فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الترغيب في النكاح

(كِتابُ النِّكاحِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام النِّكَاح، قَالَ الْأَزْهَرِي: أصل النِّكَاح فِي كَلَام الْعَرَب، الْوَطْء، وَقيل للتزويج: نِكَاح لِأَنَّهُ سَبَب الْوَطْء،.

     وَقَالَ  الزجاجي: هُوَ فِي كَلَام الْعَرَب الْوَطْء وَالْعقد جَمِيعًا، وَفِي الْمغرب: وَقَوْلهمْ النِّكَاح الضَّم مجَاز، وَفِي المغيث: النِّكَاح التَّزْوِيج،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: اشْتهر إِطْلَاقه على العقد، وَحَقِيقَته عِنْد الْفُقَهَاء على ثَلَاثَة أوجه حَكَاهَا القَاضِي حُسَيْن: أَصَحهَا: أَنه حَقِيقَة فِي العقد مجَاز فِي الوطىء.
وَهُوَ الَّذِي صَححهُ أَبُو الطّيب وَبِه قطع الْمُتَوَلِي وَغَيره الثَّانِي: أَنه حَقِيقَة فيالوطء مجَاز فِي العقد وَبِه، قَالَ أَبُو حنيفَة.
وَالثَّالِث: أَنه حَقِيقَة فيهمَا بالاشتراك.
.

     وَقَالَ  أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: فرقت الْعَرَب بَينهمَا فرقا لطيفا، فَإِذا قَالُوا: نكح فُلَانَة أَو بنت فُلَانَة أَو أُخْته، أَرَادوا عقد عَلَيْهَا، وَإِذا قَالُوا: أنكح امْرَأَته أَو زَوجته لم يُرِيدُوا إلاَّ الْوَطْء، لِأَن بِذكر امْرَأَته أَو زَوجته يسْتَغْنى عَن ذكر العقد،.

     وَقَالَ  الْفراء: الْعَرَب تَقول: نكح الْمَرْأَة بِضَم النُّون بضعهَا، وَهِي كِنَايَة عَن الْفرج، فَإِذا قَالُوا: نَكَحَهَا أَرَادوا: أصَاب نَكَحَهَا، وَهُوَ فرجهَا.
وَفِي الْمُحكم: النِّكَاح الْبضْع وَذَلِكَ فِي نوع الْإِنْسَان خَاصَّة، وَاسْتَعْملهُ ثَعْلَب فِي الذئاب، نَكَحَهَا ينْكِحهَا نكحا ونكاحا، وَلَيْسَ فِي الْكَلَام فعل يفعل مِمَّا لَام الْفِعْل مِنْهُ حاء إلاَّ ينْكح وينطح ويمنح وينضح وينبح ويرجح ويأنح ويأزح ويملح الْقدر، وَالِاسْم: النكح، والنكح ونكحها الَّذِي يَتَزَوَّجهَا وَهِي نكحته، وَامْرَأَة كح ذَات زوج وَقد جَاءَ فِي الشّعْر: ناكحة على الْفِعْل، واستنكحها كنكحها.
قلت: هَذِه الْأَفْعَال الَّتِي قَالُوا إِنَّهَا جَاءَت على: يفعل، بِكَسْر الْعين يَعْنِي فِي الْمُضَارع قد جَاءَ مِنْهَا بِفَتْح الْعين أَيْضا فِي الْمُضَارع.
قَالَ الْجَوْهَرِي: نطحه الْكَبْش يَنْطَحُهُ وينطحه بِكَسْر عين الْفِعْل وَفتحهَا، ومنحه يمنحه من الْمنح وَهُوَ الْعَطاء، وَيُقَال: نضحت الْقرْبَة بِالْفَتْح، قَالَه الْجَوْهَرِي، ونبح الْكَلْب ينبح بِالْفَتْح وينبح بِالْكَسْرِ نبحا ونبيحا ونباحا ونباحا بِالضَّمِّ وَالْكَسْر، وَرجع الْمِيزَان يرجع بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح وَيرجع بِالضَّمِّ، وَيُقَال: أنح الرجل يأنح بِالْكَسْرِ أنحا وأنيحا وأنوحا: إِذا ضجر من ثقل يجده من مرض أَو بهر كَأَنَّهُ يتنخنخ وَلَا يبين، وأزح الرجل يأزح أزوحا بالزاي: إِذا تفيض، وملحت الْقدر يملحها بِالْفَتْح وَالْكَسْر ملحا بِالْفَتْح إِذا طرحت فِيهَا من الْملح بِقدر، وَإِذا قلت: أملحت الْقدر إِذا أكثرت فِيهَا الْملح حَتَّى فَسدتْ.
وَفِي التَّوْضِيح؛ وللنكاح عدَّة أَسمَاء جمعهاأبو الْقَاسِم اللّغَوِيّ فبلغت ألف اسْم وَأَرْبَعين اسْما.


