفْسِير ( اقْرَأ باسم رَبك) ( العلق: 1) .

     وَقَالَ : مَاتَ بنيسابور يَوْم الِاثْنَيْنِ النّصْف من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَصلى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى، وَهَذَا يُنَادي بِأَعْلَى صَوته أَن الصَّوَاب مَعَ الْكرْمَانِي وَمَعَ من قَالَ بقوله يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ، وَمُحَمّد بن عبد الْعَزِيز بن أبي رزقة بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الزَّاي واسْمه غَزوَان وَهُوَ أَيْضا مروزي من طبقَة أَحْمد بن حَنْبَل وَهُوَ من الطَّبَقَة الْوُسْطَى من شُيُوخ البُخَارِيّ وَمَعَ ذَلِك حدث عَنهُ بِوَاسِطَة، وَلَيْسَ لَهُ عِنْده إلاَّ هَذَا الْموضع، وَقد روى عَنهُ أَبُو دَاوُد بِلَا وَاسِطَة، مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة وَأَبُو صَالح اسْمه سُلَيْمَان بن صَالح الْمروزِي يلقب بسلمويه، بِفَتْح السِّين المهلمة وَفتح اللَّام وسكونها وَضم الْمِيم، وَهُوَ أَيْضا مروزي يُقَال: اسْم أَبِيه دَاوُد كَانَ من أخصاء عبد الله بن الْمُبَارك والمكثرين عَنهُ، وَقد أدْركهُ البُخَارِيّ بِالسِّنِّ لِأَنَّهُ مَاتَ سنة عشر وَمِائَتَيْنِ، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس بن يزِيد من الزِّيَادَة الْأَيْلِي، وَهَذَا من الغرائب إِذْ البُخَارِيّ كثيرا يروي عَن ابْن الْمُبَارك بِوَاسِطَة شخص وَاحِد مثل عَبْدَانِ وَغَيره وَهنا روى عَنهُ بِثَلَاث وسائط وَهَذَا الحَدِيث من ثمانيات البُخَارِيّ.

قَالَتْ كَانَ أوَّلُ مَا بُدِيَّ بِهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلاَّ جَاءَتْ مِثلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حَرَاءِ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ قَالَ وَالتَحنُّثُ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَرْجِعَ إلَى أهْلِهِ وَيَتَرَدَّدُ لِذالِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حَرَاءِ فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ اقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أنَا بِقَارِىءٍ قَالَ فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأُ.

قُلْتُ مَا أنَا بِقَارِىءٍ فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ.

قُلْتُ مَا أنَا بِقَارِىءٍ فَأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} الْآيَات ( العلق: 1، 4) إلَى قَوْلِهِ: { عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ( العلق: 5) فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَرْجَفُ بُوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ.
قَالَ لِخَدِيجَةَ: أيِّ خَدِيجَةُ: مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَأخْبَرَها الخَبَرَ قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلا أبشِرْ فَوَالله لَا يُخزِيكَ الله أبَدا فَوَالله إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمِ وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الكَلَّ وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بنَ نَوْفَلٍ وَهُوَ ابنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أخِي أبِيها وَكَانَ امْرَءًا تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتابَ العَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بِالعَرَبِيَةِ مَا شَاءَ الله أنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخا كَبِيرا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ يَا عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابنِ أخِيكَ قَالَ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أخِي مَاذَا تَرَى فأخْبَرَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَبَرَ مَا رَأى فَقَالَ وَرَقَةُ هاذا النّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى لَيْتَنِي فِيها جَذَعا لَيْتَنِي أكُونُ حَيّا وَذَكَرَ حَرْفا قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إلاّ أُوْذِيَ وَإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمِكَ حَيّا أنْصُرْكَ نَصْرا مُؤْزَّرا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أنْ تُوْفِّيَ وَفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةَ حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

