فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل قل هو الله أحد

(بابُُ فَضْلِ {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ بابُُ.

فِيهِ: عَمْرَة عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: فِي فضل {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) رَوَت عمر بنت عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْكرْمَانِي: وَلما لم يكن على طَريقَة شَرط البُخَارِيّ لم يَنْقُلهُ بِعَيْنِه فَاكْتفى بالأخبار عَنهُ إِجْمَالا قلت: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك بل هَذَا على شَرطه، وَقد أخرجه بِتَمَامِهِ فِي أول كتاب التَّوْحِيد، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا أَحْمد بن صَالح حَدثنَا ابْن وهب حَدثنَا عَمْرو عَن ابْن أبي هِلَال أَن أَبَا الرِّجَال مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن حَدثهُ عَن أمه عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن وَكَانَت فِي حجرَة عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رجلا على سَرِيَّة وَكَانَ يقْرَأ لأَصْحَابه فِي صلَاته فيختم ب {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) الحَدِيث، وَفِي آخِره: أَخْبرُوهُ أَن الله يُحِبهُ.



[ قــ :4745 ... غــ :5013 ]
- حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرَنا مالِك عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عبْدِ الله بن عبْدِ الرَّحْمانِ ابْن أبي صَعْصَعَةَ عنْ أبِيهِ عنْ أبي سعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّ رجُلاً سَمِعَ رجلا يقْرَأُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُرَدِّدُها، فلَمَّا أصبَحَ جاءَ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذَكَرَ ذالكَ لهُ، وكأنَّ الرَّجُلَ يَتَقالُّها.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفْسي بيَدِه، إنَّها لتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، كَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ أَبُو صَفْوَان الْأمَوِي عَن مَالك، فَقَالَ: عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة عَن أَبِيه.
أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ، وَالصَّوَاب هُوَ الَّذِي فِي الصَّحِيح وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيّ الصَّوَاب عبد الرَّحْمَن بن عبد الله، بَعْدَمَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيث.

قَوْله: (أَن رجلا سمع رجلا) الرجل السَّامع كَانَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رَاوِي الحَدِيث، وَالرجل القارىء قتاذة بن النُّعْمَان.
قَوْله: (يُرَدِّدهَا) أَي: يكررها.
قَوْله: (يتقالها) بتَشْديد اللَّام، أَي: يعد أَنَّهَا قَليلَة، فِي رِوَايَة ابْن الطباع.
كَأَنَّهُ يقللها، وَفِي رِوَايَة يحيى الْقطَّان عَن مَالك: فَكَأَنَّهُ يستقلها وَالْمرَاد اسْتِقْلَال قِرَاءَته لَا التنقيص.
قَوْله: (إِنَّهَا) أَي: إِن قِرَاءَة {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) لتعدل ثلث الْقُرْآن.

وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ.
فَقَالَ الْمَازرِيّ: الْقُرْآن ثَلَاثَة أنحاء: قصَص وَأَحْكَام وصفات الله، عز وَجل، وَهَذِه السُّورَة متمحضة للصفات، وَهِي ثلث وجزء من الثَّلَاثَة، وَقيل: ثَوَابهَا يُضَاعف بِقدر ثَوَاب ثلث الْقُرْآن بِغَيْر تَضْعِيف، وَقيل: الْقُرْآن لَا يتَجَاوَز ثَلَاثَة أَقسَام: الْإِرْشَاد إِلَى معرفَة ذَات الله تَعَالَى، وَمَعْرِفَة أَسمَاء وَصِفَاته وَمَعْرِفَة أَفعاله وسننه، وَلما اشْتَمَلت هَذِه السُّورَة على التَّقْدِيس وازنها رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، بِثلث الْقُرْآن.
وَقيل: إِن من عمل بِمَا تضمنته من الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ والإذعان بالخالق كمن قَرَأَ ثلث الْقُرْآن، وَقيل: قَالَ ذَلِك لشخص بِعَيْنِه قَصده رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: نقُول بِمَا ثَبت عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا نعده وَنكل مَا جهلناه من مَعْنَاهُ فنره إِلَيْهِ، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا نَدْرِي لم تعدل هَذِه ثلث الْقُرْآن.
.