(بابُُ التَّرْغِيبِ فِي النِّكاح لِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: { فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} (النِّسَاء: 3)

أَي: هَذَا بابُُ فِي التَّرْغِيب فِي النِّكَاح: وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى: { فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} (النِّسَاء: 3) زَاد الْأصيلِيّ وَأَبُو الْوَقْت الْآيَة.
قَالَ بَعضهم: وَجه الِاسْتِدْلَال أَنَّهَا صِيغَة أَمر تَقْتَضِي الطّلب.
وَأَقل درجاته النّدب فَيثبت التَّرْغِيب، انْتهى.
قلت: لَا دلَالَة فِيهِ على التَّرْغِيب أصلا.
لِأَن الْآيَة سيقت لبَيَان مَا يجوز الْجمع بَينه من أعداد النِّسَاء.
وَقَوله: (يَقْتَضِي الطّلب) كَلَام من لم يذقْ شَيْئا من الْأُصُول، فَإِن الْأَمر إِبَاحَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَإِذا حللتم فاصطادوا} (الْمَائِدَة: 2) ، وَهل يُقَال: طلب الله مِنْهُ النِّكَاح، أَو طلب مِنْهُ الصَّيْد غَايَة مَا فِي الْبابُُ أَنه أَبَاحَ النِّكَاح بِالْعدَدِ الْمَذْكُور، وأباح الصَّيْد بعد التَّحْلِيل من الْإِحْرَام، ثمَّ بنى هَذَا الْقَائِل على هَذَا الْكَلَام الواهي.
قَوْله: وَأَقل دجاته النّدب، فَيثبت التَّرْغِيب.



[ قــ :4793 ... غــ :5063 ]
- حدَّثنا سَعيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ جعْفَرٍ أخبرنَا حُمَيْدُ بنُ الطَّوِيلُ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: جاءَ ثلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَسألُونَ عنْ عِبَادَةِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فلَمَّا أُخْبِرُوا كأنَّهُمْ تَقالُّوها، فقالُوا: وَأيْنَ نَحْنُ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَدْ غُفِرَ لهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تأخَّرَ.
قَالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أَنا فإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبدا،.

     وَقَالَ  آخَرُ: أَنا أصومُ الدَّهْرَ وَلَا أَفْطِرُ،.

     وَقَالَ  أخَرُ: أَنا أعْتَزِلُ النِّساءَ فَلاَ أَتَزَوَّجَ أبَدا، فَجاءَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أنْتُمُ الَّذين قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟ أما وَالله إنِّي لَأخْشاكُمْ لِلَّهِ، وأتْقاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أصُومُ وأفْطِرُ وأصَلِّي وأرْقُدُ وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عنْ سُنَّتي فَليْسَ مِنِّي.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني) .
قَوْله: (ثَلَاثَة رَهْط) وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث ثَابت عَن أنس: أَن نَفرا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَالْفرق بَين الرَّهْط والنفر أَن الرَّهْط من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة، والنفر من ثَلَاثَة إِلَى تِسْعَة، وكل مِنْهُمَا اسْم جمع لَا وَاحِد لَهُ، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا من حَيْثُ الْمَعْنى، وَوَقع فِي مُرْسل سعيد بن الْمسيب من رِوَايَة عب الرَّزَّاق: أَن الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين هم: عَليّ بن أبي طَالب.
وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعُثْمَان بن مَظْعُون.
قَوْله: (يسْأَلُون عَن عبَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن عمله فِي السِّرّ، قَوْله: (فَلَمَّا أخبروا) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (تقالوها) بتَشْديد اللَّام المضمومة أَي: عدوها قَليلَة، وَأَصله: تقاللوا فأدغمت اللَّام فِي اللَّام لِاجْتِمَاع المثلين.
قَوْله: (قد غفر لَهُ) على صِيغَة الْمَجْهُول.
هَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: غفر الله لَهُ.
قَوْله: (أما أَنا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم للتفصيل.
قَوْله: (أبدا) ، قيد لِليْل لَا لقَوْله: أُصَلِّي.
قَوْله: (وَلَا أفطر) ، أَي: بِالنَّهَارِ سوى أَيَّام الْعِيد والتشريق وَلِهَذَا لم يُقيد بالتأبيد.
قَوْله: (فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَقَالَ: وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ.