قد مر الْكَلَام فِي شَرحه مُسْتَوفى وَلَكِن نذْكر بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
قَوْله: ( قَالَت) ، أَي: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: هَذَا من مَرَاسِيل الصَّحَابَة لِأَن عَائِشَة لم تدْرك هَذِه الْقِصَّة، ووفق بَعضهم كَلَامه بِأَن الْمُرْسل مَا يرويهِ الصَّحَابِيّ من الْأُمُور الَّتِي لم يدْرك زمانها بِخِلَاف الْأُمُور الَّتِي يدْرك زمانها فَإِنَّهَا لَا يُقَال: إِنَّهَا مُرْسلَة، بل يحمل على أَنه سَمعهَا أَو حضرها، وَعَائِشَة سَمعتهَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن لم تحضرها، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْلهَا فِي أثْنَاء الحَدِيث فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ: اقْرَأ إِلَى قَوْله: فأخذني فغطني، فَظَاهر هَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرهَا بذلك فَيحمل بَقِيَّة الحَدِيث عَلَيْهِ فَلْيتَأَمَّل.
قَوْله: ( من الْوَحْي) أَي: إِلَى الْوَحْي قَالَه بَعضهم وَلَا أَدْرِي مَا وَجه عدوله عَن معنى من إِلَى معنى إِلَى، بل هَذِه من البيانية تبين أَن مَا بدىء بِهِ من الْوَحْي كَذَا وَكَذَا وإلاَّ فدلائل النُّبُوَّة قبل ذَلِك ظَهرت فِيهِ، مثل: سَمَاعه من بحير الراهب، وسماعه عِنْد بِنَاء الْكَعْبَة أشدد عَلَيْك إزارك، وَتَسْلِيم الْحجر عَلَيْهِ، فَالْأول: عِنْد التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي مُوسَى.
وَالثَّانِي: عِنْد البُخَارِيّ من حَدِيث جَابر، الثَّالِث: عِنْد مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة.
قَوْله: ( الرُّؤْيَا الصادقة) ويروى الرُّؤْيَا الصَّالِحَة، وَهِي الَّتِي لَا تكون أضغاثا وَلَا من تلبيس الشَّيْطَان.
قَوْله: ( فِي النّوم) تَأْكِيد، وإلاَّ فالرؤيا مُخْتَصَّة بِالنَّوْمِ، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ بالرؤيا لِئَلَّا يفجأه الْملك ويأتيه بِصَرِيح النُّبُوَّة بَغْتَة فَلَا تتحملها القوى البشرية فيبدىء بتباشير الْكَرَامَة وَصدق الرُّؤْيَا استئناسا.
قَوْله: ( فلق الصُّبْح) ، شبه مَا جَاءَهُ فِي الْيَقَظَة ووجده فِي الْخَارِج طبقًا لما رَآهُ فِي الْمَنَام بالصبح فِي إنارته ووضوحه، والفلق الصُّبْح لكنه لما كَانَ اسْتِعْمَاله فِي هَذَا الْمَعْنى وَغَيره أضيف إِلَيْهِ للتخصيص وَالْبَيَان إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: للفلق شَأْن عَظِيم وَلذَلِك جَاءَ وَصفا لله تَعَالَى فِي قَوْله: { فالق الإصباح} ( الْأَنْعَام: 69) وَأمر بالاستعاذة بِرَبّ الفلق لِأَنَّهُ ينبىء عَن انْشِقَاق ظلمَة عَالم الشَّهَادَة وطلوع تباشير الصُّبْح بِظُهُور سُلْطَان الشَّمْس وإشراقها الْآفَاق كَمَا أَن الرُّؤْيَا الصَّالِحَة مبشرة تنبىء عَن وجود أنوار عَالم الْغَيْب وآثار مطالع الهدايات.
قَوْله: ( الْخَلَاء) بِالْمدِّ: الْمَكَان الْخَالِي، وَيُرَاد بِهِ الْخلْوَة، وَهُوَ المُرَاد هُنَا: وَإِنَّمَا حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء لِأَن الْخلْوَة شَأْن الصَّالِحين ودأب عباد الله العارفين.
قَوْله: ( فَكَانَ يلْحق بِغَار حراء) كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة وَفِي بَدْء الْوَحْي تقدم، فَكَانَ يَخْلُو، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فَكَانَ يجاور، وبسطنا الْكَلَام هُنَاكَ فِي غَار حراء.
قَوْله: ( فَيَتَحَنَّث) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ النُّون ثمَّ التَّاء الْمُثَلَّثَة، وَقد فسره فِي الحَدِيث بِأَنَّهُ التَّعَبُّد.
قَوْله: ( اللَّيَالِي) أطلق اللَّيَالِي وَأُرِيد بهَا اللَّيَالِي مَعَ أَيَّامهَا على سَبِيل التغليب لِأَنَّهَا أنسب للخلوة، وَوصف اللَّيَالِي بذوات الْعدَد لإِرَادَة التقليل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { دَرَاهِم مَعْدُودَة} ( يُوسُف: ) قيل: يحْتَمل أَن يكون التَّفْسِير من قَول الزُّهْرِيّ: أدرجه فِي الحَدِيث، وَذَلِكَ من عَادَته إِذْ قَول عَائِشَة يَتَحَنَّث فِيهِ اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد، وَقَوله: والتحنث التَّعَبُّد معترض بَين كلاميها.
.

