فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب فضل المعوذات

( بابُُ فَضْل المُعَوِّذَاتِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل المعوذات، وَهِي بِكَسْر الْوَاو جمع معوذة وَالْمرَاد بهَا السُّور الثَّلَاث وَهِي: سُورَة الْإِخْلَاص وَسورَة الفلق وَسورَة النَّاس، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الثَّلَاثَة وَأحمد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من حَدِيث عقبَة بن عَامر، قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: { قل هُوَ الله أحد} ( الْإِخْلَاص: 1) و { قل أعوذ بِرَبّ الفلق} ( الفلق: 1) و { قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} ( النَّاس: 1) تعوّذ بِهن فَإِنَّهُ لم يتَعَوَّذ بمثلهن وَفِي لفظ: اقْرَأ المعوذات دبر كل صَلَاة، فَذَكرهنَّ فَإِن قلت: التَّعَوُّذ ظَاهر فِي المعوذتين، وَكَيف هُوَ فِي سُورَة الْإِخْلَاص؟ قلت: لأجل مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من صفة الرب أطلق عَلَيْهِ المعوذ وَإِن لم يُصَرح فِيهِ.
وَمِنْهُم من ظن أَن الْجمع فِيهِ من بابُُ إِن أقل الْجمع اثْنَان.
وَلَيْسَ كَذَلِك، فَافْهَم.



[ قــ :4747 ... غــ :5016 ]
- حدَّثناعبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبرنا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ، رضيَ الله عَنْهُمَا: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إِذا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ ويَنْفُثُ فلَمَّا اشْتَدَّ وجعَهُ كُنْتُ أقْرَأُ علَيْهِ وأمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِها.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن يحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ وَفِي التَّفْسِير وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطِّبّ عَن سهل بن أبي سهل وَعَن غَيره.

قَوْله: ( إِذا اشْتَكَى) أَي: إِذا مرض قَوْله: ( ينفث) من النفث وَهُوَ إِخْرَاج الرّيح من الْفَم مَعَ شَيْء من الرِّيق.



[ قــ :4748 ... غــ :5017 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا المُفَضَّلُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا أوَى إِلَى فِرَاشِهِ كلَّ لَيْلةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهما فقَرَأ فِيهِما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ( الْإِخْلَاص: 1) وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} ( الفلق: 1) وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ( النَّاس: 1) ثُمَّ يَمْسَحُ بِهما مَا اسْتَطاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِما علَى رَأْسِهِ وَوجْهِهِ وَمَا أقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذالِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن الْمفضل على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّفْضِيل ابْن فضَالة بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الْمُعْجَمَة، وَهَذَا الحَدِيث غير الحَدِيث الأول، وجعلهما أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي حَدِيثا وَاحِدًا وَعَابَ ذَلِك عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس الطرقي وَفرق بَينهمَا فِي كِتَابه، وَكَذَا فعله خلف الوَاسِطِيّ، وأجدر بِهِ أَن يكون صَوَابا لتباينهما.

قَوْله: ( إِذا أَوَى) ، يُقَال: أويت إِلَى منزلي، بقصر الْألف، وأويت غَيْرِي وآويته بِالْقصرِ وَالْمدّ.
وَأنكر بَعضهم الْمَقْصُور الْمُتَعَدِّي، وأبى ذَلِك الْأَزْهَرِي فَقَالَ: هِيَ لُغَة فصيحة.
قَوْله: ( يبْدَأ بهما) .
إِلَخ.
وَعلم الْمُبْتَدَأ من لفظ: يبْدَأ، وَأما الْمُنْتَهى فَلَا يعلم إلاَّ من مُقَدّر تَقْدِيره: ثمَّ يَنْتَهِي إِلَى مَا أدبر من جسده.
قَالَ المطهري فِي شرح المصابيح: ظَاهر الحَدِيث يدل على أَنه نفث فِي كَفه أَولا ثمَّ ققرأ وَهَذَا لم يقل بِهِ أحد وَلَا فَائِدَة فِيهِ.
وَلَعَلَّه سَهْو من الرَّاوِي، والنفث يَنْبَغِي أَن يكون بعد التِّلَاوَة ليوصل بركَة الْقُرْآن إِلَى بشرة القارىء أَو المقروء لَهُ، وَأجَاب الطَّيِّبِيّ عَنهُ: بِأَن الطعْن فِيمَا صحت رِوَايَته لَا يجوز، وَكَيف وَالْفَاء فِيهِ مثل مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قَرَأت القرآة فاستعذ} ( النَّحْل: 89) فَالْمَعْنى: جمع كفيه ثمَّ عزم على النفث فِيهِ أَو لَعَلَّ السِّرّ فِي تَقْدِيم النفث فِيهِ مُخَالفَة السَّحَرَة، وَالله أعلم.