     وَقَالَ : مَا بَال أَقوام قَالُوا كَذَا.
.
والتوفيق بَينهمَا بِأَنَّهُ منع من ذَلِك عُمُوما جَهرا مَعَ عدم تعيينهم، وخصوصا فِيمَا بَينه وَبينهمْ رفقا بهم، وسترا عَلَيْهِم.
قَوْله: (أما وَالله) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم حرف تَنْبِيه.
قَوْله: (إِنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم لَهُ) يَعْنِي: أَكثر خشيَة وَأَشد تقوى، وَفِيه رد لما بنوا عَلَيْهِ أَمرهم من أَن المغفور لَا يحْتَاج إِلَى مزِيد فِي الْعِبَادَة، بِخِلَاف غَيره، فأعلمهم أَنه مَعَ كَونه يشدد فِي الْعِبَادَة غَايَة الشدَّة أخْشَى لله وَأتقى من الَّذين يشددون.
قَوْله: (لكني) اسْتِدْرَاك من شَيْء مَحْذُوف تَقْدِيره أَنا وَأَنْتُم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُبُودِيَّة سَوَاء، لَكِن أَنا أَصوم إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَمن رغب عَن سنتي) أَي: فَمن أعرض عَن طريقتي (فَلَيْسَ مني) أَي: لَيْسَ على طريقتي، وَلَفظ رغب إِذا اسْتعْمل بِكَلِمَة: عَن فَمَعْنَاه: أعرض.
وَإِذا اسْتعْمل بِكَلِمَة: فِي، فَمَعْنَاه أقبل إِلَيْهِ، وَالْمرَاد بِالسنةِ الطَّرِيقَة وَهِي أَعم من الْفَرْض وَالنَّفْل، بل الْأَعْمَال والعقائد وَكلمَة: من فِي مني، اتصالية أَي: لَيْسَ مُتَّصِلا بِي قَرِيبا مني.