     وَقَالَ  التوريشتي: قَوْلهَا: ( اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد) يتَعَلَّق بيتحنث لَا بالتعبد، وَمَعْنَاهُ: يَتَحَنَّث اللَّيَالِي، وَلَو جعل مُتَعَلقا بالتعبد فسد الْمَعْنى فَإِن التحنث لَا يشْتَرط فِيهِ اللَّيَالِي بل يُطلق على الْقَلِيل وَالْكثير.
قَوْله: ( قبل أَن يرجع إِلَى أَهله) ، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: قبل أَن ينْزع إِلَى أَهله، وَرَوَاهُ مُسلم كَذَلِك، يُقَال: نزع إِلَى أَهله إِذا جن إِلَيْهِم فَرجع إِلَيْهِم.
قَوْله: ( ثمَّ يرجع إِلَى خَدِيجَة فيتزود) ، خص خَدِيجَة بِالذكر بعد أَن عبر بالأهل إِمَّا تَفْسِير بعد إِبْهَام، وَإِمَّا إِشَارَة إِلَى اخْتِصَاص التزود بِكَوْنِهِ من عِنْدهَا دون غَيرهَا.
قَوْله: ( فيتزود بِمِثْلِهَا) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة فِي رِوَايَة الْكشميهني وَعند غَيره: لمثلهَا، بِاللَّامِ وَالضَّمِير فِيهِ لليالي أَو الْخلْوَة أَو الْمرة السَّابِقَة ويتزود بِالرَّفْع عطف على قَوْله: يلْحق، وَهُوَ من التزود وَهُوَ اتِّخَاذ الزَّاد، وَلَا يقْدَح فِي التَّوَكُّل لوُجُوب السَّعْي فِي إبْقَاء النَّفس بِمَا يبقيه.
قَوْله: ( حَتَّى فجئه الْحق) ، أَي: حَتَّى أَتَاهُ أَمر الْحق بَغْتَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: حَتَّى جَاءَهُ الْحق.
يُقَال: فجىء يفجأ بِكَسْر الْجِيم فِي الْمَاضِي وَفتحهَا فِي الغابر، وفجأ يفجأ بِالْفَتْح فيهمَا، وَالْمرَاد بِالْحَقِّ: الْوَحْي أَو رَسُول الْحق، وَهُوَ جِبْرِيل.
قَوْله: ( وَهُوَ فِي غَار حراء) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( فَجَاءَهُ الْملك) ، أَي: جِبْرِيل.
قَالَه السُّهيْلي.
قَوْله: ( اقْرَأ) ، هَذَا الْأَمر لمُجَرّد التَّنْبِيه والتيقظ لما سيلقى إِلَيْهِ.
وَقيل: يحْتَمل أَن يكون على بابُُه فيستدل بِهِ على جَوَاز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق فِي الْحَال وَإِن قدر عَلَيْهِ بعد ذَلِك.
قَوْله: ( مَا أَنا بقارىء) ، ويروى: مَا أحسن أَن أَقرَأ.
وَجَاء فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: مَا أَقرَأ، وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود فِي مغازيه أَنه قَالَ: كَيفَ أَقرَأ؟ قَوْله: ( فغطني) ، من الغط وَهُوَ الْعَصْر الشَّديد، والضغط وَمِنْه الغط فِي المَاء، وَهُوَ الغوص فِيهِ، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ: فغتني، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق والغت حبس النَّفس مرّة وإمساك الْيَد أَو الثَّوْب على الْفَم، ويروى فِي غير هَذِه الرِّوَايَة فسأبني، من سأبت الرجل سأبا إِذا خنقته، ومادته سين مُهْملَة وهمزة وباء مُوَحدَة، ويروى: ساتني، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق عوض الْبَاء الْمُوَحدَة.
قَالَ أَبُو عَمْرو: ساته بسألته سأتا إِذا خنقه حَتَّى يَمُوت، ويروى: فدعتني، من الدعت بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق،.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: الدغت الدّفع العنيف، ويروى: ذأتني، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة قَالَ أَبُو زيد: ذأته إِذا خنقه أَشد الخنق حَتَّى أدلع لِسَانه، وَيُقَال: غطني وغتني وضغطني وعصرني وغمزني وخنقني، كُله بِمَعْنى وَاحِد.
قَوْله: ( حَتَّى بلغ من الْجهد) ، يجوز فِيهِ فتح الْجِيم وَضمّهَا وَهُوَ الْغَايَة وَالْمَشَقَّة، وَيجوز نصب الدَّال على معنى: بلغ جِبْرِيل مني الْجهد، وَالرَّفْع على معنى: بلغ الْجهد مبلغه وغايته، وَالْحكمَة فِي الغط شغله عَن الِالْتِفَات وَالْمُبَالغَة فِي أمره بإحضار قلبه لما يَقُوله: وكرره ثَلَاثًا مُبَالغَة فِي التَّنْبِيه.
قَوْله: ( فَرجع بهَا) ، أَي: بِسَبَب تِلْكَ الضغطة.
قَوْله: ( ترجف بوارده) ، فِي رِوَايَة الْكشميهني: فُؤَاده، أَي: يضطرب بوادره، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي اللحمة الَّتِي بَين الْكَتف والعنق ترجف عِنْد الْفَزع.
قَوْله: ( زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي) ، هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَات بالتكرار، وَهُوَ من التزميل وَهُوَ التلفيف والتزمل الاشتمال والتلفف وَمثله التدثر.
قَوْله: ( الروع) ، بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ الْفَزع، وَأما الَّذِي بِضَم الرَّاء فَهُوَ مَوضِع الْفَزع من الْقلب.
قَوْله: ( أَي خَدِيجَة) ، يَعْنِي: يَا خَدِيجَة.
قَوْله: ( لقد خشيت على نَفسِي) ، قَالَ عِيَاض: لَيْسَ هُوَ بِمَعْنى الشَّك فِيمَا آتَاهُ الله تَعَالَى لكنه رُبمَا خشِي أَنه لَا يقوى على مقاووته هَذَا الْأَمر وَلَا يقدر على حمل أعباء الْوَحْي فتزهق نَفسه.
قَوْله: ( كلا) ، مَعْنَاهُ النَّفْي والردع عَن ذَلِك الْكَلَام، وَالْمرَاد هُنَا التَّنْزِيه عَنهُ، وَهَذَا أحد مَعَانِيهَا.
قَوْله: ( لَا يخزيك) من الخزي وَهُوَ الفضيحة والهوان، وَوَقع فِي رِوَايَة معمر: لَا يحزنك، من الْحزن،.

