فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب اتخاذ السراري، ومن أعتق جاريته ثم تزوجها

( بابُُ اتِّخاذِ السَّرَارِيِّ ومَنْ أعْتَقَ جارِيَتَهُ ثُمَّ تَزَوجَها)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان اتخاد السراري أَي: اقتنائها، والسراري، بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها: جمع سَرِيَّة بِضَم السِّين وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة ثمَّ الْيَاء آخرالحروف الْمُشَدّدَة، وَقد تكسر السِّين، وَهُوَ من تسررت من السِّرّ، وَهُوَ النِّكَاح أَو من السرُور، فأبدلت إِحْدَى الراآت يَاء، وَقيل: إِن أَصْلهَا الْيَاء من الشَّيْء السّري النفيس، وَفِي الْمغرب: السّريَّة فعلية من السِّرّ، الْجِمَاع، أَو مفعولة من التسرِّ السِّيَادَة وَالْأول أشهر، وَقد ورد الْأَمر باقتناء السراري فِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء.
مَرْفُوعا: عَلَيْكُم بالسراري.
فَإِنَّهُنَّ مباركات الْأَرْحَام.
أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد واهٍ قَوْله: ( وَمن أعتق جَارِيَته) عطف هَذَا الحكم على اتِّخَاذ السراري لِأَنَّهُ قد يَقع بعد التَّسَرِّي، وَقد يَقع قبله.



[ قــ :4811 ... غــ :5083 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا عبْدُ الوَاحِدِ حَدثنَا صالحُ الهَمْدَانِيُّ حَدثنَا الشَّعْبِيُّ، قَالَ: حدّثني أبُو بُرْدةَ عنْ أبِيهِ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيُّما رجُلٍ كانَتْ عِنْدَهُ ولِيدَةٌ فَعَلَّمَها فأحْسَنَ تَعْلِيمَها وأدَّبها فأحْسَنَ تأدِيبَها ثُمَّ أعْتقَها وتَزَوَّجهَا فَلَهُ أجْرَانِ، وأيُّما رجُلٍ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وآمَنَ بِي فَلَهُ أجْرَانِ، وأيّما مَمْلُوكٍ أدَّى حقَّ مَوَالِيهِ وحَقَّ ربِّهِ فَلَهُ أجْرَانِ..
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَصَالح بن صَالح مُسلم الثَّوْريّ الْهَمدَانِي، بِسُكُون الْمِيم وبالدال الْمُهْملَة بالنُّون: الْكُوفِي، وَالشعْبِيّ عَامر بن شرَاحِيل، وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء اسْمه عَامر، يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، واسْمه عبد الله بن قيس.

والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ تَعْلِيم الرجل أمته، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن الْمحَاربي عَن صَالح بن حَيَّان عَن عَامر الشّعبِيّ: حَدثنِي أَبُو بردة عَن أَبِيه الحَدِيث فَإِن قلت: هَذَا صَالح بن حَيَّان الَّذِي يروي عَن الشّعبِيّ فِي كتاب الْعلم هُوَ صَالح بن صَالح الَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث أم غَيره.
قلت نعم: هُوَ إِيَّاه وَلكنه نسبه فِي كتاب الْعلم إِلَى جد أَبِيه لِأَنَّهُ صَالح بن صَالح بن مُسلم بن حَيَّان، وَهنا نسبه إِلَى أَبِيه، وَلَيْسَ هُوَ صَالح بن حَيَّان الْقرشِي الْكُوفِي الَّذِي يحدث عَن أبي وَائِل بردة ويروي عَنهُ يعلى بن عبيد ومروان بن مُعَاوِيَة.
فَافْهَم.

قَوْله: ( وليدة) أَي: أمة وَأَصلهَا: مَا ولد من الْإِمَاء فِي ملك الرجل ثمَّ أطلق على كل أمة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.

