فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا

( بابُُ نِسْيانِ القُرْآنِ، وهَلْ يقولُ: نَسِيتُ آيةَ كَذا وكَذا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان نِسْيَان الْقُرْآن بِسَبَب تعَاطِي أَسبابُُه الْمُقْتَضِيَة لذَلِك.
قَوْله: ( وَهل يَقُول) إِلَى آخِره، صُورَة الِاسْتِفْهَام الإنكاري لَكِن لَيْسَ الْإِنْكَار عَن الْإِتْيَان بقوله: نسيت آيَة كَذَا وَكَذَا، على مَا لَا يَجِيء الْآن، وَلَكِن الْإِنْكَار على ارْتِكَاب أَسبابُُه الداعية إِلَى ذَلِك.

وقَوْلِ الله تَعَالَى سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى} ( الْأَعْلَى: 6 7)

وَقَول الله عطف عَليّ قَوْله: نِسْيَان الْقُرْآن، أَي: وَفِي قَول الله، عز وَجل: {سنقرئك} ( الْأَعْلَى: 6) من الإقراء، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعجل بالقراء إِذا لقِيه جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَقيل: لَا تعجل لِأَن جِبْرِيل مَأْمُور بِأَن يقرأه عَلَيْك قِرَاءَة مكررة إِلَى أَن تحفظه فَلَا تنساه إلاَّ مَا شَاءَ الله لم يذكر بعد النسْيَان، وَكلمَة: لَا، للنَّفْي، وَكَأن البُخَارِيّ صَار إِلَيْهِ وَأَن الله أقرأه إِيَّاه وَأخْبرهُ أَنه لَا ينساه، وَقيل: لَا للنَّهْي وزيدت الْألف الفاصلة، كَقَوْلِك: السبيلا، يَعْنِي: فَلَا تتْرك قِرَاءَته وتكريره فتنساه إلاَّ مَا شَاءَ الله أَن ينسكه يرفع تِلَاوَته للْمصْلحَة،.

     وَقَالَ  الْفراء: الِاسْتِثْنَاء للتبرك وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْء اسْتثْنى، وَعَن الْحسن وَقَتَادَة {إلاَّ مَا شَاءَ الله} ( الْأَعْلَى: 7) أَي: قضى أَن ترفع تِلَاوَته، وَعَن ابْن عَبَّاس: إلاَّ مَا أَرَادَ الله أَن ينسيكه لتنس.
وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تتْرك الْعَمَل بِهِ إِلَّا مَا أَرَادَ الله أَن ينسخه فَتتْرك الْعَمَل بِهِ.
وَالله أعلم.



[ قــ :4768 ... غــ :5037 ]
- حدَّثنا رَبِيعُ بنُ يحْيَى حَدثنَا زَائِدَةُ حَدثنَا هِشَامٌ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَة، رضيَ الله عَنْهَا، قالَتْ: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَجُلاً يقْرَأ فِي المَسْجِد، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ الله {لقَدْ أذْكرَني كذَا وكَذا آيَة مِنْ سُورَةِ كَذا..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مَعْنَاهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسي كَذَا وَكَذَا آيَة ثمَّ تذكرها.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَفِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينسى الْقُرْآن ثمَّ يتذكره.

وربيع ضد الخريف ابْن يحيى أَبُو الْفَصْل، مر فِي: بابُُ من أحب الْعتاق فِي الْكُسُوف، وزائدة من الزِّيَادَة ابْن قدامَة بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عَن عَائِشَة.

والْحَدِيث من إِفْرَاده.

قَوْله: ( رجلا) أَي: صَوت رجل.
قَوْله: ( أذكرني) إِلَى آخِره وَلم يبين فِيهِ تعْيين الْآيَات الْمَذْكُورَة وَلَا عَددهَا.

واستنبط بَعضهم من هَذَا مَسْأَلَة فقهية إِنَّهَا كَانَت إِحْدَى وَعشْرين آيَة، وَهِي أَن رجلا لَو قَالَ، لفُلَان عَليّ كَذَا وَكَذَا درهما يلْزمه أحد وَعِشْرُونَ درهما لِأَنَّهُ فصل بَين كَذَا وَكَذَا بِحرف الْعَطف، وَأَقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد وَعِشْرُونَ، حَتَّى قَالَ: كَذَا كَذَا درهما بِغَيْر حرف الْعَطف يلْزمه أحد عشر درهما، لِأَن أقل ذَلِك من الْعدَد الْمُفَسّر أحد عشر، لِأَنَّهُ ذكر عددين مبهمين.
وَعند الشَّافِعِي: يلْزمه دِرْهَم.
وَله صُورَة كَثِيرَة موضعهَا الْفُرُوع.
فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ النسْيَان على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: الإنساء لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ،.

     وَقَالَ  الْجُمْهُور: جَازَ النسْيَان عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقه الْبَلَاغ والتعليم بِشَرْط أَن لَا يقْرَأ عَلَيْهِ، بل لَا بُد أَن يذكرهُ، وَأما غَيره فَلَا يجوز قبل التَّبْلِيغ، وَأما نِسْيَان مَا بلغه كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث فَهُوَ جَائِز بِلَا خلاف.


حدَّثنا محَمَّدُ بن عُبَيْدِ بنِ ميْمُونٍ حَدثنَا عِيسَى عنْ هِشامٍ،.

     وَقَالَ : أسقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كذَا.

أَشَارَ بذلك إِلَى أَن هشاما زَاد فِي هَذِه الرِّوَايَة لفظ: ( اسقطتهن من سُورَة كَذَا) وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون عَن عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق.
قَوْله: ( اسقطتهن) ، أَي: بِالنِّسْيَانِ، وَقد تقدم فِي الشَّهَادَات بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد، أَعنِي: عَن مُحَمَّد بن عبيد بن مَيْمُون عَن عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَت: سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يقْرَأ فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: رَحمَه الله} لقد أذكرني كَذَا وَكَذَا آيَة أسقطتهن من سُورَة كَذَا وَكَذَا.

تابَعَهُ علِيٌّ بنُ مُسْهِرٍ وعبْدَةُ عنْ هِشَامٍ
أَي: تَابع مُحَمَّد بن عبيد عَليّ بن مسْهر، بِضَم الْمِيم على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإسهار.
قَوْله: ( وَعَبدَة) ، عطف عَلَيْهِ أَي: وَتَابعه أَيْضا عَبدة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سُلَيْمَان، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بعطف عَبدة على سُلَيْمَان، وَوَقع لأبي ذَر عَن الْكشميهني: تَابعه عَليّ بن مسْهر عَن عَبدة.
قيل: هَذَا غلط فَإِن عَبدة هُنَا رَفِيق عَليّ بن مسْهر لَا شَيْخه، وَقد أخرج البُخَارِيّ طَرِيق عَليّ بن مسْهر فِي آخر الْبابُُ الَّذِي يَلِي هَذَا بِلَفْظ: أسقطتها، وَأخرج طَرِيق عَبدة فِي الدَّعْوَات مثل لفظ عَليّ بن مسْهر سَوَاء.



[ قــ :4770 ... غــ :5039 ]
- حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ مَنْصُور عنْ أبِي وَائِلٍ عنْ عبْدِ الله قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِئْسَ مَا لِأحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ.

( انْظُر الحَدِيث 305) [/ ح.

قد مر هَذَا الحَدِيث فِي: بابُُ استذكار الْقُرْآن، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن عرْعرة عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور إِلَى آخِره، وَهنا عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
<