     وَقَالَ  اليزيدي: أَخْزَاهُ لُغَة تَمِيم وحزنه لُغَة قُرَيْش.
قَوْله: ( الْكل) بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام، وَهُوَ: الثّقل وَأَصله من الكلال وَهُوَ الإعياء أَي: ترفع الثّقل، أَرَادَت: تعين الضَّعِيف الْمُنْقَطع واليتيم والعيال.
قَوْله: ( وتكسب الْمَعْدُوم) بِفَتْح التَّاء هُوَ الْمَشْهُور وَالصَّحِيح فِي الرِّوَايَة وَالْمَعْرُوف فِي اللُّغَة وروى بضَمهَا، وَفِي معنى المضموم قَولَانِ: أصَحهمَا: مَعْنَاهُ تكسب غَيْرك المَال الْمَعْدُوم أَي: تعظيه لَهُ تَبَرعا.
ثَانِيهمَا: تُعْطِي النَّاس مَالا يجدونه عِنْد غير من مُقَدمَات الْفَوَائِد وَمَكَارِم الْأَخْلَاق يُقَال: كسبت مَالا وأكسبت غَيْرِي مَالا وَفِي معنى المفتوح قَولَانِ: أصَحهمَا: أَن مَعْنَاهُ كمعنى المضموم، وَالْأول أفْصح وَأشهر.
وَالثَّانِي: أَن مَعْنَاهُ تكسب المَال وتصيب مِنْهُ مَا يعجز غَيْرك عَن تَحْصِيله ثمَّ تجود بِهِ وتنفقه فِي وُجُوه المكارم.
قَوْله: ( وتقري الضَّيْف) ، بِفَتْح التَّاء تَقول قريت الضَّيْف أقريه قرى بِكَسْر الْقَاف وَالْقصر، وقراه بِالْفَتْح وَالْمدّ.
قَوْله: ( على نَوَائِب الْحق) ، النوائب جمع نائبة وَهِي الْحَادِثَة والنازلة خيرا أَو شرا.
وَإِنَّمَا قَالَ: الْحق لِأَنَّهَا تكون فِي الْحق وَالْبَاطِل.
قَوْله: ( وَكَانَ يكْتب الْكتاب الْعَرَبِيّ) ، قد بسطت الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْكتاب.
قَوْله: ( هَذَا الناموس الَّذِي أنزل) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَتقدم فِي بَدْء الْوَحْي: أنزل الله، والناموس بالنُّون وَالسِّين الْمُهْملَة هُوَ صابح السِّرّ،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: الناموس السِّرّ،.