قَالَ الشَّعْبِيُّ: خُذْها بِغَيْرِ شَيْء، قَدْ كانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيما دُونَها إِلَى المَدِينَةِ
أَي: قَالَ عَامر الشّعبِيّ لصالح الْمَذْكُور الَّذِي رُوِيَ الحَدِيث الْمَذْكُور عَنهُ، هَذَا بِحَسب ظَاهر الْكَلَام، وَبِه جزم الْكرْمَانِي، وَالرَّدّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْموضع كالرد عَلَيْهِ فِي كتاب الْعلم: بِأَن الْخطاب فِي قَول الشّعبِيّ: خُذْهَا، لرجل من أهل خُرَاسَان فَلْينْظر فِيهِ هُنَاكَ من يُرِيد تحريره.
قَوْله: ( خُذْهَا) أَي: خُذ هَذِه الْمَسْأَلَة أَو هَذِه الْمقَالة.
( بِغَيْر شَيْء) يَعْنِي: مجَّانا بِدُونِ أَخذهَا مِنْك على جِهَة الْأُجْرَة عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلَا شَيْء أعظم من الْأجر الأخروي الَّذِي هُوَ ثَوَاب التَّبْلِيغ والتعليم.
قَوْله: ( قد كَانَ الرجل) إِلَى آخِره مَعْنَاهُ أَنِّي أعطيّك هَذِه الْمَسْأَلَة بِغَيْر شَيْء، وَقد كَانَ الرجل يرحل أَي: يُسَافر دونهَا أَي: فِيمَا دون الْمَسْأَلَة إِلَى الْمَدِينَة، أَي: مَدِينَة النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، اللَّام فِيهَا للْعهد، وَلَفظه فِي كتاب الْعلم: قَالَ عَامر: أعطيناكها بِغَيْر شَيْء، قد كَانَ يركب فِيمَا دونهَا إِلَى الْمَدِينَة.

وَقَالَ أبُو بَكْرِ عنْ أبي حَصِينٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعْتَقَها ثُمَّ أصْدَقَها أَي: قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة: القارىء، قيل: اسْمه شُعْبَة، وَقيل: سَالم يروي عَن أبي حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: عُثْمَان بن عَاصِم عَن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: عَامر عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس، وَهَذَا وَقع مسلسلاً بالكنى وَكلهمْ كوفيون.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَة عَن أبي بردة عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى، وَهُوَ سَهْو.
قلت: غلط ظَاهر، هَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده،.

     وَقَالَ : حَدثنَا أَبُو بكر الْخياط، فَذكره بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظ: إِذا أعتق الرجل أمته أمهرها مهْرا جَدِيدا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ.
وَأَبُو بكر الْخياط هُوَ أَبُو بكر بن عَيَّاش الْمَذْكُور، فَكَأَنَّهُ كَانَ يتعاطى الْخياطَة وَقت، وَهُوَ أحد الْحفاظ الْمَشْهُورين فِي الحَدِيث والقراء الْمَذْكُورين فِي القراآت.
قَوْله: ( أعتقَها ثمَّ أصدَقها) أَرَادَ أَن أَبَا بكر بن عَيَّاش رُوِيَ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور بِلَفْظ: ( أعْتقهَا ثمَّ أصدقهَا) مَوضِع قَوْله فِيهِ: ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا، ومعناهما وَاحِد.





[ قــ :481 ... غــ :5084 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ تلَيد قَالَ: أخْبَرنِي ابنُ وهَبٍ قَالَ: أخْبَرَنِي جَرِيرُ بنُ حازمٍ عَن أيُّوبَ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وحدّثنا سُلَيْمانُ عنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ عنْ أيوبَ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ: لمْ يَكذِبْ إبْرَاهِيمُ إلاّ ثَلاَثَ كَذَباتٍ بَيْنَمَا: إبْرَاهِيمُ مرَّ بجَبَّار ومَعَهُ سارَة فَذَكَرَ الحَديثَ، فأعْطاها هاجَرَ، قالَتْ: كَفَّ الله يَدَ الكافِرِ وأخْدَمَنِي آجَرَ.
قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ.
فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي ماءِ السَّماءِ..
قيل: مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَاجر كَانَت مَمْلُوكَة وَإِن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، أولدها بعد أَن ملكهَا، فَهِيَ سَرِيَّة.
وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بِأَنَّهُ إِن أَرَادَ أَن ذَلِك وَقع صَرِيحًا فِي الصَّحِيح، فَلَيْسَ بِصَحِيح، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الصَّحِيح أَن سارة ملكتها وَأَن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، أولدها إِسْمَاعِيل.
عَلَيْهِ السَّلَام.
انْتهى.
قلت: اعتراضه عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَرَادَ إِلَى آخِره غير موجه، لِأَن من قَالَ: إِنَّه أَرَادَ ذَلِك وَإِنَّمَا حَاصِل كَلَامه فِي أصل الحَدِيث اتِّخَاذ إِبْرَاهِيم هَاجر سَرِيَّة بعد أَن ملكهَا، فيطابق التَّرْجَمَة على مَا لَا يخفي، وَقد جرت عَادَة البُخَارِيّ مثل ذَلِك فِي أَمْثَال ذَلِك
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن سعيد بن تليد، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر اللَّام وبالدال الْمُهْملَة: وَهُوَ سعيد بن عِيسَى بن تليد أَبُو عُثْمَان الرعيني الْمصْرِيّ، يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن جرير بن حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة.
وَالْآخر: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن أَيُّوب عَن مُجَاهِد.
وَهُوَ خطأ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَالْأول أَكثر وَأَصَح.
قلت: قَوْله يدل على الصِّحَّة مَعَ الْقلَّة، وَلَيْسَ كَذَلِك: بل هُوَ خطأ مَحْض.