     وَقَالَ  ابْن رَاهَوَيْه: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن لَو قَرَأَ الْقُرْآن كُله كَانَت قِرَاءَة {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) تعدل ذَلِك إذاقرأها ثَلَاث مَرَّات، لَا، وَلَو قَرَأَهَا أَكثر من مِائَتي مرّة.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ: لَعَلَّ الرجل الَّذِي بَات يُرَدِّدهَا كَانَت مُنْتَهى حفظه فجَاء يقلل عمله، فَقَالَ لَهُ سيدنَا رَسُوله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهَا التعدل ثلث الْقُرْآن ترغيبا فِي عمل الْخَيْر، وَإِن قل: وَللَّه عز وَجل أَن يجازي عَبده على الْيَسِير بِأَفْضَل مِمَّا يجازي لكثير.
.

     وَقَالَ  الْأصيلِيّ: مَعْنَاهُ يعدل ثَوَابهَا ثلث الْقُرْآن لَيْسَ فِيهِ {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) وَأما تَفْضِيل كَلَام رَبنَا بعضه على بعض فَلَا، لِأَنَّهُ كُله صفة لَهُ، وَهَذَا مَا ماشٍ على أحد المذهبين أَنه لَا تَفْضِيل فِيهِ، وَنَقله الْمُهلب عَن الْأَشْعَرِيّ وَأبي بكربن أبي الطّيب وَجَمَاعَة عُلَمَاء السّنة.
فَإِن قلت: فِي مُسْند ابْن ووهب عَن ابْن لَهِيعَة عَن الْحَارِث بن يزِيد عَن أبي الْهَيْثَم عَن أبي سعيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: بَات قَتَادَة بن النُّعْمَان يقْرَأ {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) حَتَّى أصبح، فَذكرهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَنَّهَا لتعدت ثلث الْقُرْآن أَو نصفه.
قلت: قَالَ أَبُو عمر: هَذَا شكّ من الرواي لَا يجوز أَن يكون شكا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنَّهَا لَفْظَة غير مَحْفُوظَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَا فِي غَيره وَالصَّحِيح الثَّابِت فِي هَذَا الحَدِيث وَغَيره أَنَّهَا لتعدل ثلث الْقُرْآن من غير شكّ، وَقد رُوِيَ ثلث الْقُرْآن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أبي بن كَعْب وَعمر، ذكرهمَا أَبُو عمر وَأَبُو أَيُّوب وَأَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ وَسماك عَن النُّعْمَان بن بشير وَأَبَان عَن أنس.





[ قــ :4745 ... غــ :5014 ]
- وزَادَ أبُو مَعْمَرٍ: حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفرٍ عنْ مالِكِ بنِ أنَسٍ عنْ عبْدِ الرحْمانِ بنِ عبْدِ الله بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي صَعْصَعَةَ عنْ أبِيهِ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ أخي قَتادَةُ بنُ النّعْمَانِ أنَّ رجُلاً قامَ فِي زَمَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأُ مِنَ السَّحَرِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ( الْإِخْلَاص: 1) لَا يَزِيدُ علَيْها، فلَمَّا أصْبَحْنا أتَى رجُلٌ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْوَهُ.

أَبُو معمر هَذَا هُوَ عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري، قَالَه الدمياطي.
.

     وَقَالَ  ابْن عَسَاكِر والمزي: هُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن معمر بن الْحسن أَبُو معمر الْهُذلِيّ الْهَرَوِيّ، سكن بَغْدَاد وَجزم بِهِ صَاحب التَّلْوِيح،.

     وَقَالَ  صَاحب التَّوْضِيح: كَذَا وَقع لشَيْخِنَا، يَعْنِي: إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم واستصوب بَعضهم مَا قَالَه ابْن عَسَاكِر والمزي،.

     وَقَالَ : وَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا يكنى أَبَا معمر هما من شُيُوخ البُخَارِيّ لِأَن هَذَا الحَدِيث يعرف الْهُذلِيّ بل لايعرف للمنقري عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر شَيْئا.
قلت: كلا الْقَوْلَيْنِ مُحْتَمل وترجيح أَحدهمَا بِعَدَمِ علمه للمنقري عَن إِسْمَاعِيل رِوَايَة لَا يسْتَلْزم نفي علم غَيره بذلك.

وَأما هَذَا التَّعْلِيق فقد وَصله النَّسَائِيّ والإسماعيلي من طرق عَن أبي عمر عَن إِسْمَاعِيل إِلَى آخِره.

قَوْله: ( نَحوه) أَي: نَحْو سِيَاق الحَدِيث الْمَذْكُور.
قَوْله: ( يقْرَأ من السحر) أَي: فِي السحر، أَو كلمة: من، بَيَانِيَّة.