     وَقَالَ  صَاحب ( الغريبين) هُوَ صَاحب سر الْملك،.

     وَقَالَ  ابْن ظفر فِي ( شرح المقامات) صَاحب سر الْخَيْر ناموس، وَصَاحب سر الشَّرّ جاسوس، وَقد سوى بَينهمَا رؤبة ابْن العجاج،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ الصَّحِيح، وَلَيْسَ بِصَحِيح بل الصَّحِيح الْفرق بَينهمَا على مَا نقل النَّوَوِيّ فِي ( شَرحه) من أهل اللُّغَة والغريب الْفرق بَينهمَا بِمَا ذَكرْنَاهُ، وَقد ذكرنَا الْحِكْمَة فِي قَول ورقة: ناموس مُوسَى، وَلم يقل: عِيسَى، مَعَ أَنه كَانَ تنصر.
قَوْله: ( لَيْتَني فِيهَا) أَي: فِي أَيَّام الدعْوَة أَو الدولة.
قَوْله: ( جذعا) ، بِفَتْح الْجِيم والذال الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة: الشَّاب الْقوي.
قَوْله: ( وَذكر حرفا) أَي: وَذكر ورقة بعد ذَلِك كلمة أُخْرَى، وَهِي فِي الرِّوَايَات الْأُخَر: إِذْ يخْرجك قَوْمك.
أَي: يَوْم إخراجك أَو يَوْم دعوتك.
قَوْله: ( أَو مخرجي هم) ؟ جملَة من الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله: هم وَالْخَيْر وَهُوَ قَوْله: مخرجي.
قَوْله: ( مؤزرا) بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من التأزير.
أَي: التقوية، والأزر الْقُوَّة.
قَوْله: ( ثمَّ لم ينشب) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة.
أَي: لم يلبث قَوْله: ( وفتر الْوَحْي) ، أَي: احْتبسَ قَوْله: ( وحزن) ، بِكَسْر الزَّاي.