قَوْله: ( عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا وَقع مَرْفُوعا فِي أَكثر الْأُصُول.
وَذكر أَبُو مَسْعُود وَخلف أَنه مَوْقُوف، وأبى ذَلِك الطرقي وَغَيره.
وَوَقع أَيْضا مَوْقُوفا فِي رِوَايَة أبي كَرِيمَة والنسفي، وَكَذَا ذكر أَبُو نعيم أَنه وَقع هُنَا للْبُخَارِيّ مَوْقُوفا.
وَبِذَلِك جزم الْحميدِي، وسَاق البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث هُنَا مُخْتَصرا وَسَاقه فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، فِي: بابُُ قَول الله تَعَالَى: { وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} ( النِّسَاء: 51) بأتم مِنْهُ.
قَوْله: ( بجبار) ، أَي: ملك حَران، قَالَه الْكرْمَانِي،.

     وَقَالَ  غَيره: ملك مصر.
قَوْله: ( آجر) أَي: هَاجر بِالْهَمْزَةِ بدل الْهَاء، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.
قَوْله: ( قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَتلك أمكُم) ، أَي: هَاجر أمكُم يَا بني مَاء السَّمَاء، أَرَادَ بِهِ الْعَرَب، لِأَن هَاجر أم إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْعرب من نَسْله وَسموا بِهِ لأَنهم سكان الْبَوَادِي وَأكْثر مِيَاههمْ من الْمَطَر.





[ قــ :4813 ... غــ :5085 ]
- حدَّثنا قتَيْبَةُ حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عنهُ، قَالَ: أقامع النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَيْنَ خَيْبَرَ والمَدِينَةِ ثَلاَثا يُبْنَى علَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمينَ إِلَى ولِيمَتِهِ، فَما كانَ فِيها مِنْ خُبْزٍ ولاَ لَحْمٍ أُمِرَ بالأنْطاعِ فألْقَى فِيها منَ التَّمْرِ والأقِطِ والسَّمْنِ، فكانَتْ ولِيمَتَهُ فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إحْدَى المُؤْمِنِينَ، أوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فقالُوا: إنْ حَجَبَها فَهْيَ مِنْ أمهاتِ المُؤْمِنِينَ، وإنْ لَمْ يَحْجُبْها فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينَهُ.
فلَمَّا ارْتَحَلَ وطَأ لَها خَلْفَهُ ومَدَّ الحِجابَ بَيْنَها وبَيْنَ النَّاسِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الصَّحَابَة تردد فِي أَن صَفِيَّة: هَل هِيَ زَوجته أَو سريته؟ فيطابق الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة.

والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر، وَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَة عَن قُتَيْبَة أَيْضا.
وَحمد بن سَلام فرقهما.

وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النِّكَاح وَفِي الْوَلِيمَة عَن عَليّ بن حجر، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( يُبنى عَلَيْهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْبناء وَهُوَ الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الرجل، إِذا تزوج امْرَأَة بني عَلَيْهَا قبَّة ليدْخل بهَا فِيهَا، فَيُقَال: بنى الرجل على أَهله،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: وَلَا يُقَال بني بأَهْله.
قَوْله: ( إِحْدَى) الْهمزَة الاستفهامية مقدرَة أَي: أإحدى إِلَيّ آخِره.
قَوْله: ( وطَّأها خَلفه) أَي: هيأ لصفيه شَيْئا تقعد عَلَيْهِ خَلفه على النَّاقة.