[ قــ :4746 ... غــ :5015 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْص حَدثنَا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ حَدثنَا إبْرَاهيمُ والضَّحَّاك المِشْرَقِيُّ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأصْحابِهِ: أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أَن يقرَأ ثُلُثَ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟ فَشَقَّ ذالِكَ عَلَيْهِمْ وقالُوا: أَيّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رسولُ الله؟ فَقَالَ: الله الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( الله الْوَاحِد الصَّمد ثلث الْقُرْآن) ، وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعَن الضَّحَّاك بن شرَاحِيل، وَيُقَال: ابْن شُرَحْبِيل وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر يَأْتِي فِي كتاب الْأَدَب وَحكى الْبَزَّار أَن بَعضهم زعم أَنه الضَّحَّاك بن مزاجم وَهُوَ غلط.

قَوْله: ( المشرقي) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء: نِسْبَة إِلَى مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد، بطن من هَمدَان، وَهَكَذَا ضَبطه العسكري.
.

     وَقَالَ : من فتح الْمِيم فقد صحف، فَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى ابْن أبي حَاتِم فَإِنَّهُ قَالَ: مشرق مَوضِع بِالْيمن، وَضَبطه بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مَاكُولَا وتبعهما السَّمْعَانِيّ فِي مَوضِع، ثمَّ ذهل فَذكره بِكَسْر الْمِيم، كَمَا قَالَ العسكري، لَكِن جعل قافه فَاء ورد عَلَيْهِ ابْن الْأَثِير فَأصَاب فِيهِ.
قَوْله: ( أَيعْجزُ؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
ويعجز بِكَسْر الْجِيم لِأَنَّهُ من بابُُ ضرب يضْرب.
وَأما عجزت الْمَرْأَة تعجز من بابُُ نصر ينصر فَمَعْنَاه: صَارَت عجوزا بِفَتْح الْعين وعجوز بِالضَّمِّ مصدر عُجزت الْمَرْأَة وَأما عجزت الْمَرْأَة بِكَسْر الْجِيم تعجز من بابُُ علم يعلم عَجزا بِفتْحَتَيْنِ وعجزا بِضَم الْعين وَسُكُون الْجِيم فَمَعْنَاه: عظمت عجيزتها.
قَوْله: ( الْوَاحِد الصَّمد) كِنَايَة عَن { قل هُوَ الله أحد} ( الْإِخْلَاص: 1) فِيهَا ذكر الإل هية والوحدة والصمدية، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن الْأَعْمَش فَقَالَ: يقْرَأ { قل هُوَ الله أحد} ( الْإِخْلَاص: 1) فَهِيَ ثلث الْقُرْآن.

قَالَ الفِرَبْرِي: سمِعْتُ أَبَا جَعْفرٍ مُحَمَّدَ بنَ أبي حاتِم ورَّاقَ أبي عبْدِ الله يقُولُ: قَالَ أبُو عبْدِ الله: عنْ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلٌ.
وعنِ الضَّحَّاكِ المِشْرَقِيِّ مُسْنَدٌ

هَذَا ثَبت عِنْد أبي ذَر عَن شُيُوخه، والفربري هُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطر بن صَالح بن بشر، ونسبته إِلَى فربر قَرْيَة بَينهَا وَبَين بخاري ثَلَاث مراحل،.

     وَقَالَ : سمع كتاب الصَّحِيح لمُحَمد بن إِسْمَاعِيل تسعون ألف رجل فَمَا بَقِي أحد يرويهِ غَيْرِي، مَاتَ سنة عشْرين وثلاثمائة، وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي حَاتِم كَانَ يورق للْبُخَارِيّ أَي ينْسَخ لَهُ، وَكَانَ من الملازمين لَهُ العارفين بِهِ المكثرين عَنهُ.
قَوْله: ( وراق أبي عبد الله) .
هُوَ البُخَارِيّ.
وَكَذَلِكَ قَوْله: ( قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ.
قَوْله: ( عَن إِبْرَاهِيم) النَّخعِيّ عَن أبي سعيد ( مُرْسل) وَهَذَا مُنْقَطع فِي اصْطِلَاح الْقَوْم، وَلَكِن البُخَارِيّ أطلق على الْمُنْقَطع لفظ الْمُرْسل.
قَوْله: ( وَعَن الضحك) أَي: الَّذِي يرويهِ عَن ابْن سعيد ( مُسْند) يَعْنِي مُتَّصِل.