[ قــ :4690 ... غــ :4954 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ شِهابٍ فأخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ أنَّ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله الأنْصَارِيَّ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرةِ الوَحْي قَالَ فِي حَدِيثهِ بَيْنا أَنا أمْشِي سَمِعْتُ صَوْتا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحَرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ فَفَزَعْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَرُوهُ فَأنْزَلَ الله تَعَالى { يَا أيُّها المُدَّثِّرُ قُمْ فَأنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ} ( المدثر: 1، 5) قَالَ أبُو سَلَمَةَ وَهِيَ الأوْثَانُ الَّتِي كَانَ أهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ قَالِ: ثُمَّ تَتَابَعَ الوَحْيُ
.
هَذَا مَوْصُول بالإسنادين الْمَذْكُورين فِي أول الْبابُُ، وَمُحَمّد بن شهَاب هُوَ الزُّهْرِيّ.
قَوْله: ( فَأَخْبرنِي) ، مَعْطُوف على مَحْذُوف وَالتَّقْدِير، قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي عُرْوَة بِمَا تقدم وَأَخْبرنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
قَوْله: ( أَن جَابر بن عبد الله) وَهَذَا أَيْضا مُرْسل الصَّحَابِيّ لِأَن جَابِرا لم يدْرك زمَان الْقِصَّة وَلَكِن يحْتَمل أَن يكون سَمعهَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من صَحَابِيّ آخر قد حضرها.
قَوْله: ( فَرفعت رَأْسِي) ، ويروى: فَرفعت بَصرِي.
قَوْله: ( فَفَزِعت مِنْهُ) ، كَذَا فِي رِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عِنْد مُسلم: فجئثت مِنْهُ، بِضَم الْجِيم وَكسر الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة من: جأت الرجل إِذا فزع فَهُوَ مجثوث، ويروى: فجثثت بِضَم الْجِيم وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة الأولى، ويروى: فَرُعِبْت مِنْهُ، بِضَم الرَّاء وَكسر الْعين على صِيغَة الْمَجْهُول، وَرِوَايَة الْأصيلِيّ: رعبت، بِفَتْح الرَّاء وَضم الْعين من الرعب وَهُوَ الْخَوْف، ويروى: ففرقت، بِالْفَاءِ وَالرَّاء وَالْقَاف من الْفرق بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْخَوْف والفزع، يُقَال: فرق يفرق من بابُُ علم يعلم فرقا.
قَوْله: ( وَهِي الْأَوْثَان) ، جمع وثن وَإِنَّمَا أنث الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى الرجز بِاعْتِبَار الْجِنْس، وَقد مر فِي تَفْسِير المدثر قَوْله: ( ثمَّ تتَابع الْوَحْي) أَي: اسْتمرّ.


(بابٌُُ .

     قَوْلُهُ : { خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} (العلق: )

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَوْله تَعَالَى: { خلق الْإِنْسَان من علق} وَأَرَادَ بالإنسان بني آدم لِأَن بني آدم خلقهمْ من علق وَهُوَ جمع علقَة وَهُوَ الدَّم الجامد وَهُوَ أول مَا تتحول إِلَيْهِ النُّطْفَة فِي الرَّحِم، وَإِنَّمَا جمع الْإِنْسَان فِي معنى الْجمع، وَقيل: أَرَادَ بالإنسان آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأَرَادَ بقوله: من علق من طين يعلق بالكف.



[ قــ :4691 ... غــ :4955 ]
- حدَّثنا ابنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ أوَّلُ مَا بُدِيَّ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} (العلق: 1، 3) .

ابْن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير، وَهَذَا طرف من الحَدِيث الَّذِي قبله بِرِوَايَة عقيل عَن ابْن شهَاب.
قَوْله: (الصَّالِحَة) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني الصادقة وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.