وَفِيه: أَن النِّكَاح من سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزعم الْمُهلب أَنه من سنَن الْإِسْلَام، وَأَنه لَا رَهْبَانِيَّة فِيهِ.
وَأَن من تَركه رَاغِبًا عَن سنَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَهُوَ مَذْمُوم مُبْتَدع وَمن تَركه من أجل أَنه أرْفق لَهُ وأعون على الْعِبَادَة فَلَا ملامة عَلَيْهِ، وَزعم دَاوُد وَمن تبعه أَنه وَاجِب.
وَأَن الْوَاجِب عِنْدهم العقد لَا الدُّخُول فَإِنَّهُ إِنَّمَا يجب عِنْدهم فِي الْعُمر مرّة، وَعند أَكثر الْعلمَاء هُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ وَعند أَحْمد فِي رِوَايَة: يلْزمه الزواج أَو التَّسَرِّي إِذا خَافَ الْعَنَت، وَغَيره لم يشْتَرط خوف الْعَنَت.
فَإِن قلت: ظَاهر الْآيَة يدل على وُجُوبه؟ قلت: حصل الْجَواب عَنهُ بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْبابُُ، وَأَيْضًا فَإِن آخر الْآيَة وَهُوَ قَوْله: { أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم} (النِّسَاء: 3) وينافي الْوُجُوب، وَذَلِكَ لِأَن فِيهِ التَّخْيِير بَين النِّكَاح والتسري، فالتسري لَا يجب بالِاتِّفَاقِ، فكذالك النِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يَصح التَّخْيِير بَين وَاجِب وَغَيره، وَعند الشَّافِعِي: التخلي لِلْعِبَادَةِ أفضل لقَوْله عز وَجل فِي يحيى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَهُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء مَعَ الْقُدْرَة على إتيانهن، فمدح الله بِهِ، وَلَو كَانَ النِّكَاح أفضل مَا مدح بِهِ وَالْجَوَاب عَنهُ أَن الشَّافِعِي لَا يرى شرع من قبلنَا شرعا لنا، فَكيف يحْتَج بِمَا لَا يرَاهُ؟ وَنحن نقُول: شرع لنا مَا لم ينص الله على إِنْكَاره.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِن النِّكَاح مُعَاملَة فَلَا فضل لَهَا على الْعِبَادَة.
قُلْنَا: هَذَا نظر إِلَى ظَاهره دون مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن ينظر إِلَى الصُّور وَيتْرك الْمعَانِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ من أَصله ذَلِك، وَلَو كَانَ التخلي لِلْعِبَادَةِ خيرا من النِّكَاح نظرا إِلَى صورته مَا قطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحكم الصُّورَة بِالسنةِ، وَلَيْسَ فِي مدح حَال يحيى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَا يدل على أَنه أفضل من النِّكَاح، فَإِن مدح الصّفة فِي ذَاتهَا لَا يَقْتَضِي ذمّ غَيرهَا ذَلِك أَن النِّكَاح لم يفضل على التخلي لِلْعِبَادَةِ بصورته، وَإِنَّمَا تميز عَنهُ بِمَعْنَاهُ فِي تحصين النَّفس، وَبَقَاء الْوَلَد الصَّالح وَتَحْقِيق الْمِنَّة فِي النّسَب والصهر، فقضاء الشَّهْوَة فِي النِّكَاح لَيْسَ مَقْصُودا فِي ذَاته، وَإِنَّمَا أكد النِّكَاح بِالْأَمر قولا، وأكده بِخلق الشَّهْوَة خلقَة حَتَّى يكون ذَلِك أدعى للوفاء بمصالحه، والتيسير بمقاصده، وَهَذَا أَمر تفطن لَهُ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَمن قَالَ بقوله: وَمن الثَّابِت برهانه على فَضِيلَة النِّكَاح أَنه يجوز مَعَ الْإِعْسَار، وَلَا ينْتَظر بِهِ حَالَة الثروة، بل هُوَ سَببهَا أَن كَانَا فقيرين.
قَالَ الله تَعَالَى: { أَن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله} (النُّور: 23) فندب إِلَيْهِ ووعد بِهِ الْغَنِيّ، وَقد سبق حَدِيث الرجل الَّذِي لم يجد خَاتمًا من حَدِيد يصدق بِهِ زَوجته، وَهُوَ نَص على نِكَاح من لَا يقدر على فطر لَيْلَة بنائِهِ بهَا، وَلَا شكّ أَن التَّرْجِيح يتبع الْمصَالح ومقاديرها مُخْتَلفَة، وَصَاحب الشَّرْع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلم بِتِلْكَ الْمَقَادِير والمصالح.





[ قــ :4794 ... غــ :5064 ]
- حدَّثنا عَلِيٌّ سَمِعَ حَسَّانَ بنَ إبْرَاهِيمَ عنْ يُونُس بنِ يَزِيدَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبرَني عُرْوَةُ أنَّهُ سألَ عائشَةَ عنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذالِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} ( النِّسَاء: 3) قالتْ: يَا ابْنِ أُخْتِي اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْر ولِيِّها فَيَرْغَبُ فِي مَالهَا وجَمالِها يُرِيدُ أنْ يَتَزَوَّجَها بأدنَى من سُنَّةِ صَدَاقِها، فَنُهُوا أنْ يَنْكِحُوهُنَّ إلاَّ أنْ يُقْسطُوا لَهُنَّ فَيُكْمِلُوا الصَّدَاقَ، وأُمِرُوا بِنِكاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّساءِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( فيرغب فِي مَالهَا وجمالها) وَلَكِن فرق بَين ترغيب وترغيب.

وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَجزم بِهِ الْحَافِظ الْمزي تبعا لأبي مَسْعُود، وَحسان بن إِبْرَاهِيم الْعَنزي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وبالزاي الْكرْمَانِي، كَانَ قَاضِي كرمان وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَلَكِن لَهُ أَفْرَاد،.

     وَقَالَ  ابْن عدي: وَهُوَ من أهل الصدْق إلاَّ أَنه رُبمَا غلط، وَالْبُخَارِيّ أدْركهُ بِالسِّنِّ، وَلَكِن لم يلقه، مَاتَ سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ قبل أَن يرحل البُخَارِيّ، وَعُرْوَة بن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، وَعَائِشَة خَالَته، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( فِي حجر) بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا.
قَوْله: ( بِأَدْنَى من سنة صَدَاقهَا) أَي: بِأَقَلّ من مهر مثلهَا.